الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لفظ (سلطان) في القرآن

لفظ (سلطان) في القرآن

لفظ (سلطان) في القرآن

لفظ (سلطان) على وزن فعلان من السلاطة، وهي الانبساط بالقوة، مشتق من المادة اللغوية (سلط) التي تفيد معنى القوة والقهر، قال ابن فارس في "مقاييس اللغة": "السين، واللام، والطاء أصل واحد، وهو القوة والقهر. من ذلك السلاطة، من التسلط، وهو القهر؛ ولذلك سمي السلطان سلطاناً. والسلطان: الحجة. والسليط من الرجال: الفصيح اللسان الذَّرِب. والسليطة: المرأة الصخابة"، ويقال: سلطته، فتسلط. وسلاطة اللسان: القوة على المقال؛ وذلك في الذم أكثر استعمالاً.

ولفظ (السلطان) ورد في القرآن الكريم في تسعة وثلاثين موضعاً، جاء في موضعين بصيغة الفعل، أحدهما: قوله تعالى: {ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم} (النساء:90)، ثانيهما: قوله عز وجل: {ولكن الله يسلط رسله على من يشاء} (الحشر:6)، وجاء في سبعة وثلاثين موضعاً بصيغة الاسم، من ذلك قوله تعالى: {أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان} (الأعراف:71).

ولفظ (السلطان) ورد في القرآن على معنيين رئيسين:

الأول: السلطان بمعنى (الحجة) و(البرهان) من ذلك قوله عز ومن قائل: {قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا} (يونس:68) أي: ما عندكم من حجة بهذا. ونحوه قوله عز وجل في خطاب هود عليه السلام لقومه: {أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان} (الأعراف:71) أي: ما جعل الله لكم في عبادتكم ألهتكم من حجة تحتجون بها، ولا معذرة تعتذرون بها؛ لأن العبادة إنما هي لمن ضر ونفع، وأثاب على الطاعة، وعاقب على المعصية، ورزق ومنع. ومن هذا الباب قوله عز وجل: {هلك عني سلطانيه} (الحاقة:29) قال ابن عباس رضي الله عنهما: هلكت عني حجتي. وهو قول كثير من التابعين.

ولفظ {السلطان} أكثر ما جاء في القرآن الكريم بحسب هذا المعنى؛ لذا روي عن عكرمة قوله: "كل شيء في القرآن {سلطان} فهو حجة".

الثاني: السلطان بمعنى (التسليط) و(القهر) جاء بحسب هذا المعنى قوله عز وجل: {وما كان له عليهم من سلطان} (سبأ:21)، أي: ما كان تسليطنا إياه عليهم إلا لنرى المؤمن من الكافر، ونميز الخبيث من الطيب. ونحو هذا قوله تعالى على لسان الشيطان الرجيم: {وما كان لي عليكم من سلطان} (إبراهيم:22)، أي: ما كان لي عليكم من تسلط وقهر، فأقسركم على الكفر والمعاصي، وألجئكم إليها إلا دعائي إياكم إلى الضلالة بوسوستي وتزييني. ومنه أيضاً قوله سبحانه: {لا تنفذون إلا بسلطان} (الرحمن:33)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "لا تخرجون من سلطاني وقدرتي عليكم". وقال الزمخشري: "{إلا بسلطان} يعنى: بقوة وقهر وغلبة". قال البغوي: "السلطان: القوة التي يُتسلط بها على الأمر".

وعلى هذا المعنى أيضاً فُسِّر قوله عز من قائل: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا} (الإسراء:33)، أي: تسليطاً؛ إن شاء قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. ومنه أيضاً قوله تبارك وتعالى: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون} (النحل:99-100)، أي: ليس للشيطان قدرة على إغواء المؤمنين المتوكلين على الله، وليس له سبيل إلى فتنتهم عن دينهم، إنما هو قادر على الذين يتبعون وسوسته، ومسيطر على الذين يخضعون لإغوائه، والذين هم من أجله مشركون بالله، كافرون به.

أما قوله تعالى: {وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين} (الذاريات:38)، أي: بحجة بينة، وهي العصا. وقيل: أي بالمعجزات من العصا وغيرها. وعن قتادة قال: بعذر مبين.

وحاصل القول: إن لفظ {السلطان} أكثر ما جاء في القرآن بمعنى الحجة والبينة والبرهان، وجاء على نحو أقل بمعنى القهر، والتسلط، والقوة، ولم يأت لفظ {السلطان} في القرآن بمعنى الحاكم، والقائم على أمر الناس.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة