الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها

هي حبيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبنت خليفته أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - في شوال بعد وقعة بدر، فأقامت في صحبته ثمانية أعوام وخمسة أشهر حيث مات عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي بنت ثماني عشرة سنة.

وكانت عائشة - رضي الله تعالى عنها - أحب نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه؛ فقد روى البخاري ومسلم في (صحيحيهما) عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: "أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: (عائشة)، قلت: من الرجال؟ قال: (أبوها)، قلت: ثم من؟ قال: (عمر)، فعدَّ رجالاً".
وما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بين سَحْرِها ونَحْرِها [أي: بين صدرها وعنقها]، وما دُفِن إلا في بيتها، وقال عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) رواه البخاري.

وقد برَّأها الله تعالى من فوق سبع سموات مما رماها به أهل الإفك، في آيات يتلوها الناس إلى قيام الساعة.

وكانت كريمة سخية، قال عروة بن الزبير: "إن معاوية بعث إلى عائشة بمائة ألف، فوالله ما غابت عليها الشمس حتى فرقتها، فقالت مولاة لها: لو اشتريت لنا من ذلك بدرهم لحمًا؟ فقالت: ألا ذكَّرتِني؟ .. وفضائلها كثيرة جدًا - رضي الله تعالى عنها -.

جهودها في حفظ الدين وخدمة السنة النبوية :

كانت - رضي الله عنها - من أكبر فقهاء الصحابة، والمرجع الأول في الحديث والسنة، والفقيهة الأولى في الإسلام، وكان فقهاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجعون إليها في المعضلات فيجدون عندها الأجْوِبة، وقد تفقه بها جماعة من الصحابة والتابعين وحدَّثوا عنها.

قال مسروق بن الأجدع التابعي الإمام القدوة: "والذي نفسي بيده لقد رأيت مَشْيَخة أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - يسألونها عن الفرائض!!".

وقال الإمام الزُّهري: "لو جُمِع علمُ عائشة إلى علم جميع أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وعِلم جميع النساء، لكان علم عائشة أفضل".

وقال عنها عروة بن الزبير - ابن اختها أسماء -: "ما رأيت أحدًا من الناس أعلم بالقرآن، ولا بفريضة، ولا بحلال وحرام، ولا بشِعر، ولا بحديث العرب، ولا النسب من عائشة رضي الله عنها".

وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنه قال: "ما أَشْكل علينا أصحابَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثٌ قطُّ فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علمًا".

ومن جهودها - رضي الله عنها - في حفظ الدين وخدمة السنة النبوية أنها كانت حريصة على بثِّ ما عندها من علم وعدم كتمان ما سمعته في بيت النبوة من الحكمة والموعظة الحسنة، فحفظت للأمة بضعة آلاف من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها ألفان ومائة وعشرة أحاديث في الكتب الستة.

وممن روى عنها من الصحابة: عمرو بن العاص، وأبو موسى الأشعري، وأبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، والسائب بن يزيد، وزيد بن خالد الجهني وغيرهم رضي الله عنهم.

وممن روى عنها من التابعين: مسروق بن الأجدع، وعلقمة بن قيس، والأسود بن يزيد النخعي، وسعيد بن المُسيِّب، وعبد الله وعروة ابنا الزبير (ابنا أختها)، والقاسم ابن محمد ابن أبي بكر (ابن أخيها)، ومُطرِّف بن عبد الله بن الشِّخير، وعمرو بن ميمون، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وزِرّ بن حُبَيش، وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري، وعطاء بن يسار، وابن أبي مُليكة، وطاوس، ومجاهد بن جبر، وعِكرمة، ونافع مولى ابن عمر، وعلقمة بن وقاص الليثي، وعلي بن الحسين بن علي (زين العابدين)، والشَعْبي، ومن النساء: عَمرة بنت عبد الرحمن، ومعاذة العدوية، وخيرة أم الحسن، وصفية بنت أبي عبيد، وخلقٌ كثير.

قال الشعبي: "كان مسروق إذا حدَّث عن عائشة قال: حدثتني الصديقةُ بنتُ الصديق، حبيبةُ حبيبِ الله تعالى، المبرأةُ من فوق سبع سموات".

وفاتها:

توفيت - رضي الله تعالى عنها - في رمضان سنة سبع وخمسين، وقيل ثمان وخمسين، وصلى عليها أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه -، ثم شُيِّعت جِنازتها في غَسَقِ الليل على أضواء المشاعل، حيث أَمَرت أن تُدفن ليلاً، ودُفنت في البقيع مع صويحباتها حسب وصيتها لابن أختها عبد الله بن الزبير، وذلك بعد أن عاشت ملء الحياة والسمع والبصر خمسًا وستين أو ستًا وستين سنة.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة