الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مضار الزواج من الأجنبيات

مضار الزواج من الأجنبيات

مضار الزواج من الأجنبيات

يقول الله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة:5].

إن الزواج من الكتابية حلال بنص الكتاب، ولكنه ليس الأفضل والأكمل، فإذا كان الزواج من المسلمة قد نُدِبَ المسلم فيه إلى اختيار ذات الدين، فإن ذلك صريح في أن زواج اليهودية والنصرانية ليس هو الأمثل ولا الأفضل.

وقد علمنا توجيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حض المسلمين على اختيار ذات الدين في قوله: "فاظفر بذات الدين تربت يداك".


مضار الزواج من غير المسلمات
وأحب أن أورد أهمّ المضار التي تنشأ عن الزواج من غير المسلمات، ونستطيع أن نصنفها في زمر ثلاث هي: مضار للزوج - مضار للأولاد - مضار للمجتمع.

أولاً: مضار للزوج:
إن الزوج المسلم عندما يعاشر امرأة تخالفه في العقيدة والمثل العليا والقيم الكبرى يشعر بكثير من المرارة والتعاسة.. إنها لا تعظِّم ما يعظِّم، ولا تحرِّم ما يُحرِّم، وترى الشيء المعيب في نظره شيئًا عاديًا.

وهل أصعب على نفس المرء من أن يعاشر من يكون كذلك ؟ هذا بشكل عام؛ فإذا راعينا الاعتبارات التاريخية التي تبدلت، وحالتنا السياسية في الماضي، وكيف تغيرت الآن، والغزو الفكري العنيف الذي خضع له العالم الإسلامي تبدَّت صعوبة الحياة الزوجية مع غير المسلمة.

لقد كانت هناك جوانب إيجابية في الزواج من غير المسلمات؛ إذ كانت النتيجة الغالبة أن المرأة تدخل في الإسلام ويحسن إسلامها، وفي ذلك كسب للإسلام وإنفاذ لإنسانة من البشر من عذاب الله.

كان ذلك يوم أن كان المسلمون مسلمين، ويوم أن كانت الأوضاع الاجتماعية تتيح للرجل من التأثير أضعاف ما تتيحه اليوم، فلم يكن الناس يعرفون فتنة إنصاف المرأة.. إنها فتنة مصطنعة.. ولم يكن تسلط الشهوة على الناس في الماضي كما هو اليوم.. لقد استحكم سلطان الشهوة - مع الأسف الشديد - على النفوس، حتى أضعف ذلك من رجولة الرجل.. وخفف من قوامته.

هذه واحدة والثانية أن دولة الإسلام كانت أعظم دولة في الأرض، أو من أعظم دول الأرض.. واستمر هذا عبر القرون حتى آخر أيام الدولة العثمانية.. إن هذا الواقع السياسي الرفيع يعطي المسلم من القوة المعنوية والاعتزاز بالإسلام وبكيانه الشيء الكثير.. وهذا قد غاب مع الأسف الشديد في هذا العصر..

والثالثة هي قضية الغزو الفكري الأوروبي للمسلمين.. ذلك الغزو الذي نقل إلينا مفاهيم غريبة ومغلوطة في الزواج والطلاق والتعدد.. والنظرة إلى الحياة وإلى الغيبيات، وأتت بمثل جديدة لا نعرفها كالقوميات والوطنيات وما إلى ذلك. إن هذه الأمور الثلاثة تعطل كثيرًا من الجوانب الإيجابية للزواج من غير المسلمات وتجعل الزوج في تعاسة كبيرة، وهو بين أحد أمرين:

إما أن يحسّ بهذا الواقع المؤلم، وعندئذٍ ستكون التعاسة في أعماقه وبين جوانحه ويظهر الشقاء في حياته لكل من يراه.

وإما ألا يحسَّ بهذا الواقع فالمصيبة أعظم.. لأنه يكون قد فقد الإحساس بالنقص وذلك أدهى وأمر.. لأن من فقد الإحساس بنقصه يكون قد فقد ذاته.

ومن المضار التي تتعلق بالزوج أنه في حالة الإخفاق في الزواج من الكتابية قد يتعرض إلى تغلبها عليه في انتزاع الأولاد منه.. وهذا قد يحطمه تحطيمًا.

ثانيًا: مضار للأولاد:
أما المضار التي تلحق بالأولاد فأهمها: التوزع في الولاء، فلا يدرون لمن يعطون الولاء، ألأبيهم المسلم أم لأمهم اليهودية أو النصرانية.. إنهم يفتحون أعينهم على اتجاهين مختلفين في وسط الأسرة والبيت. وفي ذلك ما فيه.

ومنها التأثر بالأم؛ لأن الولد ميَّال إلى أمه بطبيعة الحال، لما تغمره به الأم عادة من الحنان والحب والرعاية.

ومنها الآثار الوراثية؛ لأن العرق دساس، وقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة في حقل الوراثة أن الوليد تنحدر إليه صفات من أجداده من طرفي أبيه وأمه.

ومنها فقدان التوجيه من ألصق أبويه به، فالأمّ الكافرة بدين أبيه لا تذكره بعبادة ولا تأمره بواجب ديني ولا تنهاه عن حرام.

أضف إلى ذلك ما يحصل كثيرًا من انتزاع الأولاد من أبيهم والرجوع بهم إلى بلدها في أوروبا أو أمريكا وتنصير الأولاد وتنشئتهم على أوضاع أهلها وقومها.

ثالثاً: مضار للمجتمع:
أما المضار التي تلحق بالمجتمع فكثيرة ؛ أهمها كساد بنات المسلمين، وبقاؤهنَّ عوانس في البيوت، وهذا يلحق أعظم الأضرار بحياة الأفراد والأُسر.

إن كثيرًا من المشكلات العائلية والنفسية والاجتماعية التي تعانيها كثير من البيوت يعود إلى وجود عوانس فيها ؛ لأن المرأة العانس غير سوية تتصرف التصرفات التي تزعجها وتزعج الآخرين، فسنة الحياة التي فطر الله الناس عليها أن الرجل يكمل المرأة وأن المرأة تكمل الرجل، وأن لقاءهما في بيت الزوجية يقيمهما العقد النفسية، وما أكثر المآسي التي تخرب بيوتًا عدة بسبب هذا الاختلال المؤذي في بنية المجتمع.

أضف إلى ذلك ما يمكن أن تتعرض له الأمة من الفساد الخلقي الرهيب.

ومن هذه المضار نشر عادات اجتماعية بعيدة عن الإسلام، وذلك عندما تمارس الزوجة الكتابية عاداتها المستنكرة إسلاميًّا من نحو خروجها حاسرة متبرجة ملقية الحجاب الذي أوجبه الله على المرأة ، ومن نحو سباحتها على الشواطئ مع الرجال شبه عارية على الوضع المزري الذي يفعله الكفار.

إن الشرع عندما أباح للمسلم أن يتزوج الكتابية أباح ذلك والسلطان للرجل في مجتمع تغلب عليه الأعراف والآداب الإسلامية، فهي لا تقوى على أن تمارس عاداتها التي ألفتها.. والوضع الآن يختلف عن ذلك في أكثر بلاد المسلمين.

حتى ولو لم تعلن في المجتمع الإسلامي المنكرات التي ألفتها، فإن مخالطتها للنساء المسلمات يترك أثرًا كبيرًا فيهنَّ، لا سيما والمرأة كما هو معلوم ضعيفة سريعة التاثر.

ومن المضار التي تعود على المجتمع بالضرر البالغ أن هذه المرأة الكافرة ستطلع على أحوال زوجها وكثير من أسراره.. فإذا كان الزوج رجلاً كبيرًا أو مشتغلاً بقضية كبرى كان معرضًا إلى أن تسرق أسراره بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى أعداء أمته. وفي تاريخنا وتاريخ الأمم الأخرى قصص واقعية لكوارث تعرَّضت لها الأمة بسبب خيانة بعض الزوجات الأجنبيات.

إن ذلك كله ليجعل الإقدام على الزواج من الكتابية أمرًا مرجوحًا.

إن الأنفع للمسلم في ذاته وفي أولاده وفي أمته أن يتزوج امرأة من بني جلدته من ذوات الدين، ليسعد ويكون قادرًا على خدمة أمته وعلى نشر رسالتها.

ويبقى حكم الزواج من الكتابية على الحِلِّ، لكنه ليس الأفضل، وقد يصل بسبب ما ذكرنا إلى الكراهية.

وهذا وللموضوع جوانب أخرى لا بُدَّ من الإلمام بها ولو بذكرها، من أهمها الشروط التي لابد من توافرها وهي:

1- أن تكون كتابية؛ أما المشركة فلا يحِلُّ نكاحها.
2- أن تكون عفيفة؛ أما الزانية فلا يحلُّ نكاحها.
3- أن تُستوفى شروط العقد.
4- ألا يحمله الزواج منها على التفريط في حق دينه.

وإننا لننصح من يقدم بعد هذا كله على الزواج من كتابية؛ أن يتقي الله فيها، وأن تكون تصرفاته معها متقيدة بآداب الإسلام، ليكون سلوكه داعيًا إياها إلى الإسلام.
(من كتاب نظرات في الأسرة المسلمة بتصرف)

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة