الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بين الإعلام الجديد والإعلام الاجتماعي

بين الإعلام الجديد والإعلام الاجتماعي

بين الإعلام الجديد والإعلام الاجتماعي

ليس أفصح من بيان الأرقام لإقناع المسؤولين اليوم وحتى عامة الناس بأننا في عصر الاتصال وأننا أمام إعلام جديد هو بصدد القطع مع تقاليد قديمة في هذا القطاع، وأننا أيضًا أمام استخدامات للاتصال والإعلام لم تكن إلى زمن قريب معهودة وخاصة فيما يتصل بتمددها الأفقي. إذا ما اعتبرنا أن سكان الكرة الأرضية يناهز 7.3 مليارات نسمة فإن 3.17 مليارات منهم مرتبطون بشبكة الإنترنت أي ما يقارب النصف، وأن لكل فرد منهم 5.54 حسابات على شبكات التواصل الاجتماعي. أكثر من كل ذلك، فإننا نسجل يوميًّا مليون مستخدم جديد لشبكات التواصل الاجتماعي على الهاتف الجوال، أي ما يعادل 12 مستخدمًا جديدًا في كل ثانية. من بين كل هذه الأرقام يتربع موقع الفيسبوك على سلم الترتيب بـ1.71 مليار حساب، واليوتيوب بمليار، أما عدد مستخدمي "الواتس آب" فهم في حدود 900 مليون مستخدم، ولنكدإن بـ450 مليون.

على المستوى الاقتصادي، وتحديدًا في سنة 2015، استثمرت أكثر من 38% من الشركات الخاصة ما قيمته 20% من ميزانيتها للإعلانات في شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما يُمثِّل ارتفاعًا بنسبة 13% مقارنة بسنة 2014. وتمثُّل تلك النسبة ما قيمته 8.5 مليارات دولار من مداخيل إشهارية لصالح شبكات التواصل الاجتماعي؛ وهذا فقط لسنة 2015.

مقاطع الفيديو في أرقام
أما فيما يتعلق بمقاطع الفيديو والتي لها صلة بالمضامين، فإن شبكة الفيسبوك توفر 8 مليارات مشاهدة في اليوم أمَّا "سناب شات" فله 6 مليارات مشاهدة لمقاطع فيديو، ويُعتبر من بين أكثر الشبكات مشاهدة في العالم.

فعلى سبيل المثال، وتحديدًا في الولايات المتحدة الأميركية، فإن الشخص الواحد يقضي ما يعادل ساعة و16 دقيقة من الوقت في مشاهدة مقاطع فيديو على الحوامل الرقمية. أما على منصة غوغل الخاصة بالفيديو، فإنه يقع تحميل 300 ساعة كل دقيقة وهو ما يمثِّل رقمًّا خياليًّا يوازي 3.25 مليارات ساعة فيديو مشاهدة كل شهر. وعلينا هنا أن نشير إلى أن نصف مقاطع الفيديو هذه تأتي من الهواتف الذكية الجوالة والتي توفر مليار مشاهدة في اليوم لمقاطع الفيديو هذه.

تتميز المدونات بدور السبق فيما يتعلق بإنتاج المضامين الرقمية للمستخدمين، والتي توفر 65% من مجموع المحتوى الرقمي، فمنصة الووردبريس (WordPress) تنشر لوحدها 56 مليون مقالًا في الشهر. أما إمبراطورية غوغل فهي تعالج ما يفوق 100 مليار عملية بحث في الشهر أي ما يقارب 40 ألف عملية بحث في هذا المحرك في الثانية، وهو ما يمثِّل 89.3% من عمليات البحث في الشبكة، وأن من بين تلك النسبة هناك ما بين 16 و20% هي عمليات بحث جديدة في هذا المحرك العملاق. والملحوظ أيضًا أن نصف عمليات البحث تلك تأتي من الهواتف الذكية أي ما يقارب 50 مليار بحث في الشهر وهو ما يدفعنا مستقبلًا إلى ضرورة أن نفكر في الهواتف الذكية كلما هممنا بالتفكير في تصميم مضامين رقمية، والطريف في كل هذا هو أن مركز بيانات غوغل يستهلك فقط 0.01% من الطاقة في العالم.

فيما يتصل بشبكات التواصل الاجتماعي، فإن ظاهرة شبكة الفيسبوك تتصدَّر كل الأرقام. فهذه الشبكة ينخرط فيها يوميًّا 500 ألف مشترك جديد، أي ما يعادل 6 أشخاص جدد في كل ثانية. على مستوى الإعلانات، فإن مليونين من 40 مليون صفحة تملكها شركات صغرى توظِّف الإعلانات لنشر مضامينها. أما شبكة التواصل الاجتماعي، إنستغرام، فلها 400 مليون ناشط كل شهر، وهو ما يمثِّل تحميل 80 مليون صورة على هذه المنصة موفرة 3.5 مليارات إعجاب “J’aime-Like”.
هكذا، وكلما سعينا إلى إثارة سجال فكري عن شبكات التواصل الاجتماعي أُشهرت في وجوهنا مثل تلك الأرقام والإحصائيات التي لا تكذب.

حشد بلا هوية
كل تلك الأرقام هي دلالة على وجود حشد داخل الشبكة، لكن هذا الحشد يبدو أنه بلا وجه، أي بلا هوية. وقد تكون الأرقام ها هنا مُغَذِّيَة للحديث الفكري لكن علينا أيضًا أن نحذر من أن الاعتماد عليها وبدون خلفية فكرية ونظرية مجازفة، وذلك بحكم أثر السَّلْعَنَة السريع لظاهرة الإعلام الاجتماعي وشبكاته وكل محاولات الاحتواء التي يتعرض لها.

في هذا السياق نشرت مؤسسة "رويترز" لدراسة الصحافة نتائج بحث ميداني مفادها أن مواقع التواصل، مثل الفيسبوك، باتت المصدر الأول للأخبار بالنسبة للشباب، وأنها صارت تَحُول بين المؤسسات الصحفية الكبرى والعائد المالي من الأخبار التي تنتجها.

حقائق من الدراسة
الدراسة أكدت جملة من الحقائق والنتائج المثيرة والتي باتت اليوم متداولة، لعل أهمها:
• تتعرض المؤسسات الصحافية في جميع أنحاء العالم لاضطرابات غير مسبوقة في نماذج العمل وذلك مع الصعود المتواصل لتأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي.

• الهجرة والانتقال في قراءة الأخبار إلى الهواتف الذكية وتزايد الإعلانات على شبكة الإنترنت باتت حقيقة تقنية واقتصادية ومجتمعية.

• أمست القصص الخبرية للمؤسسات الصحفية، في بلدان مثل كندا وبريطانيا، تحظى بمتابعة أكثر دقة عند نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.

في أكثر من بلد بات الاستنتاج السائد أن 50% من مستخدمي الإنترنت يحصلون على الأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي قبل كل شيء، في وقت يتجه عدد متزايد من المستخدمين إلى اعتبارها مصدرهم الرئيسي للأخبار.

والمثير أيضًا في هذه الدراسة هو أن كبريات المؤسسات الإعلامية ربطت نفسها بمنصة الفيسبوك وغوغل لتوزيع أخبارها، رغبة منها في سعة الانتشار وسرعته، وهو ما جعل من مواقع التواصل الاجتماعي وجهة بديلة عن المواقع الإخبارية للمؤسسات الإعلامية التقليدية الضخمة. ففي العديد من المنصات الإعلامية التقليدية بات ربع المحتوى فقط يتم الولوج إليه عبر الموقع الإلكتروني، بينما يفضل القُرَّاء زيارة منصات مواقع التواصل الاجتماعي للوصول إلى ذات المحتوى؛ وذلك لأن الانتقال إلى فضاء أرحب للتوزيع أصبح يمنح المؤسسات الإعلامية فرصًا أكبر للانتشار وهو هدفها الأسمى.

يبدو أنه بفضل الثورة المتسارعة في عالم الهواتف الذكية فقد تضاعف وبشكل ملحوظ الزمن الذي نفرده لتصفح مواقع الإنترنت وخاصة تعدد التطبيقات المصاحبة للشبكة.

إن الأخبار باتت حاضرة في الهاتف الجوال المتصل عبر شبكة الإنترنت وهو ما أنتج تزاوجًا غير قابل للانفصال بين الإنسان والأخبار فكلما تنقل الإنسان سبقته الأخبار في جواله.

إذن، فنحن أمام معطى فيزيائي جديد وهو أن انتقال الشخص وحركته لم تعد عائقًا لبقائه متواصلًا مع العالم الخارجي وهو ما أنتج حالة جديدة من التزامن العجيب بين المكان والزمان، أي الآن وهنا.

كل هذا يفسِّر بشكل قاطع لماذا أصبحنا نقضي وقتًا أكثر ونحن نتصفح هذا الموقع أو ندردش عبر شبكات التواصل الاجتماعي تلك. ففي بريطانيا تضاعف الوقت الذي يقضيه المواطنون على الإنترنت خلال عشر سنوات إلى 20 ساعة أسبوعيًّا بدلًا من 10 ساعات خلال عام 2005. وفي وقت مَجْدِ التليفزيون كان المواطن يقضي أسبوعيًّا 24 ساعة في المشاهدة؛ حيث لم تتوافر آنذاك أية وسيلة ترفيه إلكترونية بصرية أخرى. وفي الولايات المتحدة الأميركية، فإن غالبية البالغين هم من مستخدمي الفيسبوك، وأغلب المستخدمين يحصلون بانتظام على الأخبار منه بدرجة ما، وهو ما يعني، بحسب مركز بيو الأميركي للأبحاث، أن نحو 40% من البالغين في الولايات المتحدة يعتبرون الفيسبوك مصدرًا للأخبار.

هكذا، أصبحت الصحافة وتوصيل الأخبار جزءًا مهمًّا من تلك المعركة لجذب الاهتمام على الهاتف المحمول. أصبح المواطن ينتابه فضول أكبر بشأن ما يحدث في العالم الآن، مثل تغطية نتائج المباريات، والطقس، وماذا كان يفعل أصدقاؤهم، فضلًا عن أخبار السياسيين، كلها باتت مجالات للمنافسة الشرسة بين منصات الإعلام الاجتماعي. إنها منافسة شرسة مثلما كانت المنافسة بين الصحف وشبكات التليفزيون في السبعينات غير أن الرهانات الاقتصادية والسياسية باتت أكبر بكثير. أما أشكال تصفح مواقع شبكات التواصل الاجتماعي وتحديدًا فيما يتعلق بشبكة الفيسبوك فإن 748 مليون متصفح يبحر في هذه المنصة عبر جهاز الحاسوب المكتبي، و1.259 مليون زائر يلج شبكات التواصل الاجتماعي عبر الهواتف الذكية، وفقط 221 مليون عبر اللوحات الرقمية. لقد مكَّنت الجغرافيا الجديدة للاتصال وكل هذه الأرقام مدفوعة بزمن ميدياتيكي جديد من ظهور نماذج اقتصادية وثقافية من خلال استخدامات جديدة في مجال الإعلام بات يُطلق عليها مصطلح الإعلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
من دراسة في مركز الجزيرة للدراسات

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة