الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عملية نتساريم تحدث انقساماً في المجتمع الصهيوني

عملية نتساريم تحدث انقساماً في المجتمع الصهيوني

عملية نتساريم تحدث انقساماً في المجتمع الصهيوني

لم يكن يخطر ببال قادة ما يسمى الدولة العبرية ولا أحد من المراقبين، الذين يعرفون طبيعة قطاع غزة وتحصين المستوطنات فيه أن الرد الفلسطيني على مجزرة النصيرات ورفح سيأتي في قلب مستوطنة نتساريم التي تعتبر من أكثر المستوطنات تحصينا في قطاع غزة .

**أقل المستوطنات اقتحاما***
وعلى مدار السنوات الثلاثة للانتفاضة كانت هذه المستوطنة محصنة جدا، حيث لم تتعرض سوى لبضع عمليات اقتحام قبل عملية الجمعة 24-10-2003 ، كان أبرزها حينما هاجم فدائي من "سرايا القدس" الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي يدعى أحمد خزيق في 29 آذار (مارس) 2002 هذه المستوطنة، وقتل اثنين من المستوطنين قبل أن يستشهد، كما حاول كذلك اثنان من كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" وهما: بلال شحادة ، ومحمد حلس في 11 من آذار (مارس) 2002 دخول المستوطنة واشتبكا مع دورية عسكرية على مشارفها واستشهدا، وكذلك حاول محمود شلدان من "سرايا القدس" في الثاني من كانون أول (ديسمبر) الماضي اقتحام المستوطنة واستشهد.
وتعتبر عملية الجمعة الفدائية من أنجح العمليات التي تنفذ ضد هذه المستوطنة الحصينة والتي تفرض عليها حراسة مشددة باستخدام تقنيات عالية، إلى جانب تمشيطها باستمرار وإعلان حالة الاستنفار جراء سماع أي حركة في محيطها.

**المطالبة بإخلائها***
وكانت أصوات كثيرة داخل الدولة العبرية طالبت بإخلاء مستوطنة "نتساريم" حيث يعتبرها حزب العمل موقعا أمنيا ساقطا، في حين يرى رئيس الوزراء الليكودي آرائيل شارون وحزبه اليميني بأنها في مكانة تل أبيب ولن يتنازل عنها أبدا ويوفر الحماية والدعم لها.

وفي هذا السياق قال رئيس حزب العمل الصهيوني السابق، عمرام متسناع، في معرض تعليقه على العملية الفدائية في المستوطنة: إنه "في هذا الوقت العصيب بالذات، يبدو أنه لا توجد حكومة في إسرائيل. يتعين على كل أم عبرية أن تسأل نفسها: لماذا يسقط أبناؤنا وما الذي يجعلنا نبقى في نتساريم؟ " . في حين قال رئيس حزب العمل الحالي، شمعون بيريز: إنه "يجب ملاحقة الجناة والقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة، بدون أي علاقة بالجدل الدائر حول ضرورة البقاء في نتساريم أو عدمه".

وقال أحد الضباط الصهاينة: " بسبب تسلل مخرب ليس صحيحا المغادرة فورا ، ولكن يجب النظر فيما إذا كان من الصحيح على الإطلاق البقاء هناك" وحسب الضابط، فإن المزيد من الضباط أعربوا عن آرائهم في موضوع أنظمة القوى المستخدمة للدفاع عن المستوطنة المنعزلة. ولهذا- حسب هذا الضابط- فانه يجب إعادة النظر هل من الناحية الاستراتيجية كان سيبنى هناك موقع عسكري؟ وإذا كانت الإجابة: لا. فإن عليه أن يوصي المستوى السياسي بأن يتخذ في التوقيت المناسب قرارات شجاعة.

ولا يزال يحوم فوق رأس الضابطية العليا في الجيش الصهيوني قول رئيس الأركان يعلون في كانون الأول 2002، والذي قضى بأن إخلاء مثل هذه المستوطنة سيكون بمثابة "روح تعزيز" للإرهاب، وتوفير كتيبة من شأنه أن يؤدي إلى استثمار قوات أكبر بكثير في التصدي لنتائج الإخلاء. ولعل هذا القول آخذ بالتصدع. فالمزيد المزيد من الضباط، ولا سيما في الرتب المتوسطة، يتجرأون على القول: إنه لا داع لتعريض حياة الكثير من الجنود هناك للخطر، وحتى لو لم تخل المستوطنة تحت ضغط (الإرهاب) فإنه تعود التساؤلات لتطرح نفسها حول بقائنا هناك.

ومع ذلك، فان ضابطا كبيرا آخر يقول: إن بقاءنا هناك هو قرار استراتيجي هام يتيح للجيش السيطرة على ما يجري في الجانب الفلسطيني، ولهذا فهو صحيح من ناحية احتياجات الجيش. "فعندما يكون الموضوع الأمني وحده هو الذي يمثل أمام ناظرينا، فمن الواضح أن مكوثنا داخل جيب يسهل علينا و يتيح لنا العمل داخل المنطقة الفلسطينية. كما إنه يصعب على الفلسطينيين نقل وسائل قتالية من رفح إلى شمالي القطاع، ولهذا فعندما يجري الحديث عن أهمية أمنية - فإن في المكوث هناك منطقا".

**الثمن الدموي للبقاء***
كتل اليسار في الكنيست الصهيوني طرحت في نهاية الأسبوع مسألة الثمن الدموي للبقاء في نتساريم، بل إن حزب العمل طلب إجراء نقاش للموضوع في لجنة الخارجية والأمن. وقال عضو الكنيست الصهيوني عمرام متسناع (من العمل): إنه في هذه اللحظة الصعبة، حين يخيل ألا وجود لحكومة في (إسرائيل)، يجدر بكل أم عبرية أن تسأل نفسها: لماذا يسقط أبناؤنا ؟وماذا نفعل في نتساريم؟.
أما النائب ران كوهين من ميرتس فقال : إن "المسؤولية عن موت أبنائنا هناك هي على عاتق شارون و موفاز، اللذين يأمران الجيش الصهيوني بالدفاع عن مجموعة صغيرة غريبة الأطوار". أما في نتساريم فقالوا أمس: "ان من أقام نتساريم هم اليسار، كجزء من مشروع آلون". وقال رئيس مجلس استيطان شاطىء غزة، افنير شمعوني : "إن الاستيطان في الدولة العبرية هو الذي يقرر حدودها الأمنية...نتساريم تدافع عن جنوب البلاد، ومجرد وجودها يؤثر على النشاط في مدينة غزة وفي مخيمات اللاجئين في وسط القطاع. من الناحية الاستراتيجية فإن لنتساريم أهمية من الدرجة الأولى".

**إجراءات أمنية مشددة***
أقيمت مستوطنة نتساريم في العام 1973، واليوم يسكن فيها نحو 65 عائلة وتقع المستوطنة في وسط قطاع غزة وهي منقطعة عن كل كتلة استيطانية صهيونية أخرى. ونتساريم محاطة بوسائل دفاعية من كل اتجاهاتها. وكذا المنطقة الزراعية لنتساريم، المنفصلة عن المستوطنة نفسها، تعتبر جزء من مجال الحماية للجيش الصهيوني.
وفي محيط المستوطنة ينتشر أكثر من عشرة مواقع حراسة، يشغلها جنود على مدى 24 ساعة في اليوم. ولهذا السبب فإن نتساريم تحميها بشكل جار كتيبة مشاة، وفي المكان ترابط سرية دبابات.

وفي الجيش الصهيوني يؤكدون إن الدفاع عن المستوطنة يستوجب نظام قوات من كتيبة وربما أكثر. وحسب ضابط كبير: يتوجب الاحتفاظ في المكان بقوات كثيرة، وذلك أنه بسبب انقطاع المستوطنة لا توجد إمكانية لتعزيز القوات في وقت قصير عند الحاجة. فمثلا، رحلة في دبابة من حدود القطاع حتى نتساريم تستغرق نحو نصف ساعة. "لا يعني هذا أنه يوجد قبالة المستوطنة قوات كوماندو سورية"، كما يقول ضابط كبير، "ولكن انقطاعها يتطلب نظام قوات كبيرة". وإضافة إلى نشاط الحراسة الجارية والنشاط الميداني في مجال نتساريم تعمل الكتيبة بمرافقة المدنيين من نتساريم إلى معبر كارني في حدود القطاع وبالعكس. فسكان نتساريم لا يسمح لهم بالسفر إلى منازلهم في سياراتهم الخاصة. وكل رحلة من و إلى المستوطنة تجري في باصات محصنة أو في شاحنات سفاري، بمرافقة الجنود.

**تكلفة عالية***
منذ بداية انتفاضة الأقصى قتل تسعة جنود صهاينة في الدفاع عن مستوطنة نتساريم: في أيلول 2000 تم تشغيل عبوة ناسفة نحو قافلة صهيونية بجوار نتساريم وقتل جندي واحد. وفي شباط 2002 قتل ثلاثة جنود صهاينة بعد أن مرت دبابة كانوا يستقلونها على عبوة بجوار محور كارني - نتساريم. في آذار من ذات العام طعن جندي على يد فدائي فلسطيني. وفي تشرين الثاني 2002 قتل جندي عندما كانت قوة من الجيش الصهيوني في دورية في المنطقة وأصيبت بعبوة ناسفة. يوم الجمعة الماضي 24-10 قتل ثلاثة جنود صهاينة بعد أن تسلل فلسطينيان إلى قاعدة الجيش الصهيوني في المستوطنة وأطلقا النار عليهم فأردوهم قتلى. في أعقاب الحادثة الدموية في نتساريم خرج نواب من اليسار بنداء متجدد لإخلاء المستوطنة وفورا.

**الإخفاقات في حراسة المستوطنة***
سكرتير عام حزب العمل الصهيوني أوفير بينس توجه إلى رئيس الكنيست بطلب لإجراء نقاش سريع في لجنة الخارجية والأمن في موضوع نتساريم واستدعاء وزير الحرب الصهيوني إلى النقاش. وحسب بينس فإنه يجب فحص الإخفاقات في الحراسة حول نتساريم وإعادة النظر: هل يوجد اضطرار لمواصلة تعريض حياة الجنود الحارسين للمستوطنة المنعزلة للخطر، وكذا تعريض حياة المستوطنين أنفسهم للخطر أيضا؟.

أما رئيس كتلة ميرتس، النائبة زهافا غليئون فقالت : إنه "بدلا من دفع ثمن دموي يجب الإخلاء الفوري لنتساريم، فلا يوجد أي تبرير لإبقاء عائلات معدودة من المخربين في المنطقة الأكثر اكتظاظا في العالم، بل وإرسال الجنود للدفاع عن هذا القصور السياسي والأمني".

وانضم إلى الدعوات أيضا النائبة ميلي بوليشوك - بلوخ من كتلة شينوي، التي قالت: "ان العملية في نتساريم تثبت مرة أخرى لمن لا يزال يحتاج إلى الإثبات، بأنه حان الوقت لإخلاء نتساريم. لا يوجد أي تبرير لأن يقتل أبناؤنا وبناتنا في الدفاع عن حفنة أشخاص متزمتين".

**ازدياد وتيرة العمليات في القطاع***
في الجيش الصهيوني قلقون من الارتفاع الحاد الذي سجل في الفترة الأخيرة في حجم العمليات في القطاع. فمنذ بداية هذا الشهر وقعت في غزة نحو 200 عملية، و في ليلة الجمعة - بالتوازي مع التسلل إلى نتساريم - وقعت في المنطقة 6 أحداث أخرى.

ويتبين أن الوسائل الإلكترونية الجيدة جدا، ووسائل الرؤيا الليلية، وكذلك الجدران المعقدة وأبراج الحراسة لا تكفي لمنع شخص منفرد يحمل كلاشينكوف ويعرف كيف يستغل الروتين والثقة بالنفس للطرف الأكثر تسليحا وتجهيزا.
في الأسبوع الماضي فقد الجيش الصهيوني ستة جنود - ثلاثة في كمين في قرية عين يبرود في السامرة وثلاثة في نتساريم في قطاع غزة.

في الحالتين قتل الجنود كنتيجة لحرب عصابات ضد الجيش. حدثان قاسيان في كل واحد منهما كان الروتين الميداني هو العامل الأبرز في الفشل المحلي لجيش الاحتلال . التحقيق الميداني في موضوع الكمين في عين يبرود لم ينته بعد، ولكن منذ الآن واضح أن الحدث يثير علامات استفهام ميدانية، ليست هذه هي المرة الأولى التي تثور فيها.

**موفاز ويعلون وشارون مسئولون عن حياة الجنود***
في مقابلة أجريت معها أول أمس في محطة الإذاعة: "منتصف الطريق"، ادعت الوزيرة السابقة شولميت آلوني، أن وزير الدفاع ورئيس الأركان مسؤولان عن موت "جزء كبير من جنود الجيش الصهيوني ". موفاز، هو الرجل الذي يخيفنا ويرعبنا، يعرف دوما كيف يقتل وكيف يصيب"، قالت آلوني في سياق المقابلة: "الآن كل هجوم لنا، في مطاردة زعمائهم نعرف مسبقا أنه سيأتي الثأر ضدنا. ولهذا فإني أتهم قادتنا فوق بجزء كبير من الموت لرجالنا. إنهم يقومون باستفزاز فظ وعنيف، وهم لا يريدون الحديث ،وهم يعرفون في حسابهم أنه سيكون رد وسيقتل أناس منا".

وردا على سؤال الصحفيين موشي كاتس وينيف أوفير، إذا كان دماء الجنود الذين قتلوا في نتساريم، هي على أيدي موفاز؟ قالت آلوني: "هو، هو المسؤول عن ذلك. والآن أنا سأقول قولا أخطر: موفاز، يعلون، وبالطبع شارون، لم يقبلوا على أنفسهم أن وقف النار يلزمهم أيضا...كتيبة وسريتان خصصت في الماضي للدفاع عن مستوطنة نتساريم. بسبب التقليصات في الميزانية تم تقليص النظام العام إلى كتيبة واحدة. كان هذا كافيا، بشكل ما، إلى يوم الجمعة في الرابعة صباحا، عندما كان ائتلاف الضباب الكثيف، والحظ السيئ والفشلات الصغيرة، التي كانت دائما وستكون، ممكنة خليةَ مخربين من التسلل إلى الداخل.

**مأزق رهيب***
الحق أن المأزق في المناطق رهيب، والأرجل قصيرة. رئيس الحكومة ووزير الدفاع قررا التقليص من الميزانية كأنه لا توجد مشكلة أمنية في الحفاظ على المستوطنات، واستمرار الحفاظ على المستوطنات كما لو لم تكن هناك مشكلة ميزانية. يوجد هنا كبت. يوجد هنا خوف. يوجد هنا وضع لا يحتمل، ابتداء يكون بغيضا بالنسبة لأجزاء كبيرة من المجتمع الصهيوني، نتساريم هي رفاهة يشك فيما إذا كانت الدولة العبرية - في وضعها اليوم- تستطيع أن تسمح بها لنفسها. لئلا يكون هناك سوء فهم: فان الجنود والمجندات في الجيش ليسوا مصنوعين من الصوف الصخري. القتال هو مهمتهم. والإصابة فيه هي جزء من مخاطرتهم المهنية. الإرهاب هو عدو حقير، والحرب ضده تستلزم ثمنا في الأنفس.

ومن الأكثر طبيعية أن يقف الجنود أو المجندات أوائل في خط الجبهة. ولكن نتساريم ليست جبهة: إنها خطأ مأساوي لقائمة من الحكومات الصهيونية السالفة. إنها جيب داخل قطاع غزة، وعظم في حلق غزة، وجزيرة محاطة بالعرب.

صحيح أنها تمكن الجيش الصهيوني أن يراقب عن كثب غزة (إحدى المراقبات قتلت في الحادثة)، ولكن كل من يعرف القطاع يعرف أن نفس المهمة يمكن أن تحقق في ظروف أكثر أمنا من أماكن أخرى. يصعب على الجيش الصهيوني أن يحرس الجدار حول نتساريم لأن طوله يصل- حسب أقوال أحد ضباط القيادة- إلى كيلومترات... في قسم من المستوطنات في القطاع يوجد "جدار حساس"، أي جدار لديه جهاز إنذار. في الجيش الصهيوني يزعمون أن المستوطنين، أفراد المحلة الاستيطانية أو أفراد المجلس الإقليمي، لم يُبدوا اهتماما ببناء جدار كهذا. على أي حال، من المشكوك فيه ما إذا كان صوت الإنذار في مركزية المستوطنة سيغير من نتائج العملية. المشكلة هي في مفهوم "الأنا" لنتساريم، لا في الأسلاك أو الجدار.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة