الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هو الطهور ماؤه .. الحل ميتته

هو الطهور ماؤه .. الحل ميتته

هو الطهور ماؤه .. الحل ميتته

من الأحاديث الجامعة التي يذكرها أهل العلم، ويولونها المزيد من العناية والاهتمام، حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ) رواه الإمام مالك وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان.

كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبذل العلم ويجيب عما يجيش في صدور أصحابه من المسائل وإن لم ينطقوا به، وهذا يتجلى في قوله - صلى الله عليه وسلم - : (الحِلُّ مَيْتَتُهُ)، حيث لم يسأل السائل إلا عن الوضوء بماء البحر، فأجابه عن المطلوب، وزاده زيادة صارت أصلاً في باب الأطعمة، وصار الحديث على قلة كلماته جامعاً في باب أحكام المياه والأطعمة.

أما الجملة الأولى وهي قوله - صلى الله عليه وسلم - : (هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ)، فتعنى أن أن ماء البحر طاهر مطهر، لا يخرج عن الطهورية بحال، إلا إذا تغير أحد أوصافه، وهنا لم يجب النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: نعم، مع إفادتها الغرض، بل أجاب بهذا اللفظ ليقرن الحكم بعلته، وهي الطهورية المتناهية في بابها، وكأن السائل لما رأى ماء البحر خالف المياه بملوحة طعمه، ونتن ريحه، توهم أنه غير مراد من قوله تعالى: {فَاغسِلُوا وُجُوهَكُم} (المائدة: 6) أي بالماء المعلوم إرادته من قوله: فاغسلوا، أو أنه لما عرف من قوله تعالى: {وَأَنزَلنَا مِنَ السَّمَاء مَاءً طَهُورًا} (الفرقان: 48) ظن اختصاصه، فسأل عنه.

فأفاده - صلى الله عليه وسلم - الحكم، وزاده حكمًا لم يسأل عنه، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - في الجملة الثانية من الجواب : ( الحِلُّ مَيْتَتُهُ ) ويعني ما مات من حيوانه المنسوب إليه من غير ذكاة كالحوت فإنه طاهر مباح على أي وجه مات، قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} (المائدة: 96)، واسم الميتة إذا أطلق في الشرع فإنما يطلق على ما فاتت نفسه من غير ذكاة، ولذلك قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ} (المائدة: 3).

مدلولات الحديث

وقد استفاد الفقهاء من هذا الحديث أن الماء لا يفسد بموت السمك فيه، وأن ماء البحر يجوز به الوضوء والاغتسال، كما أن في الحديث دلالة على جواز أكل جميع أنواع السمك، وأن السمك لا ذبح فيه.

فضيلة التعليم

من الأمور المستنبطة من هذا الحديث الجليل أنه يستحب للعالم أو المُفْتي إذا سئل عن شيء وهو يعلم أن السائل بحاجة إلى معرفة ما وراءه من الأمور التي تتضمنها مسألته فإنه يستحب له تعليمه إياه، ألا ترى أن السائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر، فأجابه بما أراد وزاده فائدة أخرى، وهي كون ميتته حلالا، وذلك لاحتياجه إليه، وربما علم النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي أنه كان يسأل عن ميتته أيضاً، فأجابه قبل السؤال إسراعاً إلى فضيلة التعليم، كما أفاد الحديث أنه يجب على كل أحد أن يسأل أهل العلم عما لا يعلمه أو يتردد فيه.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة