الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

(الأكثرية) في القرآن الكريم

(الأكثرية) في القرآن الكريم

(الأكثرية) في القرآن الكريم

في القرآن الكريم آيات تصف أحوال أكثر الناس بوصف قبيح؛ كقوله سبحانه: {فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين} (الروم:42)، وقوله عز وجل: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (الأعراف:187)، وقوله تعالى: {ولكن أكثر الناس لا يشكرون} (البقرة:243)، وقوله عز من قائل: {فأبى أكثر الناس إلا كفورا} (الفرقان:50)، وقوله سبحانه: {قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون} (العنكبوت:63)، وقد تتكرر هذه الأوصاف قليلاً أو كثيراً بحسب مقتضيات الموضوع.

وبالمقابل، فقد وردت بعض الآيات تمتدح القلة من الناس، من ذلك قوله تعالى في سياق الحديث عن تسخير الريح والجن للنبي سليمان عليه السلام: {وقليل من عبادي الشكور} (سبأ:13). وقد سمع عمر رضي الله تعالى عنه رجلاً يقول: اللهم اجعلني من القليل! فقال عمر: ما هذا الدعاء؟ فقال الرجل: أردت قوله تعالى: {وقليل من عبادي الشكور}. فقال عمر رضي الله عنه: كل الناس أعلم منك يا عمر!

والقرآن الكريم من خلال وصفه لأكثر الناس بتلك الأوصاف إنما يقرر قاعدة عامة، وسنة كونية، حاصلها أن الخير والصلاح والهداية في البشر عامة قليل، وأن الأكثرية على عكس ذلك، فكثير منهم لا يؤمنون، وكثير منهم لا يعلمون، وكثير منهم لا يشكرون، إلى غير ذلك من الأوصاف التي تناولها القرآن الكريم.

والمراد بمصطلح (الأكثرية) الأغلبية المطلقة، أو معظم الشيء. وقد يراد من (الأكثر) الجميع؛ لأن أكثر الشيء يقوم مقام الكل، فيكون ذكر الأكثر كذكر الجميع.

وفيما يلي نحاول أن نتتبع أوصاف (الأكثرية) في القرآن، ونستخلص من كل وصف ما يدل عليه:

أولاً: وصف الأكثرية بأنهم مشركون

ليس يخفى أن الشرك بالله من أعظم الذنوب، بل هو الذنب الأعظم، وقد أخبر سبحانه أنه يغفر ذنوب عباده كلها إلا الشرك به، فإنه لا يغفره إذا مات العباد عليه. ووصف (الأكثرية) بالشرك ورد في آيتين كريمتين:

الأولى: قوله عز وجل: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (يوسف:106)، قال ابن كثير: "يخبر تعالى عن غفلة أكثر الناس عن التفكر في آيات الله ودلائل توحيده، بما خلقه الله في السموات والأرض من كواكب زاهرات ثوابت، وسيارات وأفلاك دائرات، والجميع مسخرات، وكم في الأرض من قطع متجاورات وحدائق وجنات وجبال راسيات، وبحار زاخرات، وأمواج متلاطمات، وقفار شاسعات، وكم من أحياء وأموات، وحيوان ونبات، وثمرات متشابهات ومختلفات، في الطعوم والروائح والألوان والصفات، فسبحان الواحد الأحد، خالق أنواع المخلوقات، المتفرد بالدوام والبقاء والصمدية ذي الأسماء والصفات".

الثانية: قوله تعالى: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين} (الروم:42) فالآية صريحة في أن أكثر الذين خلوا من قبل كانوا مشركين بخالقهم ورازقهم ومدبر أمرهم.

ثانياً: وصف الأكثرية بأنهم لا يؤمنون

الإيمان الصادق هو الضابط والمحرك والموجه للمسلم نحو العمل الصالح، وثمة علاقة طردية بين الإيمان وبين العمل الصالح، فكلما قوي الأول قوي الثاني، والعكس صحيح أيضاً.

وقد وردت ثلاث عشرة آية تنص على أن {أكثر الناس لا يؤمنون} والآيات هي:

- قوله تعالى: {ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} (هود:17).

- قوله جل وعلا: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} (يوسف:103).

- قوله سبحانه: {المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} (الرعد:1).

- قوله تعالى: {إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين} (الشعراء:8) تكررت هذه الآية ثماني مرات في هذه السورة.

- قوله جل وعلا: {لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون} (يس:7).

- قوله عز وجل: {إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} (غافر:59).

يقول الشيخ السعدي: {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} بهذا القرآن، إما جهلاً وإعراضاً عنه وعدم اهتمام به، وإما عناداً وظلماً؛ فلذلك أكثر الناس غير منتفعين به، لعدم السبب الموجب للانتفاع". وأيضاً، فلأن أكثر الناس قد استحوذ عليهم الشيطان، فمسخ نفوسهم وقلوبهم، فصاروا مع حرص أهل الحق على إيمانهم، وحرصهم على دعوتهم إلى الحق، لا يؤمنون بالحق المبين، ولا يستجيبون للصراط المستقيم؛ لاستيلاء المطامع والشهوات على نفوسهم، وسيطرة الأحقاد على قلوبهم.

ومن الآيات ذات الصلة بالآيات المخبرة بعدم إيمان الأكثرية، قوله عز من قائل: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون} (الأنعام:116)، قال الشنقيطي: "ذكر في هذه الآية الكريمة أن إطاعة أكثر أهل الأرض ضلال، وبين في مواضع أُخر أن أكثر أهل الأرض غير مؤمنين، وأن ذلك واقع في الأمم الماضية، كقوله: {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون}.

ثالثاً: وصف الأكثرية بأنهم لا يعلمون

حث الشرع الحنيف عموماً، والقرآن على وجه الخصوص على العلم، ومدح أهل العلم، وجعلهم في مرتبة متقدمة عن أهل الجهل، ومع ذلك فقد أخبر سبحانه في مواطن كثيرة من كتابه بأن {أكثر الناس لا يعلمون}.

والمتأمل في الآيات الكريمة التي اختتمت بأن الأكثرية {لا يعلمون}، يجدها في جملتها سبعاً وعشرين آية؛ منها إحدى عشرة آية خُتمت بقوله سبحانه: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (الأعراف:187)، (يوسف: الآيات 21، 40، 68) (النحل، الآية 38) (الروم، الآيتان 6، 30) (سبأ، الآيتان 28، 36) (غافر، الآية 57)، (الجاثية، الآية 26). وثمة تسع آيات خُتمت بقوله سبحانه: {ولكن أكثرهم لا يعلمون} (الأنعام:37)، (الأعراف، الآية 131) (الأنفال، الآية 34) (يونس، الآية 55) (القصص، الآيتان 13، 57) (الزمر، الآية 49) (الدخان، الآية 39) (الطور 47). وست آيات تضمنت قوله سبحانه: {بل أكثرهم لا يعلمون} (النحل:75) (النحل، الآية 101) (الأنبياء، الآية 24) (النمل، الآية 61) (لقمان، الآية 25) (الزمر، الآية 29). ووردت آية واحدة خُتمت بقوله سبحانه: {ولكن أكثرهم يجهلون} (الأنعام:111).

ووصف الأكثرية بعدم العلم احتراس؛ لإنصاف ومدح القلة من الناس، الذين يعطيهم الله تعالى من فضله ما يجعلهم لا يندرجون في (الكثرة) التي لا تعلم، بل هو سبحانه يعطيهم من فضله ما يجعلهم يعلمون ما لا يعلمه غيرهم.

يقول الشيخ السعدي معقباً على آية خُتمت بعدم علم (الأكثرية): "ومن العجب أن هذا القسم من الناس قد بلغت بكثير منهم الفطنة والذكاء في ظاهر الدنيا إلى أمر يحير العقول ويدهش الألباب، وأظهروا من العجائب العلمية ما فاقوا به وبرزوا، وأُعجبوا بعقولهم، ورأوا غيرهم عاجزاً عما أقدرهم الله عليه، فنظروا إليهم بعين الاحتقار والازدراء، وهم مع ذلك أبلد الناس في أمر دينهم، وأشدهم غفلة عن آخرتهم، وأقلهم معرفة بعاقبة أمرهم، قد رآهم أهل البصائر النافذة في جهلهم يتخبطون، وفي ضلالهم يعمهون، وفي باطلهم يترددون، نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون".

رابعاً: وصف الأكثرية بأنهم لا يشكرون

شكر المنعم من الواجبات، قال تعالى: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} (البقرة:152). ووعد سبحانه عباده الشاكرين بزيادة نعمه عليهم، فقال تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم} (إبراهيم:7)، بيد أن الإنسان ظلوم كفور جهول، لا يعترف بما أنعم الله عليه، ولا يشكر خالقه على نعمه التي لا تحصى، ومن ثم جاء الوصف القرآني للأكثرية بعدم الشكر، وذلك في عشر آيات:

خُتمت ثلاث آيات منها بقوله سبحانه: {ولكن أكثر الناس لا يشكرون} (البقرة:243)، (يوسف، الآية 38) (غافر، الآية 61). وخُتمت آيتان بقوله تعالى: {ولكن أكثرهم لا يشكرون} (يونس:60) (النمل، الآية 73). وختمت أربع آيات بقوله عز وجل: {قليلا ما تشكرون} (الأعراف:10) (المؤمنون، الآية 78) (السجدة، الآية 9) (الملك، الآية 23). وخُتمت آية واحدة بقوله جل وعلا: {ولا تجد أكثرهم شاكرين} (الأعراف:17). ويمكن أن يضاف إلى هذه العشر قوله تعالى: {وقليل من عبادي الشكور} (سبأ:13) ومفهوم هذه الآية الأخيرة أن أكثرية العباد غير شاكرين، بل هم كافرون بخالقهم ورازقهم، وجاحدون بنعم الله عليهم، فلا تزيدهم النعمة شكراً، بل ربما استعانوا بنعم الله على معاصيه، وقليل منهم الشكور الذي يعرف النعمة، ويقر بها، ويصرفها في طاعة المنعم. وفي قوله سبحانه: {ولكن أكثر الناس لا يشكرون} إنصاف للقلة الشاكرة منهم، ومديح لهم على استقامتهم وقوة إيمانهم.

خامساً: وصف الأكثرية بأنهم كافرون

الأصل في الإنسان أن يولد مفطوراً على الإيمان بالله سبحانه، بيد أن جملة من المؤثرات الخارجية تأخذ بيده ذات اليمين وذات الشمال، فإما تثبِّته على طريق الحق والخير، وإما تدفع به إلى طريق الغواية والضلال. والخطاب القرآني يفيد أن الأكثرية تختار الطريق الثاني.

وصف الأكثرية بالكفر جاء في القرآن الكريم في آيتين: الأولى: قوله سبحانه: {ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا} (الإسراء:89). الثانية: قوله تعالى: {ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا} (الفرقان:50). ويمكن أن يدخل في هذا الوصف أيضاً قوله عز وجل: {وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور} (الحج:66) وقوله عز وجل: {وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين} (الزخرف:15). وقوله جل علاه: {وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون} (الروم:8). فالواجب على المؤمن حق الإيمان أن يعتقد أن كل نعمة أنعم الله بها عليه هي من عند الله المنعم المتفضل، ويجب أن يقابل كل هذه النعم بالشكر والامتنان لا بالكفر والجحود، ولا يفطن لذلك إلا من رُزق قلباً نابضاً بالإيمان، ولساناً لاهجاً بذكر الله تعالى وشكر نعمه.

سادساً: وصف الأكثرية بأنهم لا يعقلون

حث القرآن الكريم الإنسان على إعمال عقله، ودعاه إلى استخدامه فيما يعود عليه بالنفع في الدنيا، والخير في الآخرة. غير أن كثيراً من الناس غفلوا أو تغافلوا عن هذه الحقيقة؛ فهم إما أنهم لا يُعملون عقولهم، أو أنهم يُعملونها في غير ما يرضي الله سبحانه؛ لذلك جاء وصف الأكثرية في القرآن بأنهم {لا يعقلون}.

ووَصْفُ الأكثرية في القرآن بأنهم {لا يعقلون} ورد في ثلاث آيات: الأولى: قوله تعالى: {ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون} (المائدة:103). الثانية: قوله سبحانه: {ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون} (العنكبوت:63). الثالثة: قوله عز وجل: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون} (الحجرات:4) وهذه الآيات تخبر أن أكثر الناس لا يُعملون عقولهم فيما أنعم الله عليهم من خيرات ونعم، ولا يتأملون فيما بثه حولهم من آيات وعبر.

سابعاً: وصف الأكثرية بغير ما تقدم

وردت آيات أُخر تصف (الأكثرية) بغير ما تقدم من الأوصاف، هي:

1- قوله تعالى: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين} (الأعراف:101-102) أي: ما وجدنا لأكثر الناس من وفاء بعهودهم في الإيمان والتقوى، بل الحال والشأن أننا علمنا أن أكثرهم فاسقون، خارجون عن طاعتنا، تاركون لأوامرنا، منتهكون لحرماتنا. قال الشوكاني: "الضمير يرجع إلى أهل القرى المذكورين سابقاً، أي: ما وجدنا لأكثر أهل هذه القرى من عهد، أي: عهد يحافظون عليه ويتمسكون به، بل دأبهم نقض العهود في كل حال. وقيل: الضمير يرجع إلى الناس على العموم، أي: ما وجدنا لأكثر الناس من عهد". وقال الشيخ السعدي معقباً على هذه الآية: "فالله تعالى امتحن العباد بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وأمرهم باتباع عهده وهداه، فلم يمتثل لأمره إلا القليل من الناس، الذين سبقت لهم من الله سابقة السعادة. وأما أكثر الخلق فأعرضوا عن الهدى، واستكبروا عما جاءت به الرسل، فأحل الله بهم من عقوباته المتنوعة ما أحل".

2- قوله سبحانه: {كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون * بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون} (فصلت:3-4) المراد بـ (الأكثر) هنا: الكافرون الذين لا ينتفعون بهدايات القرآن الكريم. والمراد بالآية: أن هذا القرآن أنزله سبحانه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس به من الظلمات إلى النور، فأعرض أكثرهم عن هداياته؛ لاستحواذ الشيطان عليهم، فهم لا يسمعون سماع تدبر واتعاظ، وإنما يسمعون بقلوب قاسية، وعقول خالية من إدراك معانيه، ومن الاستجابة له.

3- قوله عز وجل: {فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون} (يونس:92)، أي: أكثر الناس غافلون عن آيات الله، وسادرون عنها.

4- قوله جل وعلا: {ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} (الكهف:54) قال ابن كثير: ولقد بينا للناس في هذا القرآن، ووضحنا لهم الأمور، وفصلناها؛ كيلا يضلوا عن الحق، ويخرجوا عن طريق الهدى. ومع هذا البيان وهذا الفرقان، الإنسان كثير المجادلة والمخاصمة والمعارضة للحق بالباطل، إلا من هدى الله وبصَّره لطريق النجاة".

5- قوله تعالى: {ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء} (الحج:18) أي: إن كثيراً من الناس امتنع عن طاعة ربه، وأبى الخضوع لأمره، واستكبر في الأرض، فحق عليه العذاب.

6- قوله عز وجل: {وقليل ما هم} (ص:24) أي: إن الصالحين من العباد قليلون، والطالحون منهم كثيرون.

ومقابل الآيات التي وصفت (الأكثرية) بأوصاف مذمومة شرعاً وعقلاً، وردت آية تصف الأكثرية بأوصاف محمودة، تلك قوله عز وجل: {ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب} (الحج:18) قال ابن كثير: "أي: {وكثير من الناس} يسجد لله طوعاً مختاراً متعبداً بذلك". روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "المعنى: وكثير من الناس في الجنة، وكثير حق عليه العذاب". فمَدْح (الأكثرية) في الآية مع أنه غير مصرح به، بيد أنه مستفاد من التصريح المقابل بأن (الأكثرية) حق عليها العذاب؛ إذ كثيراً ما يُستغنى بدلالة ما هو مذكور على ما هو محذوف.

وفي الختام نشير إلى أمرين مهمين:

الأول: أن القرآن من خلال وصفه للأكثرية بتلك الأوصاف، إنما يكشف عن طبيعة النفس البشرية في كل زمان ومكان، كي يحملها على مخالفة أهوائها، ولجم شهواتها، والحد من رغباتها، ويحثها على الإكثار من ذكر الله تعالى، وشكر نعمه وأفضاله.

الثاني: أن الآيات التي ذمت (الأكثرية) ينبغي أن تقرأ ضمن سياقاتها التي وردت فيها، وأن تُفهم وفق أسباب نزولها؛ إذ الأغلب في تلك الآيات أنها وردت في حق أقوام معينين، وبالتالي فذم (الأكثرية) ليس على إطلاقه، لكن ثمة بعض الآيات التي وصفت (الأكثرية) بأوصاف مذمومة، يفيد سياقها أن المراد منها مطلق الوصف، بمعنى وصف (الأكثرية) من الناس بهذا الوصف المذموم، لا أقوام معينين، فالسياق هو المحدد الرئيس في بيان المراد، فينبغي الالتفات إليه.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة