الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجمع بين النهي عن سب الأموات وحديث: (أنتم شهداء الله..)

الجمع بين النهي عن سب الأموات وحديث: (أنتم شهداء الله..)

الجمع بين النهي عن سب الأموات وحديث: (أنتم شهداء الله..)

طلب الذكر الحسن بعد الموت وارد في دعاء الأنبياء كما في دعاء نبي الله إبراهيم عليه السلام، قال تعالى: {واجعل لي لسان صدق في الآخرين}، والثناء الحسن بعد الموت منحة ربانية للأنبياء عليهم السلام جميعا، قال تعالى: {وجعلنا لهم لسان صدق عليا}، وقال تعالى: {وتركنا عليه في الآخرين}، ويبقي لأعداء الرسل ذكر الهوان والهلاك، وكل إنسان يجري على ألسنة الخلق ذكره بعد الموت بما فيه من خير أو شر، وقد وردت أحاديث تنهى عن سب الأموات، ووردت أحاديث فيها إقرار للصحابة حين أثنوا بالشر على بعض الأموات، فكيف يمكن الجمع بين ما سبق.

فقد روى البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا).

وبوَّب البخاري رحمه الله: "باب: ثناء الناس على الميت"، وأورد حديث أنس بن مالك رضى الله عنه قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وجبت)، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا، فقال: (وجبت)، فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: ما وجبت؟ قال: (هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله فى الأرض).

فكيف أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ثنائهم بالشر على الجنازة الثانية ووافقهم على قولهم، وأكد على شهادتهم مع نهيه عن سب الأموات؟

في الجواب عن هذا التعارض توجيهات كثيرة لأهل العلم:

فقد حمل بعضهم إقراره لهم بذكر الجنازة الثانية بالشر؛ لأن صاحبها كان منافقا معروفا، ويقوي هذا الاحتمال ما ورد عند الإمام أحمد في المسند عن أبي قتادة بإسناد صحيح من أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على الجنازة التي أثنوا عليها خيرا، ولم يصل على الأخرى، ومما يؤيد هذا الاحتمال أيضا جزم النبي صلى الله عليه وسلم له بالنار في قوله: (وجبت له النار)؛ إذ لا تجب ويقطع بها للمذنبين، بل هم فى مشيئة الله، ذكر هذا الاحتمال الإمام النووي والقاضي عياض وغيرهما.

ولم يرتض هذا الاحتمال بعض شراح الحديث بل جعل الحديثين في المسلمين، قال الإمام الصنعاني: "ولا يقال إن الذي أثنوا عليه شراً ليس بمؤمن، لأنه قد أخرج الحاكم في ذمه: "بئس المرء لقد كان فظاً غليظاً"، والظاهر أنه مسلم إذ لو كان كافراً لما تعرضوا لذمه بغير كفره" ا.هـ

وعلى هذا القول بأنه كان مسلما فيحمل ثناؤهم عليه شرا على أنه إنما سوغه النبي عليه الصلاة والسلام بعد الموت وقبل الدفن ليتعظ، فساق الأحياء بما ينتشر عنه من سوء الذكر، وربما عساه يزهد كثيرا من الناس عن حضور الصلاة عليه، فإذا دفن وجب الإمساك عنه، قال الإمام الصنعاني: "وهو الذي يناسب التعليل بإفضائهم إلى ما قدموا فإن الإفضاء الحقيقي بعد الدفن" ا.هـ

وحمل بعضهم الثناء بالشر على أنه من باب الشهادة، لا من باب السب، فما كان على جهة الشهادة على الميت بما فعل فإنه يجوز، كالمجاهر بالفسق أو بالبدعة فإن هؤلاء لا يحرم ذكرهم بالشر للحذر من طريقهم ومن الاقتداء بهم لا بقصد السب والإساءة أو الشماتة، ولعل هذا أقرب التوجيهات المذكورة في الجمع بين الحديثين.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة