الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لفظ (القسط) في القرآن

لفظ (القسط) في القرآن

لفظ (القسط) في القرآن

أقام الله (القسط) في تكوين العوالم على نُظُمها، وفي تقدير بقاء الأنواع، وإيداع أسباب المدافعة في نفوس الموجودات، وفيما شرع للبشر من الشرائع في الاعتقاد والعمل؛ لدفع ظلم بعضهم بعضاً، وظلمهم أنفسهم، فهو القائم بالعدل سبحانه، قال تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط} (آل عمران:18)، وعَدْل الناس مقتبس من محاكاة عدله.

حول معنى (القسط) في القرآن الكريم، ستكون لنا هذه الوقفة.

تذكر معاجم اللغة أن لفظ (القسط) يدل على معنيين متضادين: أحدهما: العدل. يقال: أقسط يقسط فهو مقسط: إذا عدل فيما أُسند إليه. والاسم منه (القِسط) بكسر القاف. والإقساط: أن يعطي قسط غيره، وذلك إنصاف. والثاني: الجور: يقال: قَسط يقسِط قسوطاً فهو قاسط: إذا جار وظلم فيما أسند إليه. والاسم منه (القَسط) بفتح القاف، و(القُسوط). والقَسط: أن يأخذ قسط غيره، وذلك جور. وعلى هذا يقال: إن الله يُقْسِط ولا يَقْسِط. ويقال: أمر الله بالقِسْط، ونهى عن القُسط.

ولفظ (القسط) مأخوذ في العربية من لفظ (قسطاس) اسم العدل بلغة الروم، فهو من المعرب. وروي ذلك عن مجاهد.

وقد ورد لفظ (القسط) في القرآن الكريم في نحو سبعة وعشرين موضعاً، وورد في أكثر تلك المواضع كاسم مقرون بالباء، نحو قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط} (النساء:135)، وورد في بعض منها كفعل، نحو قوله سبحانه: {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} (الحجرات:9)، وورد في موضعين كاسم آلة للوزن، وذلك في قوله تعالى: {وزنوا بالقسطاس المستقيم} (الإسراء:35)، (الشعراء:182).

وأكثر ما ورد لفظ (القسط) في القرآن الكريم إنما جاء على المعنى الأول، من ذلك قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط} (آل عمران:18). وقوله سبحانه: {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} (الحجرات:9)، وقوله عز وجل: {ونضع الموازين القسط} (الأنبياء:47).

وورد لفظ (القسط) على المعنى الثاني في موضعين فقط: أحدهما: قوله تعالى: {وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون} (الجن:14)، وقوله سبحانه: {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا} (الجن:15). ولم يرد لفظ (القسط) بمعنى الجور في القرآن في غير هذين الموضعين.

وأغلب المواضع التي جاء فيها لفظ (القسط) في القرآن الكريم إنما جاء على المعنى الأول، أي: على معنى العدل .

وقوله تعالى: {قل أمر ربي بالقسط} (الأعراف:29). قال ابن عباس رضي الله عنهما: (القسط) هنا: لا إله إلا الله؛ لأن أسباب الخير كلها تنشأ عنها.

وقوله تعالى: {وزنوا بالقسطاس المستقيم}، أي: الميزان؛ لأن الميزان هو الوسيلة التي يتوصل بها إلى العدل.

وقوله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} (الأنبياء:47) أي: ونضع الموازين العدل ليوم القيامة.

وبما تقدم تعلم أن لفظ (القسط) يُطلق على معنيين متضادين، العدل، والجور، وأن أغلب استعماله في القرآن ورد على المعنى الأول. والمفسرون حيثما ورد هذا اللفظ في القرآن يفسرونه بمعنى العدل، إلا في المواضع التي ألمحنا إليها.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة