الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لعلكم تشكرون...لعلكم تسلمون

لعلكم تشكرون...لعلكم تسلمون

لعلكم تشكرون...لعلكم تسلمون

في سياق بيان ما أنعم الله به على عباده من رخص التكاليف الشرعية، ومنها رخصة التيمم حال انعدام الماء، جاء قوله تعالى: {وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون} (المائدة:6). وفي سياق بيان ما أنعم الله على عباده من نعم المسكن والملبس والاتقاء من حر الصيف وبرد الشتاء جاء قوله تعالى: {كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون} فورد في الآيتين إتمام نعمته سبحانه على عبادة بعبارة واحدة {وليتم نعمته عليكم} فجعل كل ذلك من النعم، ثم جاء ختام الآيتين مفارق لبدايتهما، فما وجه هذا الافتراق مع أن البداية واحدة؟

أجاب ابن الزبير الغرناطي عن هذا السؤال بما حاصله: أن آية المائدة خطاب للمؤمنين بما يجب عليهم من الطهارة لصلاتهم، وتعليم لهم كيفية عملهم في ذلك، وإنعام عليهم برخصة التيمم إذا عدموا الماء، وكل هذا مستوجب للشكر لله سبحانه، فقيل في ختام هذه الآية: {لعلكم تشكرون}.

أما آية النحل فإن السورة كلها مكية، إلا آيات من آخرها، وغالب حالها أنها خطاب لكفار قريش ومن كان مثلهم، ألا ترى افتتاحها بقوله تعالى: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} (النحل:1) وهذا خطاب للمرتابين في الساعة تكذيباً وكفراً، ثم قال: {سبحانه وتعالى عما يشركون} (النحل:1) فأوضح أن الخطاب للمرتابين، وجاء قوله بعدُ: {أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون} (النحل:17) وقوله: {والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم لا يخلقون} (النحل:20} إلى ما بعد، ثم قال: {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين} (النحل:24) ثم قال: {قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد} (النحل:26) وقال: {إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين} (النحل:37) ثم قال: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت} (النحل:38) ثم قال: {ويجعلون لله ما يكرهون} (النحل:62) ثم ذكر سبحانه بعد بيان ما امتن به على عباده، فقال: {ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا} (النحل:73).

وعلى هذا استمرت آيات سورة النحل، وقد تخللها من تذكيرهم بإنعام الله عليهم كثير إلى قوله عز وجل: {والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا} (النحل:81) وكل هذا تذكير بعجائبه من إنعامه تعالى، لا يمكن نسبة شيء منها لغيره، ثم أعقب ذلك بقوله: {كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون} (النحل:81) أي: تدخلون في دين الإسلام، الذي لا يُقبل في الآخرة سواه. فهذا وجه ختم الآية بقوله سبحانه: {لعلكم تسلمون}.

أما آية المائدة فلم يقع قبلها حديث عن غير المؤمنين، ولم يقصد به سواهم، ولم يخاطبوا باسم الإيمان إلا وإسلامهم حاصل، ثم عُلِّمُوا طهارتهم بعد بيان ما أحل لهم وحرم عليهم، ثم أعقب تعليمهم برخصة التيمم عند تعذر الماء، فناسب رجاء إنعامه عليهم بهدايتهم للشكر، فقيل: {لعلكم تشكرون} ولم يكن ليلائم في كل من ختام الآيتين إلا ما خُتمت به، ولا يناسب عكس الوارد بوجه، فورد كل على ما يجب ويناسب.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة