![]() ![]() معالم في قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز2015-03-16 16:51:53| الشبكة الإسلاميةتمثل هذه القصة الحلْقة الثانية من حلَقات الحياة في عالم الابتلاء الدنيوي، حيث يكون الحلم الذي يسعى إليه الصادقون هو الثبات حتى الممات، وأبلغ قصة تصور هذه المرحلة هي القصة التي تتكلم عن حياة الكريم بن الكرام –يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم- عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام. فقد عاش هذا الفتى طفولته بين حنان الأبوة، وآلام الحسد من أقرب الناس؛ إنه الحسد ليس من البعداء البغضاء، بل من الأخوة الأقرباء، يجعل القلوب كالأرض اليباس، وما فعلهم إلا مخالفةٌ لرضا الله ومراده، يتبعون أهواءهم فيظلمون الخلق {بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [البقرة:90]. من أهم خصائص قصة يوسف –عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- وهي خصائص القصة القرآنية: أولاً: جمال التصوير في هذه القصة يذكر بصفاء القمر المنير: ترى في هذه القصة الرائعة صدق التصوير، كما ترى رُقِّي التعبير.. مع أن الكلام إنما هو عن هذا النموذج البشري الشاب الخاص بكل واقعيته، وعن تلك اللحظات الخاصة بكل طبيعيتها، إلا أنك ترى الأداء القرآني- الذي ينبغي أن يكون هو النموذج الأعلى للأداء الفني الإسلامي- لم يتخل عن طابعه النظيف مرةً واحدةً، حتى وهو يصور لحظة التعري النفسي والجسدي الكامل بكل اندفاعها وحيوانيتها عند امرأةٍ قاد الشيطان زمامها، وأنساها غضب الله أمامها، وعلى الرغم من كشف إجرامها إلا أنك مع وضوح التصويرترى عظمة التعبير، ونظافة الفكر المستنير على نقيض المستنقع الكريه الذي يتمرغ في وحله كتاب «القصة الواقعية» الذين نُزِعَ عنهم الأدبُ في «القصة الطبيعية» في هذه الأيام، التي صار المعروف فيها منكراً والمنكر معروفاً، وهم يتحججون بحجة الكمال الفني في الأداء!، فيأتون بكل رعناء من القول وفحشاء. في هذه القصة القرآنية نجد الحق في الإخبار والأخبار، كما نجد التشويق في السرد مع ذكر ما يؤدي إلى التذكر والاعتبار على هيئةٍ فريدة لا يجدها المرء إلا في القرآن الكريم، فالنفس بالتشويق المكتنز في كل كلمة من القصة تظل في غاية الاهتمام، والحواس تبقى مشدودةً إلى ذكر بقية الأحداث التفصيلية والكلية التي حدثت لهذا الشاب الكريم بن الكرام –عليهم الصلاة والسلام-. إذ نلحظ أنه ترد التعقيبات على الأحداث المتتالية بأسلوبٍ لا يقطع تسلسلها، بل يزيدها وضوحاً وبياناً، ويجعل السرد فيها كأنه مشاهَدٌ عِياناً، ولا يجعل السرد لمجرد الترفيه والاستمتاع، بل للبناء الإيجابي والتزكية والفائدة والانتفاع؛ ولذا نجد مثلاً أن الله تعالى يعقب على قصة إجرام الذين اتخذوا يوسف -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- رقيقاً، فيقول سبحانه: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [يوسف:19]، ويوضح سرَّ الأحداث بعد أن صار ممكناً عند رئيس وزراء مصر، فيقول: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} [يوسف:21]. ومع أعلى درجات الإثارة في السرد القصصي، نجد التعليق النوراني الذي يكشف بعض أسرار الأحداث غير المتوقعة من الناحية البشرية، فيقول الله تعالى مبيناً سرَّ قوة الثبات العظيمة لهذا الشاب في مواجهة الإغواء والإغراء: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ} [يوسف:24]. لتزيد التشويق، وتجعل متابعة القراءة ألذ من طعم الرحيق، وذلك كظهور القافلة من بعيد.. لإنقاذ ذلك الفتى الكريم الوحيد، أو ظهور زوج امرأة العزيز.. فجأةً مع احتدام معركة يوسف-عليه السلام- ضد حبائل الشيطان، ويأتي معه الشاهد غير المتوقع مقدمه أيضاً ليظهر يوسف أنقى من الذهب الإبريز.. وبذا يبقى المستمع في غاية الإثارة والاهتمام للإكمال والتفكر في الدروس دون ارتياب. حيث تجتمع الصور المتعددة من الكلمة الواحدة كما في كلمة {بشرى} وكلمة {أشده} وغيرهما، ويظهر من خلال هذا التوفير للمعاني كوثرٌ عظيم من جمال المباني، ونهرٌ غزير تتدفق فيه الصور من ربوع تلك المغاني.. إنها أحسن القصص، وإنه أعذب الحديث، ومن خلال ذلك تنعكس صورةٌ إعجازيةٌ فريدةٌ في القرآن الكريم، تبني نفسيات شباب المسلمين، الذين يمثلون الأمل المشرق القادم، عندما يجعلون القرآن الدواء لكل شقي نادم، أو كل حائر نادم، يشفي الأسقام للمرضى والمعذبين، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57]، ولكل واحدٍ منهم ننادي:
1431 هـ©Islamweb.netجميع حقوق النشر محفوظة
|