الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الذين استجابوا لله والرسول

الذين استجابوا لله والرسول

الذين استجابوا لله والرسول

بعد أن أخبر سبحانه أن شهداء معركة أحد أحياء عند ربهم يرزقون، ذكر سبحانه موقف المؤمنين مما جرى بعد تلك المعركة، فقال سبحانه: {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم} (آل عمران:172). وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية ثلاث روايات:

الرواية الأولى: ما أخرجه البخاري عن عائشة رضي الله عنها في قوله سبحانه: {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم}، قالت ل عروة : يا ابن أُختي! كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر، لما أصاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أُحد، وانصرف عنه المشركون، خاف أن يرجعوا، قال: (من يذهب في إثرهم)، فانتدب منهم سبعون رجلاً، قال: كان فيهم أبو بكر، والزبير.

الرواية الثانية: أخرج النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما انصرف المشركون عن أُحد، وبلغوا الروحاء -مكان بين المدينة ومكة-، قالوا: لا محمداً قتلتموه، ولا الكواعب -النساء- أردفتم، وبئس ما صنعتم، ارجعوا، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فندب الناس للخروج، فخرجوا حتى بلغوا حمراء الأسد -موضع على ثمانية أميال من المدينة- وبئر أبي عتبة، فأنزل الله تعالى: {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح}، وقد كان أبو سفيان قال للنبي صلى الله عليه وسلم: موعدك موسم بدر، حيث قتلتم أصحابنا، فأما الجبان فرجع، وأما الشجاع فأخذ أَهبةَ القتال والتجارة، فلم يجدوا بها أحداً، وتسوقوا، فأنزل اللَّه تعالى: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم} (آل عمران:174).

الرواية الثالثة: أخرج الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة وقعة أُحد، قال: "ألقى الله في قلب أبي سفيان الرعب، فسار بمن معه إلى مكة، وكان التجار يأتون بدراً الصغرى في ذي القعدة، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، لما شاع بين الناس أن الناس قد جمعوا لكم، فانتدب معه: أبو بكر، و عمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة، وابن مسعود، وحذيفة في سبعين، حتى بلغوا الصفراء -واد من ناحية المدينة-، فلم يلقوا كيداً، فأنزل الله عز وجل: {الذين استجابوا} الآية.

هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية، وقد أورد المفسرون ما تقدم، وجعلوه سبب نزولها، منهم: الطبري، والبغوي، وابن عطية، والقرطبي، وابن كثير، وغيرهم.

قال الطبري: "إنما عنى الله تعالى ذكره بذلك الذين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد في طلب العدو أبي سفيان، ومن كان معه من مشركي قريش مُنْصَرَفَهم عن أُحد؛ وذلك أن أبا سفيان لما انصرف عن أُحد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثره، حتى بلغ حمراء الأسد، وهي على ثمانية أميال من المدينة؛ ليرى الناس أن به وأصحابه قوة على عدوهم".

وقال ابن عطية: "والمستجيبون لله والرسول هم الذين خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد في طلب قريش وانتظارهم لهم؛ وذلك أنه لما كان يوم أُحد نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس باتباع المشركين، وقال: لا يخرج معنا إلا من شاهدنا بالأمس، وكانت بالناس جراحة وقرح عظيم، ولكن تجلدوا...فأنزل الله تعالى في شأن أولئك المستجيبين هذه الآية، ومدحهم لصبرهم".

ومما يؤيد القول بأن الآية نزلت في هذه القصة قول الحافظ ابن حجر عند شرحه لحديث عائشة عند البخاري، حيث قال: "قوله: باب: {الذين استجابوا لله والرسول} أي: سبب نزولها، وأنها تتعلق بأُحد".

والمتحصل: أن سبب نزول الآية الكريمة ثناء الله سبحانه على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجابوه لما دعاهم إليه للحاق المشركين، على الرغم مما فيهم من الجراح والآلام التي أصابتهم يوم أُحد؛ إظهاراً للجَلَد والقوة، وإرهاباً لأعداء الله.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة