الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لطائف الإسناد - العلاقات بين الرواة

لطائف الإسناد - العلاقات بين الرواة

لطائف الإسناد - العلاقات بين الرواة

يُقصد بالعلاقات بين الرواة في الإسناد الواحد: الأوصاف التي تميّز أحد الراويين عن الآخر، أو السمة الموجودة في أحد الراويين وليست موجودة في الراوي الآخر، كالكبر والصغر والتقدم والتأخر وأمثالهما، ومن ذلك: رواية الأكابر عن الأصاغر، ورواية الآباء عن الأبناء، ورواية الأبناء عن الآباء، ورواية الأقران، ورواية السابق عن اللاحق، ورواية المدبّج.

وقد اهتم علماء الحديث ببيان مثل هذه العلاقات رغبة منهم في زيادة الضبط والإتقان، وتلافيًا لما قد يقع من توهمٍ إذا جاء الإسناد على وجه مخالف لما هو معتاد عليه في الغالب، وسنعرض لبيان كل نوع من تلك العلاقات وأمثلتها، مع ذكر الفائدة من معرفة كل نوع منها.

رواية الأكابر عن الأصاغر

الأكابر جمع أكبر، والأصاغر جمع أصغر، والمقصود رواية الكبار عن الصغار، وهي أن يروي الكبير في السن أو القدر عمن هو دونه في كل منهما أو فيهما.

ومن أجلّ ما يذكر في هذا الباب: ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته عن تميم الداري رضي الله عنه مما أخبره به عن رؤية الدجال في تلك الجزيرة التي في البحر، والحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.

وأما فائدة معرفة هذا النوع من الرواية فهي أن لا يُعتقد أن المروي عنه أفضل وأكبر من الراوي لكونه الأغلب؛ وقد صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم" رواه ابن خزيمة في صحيحه.

وهناك فائدة أخرى وهي أن لا يعتقد أن في السند انقلابا؛ لأن العادة جرت برواية الأصاغر عن الأكابر، ثم إن ذلك يقع على أضرب:

- أن يكون الراوي أكبر سنا وأقدم طبقة من المروي كالزهري في روايته عن مالك، أو يحيى بن سعيد الأنصاري عن مالك.

- أن يكون الراوي أكبر قدرا من المروي عنه بأن يكون حافظا عالما والمروي عنه شيخا راويا فحسب، كمالك في روايته عن عبد الله بن دينار.

- أن يكون الراوي أكبر من الوجهين جميعا (السِّن والقدْر)، ومن ذلك: رواية الصحابي عن التابعي كرواية العبادلة وغيرهم من الصحابة عن كعب الأحبار، ورواية البرقاني عن الخطيب.

رواية الآباء عن الأبناء وعكسه

رواية الآباء عن الأبناء هو أن يوجد في سند الحديث أبٌ يروي الحديث عن ابنه، كرواية العباس -عم النبي صلى الله عليه وسلم- عن ابنه الفضل رضي الله عنهما، وسليمان التيمي عن ابنه معتمر، وكذا وائل بن داود عن ابنه بكر، وفائدة معرفة هذا النوع من الرواية أن لا يُعتقد أن في السند انقلابا؛ لأن العادة جرت برواية الأبناء عن الآباء.

وأما رواية الأبناء عن الآباء فهي أن يوجد في سند الحديث ابن يروي عن أبيه فقط أو عن أبيه عن جده، كرواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه، وسهيل بن أبي صالح عن أبيه، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وفائدة معرفة ذلك أن يتم البحث لمعرفة اسم الأب أو الجد إذا لم يصرح باسمه، وكذا بيان المراد من الجد, هل هو جد الابن أو جد الأب.

رواية الأقران

الأقران جمع قرين بمعنى صاحب، وهم المتقاربون في السن والإسناد, ومعنى التقارب في الإسناد أن يكون الرواة قد أخذوا عن الشيوخ أنفسهم أو عن شيوخ من طبقة واحدة، وأما المقصود برواية الأقران فهو: أن يروي أحد القرينين عن الآخر ولا يروي الآخر عنه، كرواية سليمان التيمي عن مسعّر، فقد قال الحاكم: "لا أحفظ لمسعر عن التيمي رواية"، وفائدة معرفته: الأمن من ظن الزيادة في الإسناد.

رواية المدبّج

المدبّج اسم مفعول من التدبيج، والتدبيج مشتق من ديباجتي الوجه أي الخدين -وكأن المدبّج سمي بذلك لتساوي الراوي والمروي عنه كما يتساوى الخدين-، وهو: أن يروى القرينان كل منهما عن الآخر، ومثال ذلك من الصحابة رواية أبي هريرة وعائشة رضي الله عنهما، حيث روى كل منهما عن الآخر، ومن التابعين: الزهري وأبو الزبير، ومن أتباعهما: مالك والأوزاعي، ومن الأئمة: أحمد وابن المديني، والمزي والبرزالي.

وتتجلى فائدة المدبّج في التحقق من عدم الزيادة في الإسناد، وكذا التحقق من عدم إبدال "عن" بالواو, فإذا علم أن الراويين قرينان لا يظن أن من يروي عنهما زاد أحدهما من عنده أو أنه أبدل "عن" في قوله "فلان عن فلان"، وأن الصحيح "فلان وفلان".

رواية السابق عن اللاحق

ا
لسابق اسم فاعل من السبق بمعنى التقدم, واللاحق اسم فاعل من اللحاق بمعنى التأخر, والمراد الراوي المتقدم موتا, والراوي المتأخر موتا، ومعنى رواية السابق عن اللاحق أن يشترك في الراوية عن شيخٍ اثنان تباعد ما بين وفاتيهما، كرواية الإمام البخاري عن تلميذه أبي العباس السّرّاج، وكانت وفاة البخاري سنة ست وخمسين ومائتين، وآخر من حدث عن أبي العباس السّرّاج هو أبو الحسين الخفّاف ومات سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، فالشيخ المشترك هو أبو العباس السّرّاج، والفارق بين موت الإمام البخاري وأبي الحسين الخفّاف مائة وسبع وثلاثون سنة.

وأما فائدة هذا النوع من الرواية فهي التحقق من عدم وجود سقط في السند، وكذا علو الإسناد بتقدم وفاة الراوي.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة