الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الكتب والرسائل

الكتب والرسائل

الكتب والرسائل

أتاح صلح الحديبية بين المسلمين وقريش فرصة عظيمة للمسلمين للتوجه نحو النشاط الدعوي ، وبداية مرحلة جديدة ، وهي توسيع رقعة الدعوة الإسلامية ، ونقل تعاليم ومباديء هذا الدين إلى أكبر شريحة من الناس عن طريق مخاطبة ملوكهم وأمرائهم .

وقد بدأت هذه المرحلة منذ أواخر السنة السادسة للهجرة ؛ حين انطلقت مواكب الرسل تحمل الخير ونور الهداية ، من خلال رسائل وخطابات مختومة بختم النبي صلى الله عليه وسلم ، وموجهة إلى الزعماء ، يدعوهم فيها إلى الإسلام ، لينالوا ملك الدنيا والآخرة ، ويسعدوا بالسعادة الحقيقية ، التي لا تكون إلا بالعبودية لله بحق ، والبعد عن عبادة غيره ، أو الإشراك به .

فتوجهت الكتب والرسائل إلى النجاشي ملك الحبشة ، وإلى المقوقس ملك مصر ، وإلى كسرى ملك فارس ، وإلى قيصر ملك الروم ، وإلى المنذر بن ساوى حاكم البحرين ، وإلى هوذة بن علي صاحب اليمامة ، وإلى الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق ، وإلى ملك عُمان جيفر بن الجلندي وصاحبه عبد بن الجلندي الأزدي .

واختار النبي صلى الله عليه وسلم لهذه المهمّة عددا من خيرة أصحابه ، كان منهم عبدالله بن حذافة السهمي ، و عمرو بن أمية الضمري ، و دحية بن خليفة الكلبي ، و شجاع بن وهب ، و حاطب بن أبي بلتعة ، رضي الله عنهم أجمعين .

وحين نستعرض سير هذه الثلّة ندرك أن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عشوائياً ، بل كان قائما على أسس ومواصفات ارتأى النبي صلى الله عليه وسلم توفّرها فيمن أراد أن يقوم بتلك المهمّة الحساسة ، فإنهم باديء ذي بدء دعاة توفّر لديهم العلم الشرعي ، ثم إنهم كانوا على قدر كبير من طلاقة اللسان وحسن البيان ، وقد ضمّوا إلى ذلك جمالا في المظهر يعطي انطباعا حسناً لمن يلقاهم – كما هو الحال عند دحية الكلبي رضي الله عنه - ، وأخلاقا رفيعة وحكمة وحسن تصرّف ، وسرعة بديهة يتطلبها الحوار مع الساسة والقادة .

وكانت تلك الخطابات تحمل في طيّاتها الرأفة ومحبة الخير والهداية لهم ، فقد كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على إسلامهم حرصه على بلوغهم الدعوة .

ونستطيع أن نلمس ذلك من خلال الرجوع إلى مضامين تلك الرسائل ، فلما كان " هرقل " عظيم الروم و" المقوقس " عظيم الأقباط ممن يدينان بالنصرانية المحرّفة التي تغلو في المسيح عيسى عليه السلام وترفعه إلى درجة الألوهية ، نرى التنصيص على عبودية الناس عموما والرسل خصوصاً لله رب العالمين ، وتأكيدا لذلك أورد في كلا الرسالتين قوله تعالى : { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } ( آل عمران : 64 ) ، وفي المقابل كان " كسرى " وقومه ممن يعبدون الشمس والنار ، فحرص النبي صلى الله عليه وسلم على تصحيح هذا المفهوم من خلال إيراده لحقيقة التوحيد في ثنايا رسالته .

ومع ذلك تبقى الهداية فضلاً من الله يؤتيه من يشاء ، ويمنعه عمن يشاء ، فآمن بعض الملوك ، واتبع الهدى ، فأنقذ نفسه وقومه من ظلمات الكفر ، وكان من هؤلاء المنذر بن ساوى ملك البحرين ، وجيْفر بن الجلندي وهبد بن الجلندي صاحبي عمان ، وبقي البعض على الكفر يتخبّط في ظلامه ، طمعاً في جاهٍ زائل ، أو حرصاً على دنيا فانية ، أو خوفاً من حاشيته وقومه : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين } (القصص : 56) .

وبهذه الخطوة نقل النبي صلى الله عليه وسلم دعوته المباركة إلى ملوك الأرض ، وعرفهم بالدين الجديد الذي يكفل لأتباعه سعادة الدارين ، وفي هذا أعظم دلالة على عالمية الدعوة وشموليتها زمانا ومكانا .

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة