الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحرم الآمن، وخبر ذي السويقتين

الحرم الآمن، وخبر ذي السويقتين

الحرم الآمن، وخبر ذي السويقتين

وصف سبحانه بيته الحرام - بما فيه الكعبة المشرفة - بالأمن، فقال تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم: {أولم نمكن لهم حرما آمنا} (القصص:75)؛ ووردت آيات عديدة، يفيد مجموعها كون البيت الحرام بيتًا آمنًا للناس؛ قال تعالى: {ومن دخله كان آمنا} (آل عمران:)، وكان من دعاء إبراهيم عليه السلام: {رب اجعل هذا البلد آمنا} (إبراهيم:35).

وهذه الآيات التي تخبر بأن البيت الحرام مكان آمن للناس، ورد مقابلها حديث، يُخبر بخراب الكعبة، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (يخرب الكعبة ذو السويقتين -صاحب الساقين الصغيرتين- من الحبشة) متفق عليه.

وأيضًا، فإن بعض الوقائع في التاريخ الإسلامي، تثبت أن البيت الحرام قد ناله الخراب والدمار؛ كما حدث في عهد يزيد بن معاوية أثناء حربه مع ابن الزبير، وما حدث كذلك من أفعال القتل والتخريب التي قام بها القرامطة في القرن الرابع الهجري، وغير ذلك من الوقائع.

وفي حديث ذي السويقتين، ووقائع التاريخ الإسلامي ما يعارض صفة (الأمن)، التي وصف الله بها بيته الحرام. فكيف يمكن الجمع والتوفيق بين الآيات، التي وصفت البيت بأنه آمن، وبين الحديث المُخْبِر عن تخريب الكعبة على يد ذي السويقتين؟

أجاب العلماء على هذا السؤال بجوابين:

الأول: أن (الأمن) الذي أخبر به القرآن ليس أمنًا دائمًا، لا يزول ولا يحول، وإنما هو أمن محدود بقرب قيام الساعة، وانتهاء الحياة في هذه الدنيا، بحيث لا يبقى في الأرض أحد يقول: الله الله؛ وقد صح في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله) رواه مسلم. وفي رواية ابن حبان: (ثم تظهر الحبشة، فيخربونه خرابًا، لا يعمر بعده أبدًا). فإذا شارفت الحياة الدنيا على نهايتها، واقتربت الساعة، أرسل الله ذا السويقتين، فيخرب الكعبة، ويكون هذا من علامات اقتراب الساعة. فليس في الآية ما يدل على استمرار الأمن ودوامه، ويكون معنى قوله تعالى: {حرما آمنا}، أي: آمنا إلى قرب القيامة، وخراب الدنيا، وبذلك يندفع التعارض، ويزول الإشكال بين الآية والحديث.

الثاني: أن قوله تعالى: {أولم نمكن لهم حرما آمنا}، على عمومه، وما ورد من أحاديث ووقائع تاريخية تنافي وصف البيت بالأمن الذي جاءت به الآية، فإنما هي استثناءات عارضة، وأمور طارئة، ليس لها صفة الدوام، بل سرعان ما تزول، وسيبقى البيت كما أخبر تعالى: {حرما آمنا}، تهوي إليه أفئدة الناس من كل حدب وصوب؛ قال ابن بطال: "فهذا شرط الله لا ينخرم ولا يحول، وإن كان في خلاله وقت يكون فيه خوف، فلا يدوم، ولابد من ارتفاعه، ورجوع حرمتها وأمنها، وحج العباد إليها". واسترشد من قال بهذا القول، بقوله صلى الله عليه وسلم: (ليحجن البيت، وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج) رواه البخاري.

على أن من العلماء من ذهب إلى أن عموم الآية مخصص بالحديث، غير أن ما تقدم من التوفيق بين الآية والحديث، هو الذي ذهب إليه أكثر أهل العلم.

وحاصل القول من كل ما تقدم، أنه لا تعارض بين قوله تعالى: {أولم نمكن لهم حرما آمنا}، وبين قوله عليه الصلاة والسلام: (يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة)، وأن الحديث مبين للآية، وموضح لمجملها.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة