الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زواج المتعة

  • الكاتب:
  • التصنيف:المقالات

زواج المتعة

ويسمى أيضاً الزواج المؤقت . والزواج المنقطع وهو أن يعقد الرجل على المرأة يوماً أو أسبوعاً أو شهراً . وسمي بالمتعة . لأن الرجل ينتفع ويتبلغ بالزواج ويتمتع إلى الأجل الذي وقته .
وهو زواج متفق على تحريمه بين أئمة المذاهب .
وقالوا: إنه إذا انعقد يقع باطلاً واستدلوا على هذا بأمور :
أولاً : أن هذا الزواج لا تتعلق به الأحكام الواردة في القرآن بصدد الزواج ، والطلاق ، والعدة ، والميراث: فيكون باطلاً كغيره من الأنكحة الباطلة .
ثانياً: أن الأحاديث جاءت مصرِّحة بتحريمه .
فعن سَبُرة الجهني : أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء .
قال : فلم يخرج منها حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي لفظ رواه ابن ماجه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّم المتعة فقال :
[يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع ، إلا وإن الله قد حرمها إلى يوم القيامة] .
وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر ، وعن لحوم الحمر الأهلية .
ثالثاً: أن عمر رضي الله عنه حرمها وهو على المنبر أيام خلافته ، وأقره الصحابة - رضي الله عنهم - وما كانوا ليقروه على خطأ لو كان مخطئاً .
رابعاً: قال الخطابي: تحريم المتعة كالإجماع إلاّ عن بعض الشيعة .
ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في المخالفات إلى علي ، فقد صح عن علي أنها نسخت .
ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال : هي الزنى بعينه .
خامساً: ولأنه يقصد به قضاء الشهوة، ولا يقصد به التناسل، ولا المحافظة على الأولاد ، وهي المقاصد الأصلية للزواج ، فهو يشبه الزنى من حيث قصد الاستمتاع دون غيره .
ثم هو يضر بالمرأة ، إذ تصبح كالسلعة التي تنتقل من يد إلى يد ، كما يضر بالأولاد ، حيث لا يجدون البيت الذي يستقرون فيه ، ويتعهدهم بالتربية والتأديب.
وقد روي عن بعض الصحابة وبعض التابعين أن زواج المتعة حلال ، واشتهر ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه.
وفي تهذيب السنن: " وأما ابن عباس فإنه سلك هذا المسلك في إباحتها عند الحاجة والضرورة ، ولم يبحها مطلقاً فلما بلغه إكثار الناس منها رجع . وكان يحمل التحريم على من لم يحتج إليها .
قال الخطابي: إن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس هل تدري ما صنعت ، وبِمَ أفتيت ؟.. قد سارت بفتياك الركبان ، وقالت فيه الشعراء .
قال : وما قالوا ؟
قد قلت للشيخ لما طال محبسه يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس ؟
هل لك في رَخصة الأطراف آنسة تكون مثواك حتى رجعة الناس ؟
فقال ابن عباس :
"إن لله وإنا إليه راجعون ‍" ... والله ما بهذا أفتيت، ولا هذا أردت، ولا أحللت إلاّ مثل ما احل الله الميتة والدم ولحم الخنزير ، وما تحل إلا للمضطر ، وما هي إلا كالميتة والدم ولحم الخنزير.
وذهبت الشيعة الإمامية إلى جوازه .
وأركانه عندهم .
1. الصيغة : أي أنه ينعقد بلفظ (زوجتك) و (أنكحتك) و (متعتك).
2. الزوجة : ويشترط كونها مسلمة أو كتابية . ويستحب اختيار المؤمنة العفيفة ويكره بالزانية .
3. المهر : وذكره شرط ويكفي فيه المشاهدة ويتقدر بالتراضي ولو بكف من بر .
4. الأجل : وهو شرط في العقد .
ويتقرر بتراضيهما ، كاليوم والسنة والشهر ، ولا بد من تعيينه .
ومن أحكام هذا الزواج عندهم .
1. الإخلال بذكر المهر مع ذكر الأجر يُبطِلُ العقد وذكر المهر من دون ذكر الأجل يقلبه دائماً .
2. ويلحق به الولد .
3. لا يقع بالمتعة طلاق ، ولا لعان .
4. لا يثبت به ميراث بين الزوجين .
5. أما الولد فإنه يرثهما ويرثانه .
6. تنقضي عدتها إذا انقضى أجلها بحيضتين - إن كانت ممن تحيض ، فإن كانت ممن تحيض ولم تحض فعدتها خمسة وأربعون يوماً .
تحقيق الشوكاني :
قال الشوكاني:
وعلى كل حال فنحن متعبدون بما بلغنا عن الشارع ، وقد صح لنا عنه التحريم المؤبد .
ومخالفة طائفة من الصحابة له غير قادحة في حجيته ، ولا قائمة لنا بالمعذرة عن العمل به .
كيف والجمهور من الصحابة قد حفظوا التحريم وعملوا به ، ورووه لنا ، حتى قال ابن عمر - فيما أخرجه عنه ابن ماجه بإسناد صحيح لما ولي عمر بن الخطاب خطب الناس فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم : [أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها ، والله لا أعلم أحداً تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة] .
وقال أبو هريرة فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم : [هَدَم المتعة الطلاقُ والعدةُ والميراث]. أخرجه الدار قطني ، وحسنه الحافظ.
ولا يمنع من كونه حسنا كون في إسناده مؤمّل بن إسماعيل ، لأن الاختلاف فيه لا يخرج حديثه عن حد الحسن إذا انضم إليه من الشواهد ما يقويه كما هو شأن الحسن لغيره .
وأما ما يقال من أن تحليل المتعة مجمع عليه ، والمجمع عليه قطعي ، وتحريمها مختلف فيه ، والمختلف فيه ظني ، والظني لا ينسخ القطعي فيجاب عنه :
أولاً بمنع هذه الدعوى "أعني كون القطعي لا ينسخه الظني" فما الدليل عليها ؟
ومجرد كونها مذهب الجمهور غير مقنع لما قام في مقام المنع يسائل خصمه عن دليل العقل والسمع بإجماع المسلمين.
وثانياً بأن النسخ بذلك الظني إنما هو لاستمرار الحل ، والاستمرار ظني لا قطعي .
وأما قراءة ابن عباس وابن مسعود وأبي بن كعب وسعيد بين جبير "فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى" ، - فليست بقرآن عند مشترطي التواتر ، ولا سنة لأجل روايتها قرآنا، فيكون من قبيل التفسير للآية ، وليس ذلك بحجة.
وأما عند من لم يشترط التواتر فلا مانع من نسخ ظني القرآن بظني السنة . كما تقرر في الأصول . انتهى.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة

لا يوجد مواد ذات صلة