الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قبل أن تصبح الأسرة فى خبر كان !!

قبل أن تصبح الأسرة فى خبر كان !!

مؤتمرات المرأة العالمية.. والإعلام العميل معاول تهدم أساس القلعة الأسرية
ولكن.. لماذا الأسرة بالذات؟ وهل نجحت هذه السهام المسمومة فى تفكيك الأسرة، وطمس هويتها كنواة للمجتمع المسلم المتماسك؟ وإذا كانت هذه المؤامرات قد حققت قدرًا من النجاح، وسارت خطوات على درب تحقيق أهدافها، فكيف تتحقق المقاومة؟ ومن الذى يجب أن يقوم بها؟ وما شروط نجاحها؟

الإجابة فى التحقيق التالى:

تقليص أدوار الأسرة
فى البداية تشير د. أمانى أبو الفضل - أستاذة الأدب الإنجليزى، والناشطة فى مجال المرأة - إلى أن الأسرة وفى قلبها الأم هى المحضن المثالى للنشء، ولذلك يتم التركيز على استهداف هذه الركيزة، والدعامة الأساسية للمجتمع، وتجرى عمليات تفريغها من عقيدتها، وسلخها من هويتها، وتغيير عاداتها لتصبح نسخة مكررة للأسرة التى يريدونها، مستعبدة لهواها، أنانية فى تصرفاتها، تجرى لاهثة لتطبيق الاتفاقات الدولية دون وعى، أو إدراك لما يحاك ضدها، ويدبر لها.

وتضيف د. أمانى أن الحركات النسوية المتطرفة تتبنى نظرية العقل الجمعى، والتى تُعد الأسرة بموجبها نظامًا من وضع المجتمع، وليس من طبائع البشر، فإن شاء المجتمع أبقاها، وإن شاء أزالها، واستبدل بها أشكالاً أخرى للعلاقات مثل: الشذوذ، والمثلية الجنسية.

وقد سعت المؤتمرات الدولية التى عُقدت فى أروقة الأمم المتحدة، أو تحت رعايتها بدءًا بمؤتمر السكان 1994م، مرورًا بمؤتمر بكين 1995م، وما لحقه من مؤتمرات، وصولاً إلى مؤتمر الطفل بنيويورك 2001م، إلى تقليص مساحة الأسرة، واختزال دورها، وإقامة حواجز بين الآباء والأبناء.

فضلاً عن استخدام لفظ التمكين للأطفال والمراهقين فى تحدٍّ سافر للسلطة الأبوية داخل الأسرة، تقليدًا لما هو سائد فى المجتمعات الغربية.

استهداف المنظومة
أما د. هبة رءوف - مدرسة العلوم السياسية بجامعة القاهرة - فترى أن جوهر المشكلة هو استهداف المنظومة كلها؛ لأن الحداثة تركز على الفرد والسوق، أى المستهلك فى التصور الرأسمالى القائم على ابتغاء الربح.

مما يجعل هناك تركيزًا أكبر على فكرة الحريات الفردية للأفراد كل على حدة، وتراجعًا لفكرة الكتل والوحدات، ومنها الأسرة، بل وشن الحرب عليها لتفكيكها، والسيطرة على مكوناتها وعناصرها فرادى.

تدمير القيم
وينبه د. عبد الحليم عويس - أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية - إلى أن هناك استهدافًا غربيًا وصهيونيًا، موجهًا للعالم كله بما فيه المجتمعات الإسلامية، وغير الإسلامية، كالهند، والصين، واليابان، رغبة فى تدمير كل القيم فى العالم.

ولكنَّ تركُّز الهجمة ضد العالم الإسلامى مرجعها إلى أن المجتمعات غير الإسلامية لم تُبِد مقاومة تذكر لهذه الهجمة، بينما أبدى المجتمع المسلم مقاومة شديدة دفاعًا عن هويته ودينه، ومبادئه، وتقاليده الرائعة - بمرجعيتها الإسلامية - فى العلاقة بين أفراد الأسرة، والتماسك العائلى، ومن ثم كانت الحرب على أشدها ضد الأسرة المسلمة، وقد تمكن هؤلاء من كثير من القطاعات ذات العلاقة المباشرة مع الأسرة، فعملوا على القضاء على علاقة الابن، أو البنت بالأب بإطلاق موجة الحرية المطلقة، وتبغيض معنى الأبوة، بوصفها بالقهر والتسلط، وتحريض المرأة للتمرد على قوامة زوجها، باعتبارها قيودًا تحد من حريتها، كل ذلك ضمن نطاق العولمة الكونى، الذى من شأنها الإجهاز على الأسرة، واختراقها من جميع الجوانب.

الطلاق الصامت
وتفسر د. فاطمة الزهراء محمد - مدرسة الصحافة المساعدة بكلية الإعلام، جامعة القاهرة - هذه الهجمة بوضعها فى سياق التنافس الراهن بين قوة رأس المال، الذى يستهدف الربح، بغض النظر عن العاقب، وقوة الدين، والعقائد، والشرائع، التى تحكم كثيرًا من البشر، فالغرب يسعى للربح المادى، واستعمال الناس كأدوات لتحقيق هذا الربح.

وتقرر د. أمانى أبو الفضل أن مؤتمرات المرأة العالمية، أفرزت ثمارًا مُرة، ليس فقط فى مجتمعاتها الغربية، ولكن أيضًا فى مجتمعاتنا الشرقية المحافظة، وتمثل ذلك فى:

- ارتفاع نسبة العنوسة نتيجة للخوف من الزواج، والمشاكل المتوقعة التى يروج لها الإعلام الغربى أو المتغرب.

- ارتفاع نسبة الطلاق: حالة طلاق كل ست دقائق، نتيجة إعلاء الأنا والذات عند كل أفراد الأسرة، وبحث كل منهم عن سعادته هو ماديًا وجنسيًا وعاطفيًا.

- ظهور أنماط جديدة للعلاقات خارج إطار الأسرة.

- تراجع قيمة التضحية داخل الأسرة.

- سيادة حالة الصراع داخل الأسرة والرغبة فى التخلص من هذا الوضع، وهو ما فتح الأبواب للخلافات الزوجية، والجرائم الأسرية.

توظيف الإعلام
ومن جانبها تكشف د. منال أبو الحسن - عضو اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل - عن خطورة توظيف الإعلام فى نشر وتسويق مقررات وتوصيات المؤتمرات الدولية الخاصة بالمرأة، فتشير إلى أن استخدام الإعلام العربى والإسلامى للمصطلحات التى تنادى بها هذه المواثيق والمؤتمرات، لا يساعد على تطوير المجتمعات الإسلامية بقدر ما يلحق الضرر الذى يبدأ بالبنية الأساسية للمجتمع، وهى الأسرة ويمس العلاقات الزوجية مسًا مباشرًا، بما ينطوى عليه من تسوية للعلاقة الزوجية والأسرية والوالدية، وضياع الواجبات فى وسط الحقوق المزعومة، خاصة وأن وسائل الإعلام تدعو المرأة إلى التمرد، ورفع راية العصيان، ورفض قوامة الرجل، وفى المقابل يركز الإعلام على جسد المرأة (التجميل والأزياء)، التسوق، والاستهلاك، وليس على العقل، والدور الاجتماعى والتربوى، مما يهدف فى النهاية إلى جعل المرأة سلعة، للاستهلاك والتربح.

وإزاء هذه المؤامرة المدروسة ضد الأسرة عمومًا، والمسلمة بصفة خاصة يلح التساؤل: ما العمل؟ وكيف نواجه هذه المؤامرة بوعى وموضوعية؟

قلعة الجهاد
يقرر د. عبد الحليم عويس أن الأسرة من الداخل هى قلعة الجهاد الأولى، والحصن الذى ينبغى أن نحتمى به، ونبذل فيه النفس والنفيس، حتى وإن اقتضى الأمر بعض التنازل من قبل الآباء فى تعاملهم مع أبنائهم، بما يحفظ تماسك الأسرة، وعلاقة الحب بين الطرفين، ولا مانع أيضًا من تنازل المرأة قليلاً عن بعض مطالبها، دون تفريط فى حقوقها الإنسانية، وكرامتها التى كفلها لها دينها.

فضلاً عن ضرورة قيام الدعاة بمسئولياتهم فى توعية الجماهير بأهمية الأسرة، ومسئولية ودور كل عنصر فيها، وتبصيرهم بالمؤامرة التى تدبر ضدهم، ليعرفوا مسئوليتهم فى هذه المواجهة، انطلاقًا من القاعدة الشرعية «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته».

وتضع د. فاطمة الزهراء ثلاثة مستويات للمقاومة:
أولها: المستوى التنظيمى للهيئات الدولية، التى تعنى بشئون المسلمين مثل: منظمة المؤتمر الإسلامى، والمجامع العلمية، بحيث تخصص أعمالها لوضع وتمويل خطط توعوية للمسلمين بهذا الخطر الذى يهدد دينهم.

وضع خطط تنفيذية للمواجهة حسب إمكانات وظروف كل فئة، سواء بالمقاطعة، أو إنشاء قنوات إعلامية بديلة، أو التوعية داخل الأسرة باعتبارها خط الدفاع الأخير والأهم فى تنشئة الأطفال.

- المستوى السياسى، فعلى صانعى القرار تفعيل المشاركة السياسية لتصعيد العناصر القادرة على تمثيل رغبات الشعوب، وتحويلها إلى قوانين يتم تنفيذها، ومنها ما يتعلق بالأسرة.

- أما على المستوى الأسرى فينبغى: ترابط الأسرة من خلال فهم الوالدين لرسالتهما فى الأسرة، واهتمامهما بما هو أكبر من الأكل والشرب، وهو الارتقاء بمستوى الأبناء، ومشاعرهم نحو قضايا الأمة، وتفعيل دورهم، وتكوين اتجاهاتهم من خلال دمجهم فى العمل التطوعى والفعاليات لخدمة هذه القضايا.

ومن جانبها تلقى المهندسة كاميليا حلمى - رئيسة اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل - على الإعلام مسئولية كبيرة فى توعية الجماهير، لكى تفهم، فلا تصدق كل ما يقال لها عن حقوق المرأة، وعليه أن يتصدى لمحاولات القضاء على الأدوار النمطية للمرأة داخل الأسرة، بل والعمل على إعلاء هذه الأدوار (الزوجية/ الأمومة/ التربية/ الرعاية) إلى جانب عملها المهنى فى تكامل وتوازن.

كما تؤكد أن على الأسرة أن تربى أبناءها على القرآن والسنة منذ اختيار الوالدين لبعضهما على قاعدة الدين، وأن يكونا قدوة طيبة أمام الأبناء فى تعاملهما معًا، وفى تفاعلهما مع قضايا الأمة، وتعويدهم على الطاعة الواعية، وحل المشكلات داخل الأسرة، وتربيتهم على وجود سلطة فوقية للوالدين، لا يجوز لهم أن يتحرروا منها بلا ضوابط، لأنها هى الإطار الذى يعصمهم من الوقوع فى الحرام أو الخطأ.

وبرغم أهمية المقاومة الذاتية والتمسك بقيمنا الأصيلة بمفهومها الواسع، والتى تعلى قيمة الأسرة، وتحديد الأدوار داخلها، فإن د. أمانى تؤكد أنه لا بد من التنسيق والتكامل فى المسئولية بين اللجان والجمعيات الأهلية المعنية بقضايا المرأة والأسرة، إلا أن ذلك لن يجدى إلا فى إطار قانونى وتشريعى مواتٍ وملزم.

وبدون هذا الإطار الملزم من قبل الحكومات وقوتها التشريعية، فسيظل عمل هذه اللجان فى إطار التوعية والوعظ والتوجيه فقط، أمام طغيان القيم المضادة التى تبثها هذه المؤتمرات، ويروج لها الإعلام المضاد.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة