الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وسائل الإعلام ووظائف اللغة

وسائل الإعلام ووظائف اللغة

وسائل الإعلام ووظائف اللغة

لو سألت أميًّا عن وظيفة اللغة، وصُغت السؤال في قالب على النحو الآتي: لماذا تتكلَّم إلى الآخرين؟ لشك في جدية سؤالك؛ لأن الإجابة تكاد تكون بدهية من البدهيات، وهي: "حتى يفهمني الآخرون"، أو "حتى أبلغهم ما أريد" أو ما شابه ذلك.

ولا يشك أحد في أن هذه هي الوظيفة الأساسية للغة، وأنها هي التي جعلت من الإنسان كائنًا اجتماعيًّا، ومكَّنته من الشعور بذاته، ومن الاتصال بغيره، ومن العسير أن نتصور حالة أوَّليةً للإنسان كان محرومًا من مثل هذه الوسيلة الناجعة للعمل، فتاريخ البشرية من بدايته يفترض وجود لغة منظمة، وما كان في وسع الإنسان أن يسير في طريق التطور دون لغة.

ولكن وجود الأصل لا يُلغي وجود الفرع، وبتعبير آخر: وجود الأهم لا يلغي وجود المهم، فإذا كان التعبير عمَّا في النفس، والتفاهم مع الآخرين هو الفرض الأصلي الرئيسي للغة، فإن هناك أغراضًا أخرى مهمة، وإن قلَّت في أهميتها عن هذا الغرض الرئيسي الأصلي.

وقد حدد "جيفرنز" أغراض اللغة في أمور ثلاثة هي:
1. كون اللغة وسيلة التفاهم.
2. كونها أداة صناعية تُساعد على التفكير.
3. كونها أداة لتسجيل الأفكار والرجوع إليها.

وتكاد هذه المهام الثلاث تمثِّل الوظائف الأساسية لأية لغة من اللغات، ويبقى الخلاف بين ما ذكرناه وغيره خلافًا لفظيًّا كتحديد الأستاذ "ألبرت" وظائف اللغة الاجتماعية فيما يأتي:
1. أنها تجعل للمعارف والأفكار البشرية قيمًا اجتماعية بسبب استخدام المجتمع اللغة للدلالة على معارفه وأفكاره.
2. أنها تَحتفِظ بالتراث الثقافي، والتقاليد الاجتماعية جيلاً بعد جيل.
3. أنها باعتبارها وسيلة لتعلُّم الفرد تساعده على تكييف سلوكه وضبطه، حتى يُناسب هذا السلوك تقاليد المجتمع وسلوكه.
4. أنها تزود الفرد بأدوات للتفكير.

ويرتبط بالوظيفة الاجتماعية للغة، بل يَدخُل في صُلبها: أنها تُحقِّق الارتباط الروحي بين أفراد مجتمع معيَّن، وقد تختلف مجموعات من الدول في البيئة والجنس، أو الدين، أو غير ذلك من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، ولكنها تظل متحدة مُتماسكة إذا كانت لغتها واحدة، وبهذا نفسِّر حرص الدول الاستعمارية على نشر لغاتها في الأمم التي تستعمرها لأنها تكتسب بهذا الغزو الفكري قلوبًا وميولاً، ربما لا تحصل عليها بطريق العنف، واستعمال القوى المادية.

وقد بدأ المفكِّرون ينظرون إلى اللغة على أنها من أهم العوامل التي يمكن استخدامها في تحقيق فكرة التقارب والتفاهم العالمي؛ وذلك بتبادل الآداب المختلفة والدراسات الاجتماعية كالتاريخ والاجتماع والتربية الوطنية، وغير ذلك مما يوضِّح آمال الشعوب وطبائعها وعواطفها ومزاياها، وكل ذلك يُساعد على تقريب وجهات النظر بين الشعوب المختلفة.

اللغة ووسائل الإعلام
وتلتقي "اللغة" مع وسائل الإعلام في مهامها الاجتماعية، لا في الهادفية فحسب، ولكن في التفاعل - تأثرًا وتأثيرًا - كذلك، "فالنظام الاجتماعي الذي تعمل في إطاره وسائل الإعلام يعتبر من القوى الأساسية التي تؤثر على القائمين بالاتصال، فأي نظام اجتماعي ينطوي على قيم ومبادئ يسعى لإقرارها، ويعمل على قبول المواطنين لها، ويمكن أن تُعتبر هذه المهمة أو الهدف متصلة بوظيفة التنشئة الاجتماعية أو التطبيع، وتعكس وسائل الإعلام هذا الاهتمام بمحاولاتها المحافظة على القيم الثقافية والاجتماعية، وضمان قبول المواطنين لهذه القيم".
لذلك كان التنازل عن لغة الأمة تنازلاً عن جزء من عقلها، وكما يقول "همبلت": "إن لسان أمة جزء من عقليتها، وإن لغة شعب ما هي إلا روحه، كما أن روح الشعب لغته".

وفي إجمال وإيجاز نقرِّر في هذا المقام أن وسائل الإعلام - بصفة عامة - والتلفاز - بصفة خاصة - تعد من عوامل توحيد الأفكار والمشاعر بين الناس، وتوحيد عاداتهم وتقاليدهم وأنماط سلوكهم وقيمهم؛ "لأن الآلاف منهم يشاهدون نفس المؤثرات، فهو يساعد على تحقيق وحدة الفكر والمعايير والثقافة والأذواق الجمالية".

وبعد هذا التعميم من حقِّنا أن نسأل: ما العطاء الجديد الذي قدمته وسائل الإعلام للغة العربية؟ وما قيمة هذا العطاء ومردوداته ونتائجه؟

لقد قدمت هذه الوسائل - ولا شك - لغة جديدة، وقد اصطلح الإعلاميون والباحثون على تسميتها باللغة الإعلامية، وهي "اللغة التي تشيع على أوسع نطاق في محيط الجمهور العام، وهي قاسم مُشترك أعظم في كل فروع المعرفة والثقافة والصناعة والتجارة والعلوم البَحتة، والعلوم الاجتماعية والإنسانية، والفنون والآداب؛ ذلك لأن مادة الإعلام في التعبير عن المجتمع والبيئة تستمد عناصرها مِن كل فن وعلم ومعرفة".

ولا شك أن النفوذ الهائل لوسائل الإعلام في مجال اللغة هو الذي أدى دورًا مهمًّا في خلق اللغة المشتركة بين أصحابها، فأصبحت عمادًا رئيسًا "قوة الجذب اللغوية"، وهي القوة التي تتَّجه إلى التجميع، وتطهير اللغة من عناصر التفرقة التي تفد عليها.

ونحن نوجز هنا أبعاد اللغة الإعلامية في الصفات والخصائص الآتية:
• المباشرية.
• السهولة والوضوح.
• التخفيف من الأثقال اللغوية والخيالية، إلى حدِّ التخلُّص التام أحيانًا:

1) فهي لغة تتجنَّب المقدمات الطويلة، وتعالج الموضوعات معالجة شاملة بطرحها للمتلقي، دون التقدمات المسهبة التي كان يقصد بها قديمًا جذبه والتأثير القبلي عليه، فالوصول إلى أفكار الموضوع يكون وصولاً مباشرًا، دون التوقف عند نتوءات فكرية فرعية، ويظهر ذلك - بصفة خاصة - في نشرات الأخبار والتعليق عليها.

2) وهي لغة سهلة واضحة تنزَّهت عن الإغراب، فلم تعد تستخدم الغريب الوحشي أو المهجور أو المُمات من ألفاظ اللغة، وتصدق هذه الخصيصة على البرامج التراثية؛ كالتفسير، والتوعية الدينية، وتقديم الكتب القديمة وتحليلها.

3) وتخفَّفت هذه اللغة - إلى درجة التخلص أحيانًا - من الصور البيانية، فأحلَّت التعبيرات المباشرة السهلة محل العبارات البيانية.

ولا شك أن هذا الأسلوب الإعلامي يحقق أهم هدف من أهداف اللغة وهو "إفهام الآخرين ما يعبر عنه برموز أي ألفاظ مركبة".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من مقال لـ "أ.د. جابر قميحة" بتصرف.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة