الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لفظ (الزكاة) في القرآن

لفظ (الزكاة) في القرآن

لفظ (الزكاة) في القرآن

الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، لا يكمل إيمان العبد إلا بالإيمان بوجوبها، والعمل على أدائها إن كان مستوفٍ لشروط أدائها. وقد قرنت في القرآن الكريم مع الصلاة في مواضع كثيرة. وجاءت على عدة معان في القرآن، نحاول الوقوف عليها في هذه السطور بادئين بتعريفها لغة.

فمادة (زكا) لغة تدل على النماء والزيادة والطهارة، ونقل ابن فارس أنها سميت بذلك؛ لأنها مما يرجى به زكاء المال، وهو زيادته ونماؤه. وقيل: سميت زكاة؛ لأنها طهارة. قالوا: وحجة ذلك قوله جل ثناؤه: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} (التوبة:103). والأصل في ذلك كله راجع إلى هذين المعنيين، وهما النماء. والطهارة. فمن النماء قولهم: زرع زاك، بين الزكاء، يقال: زكا الزرع يزكو: إذا حصل منه نمو وبركة، وزكت النفقة: إذا كثرت. ومن الطهارة قوله تعالى: {قد أفلح من زكاها} (الشمس:9).

وتزكية الإنسان نفسه نوعان: أحدهما: بالفعل وهو محمود، وهو المقصود بقوله سبحانه: {قد أفلح من زكاها}. والثاني: بالقول كتزكية العدل غيره، وذلك مذموم أن يفعل الإنسان بنفسه، وقد نهى الله تعالى عنه بقوله: {فلا تزكوا أنفسكم} (النجم:32)، ونهيه عن ذلك تأديبٌ؛ لقبح مدح الإنسان نفسه.

ولفظ (الزكاة) وما اشتق منه ورد في القرآن الكريم في ثمانية وخمسين موضعاً، ورد في عشرين موضعاً منها بصيغة الفعل، من ذلك قوله عز وجل: {يتلوا عليهم آياته ويزكيهم} (الجمعة:2)، وورد في صيغة الاسم في ثمانية وثلاثين موضعاً، من ذلك قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} (البقرة:43)، وهو الموضع الأول الذي ورد فيه هذا اللفظ في القرآن.

وقد جمع الله بينها وبين الصلاة في مواضع كثيرة في كتابه الكريم؛ فقرنتا معاً في ستٍّ وعشرين آية، وجاءت في سياق واحد مع الصلاة، وإن لم تكن معها في آية واحدة، في قوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون * والذين هم عن اللغو معرضون * والذين هم للزكاة فاعلون} (المؤمنون:1-4). وذُكرت (الزكاة) منفردة عن (الصلاة) في خمسة مواضع من القرآن الكريم، أولها: قوله تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة} (الأعراف:156). ثانيها: قوله عز من قائل: {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة} (الكهف:81). ثالثها: قوله جل جلاله: {وحنانا من لدنا وزكاة} (مريم:13). رابعها: قوله سبحانه: {وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون} (الروم:39). خامسها: قوله عز وجل: {وويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون} (فصلت:6-7).

ولفظ (الزكاة) جاء في القرآن الكريم على عدة معان، هي وفق التالي:

(الزكاة) بمعناها الشرعي، وهي أكثر ما جاءت في القرآن وفق هذا المعنى، من ذلك قول الله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} (البقرة:43)، فالمراد بـ (الزكاة) هنا معناها الشرعي، أي: الزكاة المفروضة بشروطها المعروفة فقهاً.

(الزكاة) بمعنى الطهارة المعنوية، وهي بحسب هذا المعنى جاءت في مواضع عديدة من القرآن الكريم، من ذلك قول الله سبحانه: {ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه} (فاطر:18)، أي: من يتطهر من دنس الكفر والذنوب بالتوبة إلى الله، والإيمان به، والعمل بطاعته، فإنما يتطهر لنفسه؛ وذلك أنه يثيبها به رضا الله، والفوز بجنانه، والنجاة من عقابه، الذي أعده لأهل الكفر به. ونحوه قوله تعالى: {وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم} (النور:28)، أي: رجوعكم عنها إذا قيل لكم ارجعوا، ولم يؤذن لكم بالدخول فيها، أطهر لكم عند الله. ويدخل في هذا المعنى أيضاً على قول قوله تعالى: {وأوصاني بالصلاة والزكاة} (مريم:31)، قال الطبري: معناه: وأوصاني بترك الذنوب، واجتناب المعاصي.

(الزكاة) بمعنى البراءة من الذنوب، جاء بحسب هذا المعنى قول الله مخبراً عن نبيه موسى صلوات الله عليه: {أقتلت نفسا زكية} (الكهف:74)، يعني: بريئة من الذنوب طاهرة. كذلك قوله عز وجل: {فلا تزكوا أنفسكم} (النجم:32)، أي: فلا تشهدوا لأنفسكم بأنها زكية بريئة من الذنوب والمعاصي.

(الزكاة) بمعنى الأفضل والأخْيَر، من ذلك قول الله: {ذلكم أزكى لكم وأطهر} (البقرة:232)، أي: إرجاع المطلقات إلى أزوجاهن إن أراد الأزواج إرجاعهن أفضل وخير عند الله من فراقهن. ونحو هذا قوله عز وجل: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون} (النور:30)، أي: إن غضَّ النظر عما لا يحل النظر إليه، وحفظ الفرج عن أن يظهر لأبصار الناظرين؛ أطهر للمؤمنين عند الله وأفضل.

(الزكاة) بمعنى البركة، من ذلك قول الله: {وحنانا من لدنا وزكاة} (مريم:13)، أي: جعلناه مباركاً للناس يهديهم.

(الزكاة) بمعنى الحلال، وعلى هذا المعنى قوله عز وجل: {فلينظر أيها أزكى طعاما} (الكهف:19)، معنى ذلك: أحل وأطهر. وليس غيرها في القرآن تفيد هذا المعنى.

(الزكاة) بمعنى الصدقة، من ذلك قول الله: {وويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكاة} (فصلت:6-7)، قال ابن عاشور: "{الزكاة} في الآية هي الصدقة؛ لوقوعها مفعول {يؤتون}، ولم تكن يومئذ زكاة مفروضة في الإسلام غير الصدقة، دون تعيين نصاب ولا أصناف الأرزاق المزكاة، وكانت الصدقة مفروضة على الجملة. وذهب كثير من المفسرين -ومنهم الطبري- إلى أن المراد بـ {الزكاة} في الآية معناها الشرعي، وهي زكاة الأموال، قال ابن كثير: "وفيه نظر؛ لأن إيجاب الزكاة إنما كان في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة، على ما ذكره غير واحد، وهذه الآية مكية، اللهم إلا أن يقال: لا يبعد أن يكون أصل الزكاة الصدقة كان مأموراً به في ابتداء البعثة".

(الزكاة) بمعنى الصلاح، من ذلك قول الله: {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة} (الكهف:81)، قال الطبري: يبدلهما خيراً من الغلام الذي قتله صلاحاً وديناً. وذهب ابن عاشور إلى أن الزكاة في الآية ها هنا بمعنى الطهارة، قال: مراعاة لقول موسى : {أقتلت نفسا زكية}. ونحو هذا قوله تعالى: {قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} (مريم:19)، المراد كما قال البغوي: ولداً صالحاً طاهراً من الذنوب.

(الزكاة) بمعنى الهداية إلى الإسلام والإيمان، من ذلك قول سبحانه مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: {وما عليك ألا يزكى} (عبس:7)، المعنى: عدم تزكيه ليس مرده إليك؛ إذ لست مؤاخذاً بعدم اهتدائه حتى تزيد من الحرص على ترغيبه في الإيمان ما لم يكلفك الله به. قال ابن زيد: (التزكي) في القرآن كله: الإسلام، وقرأ قول الله: {وذلك جزاء من تزكى} (طه:76)، قال: من أسلم، وقرأ: {وما يدريك لعله يزكى} (عبس:3)، قال: يسلم، وقرأ: {وما عليك ألا يزكى}، أي: ألا يسلم. ومن هذا القبيل أيضاً قوله سبحانه: {فقل هل لك إلى أن تزكى} (النازعات:18)، أي: تسلم، فتطهر من الذنوب.

فأما قوله سبحانه: {والذين هم للزكاة فاعلون} (المؤمنون:4)، فالأكثرون على أن المراد بـ (الزكاة) ها هنا زكاة الأموال، مع أن هذه الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة. والظاهر أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات النصب والمقادير الخاصة، وإلا فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجباً بمكة، كما قال تعالى في سورة الأنعام، وهي مكية: {وآتوا حقه يوم حصاده} (الأنعام:141).

وقد يحتمل أن يكون المراد بـ (الزكاة) ها هنا: زكاة النفس من الشرك والدنس، كقوله سبحانه: {قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها} (الشمس:9-10). قال ابن كثير: "ويحتمل أن يكون كلا الأمرين مراداً، وهو زكاة النفوس وزكاة الأموال؛ فإنه من جملة زكاة النفوس، والمؤمن الكامل هو الذي يتعاطى هذا وهذا". وذهب الفيروز آبادي إلى أن المراد بـ (الزكاة) في الآية التزكية النفسية، قال: "أي: يفعلون ما يفعلون من العبادة ليزكيهم الله، أو ليزكوا أنفسهم، والمعنيان واحد. وليس قوله: {للزكاة} مفعولاً لقوله: {فاعلون}، بل (اللام) فيه للقصد وللعلة".

وحاصل القول: إن لفظ الزكاة في القرآن أكثر ما جاء بمعنى الزكاة الشرعية. وجاء بدرجة تالية بمعنى الطهارة المعنوية، والبراءة من الذنوب، والهداية إلى الإسلام، والأفضل والأَخْيَر. وجاء بدرجة أقل بمعنى الصلاح، والصدقة، والبركة. وجاء في موضع واحد بمعنى (الحِلِّيَّة) أي: كون الأمر حلالاً.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة