الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإعلام والوقيعة في علماء الشريعة

الإعلام والوقيعة في علماء الشريعة

الإعلام والوقيعة في علماء الشريعة

مما لا شك فيه أن للعلماء في الإسلام منزلة عظيمة، ومكانة رفيعة، منزلة واهبها هو الله سبحانه، فقد جاء في التنزيل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[المجادلة:11]، وقال جل شأنه: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فاطر:28].

والرجوع إلى العلماء، والاحتفاء بهم، وتوقيرهم سر من أسرار صيانة الدين، والمحافظة على مظاهره وعلو كعب أتباعه على المخالفين والمناوئين وأصحاب الفكر الضال والأفكار الهدامة، وقمع لأصحاب الشهوات والشبهات وأهل الشقاق والنفاق.

وقد تنبه أعداء الإسلام في خارج بلاد المسلمين وداخلها إلى عظيم أثر العلماء في حفظ دين الأمة، وخاصة عند النوازل والفتن وعند تغير الأحوال وكثرة المستجدات، وتنبهوا إلى دورهم في كشف مخططات الأعداء والمغرضين وأهل الفتن، فعمدوا إلى تنظيم حملات لتهوين مقام العلماء، وإضعاف تأثيرهم، وإسقاط هيبتهم عند الناس، وإبعادهم عن مسار الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية بشتى الطرق ومختلف السبل.

تخطيط إعلامي ممنهج
وقد كان للإعلام الدور الأكبر، وكان هو السبيل الأعظم والمطية الكبرى للقيام بهذا الدور القذر في إسقاط العلماء ومحاولة فصلهم عن عموم الناس، ووضع حواجز بينهم وبين أفراد الشعوب، وقد استخدم وسائل وطرقا متعددة في هذه الهجمة اللاأخلاقية يمكن أن نوجزها فيما يلي:
أولاً:ضرب آراء العلماء بعضهم ببعض، والمقصد من هذا:
ـ إظهار أن العلماء على غير كلمة سواء وأنهم مختلفون فيما بينهم.
ـ تمرير الآراء الشاذة وسقطات بعض العلماء على أنها رأي مستساغ وخلاف معتبر.
ـ إحداث بلبلة عند المتابعين في أي الشيخين أصح وأي الفتويين أرجح.

ثانياً: استغلال زلات بعض من ينتسب للعلم في تمرير بعض المخططات التغريبية.

ثالثاً: فتح الباب لاتهام بعض العلماء بالتشدد وعدم التيسير على الناس؛ من خلال استضافة بعض المتهاونين أو المأجورين، أو من خلال مداخلات معدة ومخطط لها سلفا مع المستمعين.

رابعاً: اتهام العلماء بأنهم يعادون كل جديد وغير مألوف، أو أنهم لم يستطيعوا مواكبة التقدم التقني والانفتاح الحضاري، وأن فتاواهم لا تصلح لهذه المرحلة.

خامساً: إظهار العلماء على أنهم: إما أتباع للسلاطين وأنهم يسعون في هواهم ورضاهم سعيا وراء الدنيا والهوى. وإما خارجون عنهم، ساعون للفتنة، وتفتيت المجتمع والقضاء عليه. والغرض إسقاطهم عند المتلقي والسامع، ونبذ المجتمع لهم في الحالين.

سادسا: اختيار بعض الفتاوى العجيبة والغريبة والصادمة وهذه لها طرق كثيرة:
فمنها: إظهار فتاوى من بعض الجهلة واستضافتهم أو إبرازهم على أنهم من العلماء أو المنتسبين إلى العلم.
ومنها: اقتطاع بعض الأجزاء من كلام صحيح في مجمله ولكن بعد الاقتطاع يوهم بأنه فتوى من الشيخ نفسه.
ومنها: دبلجة بعض المقاطع، وتنسب زورا وبهتانا لبعض أهل العلم المعروفين.
ومنها: الافتراء على العلماء في الجرائد والمجلات والأخبار، والكذب عليهم ونسبة بعض الفتاوى الشاذة إليهم.

أخطار هذه الهجمة وآثارها؟
إسقاط هيبة الدين في قلوب الناس:

وذلك بإسقاط هيبة علمائه: فالعلماء هم حفظة الدين، ونقلته، والداعون إليه، والمدافعون والمنافحون عنه والذائدون عن حياضه ضد كل مفتر ومغرض وجاهل، وهم ممثلوا الدين وورثة سيد المرسلين وواجهة الإسلام، فإسقاطهم إسقاط لهيبة الدين، وطمس لمعالمه وصواه ومناراته، فيعم الجهل والفوضى والبدع، فهدم رؤوس الديانة أقصر الطرق لهدمها، والطاعن في العلماء معين على هدم الدين.

فض الناس عن العلماء:
وإذا انفض الناس عن العلماء فكيف يعيشون وكيف يتعاملون، ومن يدلهم على الحلال والحرام، والخير والشر، وقد قال الأولون: لولا العلماء لكان الناس كالبهائم. فما أسهل وقوع الناس في الأخطاء والعلل، وما أيسر تعرضهم للأخطار والزلل.

جرح العالم رد لعلمه:
فالطعن في العالم لا يتوقف عند شخصه، ولكنه طعن يصل إلى ما يحمله من العلم، ولذلك كان الطعن في العلماء بابًا من أبواب الزندقة. قال الإمام أحمد رحمه الله: إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام، فإنه كان شديدًا على المبتدعة. وقال يحيى بن معين: إذا رأيت الرجل يتكلم في حماد بن سلمة وعكرمة مولى ابن عباس فاتهمه على الإسلام. وقال سفيان بن وكيع: أحمد عندنا محنة، به يعرف المسلم من الزنديق.

تصدر غير المتأهلين:
فيتخذ الناس رؤوسا جهالا يفتون بغير علم فيضلون ويضلون، وقد بين هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم [إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا، وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ، فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ](رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو).
فلا تسل بعد ذلك عن الحرمات التي تستباح، والأعراض التي تنتهك، والدم المعصوم الذي يهراق، والمال الذي يهدر.

انزواء العلماء والدعاة:
طلبا للسلامة وصيانة لأعراضهم، وحفظًا لحياة قلوبهم. فإذا انزوى هؤلاء خلت الساحة عن الأخيار الذين يبصرون الناس ويعلمونهم ويدعونهم إلى الله تعالى.
تمرير مخططات الأعداء: لأن العلماء هم أول من يهتك ستر الأعداء ويكشف عوارهم، فإذا فقد الناس الثقة في علمائهم فمن يبصرهم بما يحاك لهم ويراد بهم.. فإن العلماء هم عقول الأمة ونورها، وكل أمة لا تحترم عقولها لا تستحق الحياة.

كثرة الفساد وانتشار الفواحش والمنكرات:
بعد إضعاف صوت العلماء فتكثر الفئات المنحرفة مما يجرئ السفهاء على الاعتداء على الأعراض والأموال استمراء المنكرات وعدم التحرج من الإعلان بها، فالناس إذا لم تلتفت إلى العالم وتحذيره وإنكاره فسوف يستمرئ الناس المنكر ويصبح عندهم مألوفاً، أما إذا حفظت مكانة العالم ونشرت فتاواه ومقالاته وبياناته وكلماته في وسائل الإعلام ووصل صوت الحق تحرج الناس من المنكر وإن وقعوا فيه وقعوا وهم في خجل وحياء.

علمنة المجتمعات الإسلامية وتغريبها:
وصبغها بالصبغة غير الإسلامية في مظهرها الخارجي وسلوكها الداخلي، وإبعاد الدين عن التأثير في واقع حياة الناس بعد إبعاد وإضعاف صوت وتأثير العلماء وحملة الشريعة عن واقع الحياة. وفتح الباب أمام الطروحات التغريبية والسعي في إسقاط وتشويه الحلول الشرعية التي يرفع لواءها العلماء وحملة الشريعة، وخاصة مع طغيان المادة وضعف الديانة ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ظهور الأفكار الضالة واختلال الأمن:
كظاهرة التكفير والغلو بين شباب الأمة: وذلك بعد إسقاط العلماء الذين يبينون الحق، ويقومون الفكر، ويحاربون كل انحراف وغلو، ويدلون الناس على الطريق الوسط والدين الصحيح القويم؛ وهذا بدوره يؤدي حتما إلى اختلال الأمن بكل أنواعه من خلال نتيجة لهذه الأفكار المنحرفة، واتباع المناهج الضالة.

سبل المواجهة لهذه الحملة الظالمة:
أ- توقير العلماء من قبل الدولة،
وإظهار فضلهم ومكانهم، والدفاع عنهم بشكل معلن حتى يهاب جانبهم، ويرهب الطاعن فيهم والمتجرئ عليهم.

ب- التعريف بهم وبجهودهم وتاريخهم، وإبراز محاسنهم، ومواقفهم المشكورة في الدفاع عن الدين والأوطان، وحفظ الأمن، ورد المظالم، وصيانة الشريعة.

جـ- معاقبة المستهزئين بهم والمتجرئين عليهم والطاعنين فيهم والعاملين على إسقاطهم وتشويههم. والدفاع عنهم بشكل جماعي ومعلن، وبيان الحكم الشرعي في الوقوع في أعراضهم.

ج ـ إغناء العلماء دنيويا وكفايتهم ماديا، ليتفرغوا للعلم ونشره والدعوة، وهو أمر مهم لاستقلال الفتوى، وحمايتهم من التعرض لدنيا الناس وبيع مواقفهم لنيل العاجلة، والركون إلى أهل الدنيا، والمغرضين.

د ـ تمكينهم من وسائل الإعلام الرسمية ـ وغير الرسمية ـ للتعليم والإفتاء بشكل أكبر، وفتح المجال أمامهم لبيان حكم الدين في كل الأمور باللصوت والقلم من خلال الإذاعة والتلفاز والصحف والمجلات والانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

هـ ـ إبراز فتاواهم التي تعالج المشاكل المعاصرة، والسرعة والمبادرة في الإجابة على النوازل والمستجدات، والعناية بها حتى لا يتجاوز الناس العلماء إلى بعض الحلول المشوهة والتي تخالف الشريعة.

و ـ الدفاع عنهم ضد حملات التشويه التي يمارسها الإعلام ضدهم، والتواصل معهم لتثبيتهم والوقوف معهم معنويا وحسيا، مع إظهار مؤازرة الرأي العام لهم؛ مما يثبت المترددين ويقمع المعتدين.

ز ـالعمل على تمكين العلماء من الاجتماع للنظر في القضايا المصيرية والخروج بفتاوى جماعية ما أمكن، فهي أبعد عن الزلل والخطأ، وهي أدعى للتآلف ووحدة الكلمة، وحتى لا يظن الناس التنافر والاختلاف بين العلماء.
والله نسأل أن يحفظ الدين ويحفظ أهله، ويهدي عباده إلى سواء السبيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مصادر:
ـ الهجمة الإعلامية على العلماء (د.ناصر الحنيني).
ـ الأدب مع العلماء (مقالات: إسلام ويب).
ـ مقالات أخرى.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة