الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المصطلح القرآني وأثره في تأصيل المعرفة

المصطلح القرآني وأثره في تأصيل المعرفة

المصطلح القرآني وأثره في تأصيل المعرفة

نظم مختبر المناهج العلمية للدراسات الإسلامية، وإحياء التراث المالكي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، بجامعة ابن زُهر، في المملكة المغربية، وبالتعاون مع المجالس العلمية المحلية لأكادير، ومؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع) ندوة علمية دولية في موضوع (المصطلح القرآني وأثره في تأصيل المعرفة وضبط الفهم)، وذلك في الفترة من (21-22/المحرم/1434هـ)، الموافق (5-6/12/2012م).

هدف الندوة

كان الهدف الرئيس من عقد هذه الندوة إعادة الاعتبار للمصطلح القرآني، بعد أن غاب الفهم الصحيح للمصطلح القرآني من كتابات الباحثين في الدراسات القرآنية -مسلمين وغربيين-؛ فمثلاً، نجد في كلام بعضهم عن مصطلح (التأويل) يذكر فيه أقوال المفسرين، والمتكلمين، وعلماء أصول الفقه، والمشتغلين بالمنطق، والمنتسبين للتصوف وغيرهم، مع أنه مصطلح قرآني دقيق مضبوط، ينطلق من مفهوم ثابت مستمد من القرآن نفسه، ينبغي أن يكون معياراً للفهم السليم بعيداً عن الفهوم المنحرفة.

وقد اهتم القرآن منذ لحظة نزوله بوضع المصطلح، وضبط مفاهيمه بحسب المقتضيات والسياقات. وبما أن المصطلحات -كما يقول أهل هذا الشأن- هي مفاتيح العلوم، فإن البدء بها إتيان للعلوم من أبوابها؛ وبما أن القرآن الكريم أصل العلوم والمعارف، فحق على الباحثين والدارسين ضبط مصطلحاته، وتحرير مفاهيمها؛ لأنها أصل الاصطلاح الشرعي.

وقد هدفت الندوة -إضافة إلى ما تقدم- إلى تحقيق جملة من الأهداف العلمية منها:

‌أ- دعم البحث في المصطلح القرآني فهماً وتجديداً.

‌ب- بيان أثر القرآن الكريم وحاكميته في تأسيس البحث المصطلحي وترسيخه عبر العصور.

‌ج- السعي لامتلاك مفاهيم المصطلحات القرآنية، وإشاعتها مع الإحاطة بدلالتها؛ لكون ذلك الوسيلة الأولى لخدمة التراث المتصل بالقرآن.

‌د- بعث المفاهيم الأصيلة في مجال الدراسات القرآنية، خاصة تلك التي احتلت مكانها مفاهيم دخيلة.

‌ه- التأسيس والتنظير لإعمال هذه المصطلحات وتحكيمها في مجال التعامل مع الآيات فهماً وتنـزيلاً.

‌و- تقويم الدعوات المعاصرة لإعادة النظر في علم التفسير من خلال هذه المصطلحات.

وتحقيقاً لهذه الأهداف، فقد اهتمت هذه الندوة بالبحث في هذا الموضوع، خاصة أنه لا يوجد ضمن ميادين المعرفة فرع ليست له مصطلحات تعارف أهله على تحديد مفاهيمها، وإرادة المعرفة هي التي جعلت المصطلحات أدوات لغوية، تُجلي المتفق عليه بين المتعاطين لكل فرع من فروع المعرفة، وتكشف المشترك التصوري بينهم، ومن هنا كانت دراسة المصطلحات أداة لتأصيل المعرفة وبدونها لا تكون لها قيمة في ميزان العلم.

محاور الندوة

دارت أشغال هذه الندوة على ثلاثة محاور رئيسة:

المحور الأول: المدار فيه على المصطلحات الأصول التي نص عليها القرآن نفسه وضبطها، مثل: (الكتاب)، و(السُّنَّة)، و(اللسان)، و(البيان)، و(الترتيل)، و(التأويل) و(التفسير)، و(الدين).

المحور الثاني: المدار فيه على المصطلحات الخادمة للقرآن الكريم في مجال علوم القرآن إجمالاً، وتحديداً في مجال علم القراءات، وغريب القرآن؛ وقد عُرِضَ من ذلك مصطلحات: (الضبط)، و(الشذوذ)، و(الغريب)، و(المكي والمدني)، و(أسباب النزول).

المحور الثالث: المدار فيه على امتداد المصطلح القرآني في علم الأصول، وعلم الكلام، والفكر الإسلامي.

المشاركون في المؤتمر

شارك في هذه الندوة الدولية عدد من الباحثين المهتمين بالدراسات القرآنية من الجامعات المغربية، ومؤسسة البحوث والدراسات العلمية مبدع، وجامعات المملكة العربية السعودية، وجامعات الجمهورية الجزائرية، وجامعة دمشق. وقد قُدِّم في هذه الندوة أربعة عشر بحثاً.

الأبحاث التي قدمت في الندوة

- مصطلح الكتاب والسنة بين المفهوم والتسوية وتوحيد المصدرية. الدكتور عبد الواحد الإدريسي، جامعة ابن زُهر-أكادير-المغرب.

- مصطلح اللسان والبيان في القرآن. الدكتور مسعود بودوخة -جامعة سطيف- الجزائر.

- مصطلح الترتيل: قراءة في المفهوم والمصطلح. الدكتور عيسى الدريبي -جامعة الملك سعود- المملكة العربية السعودية.

- دراسة في المصطلح القرآني: الابتلاء والتمحيص أنموذجاً. الدكتور عمر الزبداني- سوريا.

- مصطلح الدين بين المفهوم القرآني والفكر الغربي. الدكتور عبد الحليم لالوسي -جامعة الأمير عبد القادر-الجزائر.

- التفسير والتأويل من خلال القرآن الكريم: دراسة في التفسير الموضوعي للمصطلح القرآني. الدكتورة صليحة بن عاشور، والدكتورة نورة بنت حسن -جامعة باتنة- الجزائر.

- التأويل بين المصطلح القرآني الأصيل والطرح العلماني الدعيِّ. الدكتور محمد رستم -جامعة المولى سليمان-بني ملال- المغرب.

- مصطلحات علم الضبط القرآني: أصولها ودلالاتها ورموزها واستعمالاتها والخلاف فيها بين أئمة المدرستين المغربية والمشرقية. الدكتور حسن حميتو -جامعة ابن زُهر-أكادير- المغرب.

- مصطلح الشذوذ في القراءات القرآنية: تعريفه وتاريخه وأسبابه وحكم القراءة والاستشهاد بالشواذ. الدكتور غنية بوحوش-جامعة الأمير عبد القادر-الجزائر.

- المصطلح في علوم القرآن: مشكلات وحلول. الدكتور مساعد الطيار -جامعة الملك سعود -الملكة العربية السعودية.

- مصطلحات من القرآن الكريم أسيء فهمها. الدكتور عبد الله البخاري -جامعة ابن زُهر-أكادير-المغرب.

- خصوصية المصطلح القرآني في الفكر الأولي. الدكتور مقدودة مناري -جامعة الجزائر-الجزائر.

- التقليد لأهل الكلام وأثره في التأويل المعاصر للمصطلح القرآني من خلال أنموذج. الدكتور عبد الرزاق هرماس -جامعة ابن زُهر -أكادير-المغرب.

- مكانة المصطلح القرآني في الفكر الإسلامي. الدكتورة سامية خضرة بن هنية -جامعة الجزائر-الجزائر.

وقد أبانت هذه الأبحاث عن أهمية المصطلح القرآني لفظاً ومفهوماً، وأثره في تأصيل المعرفة، وضبط الفهم.

وكان من المقرر أن تُلقى في افتتاح الندوة محاضرتان، ثم شاء الله لهما –لطارئ- أن تفترقا، فبقيت إحداهما في الافتتاح، وانتقلت ثانيتهما إلى الجلسة الختامية؛ فقد حاضر الأستاذ الشيخ الدكتور عبد الهادي حميتو في موضوع الخلاف القرائي في المدرسة المغربية، وقد وسع الأفق المعرفي في مدارسته بما تضمنه من الغنى العلمي.

أما محاضرة الختام، فكانت للشيخ الفاضل الأستاذ الدكتور الشاهد البوشيخي، جاءت تحت عنوان: "المصطلح القرآني وأثره في تسريع عودة الأمة"؛ وقد أجابت هذه المحاضرة عن الإشكال العريض الذي أثير في هذه الندوة، والمتمثل فيما لامسه جل المشاركين من بعد الأمة اليوم عن المصطلح القرآني، ومن إساءة فهمه؛ بحكم الحواجز الثقافية التي تراكمت عبر العصور التاريخية، إما بسبب التأثر بالمرجعيات الفكرية والمذهبية، كعلم الكلام والتصوف، أو الحمل على عادات طرأت، وإما بسبب القصور في فهم اللسان العربي، وإما بسبب الاستلاب الثقافي والغزو الفكري -ولعله الأخطر-؛ كل ذلك شكل حواجز ثقافية، حالت دون الفهم الصحيح للمصطلح القرآني، حيث أصبحت الأمة تنظر إليه من منظار شوه الرؤية الصحيحة، وأثر على التصور السليم للمفهوم القرآني؛ ولذلك كانت الأمة في حاجة ماسة إلى عودة راشدة وقويمة إلى المصطلح القرآني؛ فكانت هذه المحاضرة بمثابة الرد الحضاري على هذا الإشكال الثقافي والمفهومي.

وقد تضمنت المحاضرة تشخيصاً للوضع المريع الذي تعيشه الأمة اليوم، بسبب ما أصابها من تشوهات فكرية، أساءت لتصوراتها العقدية، فكانت الحاجة ملحة إلى تسريع عودة الأمة؛ لكي تتبوأ موقعها الصحيح من "الوسطية" والأفضلية، ولا سبيل إلى ذلك إلا بإقامة المصطلح القرآني لفظاً ومفهوماً؛ إذ عليه تأتلف الجهود، وبسببه تتخطى كل الحواجز؛ لأن المصطلح القرآني يستقل بشخصيته المفهومية وخصوصيته الدلالية؛ ولأن المصطلحات حين تتفاعل تُنتج أنساقاً مفهومية مركبة، فتنتج الرؤية السليمة والصحيحة؛ كل ذلك لا يُوصَل إليه إلا بإقامة "المصطلح القرآني" لفظاً ومفهوماً؛ والدراسة المصطلحية كفيلة بإقامة المصطلح القرآني، وتبعاً لذلك فهي كفيلة بتسريع عودة الأمة لكي تتبوأ موقعها الذي أراده الله لها حين جعلها {أمة وسطا} (البقرة:143).

أهم التوصيات التي خرجت بها الندوة

يمكن إجمال التوصيات التي خَلَصَ إليها المشاركون في هذه الندوة في الآتي:

1- التوصية بطبع أعمال الندوة.

2- تأسيس مجلة متخصصة في المصطلح القرآني.

3- إنشاء مركز علمي متخصص في المصطلح القرآني، له فروع في جميع البلدان الإسلامية، والتنسيق بينه وبين مراكز البحث العلمي والمختبرات التي لها الاهتمام نفسه.

4- التنسيق بين الباحثين في مجال المصطلح القرآني، والتعاون مع مؤسسات متخصصة وعلى رأسها مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع).

5- فتح وحدة التكوين في المصطلح القرآني في كلية الآداب والعلوم الإنسانية-جامعة ابن زُهر؛ خدمة للقرآن الكريم.

6- تنظيم ندوات تعمق البحث في جزئيات موضوع الندوة، وتوسيع دائرتها لتصير مؤتمراً دوريًّا.

7- تنظيم دورات تكوينية للباحثين في المصطلح القرآني في الدراسات العليا، خاصة في سلك الدكتوراه.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة