الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإعلام الجديد بين السلب والإيجاب

الإعلام الجديد بين السلب والإيجاب

الإعلام الجديد بين السلب والإيجاب

ليس أحد من الناس يختلف على أن العُمرُ أنفاسٌ معدودة، وأوقاتٌ محدودة، وساعات محسوبة، وأن من توفيقِ الله لعبدِه أن يفتَحَ له أبوابَ الخير، ويُيسِّر له سُبُلُ البِرِّ، ويُبارِكَ له في عُمره، فيستعمِلَه في طاعة الله، ويُوفِّقَه لعملِ الصالِحات.. وأن من الخُذلان أن يضيعَ المرء عُمرَه، فيسلُكَ مسالِكَ الإثم، ويسيرَ في دُروبِ الشرِّ، ويلهَثَ وراءَ المُتَع، ويُضيِّعُ الأيام بما لا ينفَع في دنيا ولا في آخرة.

وإن مما ابتُلِيَ به أهلُ هذا العصر وامتحنوا به: ما عُرِف بالإعلام الجديد؛ من شبَكَات المعلومات، ومواقِع التواصُل الاجتماعيِّ المختلفة والمتنوعة، وغُرف الشات والمُحادَثات، والمُدوَّنات، والحسابات الشخصيَّة، والمواقِع والمُنتدَيات.

وهذا الإعلام الجديد يختلف كثيرا أو كليا عن الإعلامُ القديم، أو الإعلام التقليديِّ، أو الإعلام الساكِن؛ أو إعلام الطرف الواحد (لأنه من طرفٍ واحدٍ، لا يشترِكُ فيه المُتلقِّي بحديثٍ ولا حِوار، ولا إبداءِ رأيٍ، ولا تسجِيلِ موقِفٍ).
أما الإعلامُ الجديد فهو إعلامٌ حيٌّ، يشترِكُ فيه المُرسِلُ والمُستقبِل في الحديثِ والحِوار، وتسجيل الرأي والموقف.

أثر عظيم وتأثير بالغ
لقد أحدث هذا الإعلام طفرة في مفهوم الإعلام، وعالم الاتصال والتواصل، فقد تجاوز كل الحدود وحواجز الجغرافيا، وربط بين أجزاء العالم، ووصل الناس ببعضهم في جميع البلدان وعلى مستوى كل القارات، وقارب المسافات الزمانية والمكانية حتى كاد أن يلغيها.

وما زال هذا الإعلام يتعاظم دورة في حياة الأفراد والأسر، والمجتمعات والشعوب بما يحدثه من تأثيرات وتغيرات بالغة على سلوك الناس وعاداتهم وثقافاتهم وفكرهم، وبما يحدثه من تغيير اجتماعي إيجابا أو سلبا ، ونفعا أو ضرا.

ومما هو مشهور غير منكور، ومعروف غير مجهول أن هذا الإعلام فيه خير وشر، ونفع وضر، وإيجابيات سلبيات، وإن من واجب النصح والتواصي بالحق أن نتدارس هذا الأمر وننظر فيه: فما كان فيه من خير ونفع دعونا إلى الإفادة منه، والاستزادة من منافعه، وما كان فيه من سلبيات ومضار وشر حذرنا منه ونهينا عنه؛ صيانة للنفس، وعصمة للدين، ونُصحًا للأمة، وقيامًا بواجب المسؤوليّة.

إيجابيات كثيرة
لقد كان لهذا الإعلام الجديد إيجابيات ومنافع كثيرة نذكر منها على سبيل المثال:
تقريب المسافات، وإلغاء الحدود، وتيسير الاتصال بين الناس يتواصَلُون مع أقرانِهم وغير أقرانِهم، ومعارِفِهم وغير معارِفِهم، داخِليًّا وخارجيًّا، يتبادَلُون الأسرار والمعلومات والثقافات، ويمارسونَ ما لا ينحصِرُ من النشاطات والفعاليَّات مع من يعرِفُون ومن لا يعرفون. كما أمكن من خلاله أن يصل الإنسان رحمه، ويبر أهله، ويطمئن على إخوانه وجيرانه وذويه، وإن كان في غير البلد الذي هم فيه، وذلك في أقصر وقت وبأيسر جهد وأقل تكاليف.

ومنها.. توفير الوقت والجهد والمال، في التعاملات بين البلدان، أو المسافات البعيدة والقريبة، مع سرعة الإنجاز، ودقة النتائج.

وهو وسيلة للعلم والتعليم فيمكن من خلالها تحصيل الشهادات بالدراسة عن بعد، وحضور دورات متخصص، مع طفرة هائلة في توفير الكتب والدراسات والمعلومات، وأدوات البحث؛ مما يسهل الوصول للمعلومة، مع تعدد النتائج، وحرية الاختيار والاقباس والنقل.

ومنها.. تمهيد الطريق أمام المبدعين وأصحاب الحرف والمهن والتخصصات لتطوير الذات، والاطلاع على كل جديد وتبادل المعلومات، وتلاقح الأفكار وتطوير المهارات مما يزيد الإبداع والنفع للأفراد والمجتمعات.

وهو وسيلة فعالة للدعوة ونشر الدين والعلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووسيلة للتوجيه والإرشاد، والفتوى والوعظ وتعليم القرآن والتعاون على البر والتقوى وإجابة السائلين، ودلالة الحائرين ومحاورة المخالفين والرد على شبهات والزائغين والطاعنين في السنة والدين.

ومنها.. فتح آفاق جديدة للإنسان ليعبر عن ذاته وشخصيه، ويتفاعل مع من حوله وما حوله من أحداث بطرق مختلفة، وأساليب متجددة لم يعهدها السابقون.

ومنها أيضا.. نشر الحق ونصرته، وفضح الباطل وزمرته، وبيان ظلم أهل الظلم والكفر، وتعرية ادعاءاتهم حول العدل والديمقراطية ومخادعاتهم وما صنعوه بالمستضعفين، ومدى الدمار الذي خلفوه في كثير من البلدان التي احتلوها أو تدخلوا فيها، ومدى مكرهم بالإسلام والمسلمين.

ومنها بيان قضايا الأمة الهامة، وقضايا المسلمين المقهورين، والأقليات المعذبة والمضطهدة، وإطلاع الغافلين عليها والجاهلين بها، وتعريف الناس بأحوالهم ومعاناتهم، سعيا لمعاونة ورفع الظلم عنهم.
وغير ذلك مما يمكن أن ينتفع به الإنسان من إيجابيات هذا الإعلام الجديد.

سلبيات خطيرة
غير أن هذ الإعلام كما حوى الكثير من الإيجابيات فق اشتمل أيضا على سلبيات شديدة الخطر، وعظيمة الأثر على مستخدميه ومتابعيه.. وسنذكر هنا خمسا فقط مما نراه أعظم خطرا وأشد أثرا:
أولا: نشر الإشاعات والمعلومات الباطلة والأخبار الكاذبة، والصور الملفقة، لإحداث البلبلة والتشويش، والقلاقل في بلاد المسلمين.

ثانيا: نشر الأفكار الهدامة، والإعلان بالإلحاد والكفر صراحة، والجرأة على الدين، والطعن في الأصول والثوابت، والاستهزاء بالشعائر والمشاعر، وتشويه صورة العلماء والدعاة وأهل الإيمان والطعن عليهم والسب لهم، وقالة السوء فيهم لصرف الناس عنهم، أو للطعن في الدين من خلال الطعن فيهم واتخاذهم تكأة للحط من الإسلام وأهله.

ثالثا: نشر الفواحش والدعوة إليها، وذلك بنشر مقاطع الخنا والزنا والخلاعة والفجور، والصور العارية، ومقاطع غرف النوم مع ما تحتوِيه من موادَّ مُحرَّمةٍ فاضِحة، تستهدِفُ جميعَ الطبقات والفِئات، مما يُورِثُ الانحِلالَ الأخلاقيَّ، وفسادَ الفِطَر، ونزعَ الحياء، وقتلَ الغَيرَة، وذهاب الإيمان، والبعد عن كل فضيلة، والجنوح للرذائل، وسقوط الهمم، والغفلة عن قضايا الأمة ومنافع النفس والدين والوطن.

رابعا: العزلة الشعورية
فقد أصبح هذا العالم متاحا لكل المستويات وجميع الأعمار بانتشار الهواتف الذكية، وأصبح كل واحد يعيش واقعه الافتراضي في هذا الهاتف، فأصبحت الأسرة تجتمع جسديا ولكنها متفرقة شعوريا، ويجتمع الناس في المجلس الواحد ولكن كل مع هاتفه وفي عالمه، مما سبب جفافًا في التعامُل، وجفاءً في التواصُل، وخَذَلاًنا في الترابُط الأُسريِّ، والعلاقات الاجتماعيَّة، وتفككا بين أفراد المجتمع.

خامسا: سرقة الوقت والعمر:
فيدخل الإنسان هذا العالم فلا يزال يتنقل بين أشكاله وأنواعه، ويرى هذا ويقرأ هذا ويشاهد هذا، فتمر عليه الساعات الطوال وإذا به قد انفلت عمره، وانقضى وقته في غير مصلحة معتبرة أو غير فائدة تذكر في دينه أو دنياه.. والعمر أعظم من أن يضيع في مثل هذا، فإن الأنفاس معدودة، والساعات محدودة، وواجبات الوقت أكبر من أن يضيعها الإنسان في مثل هذا.. وهذا مما يقع فيه أكثر المتصفحين لهذا الإعلام الجديد وهو أقل خطر وأعظم خطل في ذات الوقت.

تذكرة لابد منها
إنها دعوة لكل من يتعامل مع هذا الإعلام الجديد أن يتقي الله تعالى في دينه ونفسه وعمره فلا يضيع دينه وعمره ونفسه بل يتقي الله ربه ويراقبه في سمعه وبصره، وفيما يستعمل فيه جهازه أو يقضي فيه وقته، يعينه على هذا أن يحدد هدفه قبل دخول هذا الفضاء الواسع، ويجعل لنفسه وقتا محددا للتصفح، وأن يراقب ربه، وإلا فلا يخلو بنفسه إن خاف عليها الانزلاق فيما لا يحمد.

إننا ندعو وبقوة للانتفاع بما جد من منافع، وبما ظهر من إيجابيات، والعمل على زيادة الخير فيها، ونفع النفس والدين والوطن.

كما ندعو وبنفس القوة إلى البعد عن كل ما جد من مخاطر، وبما بدى من سلبيات، والعمل على محاصرة الشر والتقليل منه، والأخذ على يد السفهاء وناشري الكفر والإلحاد والفتن والفحش، صيانة للدين والنفس والأعراض والأوطان.
{وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة