الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحوال الرواة - رواية المجهول

أحوال الرواة - رواية المجهول

أحوال الرواة - رواية المجهول

يقسّم الرواة عند المحدثين إلى رواة معروفي الاسم والوصف، ورواة غير معروفي الاسم أو الوصف، فمن كان معروف الاسم والوصف فهو إما ثقة أو ضعيف، أو بين ذلك أو دون ذلك؛ بحسب حاله في سلّم النقد الحديثي.

أما من لم يكن معروف الاسم أو الوصف، فقد يكون ذلك لعدم ذكر اسمه -أي إبهامه-، أو لعدم معرفة علماء النقد له، أو لقلة مروياته، أو لقلة الرواة عنه وعدم تزكيته من أحد علماء النقد، ويُدرس هؤلاء جميعا في مبحث المجهول.

فتعالوا بنا نتعرف على المقصود بالجهالة عند المحدثين، وأنواعها، وحكم رواية المجهول.

المجهول في اصطلاح المحدثين

اختلفت اتجاهات المحدثين في تعريف المجهول، فمنهم من جعل المجهول من روى عنه واحد، فإن روى عنه اثنان ارتفعت الجهالة عنه، ومنهم من جعل العبرة بكثرة الرواية وقلتها، فمن كان قليل الرواية لا يكون معروفاً، ومنهم من جعل العبرة بحال من روى عنه، فإن روى عنه المعروفون الثقات فهو معروف غير مجهول، أما من روى عنه من لا يتحرى في الرواية أو ليس من الأئمة الثقات فقد يكون مجهولا، ومنهم من جعل المجهول من لم يكن معروفاً بحمل العلم والعناية به، وهو مع ذلك لم يتبين من أمره شيء.

وكل تعريف مما سبق لا يشمل جميع أنواع المجهول؛ ولذا لو أردنا أن نستخلص تعريفاً للمجهول مطلقاً، فيمكننا القول بأنه: "من لم تُعرف عينه ولا حاله".

أنواع الجهالة

يذكر الشيخ محيي الدين عبد الحميد أنواع الجهالة، فيقول: "فإن من اطلعنا على أقوالهم من علماء هذه الصناعة كلهم يقسمون المجهول إلى قسمين إجمالا، وثلاثة أقسام تفصيلا، وبيان هذا أنه إما أن يكون مجهول العين، وإما أن يكون مجهول الوصف، ومجهول الوصف: إما أن يكون مجهول العدالة ظاهراً وباطناً، وإما أن يكون مجهول العدالة باطناً وهو معروف العدالة ظاهراً، وهذا يسمونه مستوراً".

وعندما يُطلق النقاد عبارة "مجهول" فإنهم يريدون بها "مجهول العين" ابتداءً، وهو أحد أنواع المجهول التي سنقف عليها، ومع ذلك فليس هـذا بمطرد عندهم، فقد يقـولون: "مجهول" ويقصدون به ما هو أعم من مجهول العين، وإلى هذا أشار الإمام الذهبي بقوله: "وقـولهم (مجهول) لا يلزم منه جهالة عينه، فإن جُهِلَ عينه وحاله؛ فالأولى أن لا يحتجوا به".

مجهول العين

عرفه الخطيب البغدادي بأنه: "كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه، ولا عرفه العلماء به، ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد".

وأقل ما ترتفع به الجهالة أن يروي عن الرجل اثنان فصاعداً من المشهورين بالعلم، قيد ذلك الخطيب البغدادي وتابعه ابن الصلاح، وإن روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق؛ خرج عن حد مجهول العين، إلا أنه يبقى مجهولاً، فيسمى تمييزاً عن مجهول العين: مجهول الحال، إذ لا تثبت العدالة بمجرد رواية اثنين عنه.

مجهول الحال

وردت تعريفات كثيرة لمجهول الحال، خلاصتها أن مجهول الحال: هو من روى عنه أكثر من راو، لكنه لم تعرف عدالته ولا خبرت سيرته، كما لم يُعلم شيء عن مروياته، إذ لم يتهيأ فحصها وسبرها ليُعلم حالها، وربما تفرد بأحاديث لم يتابع عليها، أو: هو من روى عنه اثنان فصاعداً، وجُهلت عدالته الباطنة والظاهرة.

المستور

عرفه الحافظ ابن حجر بأنه: "من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق"، وعرفه الإمام السخاوي بأنه: "الذي لم ينقل فيه جرح ولا تعديل، وكذا إذا نُقلا ولم يترجح أحدهما"، والجمع بين التعريفين أن يقال: "المستور هو مجهول العدالة الباطنة، ومعروف العدالة الظاهرة".

على أن بعض العلماء لا يفرقون بين المستور ومجهول الحال -وهو من روى عنه اثنان فصاعداً وجُهلت عدالته الباطنة والظاهرة-، وهؤلاء لم يفرقوا بين العدالة الظاهرة والباطنة، باعتبار أننا لا نطلع إلا على الظاهر، فلا معنى لقولنا عدالة ظاهرة وباطنة.

والتحقيق أن بينهما فرقًا، لأن مجهول الحال هو من روى عنه اثنان من الرواة ولم يُعرف شيء من أخباره، ولم يتهيأ دراسة مروياته وسبرها لتوزن بميزان النقد، فهو يشترك مع مجهول العين في أنه لم يعرف معرفة كافية، ويفترق عنه أنه روى عنه اثنان فأكثر.

أما المستور فهو من عرفْنا عينه واسمه وشيئاً من أخباره الظاهرة، ولم يأت بمفسّق ظاهر، لكن لم يتهيأ معرفة باطن حاله بالاستفاضة في أخباره أو تزكية أحد له، وكذا لم يعرف حال مروياته لتفرده، أو لم يتم سبرها لتوزن بميزان النقد، فهو يشترك مع مجهول الحال بأنه لم تسبر مروياته، ويفترق عنه بوجود معرفة ما عن أحواله العامة.

وبمعنى آخر: عرفنا عدالته وصلاحه العام، لكن لم تسبر أخباره ليتبين ضبطه ومقدار موافقته للثقات، أو سُبرت فكان منفرداً في أكثرها، أو غير ممعن في الموافقة، أما مجهول الحال فلم يتبين حال ضبطه، ولا حال عدالته، لكنه امتاز عن مجهول العين بمعرفةٍ ما عن شخصه لتعدد تلامذته.

حكم رواية المجهول

الجهالة سبب لرد حديث الراوي، ما لم تثبت استقامة حديثه ذلك، وهذا قديم عند أهل العلم أنهم لا يحتجون بحديث المجهول.

قال عبد الله بن عون: "لا نكتب الحديث إلا ممن كان عندنا معروفاً بالطلب"، وقال الشافعي: "لا نقبل خبر من جهلناه، وكذلك لا نقبل خبر من لم نعرفه بالصدق وعمل الخير".

وقال البيهقي: "لا يجوز الاحتجاج بأخبار المجهولين"، وقال الذهبي: "لا حجة فيمن ليس بمعروف العدالة، ولا انتفت عنه الجهالة"، وقال ابن رجب: "ظاهر كلام الإمام أحمد أن خبر مجهول الحال لا يصح ولا يحتج به".

وقال السيوطي: "وردُّه -أي حديث مجهول العين- هو الصحيح الذي عليه أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم، وقيل: يقبل مطلقاً، وهو قول من لا يشترط في الراوي مزيداً على الإسلام، وقيل: إن تفرد بالرواية عنه من لا يروي إلا عن عدل كابن مهدي ويحيى بن سعيد، واكتفينا بالتعديل بواحد قُبل وإلا فلا، وقيل: إن كان مشهوراً في غير العلم بالزهد أو النجدة قُبل وإلا فلا، واختاره ابن عبد البر، وقيل: إن زكاه أحد من أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه قُبل وإلا فلا، واختاره أبو الحسن بن القطان وصححه شيخ الإسلام".

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة