الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دراسة الحروب الصليبية.. ضرورة

دراسة الحروب الصليبية.. ضرورة

دراسة الحروب الصليبية.. ضرورة

الحروب الصليبية: هي حروب دينية عقدية قامت بها أوربا النصرانية ضد العالم الإسلامي، بهدف الاستيلاء على الأماكن المقدسة في بلاد الشام وطرد المسلمين من الأندلس، ثم اتخذت شكلا تنصيريا واسعا وعدوانا فكريا شاملا ومسموما بهدف تحويل المسلمين عن دينهم وتدمير عقيدتهم.

كما يجب علينا النظر لتلك الحروب في ضوء القرآن والسنة، فهي تبين الناحية النفسية والمناحي العقائدية لهذه الحملات المسعورة، والتي ربما يبين بعضها قوله تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}، ونحو قوله: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}.. الخ.

ويجب النظر لتلك الحروب في ضوء الوقائع التاريخية منذ بداية الفتح الإسلامي للشام وما صاحبه من كتابات ودعايات مسمومة مضادة قام بها رجال الكنيسة ضد الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم ـ سواء كانت تلك الكتابات في بلاد الشام والعراق ومصر أو داخل دولة الروم أو في الأندلس أو في غرب أوربا ـ والتي تراكمت عبر القرون لتغرس حقدا جماعيا في قلوب العالم الغربي ضد الإسلام والمسلمين، ولتنفجر بركانا مدمرا ضد المسلمين، وهو ما يعبر عنه بالحروب الصليبية ...الخ .

ويمكننا القول بأن هذه الحروب لم تأخذ قدرها من الأهمية عند مفكري المسلمين وصانعي نهضتهم وراسمي استراتيجيتهم، ولا عند أصحاب الثقافة والمتحكمين في زمام الأمور، أو مقدمي ساستهم. رغم زخمها التاريخي وأثرها الذي عم جميع مناحي الحياة في بلاد الإسلام سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الفكرية الثقافية أو العقدية الدينية، وحتى الآثار السياسية على المستويين الدولي والإقليمي.

عددها كموج البحر
وأقل ما يدل على عدم هذا الاهتمام عندنا عدم معرفة تاريخ هذه الحملات، ولا عددها ولا وجهاتها معرفة حقيقية حتى زعم البعض ـ وهو من الاخطاء الشائعة في كتب التاريخ ـ أن عدد الحملات الصليبية ثمان حملات، والحق أن الحروب الصليبية حروب عالمية استمرت ضد أمة الإسلام عدة قرون ولم تتوقف إلا في عدة هدن قليلة ومتباعدة، ولم يمر عام واحد إلا وجاء محاربون صليبيون لقتال المسلمين، وبعضهم يأتي على هيئة حجاج ثم ينضمون للجيوش الصليبية في بلاد الشام.. وسأضرب بعض الأمثلة على بعض الحملات التي وقعت بين الأولى سنة 490 هجري وبين الثانية سنة 542 هجرية.

فما أن سمع الغرب الأوربي بنجاح الحملة الأولى حتى أخذته الحماسة، فجرد ثلاث حملات ضخمة تناهز في العدد الحملة الأولى سنة 494هجرية، ويسمونها في الغرب حملات سنة 1101م، ولم تأخذ رقما في كتب التاريخ، وقد دمرها الأتراك المسلمون بأكملها في آسيا الصغرى، ولم يصل منها إلا بضع مئات من الأفراد.

وجاءت بعدها حملة إنجليزية، وحملة أخرى أرسلتها البندقية، وفي سنة 502 هـ جاءت حملة سويدية بقيادة ملك السويد سيجورد وساعدت الصليبيين على احتلال صيدا.
وهكذا استمرت الحملات الصليبية تتدفق بدون توقف حتى زمن الحملة الثانية التي حازت رقما في كتب التاريخ، ولذا لزم التنبيه على هذا الخطأ الشائع وخصوصا في المناهج الدراسية، فالحقيقة أنها حرب عالمية شنها الغرب الصليبي على أمة الإسلام ولا تزال قائمة إلى اليوم .

من البراهين على خطأ أن الحروب الصليبية ثمان حملات ما حدث بعد الحملة الثامنة سنة 669 هجرية من حملات كثيرة مثل: الحملة على مدينة المهدية في تونس، والحملة الصليبية على الإسكندرية، والحملة الصليبية على أنطالية، والحملة الصليبية على أزمير، والحملة الصليبية على الدولة العثمانية (حملة نيقوبوليس). وحملات أخرى كثيرة لا حصر لها قام بها القراصنة القطلان (الكتالون) ، والقراصنة القبارصة وقراصنة القديس يوحنا.

وعمت تلك الحملات والغارات العدوانية معظم سواحل وموانئ الشام ومصر وشمال افريقيا وتركيا طوال القرون الثامن والتاسع والعاشر الهجرية وما بعدها!!!

لماذا ندرس الحملات الصليبية؟
هناك أسباب جوهرية تدفعنا لدراسة الحروب الصليبية وهي:
1 ـ أنها لا تزال تؤثر في تكويننا إلى اليوم، فهي السبب الرئيس لذبول حضارة المسلمين نتيجة ما استنفدوه من طاقات مادية وبشرية لمواجهة العدوان الصليبي المتمادي، فتوجهت تلك الطاقات إلى ميادين الجهاد بدلا من توجهها إلى ميادين البناء والنمو والازدهار الحضاري.

2 ـ أن الأساس للرؤية الغربية للإسلام والمسلمين اليوم وقبل اليوم إنما نشأت وتكونت في هذه الحقبة.

3 ـ ان حركة التنصير والاستشراق الغربية الموجهة إلى المسلمين - والتي يعانون منها اليوم كثيرا- قد تولدت وانبثقت عن حقبة الحروب الصليبية.

4 ـ أن البذرة الأولى للحركة الصهيونية؛ التي نعاني منها اليوم، قد تولدت عن الحروب الصليبية. وهذه حقيقة يجهلها معظم المفكرين والمؤرخين في العالم.

5 ـ أن الأفكار والرؤى التي تكونت في العقل الجمعي الغربي عن الإسلام والمسلمين زمن الحروب الصليبية أصبحت عقائد مركوزة في العقل الغربي إلى اليوم.

6 ـ الاستفادة من تجارب الحروب الصليبية.

ومن أسف أن الكيان الصهيوني درس هذه الحقبة بعمق مثل الاستيطان الصليبي وقيام الجبهة الإسلامية المتحدة واستفاد منها إلى أقصى حد، بينما لم يستفد المسلمون منها شيئا ولايزالون يجهلون تجاربها ودروسها ووقائعها.

7 ـ أخذ الدروس من حقبة الحروب الصليبية سيما مواقف كل الطوائف المخالفة لأهل السنة والتي تحالف معظمها مع الصليبيين من بداية تلك الحروب حتى زوال الدول الصليبية من الشام وطعنت المسلمين دوما في الظهر!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من مقالات للدكتور علي بن محمد عودة الغامدي بتصرف يسير.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

خواطـر دعوية

المواساة خلق أهل المروءة

"المواساة" خلق نبيل، من مكارم الأخلاق ومحاسن العادات التي دعا إليها الإسلام، وهو من أخلاق المؤمنين، وجميل...المزيد