الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عيسى العوام.. بين التزوير التاريخي والتضليل الاعلامي

عيسى العوام.. بين التزوير التاريخي والتضليل الاعلامي

درسونا -ونحن اطفال صغارفي الابتدائية- أن عيسى العوام كان نصرانيا وبطلا عربيا، كان ولاؤه للقومية العربية والوطن العربي أعظم من ولائه لدينه النصراني؛ ولهذا حارب أهل دينه النصاري الصليبيين، مع القائد المسلم صلاح الدين،وضحى بنفسه في سبيل القضية القومية حتى استشهد، وكان عيسى هذا مضربا للمثل قي الامانة، كما كان السموأل اليهودي مضرب المثل في الوفاء!!!

وكثير منا لا يعرف عن شخصية البطل عيسي العوام إلا ما قرأه أو سمعه أو شاهده في الكتب المؤلفة حديثا، أو الأفلام والمسلسلات التي عُرضت على القنوات الفضائية والتي – للأسف- لا علاقة لها بالمصداقية التاريخية أو الفكرية.. وليست سوى خيال أوأساطير.

ومن أشهر الأمثلة على ما نقول فيلم "الناصر صلاح الدين" من إخراج النصراني يوسف شاهين، كإحدى المحاولات لترسيخ نصرانية وقومية البطل عيسى العوام.

وقصة الفيلم مأخوذة عن قصة الشرقاوي.. وقصة الشرقاوي من نسج خيال عبد الرحمن الشرقاوى. ونحن لا نلوم الشرقاوي أو يوسف شاهين كثيرا على تزوير التاريخ، فكلاهما ليس مؤرخا بل كما يقولون فنان، والفنان كالشاعر يسير على قاعدة “أعذب الشعر- ومثله الفن- أكذبه”..

وليس في القصص الواقعية عوامل تشويق وجذب كما في حالة القصص الخيالية، ثم إن كلاهما يتبنى فكرا علمانيا يفصل السلوك عن الأخلاق، وبالتالي فلا غرابة أن تصدر عنهم هذه التزويرات للتاريخ ما دامت تنفع في الترويج للقصة والفيلم.. ويتلاشى الاستغراب تماما إذا علمنا أن النصراني يوسف شاهين مخرج فيلم صلاح الدين هو أيضا صاحب أكثر مشاهد الشذوذ الجنسي في السينما المصرية وفقا لبحث أعده الكاتب الإيطالي ”جاراى مانكوشي” عام 1998 تحت عنوان “الشذوذ في السينما المصرية”، وصاحب أكثر فيلم احتوى على لقطات شذوذ لعام 2007، وصاحب فيلم المهاجر الذي صور قصة سيدنا يوسف بطريقة وقحة للغاية!!!

العوام الحقيقي:
أما القصة الحقيقية لعيسى العوام فهي موجودة في كتاب "النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية" لابن شداد، قاضي صلاح الدين الأيوبي، وهي موجودة أيضا فى كتاب "الروضتين في أخبار الدولتين الصلاحية والنورية" لأبي شامة المقدسي الذي ساق القصة نقلا عن العماد الأصفهاني أحد كتبة ديوان صلاح الدين.
ودعونا نقارن بين القصة كما وردت عند يوسف شاهين وكما وردت عند المؤزخين المسلمين !!

أولا :القصة كما صورها الفيلم:
يظهر هذا بطل القصة عيسى على أنه نصراني يقع في حب فتاة صليبية، وهذه الفتاة رئيسة لمجموعة من الجنود الهوسبيتاليين ممن كانوا يرافقون الحملة الصليبية على بيت المقدس.. ويُكلف هذا البطل بتوصيل رسالة إلى أحد الأشخاص في مدينة عكا أثناء حصارها من قبل الصليبيين… فيُكتشف أمره أثناء عودته، ويجرح ويقع في البحر، ثم يتم انتشاله من قبل الصليبين بعد ذلك، وكان هذا البطل يعلق صليبا على صدره.. فيعرفون أنه نصراني عربي ويحملونه إلى إحدى الخيام، وهناك تلتقي به فتاته التي وقع في حبها، فتسهر على راحته ـ كما يقولون ـ حتى يتماثل للشفاء.. إلى آخر القصة المزيفة.

وانظروا إلى هذا المشهد من الفيلم
عيسى العوام يظهر تمسكه بالصليب فتتتعجب الممثلة…
وتسأله: نصراني وتحارب معهم؟؟
عيسى العوام: إنهم أهلي!!

كلمات بسيطة….. لكنها تعبر عن أنه لا يحارب من أجل دين وعقيدة، بل من أجل قوميتة ومن أجل أنهم أهله فقط!!

مشهد آخر
الملوك أوروبا يستعرضون ألقابهم، ثم صلاح الدين (معرفاً بنفسه): صلاح الدين عبد الله وخادم العرب!!
عرب!!!! أي عرب؟؟ ومتى أصبح صلاح الدين عربيا أو خادما للعرب؟… وأين الإسلام!!!!؟

ثانيا: القصة في المصادر التاريخية الموثقة:
أما القصة الحقيقة كما وردت عند من عاصرها ونقلها عمن عرفها عن كثب، فقد وردت في كتاب (النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية) أيام محنة عكا..

دعونا نقرأ ما قالت الكتب التاريخية الموثقة، قال ابن شداد في كتابه "النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية"، وهو عين ما ذكره وأورده أيضاً صاحب كتاب: "تذكير النفس بحديث القدس" (1/ 378 – 379)، حيث قالا:
(ومن نوادر هذه الوقعة ومحاسنها أن عواماً ”مسلماً” كان يقال له عيسى، وكان يدخل إلى البلد – يعني عكا أثناء حصار الفرنج لها – بالكتب والنفقات على وسطه – أي يربطه على وسطه – ليلاً على غرة من العدو، وكان يعوم ويخرج من الجانب الآخر من مراكب العدو، وكان ذات ليلة شد على وسطه ثلاثة أكياس، فيها ألف دينار وكتب للعسكر، وعام في البحر فجرى عليه من أهلكه، وأبطأ خبره عنا، وكانت عادته أنه إذا دخل البلد طار طير عرّفنا بوصوله، فأبطأ الطير، فاستشعر الناس هلاكه، ولما كان بعد أيام بينما الناس على طرف البحر في البلد، وإذا البحر قد قذف إليهم ميتاً غريقاً، فتفقدوه فوجدوه عيسى العوام، ووجدوا على وسطه الذهب وشمع الكتب، وكان الذهب نفقة للمجاهدين، فما رُئي من أدّى الأمانة في حال حياته وقد أدّاها بعد وفاته، إلا هذا الرجل).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كتاب: “أبطال مسلمون مغمورون.. لكن عظماء”.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة