الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

غريب الحديث في باب المسح على الخفين

غريب الحديث في باب المسح على الخفين

غريب الحديث في باب المسح على الخفين

وردت ألفاظ نبوية في أحاديث المسح على الخفين فيها غرابة تحتاج إلى البحث عن معانيها ودلالاتها؛ خاصة إذا كان الاستنباط الفقهي مرتبطا بالاستعمال اللغوي، فقد يكون منشأ الخلاف الفقهي بين الفقهاء مرتبطا بالمعنى المعجمي للكلمة، فهذا عرض لأهم غريب الأحاديث لهذا الباب:

المَشَاوذ والتّسَاخِيْن: وردت هذه اللفظة في سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد وشرح السنة للبغوي من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: "بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين". زاد في شرح السنة "والمشاوذ"، والمَشَاوِذ : العمائم ، واحدها : مِشْوَذ.

قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط:
إذا ما شددتُ الرأس مني بِمِشْوَذٍ فَغَيَّكِ مني تغلبُ ابنةُ وائل

والعصائب: هي العمائم أيضا، سميت بذلك ، لأن الرأس يعصب بها، قال ابن الأثير في النهاية: العصائب هي: العمائم؛ لأن الرأس يعصب بها، والتساخين: كل ما يسخن به القدم من خُفٍّ وجَوْرَبٍ ونحوهما، ولا واحد لها من لفظها.

وقد حصل خلاف بين أهل اللغة في تفسير معنى "التَّسَاخين"، ويمكن إجمال أقوالهم إلى ثلاثة أقوال هي:

الأول: أنها بمعنى الخف، قاله أبو عبيد وغيره.
الثاني: أنها كل ما يسخن به القدم من جورب وخف وغيره، قاله ابن الأثير في النهاية.
الثالث: أن لفظة تساخين لفظة فارسية عربت عن أصلها: تَشْكِن، وهو اسم غطاء من أغطية الرأس، وغلط من فسرها بالخف، وقالوا: فسرها بالخف من لا علم له بالفارسية، وهو قول حمزة الأصفهاني.

وبناء على هذا الخلاف اللغوي حصل خلاف فقهي في الاستدلال بالحديث على جواز المسح على الجوارب، فقال بعض الفقهاء: يجوز المسح على الجوارب بشرطين: أن يكون صفيقاً -ثخينا-، وأن يكون مستمسكا إذا مشى عليه، وهذه المسألة من مفردات الحنابلة؛ بناء على أن المراد بالتساخين كل ما يسخن به القدم من جورب وغيره، ومنع الجمهور الاستدلال به؛ لحملهم التساخين على معنى الخف، وهو ما قاله أبو عبيد وغيره من أهل اللغة.

المُوْق: ورد هذا اللفظ في كتب السنة، في باب الطهارة عن أبي عبد الرحمن السلمي : أنه شهد عبد الرحمن بن عوف يسأل بلالا عن وضوء رسول الله -صلى الله عليه و سلم- فقال «كان يخرج يقضي حاجته فآتيه بالماء فيتوضأ ويمسح على عمامته ومُوْقَيْه ».
عن بلال رضي الله عنه قال: «رأيت رسول الله ? يمسح على المُوْقَيْن والخمار» رواه أحمد، ورواه سعيد بن منصور في سننه عن بلال أيضا قال : سمعت رسول الله ? يقول : «امسحوا على النَّصِيف والمُوْق».
وورد لفظ "المُوْق" في باب آخر في البخاري عن أبى هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- « أن امرأة بَغِيّاً رأت كلباً فى يوم حار يَطِيف ببئر قد أَدْلَع لسانه من العطش فنزعت له بمُوْقِها فغفر لها ».

الموق كلمة فارسية معربة عن "مُوْكَه" والمشهور أنها معربة عن "موزه" وأيا كان أصلها، فهي: نوع من الخفاف غير أنها مقطوعة الساق.
ذكر الجوهري في الصحاح والفيروزآبادي في القاموس وغيرهما أن الموق: خف غليظ يلبس فوق الخف، غير أنه مقطوع الساقين كما أفاده.

النَّصِيْف: ودر هذا اللفظ في عدة أحاديث منها هذا الذي تقدم في سنن أبي داود «إمسحوا على النَّصِيْف والمُوْق » .
وورد في مواضع يختلف معناه باختلاف سياقه في حديث رواه مسلم عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-«لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه» المد: ربع الصاع، والنصيف: نصفه، قال أبو عبيد: والعرب تسمي النِّصْف بـ النَّصِيْف، كما قالوا في العُشُر عَشِيْر وفي الخُمُس خَمِيْس وفي الثُّمُن ثَمِيْن وفي التُّسُع تَسِيْع.

وفي حديث البخاري عن أنس رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:« ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأت ما بينهما ريحا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها».
وفي رواية في المسند قال –أبو أيوب مولى عثمان بن عفان-: قلت: يا أبا هريرة: ما النصيف ؟ قال: " الخمار".
قال الأزهري النصيف الخمار، ويقال أيضا للخادم، قال ابن حجر: قلت والمراد هنا الأول جزما وقد وقع في رواية الطبراني «ولتاجها على رأسها».

ساذِج: بكسر الذال وفتحها، هو: الشيء الذي يكون على لون واحد لا يخالطه غيره، وفي الحديث: " خُفَّيْن سَاذَجَيْن" بالتثنية، وهو معرب "ساده" أي: ليس عليهما أعلام من الخيوط وغيرها للزينة».
ورد هذا اللفظ في كتب السنة، كسنن ابن ماجة والسنن الكبرى للبيهقي وغيرهما، عن عبد الله ابن بريدة ، عن أبيه، "أن النجاشي أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم خفين ساذجين أسودين ، فلبسهما".
ويقال: كلام ساذج وهو ما خلا من الحجة والبرهان، والحجة الساذجة دون البالغة، ورجل ساذج بمعنى سهل حسن الخلق خالي الذهن.
قال الزبيدي في تاج العروس: وأما استعمال ابن الخطيب وغيره من أهل الأندلس السداجة في معنى السهولة وحسن الخلق ، إنما هو من الساذج ، بالمعجمة ، التي تأتي بعد معرب ساده ، وهو خالي الذهن عندهم وهو في معنى السهل الخلق، ثم إنهم لما عربوه أجروا عليه استعمال اللفظ العربي من الاشتقاق وغيره ، وأهملوا الذال لكثرة الاستعمال، هاذا هو التحرير ، ولا ينبئك مثل خبير .

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة