الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لفظ (التقوى) في القرآن

لفظ (التقوى) في القرآن

لفظ (التقوى) في القرآن

يروى عن بعض طلبة العلم أنه قال لشيخه: أوصني، قال: أوصيك بما أوصى الله تعالى الأولين والآخرين، وهو قوله: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله} (النساء:131). فالتقوى كنز عزيز، إذا ظفر به المرء، وجد فيه خيراً كثيراً، ورزقاً كريماً. فهي الخصلة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة. والمتأمل مواقعها في القرآن الكريم يجد كم رتب عليها من خير، وكم وعد عليها من ثواب، وكم أضيف إليها من سعادة.

ولفظ (التقوى) من حيث اللغة يدل على دفع شيء عن شيء بغيره. تقول: وقيته أقيه وقياً. والوقاية: حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره. واتق الله: توقه، أي: اجعل بينك وبينه كالوقاية.

ولفظ (التقوى) توارد في القرآن الكريم في ثمانية وخمسين ومائتي موضع، جاء في اثنين وثمانين ومائة موضع بصيغة الفعل، من ذلك قوله تعالى: {فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة} (البقرة:24)، وجاء بصيغة الاسم في ستة وسبعين موضعاً، من ذلك قوله سبحانه: { فإن خير الزاد التقوى} (البقرة:197).

ولفظ (التقوى) ورد في القرآن الكريم علن خمسة معان، هي:

بمعنى التوحيد والإيمان، من ذلك قوله سبحانه: {وألزمهم كلمة التقوى} (الفتح:26)، قال الطبري: هي لا إله إلا الله محمد رسول الله. وقال مجاهد: {كلمة التقوى} الإخلاص. ونحو هذا، قوله سبحانه: {أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى} (الحجرات:3)، أي: أخلص قلوبهم لتوحيده.

بمعنى الإخلاص، من ذلك قوله تعالى: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} (الحج:32)، أي: من يقدر شعائر الله التي شرعها حق قدرها، ويؤديها حق الأداء، فإن ذلك دليل على الإخلاص، وسلامة القصد.

بمعنى العبادة والطاعة، من ذلك قوله عز وجل: {إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون} (الشعراء:106)، قال الشوكاني: ألا يخافون عقاب الله سبحانه، فيصرفون عن أنفسهم عقوبة الله بطاعته. ومن هذا القبيل، قوله سبحانه: {أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون} (النحل:2).

بمعنى الخشية، من ذلك قوله تعالى: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله } (النساء:131)، قال الطبري: احذروا الله أن تعصوه وتخالفوا أمره ونهيه. ونحو ذلك، قوله سبحانه: {وإياي فاتقون} (البقرة:41)، أي: فاخشوني.

بمعنى ترك المعصية، من ذلك قوله عز من قائل: {وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله} (البقرة:189)، أي: البر من اتقى الله فخافه وتجنب محارمه، وأطاعه بأداء فرائضه التي أمره بها. ونحو هذا، قوله تعالى: {واتقون يا أولي الألباب} (البقرة:197)، قال الطبري: خافوا عقابي باجتناب محارمي التي حرمتها عليكم، تنجوا بذلك مما تخافون من غضبي عليكم وعقابي، وتدركوا ما تطلبون من الفوز بجناتي. وأكثر ما ورد لفظ (التقوى) في القرآن الكريم على هذا المعنى.

قال بعض أهل العلم: حقيقة (التقوى) تنزيه القلب والجوارح عن الذنوب، ألا ترى إلى قوله تعالى: {ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} (النور:52)، ذكر (الطاعة) و(الخشية) ثم ذكر (التقوى)، فعُلم بهذا أن حقيقة (التقوى) بمعنى غير (الطاعة) و(الخشية)، وهي الابتعاد عن المعاصي.

وقد ذكر الرازي أن لفظ (التقوى) يأتي أيضاً بمعنى (التوبة)، ومثَّل له بقوله تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم} (الأعراف:96)، أي: تابوا. ولم نجد غير الرازي من المفسرين من ذكر هذا المعنى للفظ (التقوى).

بقي أن نقول: إن ما ذكرناه من معاني لفظ (التقوى) في القرآن، وما سقناه من آيات تدل على هذا المعنى أو ذاك، لا يمنع أن يكون للفظ (التقوى) معنى آخر، فتعيين المفسر لمعنى ما أمر عائد لما يرجحه من دليل، وقد يرجح غيره معنى آخر لدليل يراه، ولا حرج في ذلك، ما دام اللفظ يحتمل هذه المعاني. ويبقى في المحصلة أن معاني لفظ (التقوى) في القرآن تندرج في تلك المعاني الخمسة التي ذكرناها.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة