الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حديث رضاع الكبير

حديث رضاع الكبير

حديث رضاع الكبير

من المعلوم أن الله تعالى جعل الرضاع سبباً لانتشار الحرمة بين الراضع والمرضعة وأقاربها، لما يحصل من تنشئة الرضيع بلبن المرضعة، فيتكوَّن به اللحم، ويُنْشَزُ به العظم، فكأنه صار قطعة منها.

وفي الأحاديث ما يبين أن الرضاع المحرِّم ما حصل به تكوُّن جسم الإنسان ونموُّه، وهذا لا يحصل الا في الحولين الأولين للإنسان، وصار هذا هو المستقر في الأذهان، والمقبول طبعاً وعقلاً وعادة، ولكن يتعارض هذا مع نص صحيح من السنة نفسها بإثبات الحرمة لرضاع الكبير، فهل يقوى هذا الحديث على معارضة الأحاديث الأخرى، وما توجيه أهل العلم لهذه القضية التي أثيرت وصارت منفذا لبعض أهل الأهواء للطعن في السنة وأهلها، وبيان هذه المسألة فيما يلي :

الأحاديث الواردة في إثبات أن الرضاع في الحولين فقط:

في البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الرضاعة من المجاعة"

وأخرج الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام "
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين، وما كان بعد الحولين الكاملين فإنه لا يحرم شيئا. أ.هـ.

الحديث في رضاع الكبير:

روى ابن حبان في صحيحه أن سهلة بنت سهيل ـ وهي امرأة أبي حذيفة وهي من بني عامر بن لؤي ـ جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : يا رسول الله كنا نرى سالماً ولداً وكان يدخل علي وليس لنا إلا بيت واحد فماذا ترى في شأنه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنك ففعلت وكانت تراه ابنا من الرضاعة).

الجمع بين تعارض الأحاديث السابقة:

تبقى أحاديث الرضاع في الحولين محكمة عامة، وأما حديث سالم فقد أجاب الجمهور عنه بأنه خاص بسالم وامرأة أبي حذيفة كما اقتضاه كلام أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
فقد روى الشافعي رحمه الله عن أم سلمة أنها قالت في الحديث: كان رخصة لسالم خاصة.
وهكذا كلام عامة أهل العلم في حمل حديث سالم على الخصوصية أو النسخ، وقد نقل ذلك جمع من المحققين كالخطابي وابن المنذر وابن حجر وغيرهم، بل نقل بعضهم الاتفاق على ذلك كابن هبيرة فقد قال: واتفقوا على أن رضاع الكبير غير مُحَرِّم.
وأما ما روي عن عائشة بالاحتجاج بحديث سالم في إرضاع الكبير فعلى صحة ثبوت الرواية عنها فقد نقل القول برجوعها عن ذلك قال الكاساني: وأما عمل عائشة رضي الله عنها فقد روي عنها ما يدل على رجوعها فإنه روي عنها أنها قالت : لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم والدم.
ومن جهة أخرى فإن عملها معارض بالحديث، وعمل بقية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، بل وسائر الصحابة والتابعين واتفاق الكافة من أهل العلم ماعدا الظاهرية، ويدل على عدم اعتبار خلافهم نقل بعضهم الإجماع.

وكما قال ابن الحصار:

وليس كلُّ خلافٍ جاء معتبراً إلا خلافُ له حظ من النظر.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة