الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مقدمات عن الحديث الموضوعي

مقدمات عن الحديث الموضوعي


في ظل تطور البحث العلمي في مجال السنة النبوية، تنوعت الدراسات التي تتناول هذا المجال، من ذلك دراسة الأحاديث النبوية من جهة موضوعاتها ومضامينها، وهو ما يسمى بـ "الحديث الموضوعي".

تعريف الحديث الموضوعي:

والمقصود به: جمْع الأحاديث المتعلِّقة بموضوع واحد مع محاولة تصنيفها تصنيفًا جزئيًا، مع التركيز على التأليف بين المتعارِضات إن وجدت، تارة بالجمع، وتارة بالنَّسخ، وتارة بالترجيح، وتارة بالتوقف.

أو هو: علمٌ يبحث في الموضوعات التي تناوَلتها السُّنة النبوية الشريفة، والمتحدة معنىً، أو غاية، من خلال جمْع أحاديث الموضوع من مصدر حديثي أصلي، أو عدة مصادر، أو في ضوء السُّنة النبوية، بحيث يقوم الباحث بتحليل النصوص الحديثية المقبولة ومقارنتها ونقْدها ثم محاولة ربْطها للوصول إلى روح النصِّ النبوي من أجل تطبيقه في الواقع المعاصر.

ومن التعريفات للحديث الموضوعي: بيان موضوع ما في ضوء السّنة النبوية من خلال مصدر حديثي أو عدة مصادر.

أهمية البحث في الحديث الموضوعي:

يقول الإمام أحمد: ((إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه, والحديث يفسر بعضه بعضاً))
من خلال هذا الأثر المنقول عن الإمام أحمد يتبين مدى الأهمية البالغة لهذا النوع من البحث، فالروايات تفسر بعضها بعضا، فقد يرد اللفظ مبهما في رواية وتعينه رواية أخرى، وقد يرد مجملا في رواية وتبينه رواية أخرى، وهكذا لو كان عاما في رواية فقد يرد تخصيصه في رواية أخرى، ومن خلال هذا النوع من الدراسة للسنة يتسنى للباحث الوصول إلى رؤية مستوعبة وشاملة، بعيدا عن النظرة الجزئية الناقصة التي قد تقود الباحث إلى الجزم بنتائج خاطئة، وشراح الحديث يولون هذا الأمر عناية فائقة، ومن أشهر من يهتم بجمع الروايات ودراستها الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وهو قريب من مبحث الحديث الموضوعي.

فوائد البحث في الحديث الموضوعي:

-إبراز دور السنة النبوية ومكانتها وعالميتها من خلال تناول المواضيع المختلفة في ضوئها، وتقديم كثير من الحلول للمشكلات في الحياة العامة، من خلال السنة النبوية.
-النظرة التكاملية للنصوص، بحيث يتمكن الباحث من الجمع بين ما ظاهره التعارض، ومعرفة الناسخ من المنسوخ، والمطلق والمقيد، والعام والخاص، والاطلاع على أسباب وروده، والملابسات والظروف التي قيل فيها الحديث النبوي، بحيث تتكون لدى الباحث نظرة كلية للموضوع الواحد في ضوء الأحاديث المجموعة، وهذه هي الثمرة الحقيقية، والخلاصة المرجوة من النظر في أحاديث السنة.
-الاستجابة للتطور العلمي المعاصر، وإرجاع الناس إلى مصادر الاستدلال والتلقي بطريقة مبتكرة تتناسب مع طرق البحث ووسائله المتجددة.
-الوقوف على مقاصد النصوص وعللها الشرعية، وحِكَمِها التشريعية، فإن الروايات إذا اجتمعت تبين للناظر فيها المغزى الذي ترمي إليه تلك النصوص، وهذا يعين الباحث على توجيه أحكامها بناء على مقاصدها وعللها.

والغرض من البحث في هذا المحور دراسة مجموعة من المواضيع المهمة في ضوء الأحاديث النبوية، والنظر في غاياتها ومقاصدها والاستفادة من هديها، ولا يدخل في البحث النظر في الأسانيد وأحوال الرواة والحكم على الروايات، إذ الشأن أن الأحاديث التي تورد في المحور تكون في دائرة المقبول مع تحاشي الاستشهاد بالضعيف الذي لا ينجبر ضعفه ، وكذا الموضوع من باب أولى.

طرق البحث في الحديث الموضوعي:

للبحث التطبيقي في الحديث الموضوعي طريقتان:
الأولى: منهج الدراسة الموضوعية التي تَعتمِد على جمْع أحاديث الموضوع الواحد من مصادر مُحدَّدة من كتُب السُّنة، ومن ثم دراستها وتحليلها.
الثانية: البحث في موضوع حديث واحد بجمع طرقه، ومقارنة ألفاظه، وتحليل نصه، حيث تبدأ الدراسة بموضوع الحديث وتنتهي بربط موضوع الحديث في الواقع المعاصر لتحقيق هدف الدراسة الموضوعية.
المصنفات في هذا النوع من الدراسات:

جذور البحث في الحديث الموضوعي قديمة، فكتب الحديث التي ألفت على أساس موضوعي كالجوامع والسنن، مثل صحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود، والنسائي وغيرها، نجدها مصنفة بحسب الأبواب، وتجمع الأحاديث على أساس رابط موضوعي، فيجمعون أحاديث الصلاة على حدة، وكذا أحاديث الزكاة والصيام والحج والجهاد والنكاح وهكذا.
ونجد أيضا من الكتب والأجزاء الحديثية التي صنفت لجمع أحاديث موضوع واحد، ففي العقائد: كتاب التوحيد لابن خزيمة، وشعب الإيمان للبيهقيّ، وفي الزهد: كتاب الزهد لأحمد، والزهد لابن المبارك، وفي الآداب: كتاب الأدب المفرد للبخاريّ، وذم الحسد لابن أبي الدنيا، وفي الجهاد: كتاب الجهاد لابن المبارك، وغيرها.

ومن كتب الحديث التي تعتمد في الجمع على أساس الموضوعات والمعاني: "مفتاح كنوز السنة" لأرنولد فنسنك ومجموعة من المستشرقين، فيضع عنوانا من كلمة واحدة كرابط موضوعي لمجموعة من الأحاديث، مرتبا للموضوعات على حروف المعجم، ويدرج تحت العنوان الرئيسي مجموعة من الفقرات والعناوين الفرعية، ثم يضع تحت كل عنوان ما يناسبه من أحاديث وروايات الباب بالرمز إليها وإلى مظانها.
وقريب منه: "المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبويّ" للمستشرق ونسنك وآخرين، فهو ترتيب موضوعي للأحاديث على حروف المعجم أيضا.
لكن كل هذه الكتب السابقة وإن كانت مصنفة على أساس موضوعي فهي مختصة بالجمع فقط دون التعرض للمعاني والأحكام المستفادة من متونها، وإن كان بعضها قد يشير أحيانا إلى فقه الحديث كالترمذي في جامعه، لكنها قليلة وليست هي مقصود المصنف.

الجديد في بحث الحديث الموضوعي:
الجديد في بحث الحديث الموضوعي أنها كتبت بحوث ورسائل كثيرة في مواضيع من خلال السنة، فقدموا دراسات موضوعية مستوعبة الكلام عن أحوال متونها من حيث العموم والخصوص، والإطلاق والتقييد، والناسخ والمنسوخ، ورد المحكم منها إلى المتشابه، وما يلحق بذلك من الأحكام والهدايات المستنبطة من متونها، والربط بينها برابط موضوعي واحد.
وقد كتبت رسائل علمية في الجانب التأصيلي لهذا النوع من العلم، لضبط مفهومه، ونشأته، وأهميته، وطرق البحث فيه، وبيان جهود السابقين والمعاصرين في إبراز هذا العلم، ومن أبرز هذه الرسائل التأصيلية:
-الحديث الموضوعي دراسة تأصيلية تطبيقية، رسالة كتوراة للباحث خالد الشرمان.
-الحديث الموضوعي دراسة نظرية، للباحث رمضان الزيان.
"الحديث الموضوعي" للدكتور فالح الصغير، وهو عبارة عن حلقات منشورة على موقعه "شبكة السنة النبوية وعلومها".
وغيرها من البحوث والمقالات التأصيلية للحديث الموضوعي.
وأما البحوث في الجانب التطبيقي للحديث الموضوعي فأكثر من أن تحصى، فمنهم من جمع أحاديث الجهاد مثلا، أو جمع أحاديث الربا، أو أحاديث الجنايات... وهكذا، أو يدرس موضوعا ما من خلال السنة النبوية، مثل أن يدرس موضوع "الكرم" أو "الأمن" من خلال أحاديث كتب السنة، أو من خلال أحاديث كتاب معين من كتب السنة.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة