الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الغزوات قبل أحد

الغزوات قبل أحد

الغزوات قبل أحد

في أعقاب غزوة بدر، أخذت الهيبة العسكرية للمسلمين مدى أوسع في ضمن نطاق الجزيرة العربية، وأحس ضعفاء المشركين بالخطر، وشعر أقوياؤهم بغلبة الإسلام، وبدأت النفوس تتطلع إلى الإيمان، فتوسعت دائرة الدخول في الإسلام، ورأى كثيرون أن يدخلوا في الإسلام نفاقاً أو خديعة، وبهذا كله أصبحت الدولة الجديدة أمام أوضاع جديدة من المكر والتآلب والتحالفات، فكان الأعداء يبحثون عن أية فرصة تمكنهم من إلحاق الأذى بالمسلمين، وبالمقابل فإن النبي صلى الله عليه وسلم في مراقبة دائمة لتحركات الأعداء والخصوم، فكلما هَمَّ الأعداء بمهاجمة المدينة خرج النبي صلى الله عليه وسلم لمواجهتهم.

وقد تعددت تلك المواجهات والغزوات قبل موقعة أحد فمنها:-

غزوة بني سليم

كانت في شوال من السنة الثانية للهجرة، بعد غزوة بدر بسبعة أيام، حيث انتهزت بعض القبائل حول المدينة الفرصة بسبب انشغال المسلمين في حربهم مع المشركين بعد بدر، فأرادت أن تشن الحرب على المسلمين في ديارهم، إلا أنه وبعد وصول الأنباء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأن "بني سليم" من قبائل غطفان حشدت قواتها لغزو المدينة، سار إليهم في مائتي راكب، وقد استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة سِبَاعَ بن عَرْفَطَةَ، وعندما وصل المسلمون منازل بني سليم في موضع يقال له "الكُدْر" وهو موضع في بلاد بني عامر بن صعصعة، فرّ بنو سليم ، وتركوا في الوادي خمسمائة بعير أخذها المسلمون غنيمةً ، وقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المجاهدين بعد إخراج الخُمس ، فكان نصيب كل رجل بعيرين، ولم يكن هناك أسرى سوى غلامٍ يقال له : " يسار " أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رجع المسلمون إلى المدينة منتصرين غانمين بعد بقائهم في ديار القوم ثلاثة أيام .

فكانت هذه الغزوة درساً قوياً، ورسالةً واضحةً لكل من تسول له نفسه من القبائل الحاقدة والمريضة النيل من الإسلام ودولته الفتية.

غزوة بني قينقاع

وكانت في شوال من السنة الثانية للهجرة، وقد ذكر أهل المغازي والسير أنها وقعت بعد بدر، حيث لم يلتزم يهود بني قينقاع بالمعاهدة التي أبرمها الرسول صلى الله عليه وسلم معهم، فأظهروا الغضب والحسد عندما انتصر المسلمون ببدر، وظهر ذلك عليهم حينما جمعهم النبي صلى الله عليه وسلم في سوقهم في المدينة ونصحهم، ودعاهم للإسلام، وحذرهم من أن يصيبهم مثل ما أصاب قريش في بدر، غير أن اليهود واجهوا ذلك بالتحدي والتهديد.

وكان سبب هذه الغزوة أن أحد اليهود عقد طرف ثوب امرأة مسلمة في سوق بني قينقاع، فلما قامت انكشفت، فصاحت مستنجدة، فقام أحد المسلمين فقتل اليهودي، ثم تكالب اليهود على المسلم فقتلوه.

فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، سار إليهم على رأس جيش من المهاجرين والأنصار، وكان الذي يحمل اللواء هو حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وقد استخلف النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر ، وأثناء المسير جاء الأمر من الله تعالى لرسوله بنبذ العهد، قال تعالى: { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء } (الأنفال:58).

وعندما علم اليهود بمقدم الرسول صلى الله عليه وسلم تحصنوا في حصونهم، فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم مدة خمسة عشرة ليلة، فتفاجأوا بذلك، وأصابهم الخوف والجوع، ونزلوا على حُكم رسول الله بأن لرسول الله وصحابته أموالهم ونسائهم وذراريهم، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكتَّفوا، وأثناء ذلك قام زعيم المنافقين أُبي بن سلول بدور نفاقه، محاولاً فك أسر حلفائه من اليهود، فألح على رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً له: " أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع منعوني من الأحمر والأسود"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( هم لك ) ، ثم أمر بإجلائهم، فخرجوا صاغرين، تاركين أموالهم وأسلحتهم غنيمة للمسلمين، وتولى أمر الإجلاء عبادة بن الصامت ، فلحقوا بأذرعات، وتولى قبض أموالهم محمد بن مسلمة ، فغنم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ما كان لديهم من مال.

وكشفت هذه الحادثة لرسول الله والمسلمين حقيقة اليهود وخبثهم، وغدرهم وخيانتهم ونقضهم للعهود.

غزوة السَّوِيق

وكانت في الخامس من ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة، حيث خرج أبو سفيان من مكة في مائتي راكب، وذلك بعد أن قرر أن يفاجيء المدينة بغارة خاطفة يعود بعدها وقد ردَّ لقريش بعض سمعتها وهيبتها التي ذهبت في هزيمة بدر، فلما وصل أبو سفيان إلى أطراف المدينة، لجأ إلى بني النضير ليتدارس معهم كيفية الكيد برسول الله وأصحابه، فهجم برجاله على منطقة يقال لها العريض، وحرقوا بعض النخيل، وقتلوا رجلاً من الأنصار وحليفًا له في بستان لهما، وكل ذلك في جنح الظلام، ثم لاذوا بالفرار عائدين إلى مكة، فكان عملهم أشبه بالقرصنة، فلما علم الرسول بذلك الأمر تعقبه في مائتي رجل من المهاجرين والأنصار، ولكنه لم يتمكن من إدراكهم، وجعل أبوسفيان وقومه يرمون ما معهم من المؤن والزاد يتخففون به ليستطيعوا الهروب من غير عائق، وكان أكثر ما معهم السويق، وهو نوع من أنواع الأطعمة التي كانوا يأكلونها، فألقوا سويقًا كثيرًا كان غنيمة للمسلمين، ولذلك سميت هذه المناوشة بغزوة السويق، وقد تمكن أبو سفيان من الهرب، وأفلت من العقاب، وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد أن غاب عنها خمسة أيام دون أن يلقى حرباً.

غزوة قَرْقَرَة الكَدَر

كانت في منتصف محرم من السنة الثالثة للهجرة، وذلك بعد ما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن جمعاً من بني سُليم وغطفان وبعض القبائل الأخرى تجمعت بمنطقة يقال لها قَرْقَرَة الكَدَر، وهو ماء لبني سليم بقصد الاعتداء على المسلمين، فاستعد رسول الله بالخروج في مائتين راكب من أصحابه، فعندما وصل المسلمون للموقع، فر المشركون مخلفين ورائهم الغنائم للفئة المؤمنة.

غزوة ذي أمر

كانت في شهر ربيع الأول من السنة الثالثة للهجرة، حيث خرج النبي صلى الله عليه وسلم في أربعمائة وخمسين رجلاً ما بين راكب وراجل، وذلك بعد علمه بأنّ جمعاً من غطفان قد تجمّعوا يريدون الإغارة على أطراف المدينة، يتزعمهم دعثور بن الحارث ابن محارب ، فاستخلف النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفي أثناء الطريق قبض المسلمون على رجل يقال له جبار من بني ثعلبة فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأسلم، وصار دليلاً للجيش إلى بلاد العدو، وهرب هؤلاء الأعراب من النبي صلى الله عليه وسلم وتفرقوا في رؤوس الجبال، ونزل صلّى الله عليه وآله وسلّم مكان تجمعهم وهو الماء المسمى بذي أمر فعسكر به قريباً من الشهر، ليُشعِر الأعراب بقوة المسلمين ويستولي عليهم الرعب والرهبة.

غزوة بحران

وكانت هذه الغزوة في شهر جمادى الأولى من السنة الثالثة للهجرة، وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة من المسلمين حتى بلغ بحران بين مكة والمدينة، يريد قتال بني سليم فوجدهم قد تفرقوا، فانصرف عنهم، ولم ينشب قتال بينهم، ثم عاد إلى المدينة بعد أن أمضى خارجها عشر ليالٍ .

ونلحظ في هذه الغزوات قدرة القيادة الإسلامية على رصد تحركات العدو، ومعرفة قوته، وخططه، لكي تحطم وتشتت هذه التجمعات التي تشكل خطراً جسيماً على الفئة المؤمنة، وعلى المدينة.

وكانت تلك الغزوات بمثابة الدورات التدريبية والتربوية للصحابة الكرام، حيث كانت بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن خلالها يتربى فيها الجنود على السمع والطاعة، ويتمكنون من تعلم فنون القتال، ويكتسبون خبرات جديدة تعينهم على الوقوف أمام أعداء الله.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة