الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وشربت أوروبا الكأس المسموم

وشربت أوروبا الكأس المسموم

وشربت أوروبا الكأس المسموم

في نيسان/ إبريل عام 1997 عقد في عمان (الأردن) حوار إسلامي مسيحي - في رحاب المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت)، مع وفد الكنائس الألمانية حول "عملية العلمنة والمسيحية الغربية".

ولقد شاركت في هذا الحوار، معلقا على بحث قدمه الدكتور "جوتفرايد كونزلن"، أستاذ اللاهوت الإنجيلي والأخلاقيات الاجتماعية بجامعة القوات المسلحة في ميونخ بألمانيا.

ولقد جاء هذا البحث شهادة شاهد من أهلها على ما صنعته العلمانية والتنوير الغربي بالمسيحية في أوروبا، حتى أني (لأهمية البحث) قمت بالتقديم له والتعليق عليه ونشره بسلسلة "في التنوير الإسلامي"، بدار نهضة مصر عام 1999م.

ففي هذا البحث، قال أستاذ اللاهوت والأخلاقيات الاجتماعية:

- "لقد مثلت العلمنة: تراجع السلطة المسيحية، وضياع أهميتها الدينية، وتحول معتقدات المسيحية إلى مفاهيم دنيوية، والفصل النهائي بين المعتقدات الدينية والحقوق المدنية، وسيادة مبدأ دين بلا سياسة وسياسة بلا دين".

- "ولقد نبعت العلمانية من التنوير الغربي، وجاءت ثمرة لصراع العقل مع الدين، وانتصاره عليه باعتباره مجرد أثر لحقبة من حقب التاريخ البشري، يتلاشى باطراد في مسار التطور الإنساني".

- "ومن نتائج العلمانية: فقدان المسيحية لأهميتها فقدانا كاملا، وزوال أهمية الدين كسلطة عامة، لإضفاء الشرعية على القانون والنظام والسياسة والتربية والتعليم، بل وزوال أهميته أيضا كقوة موجهة فيما يتعلق بأسلوب الحياة الخاص بالسواد الأعظم من الناس وللحياة بشكل عام، فسلطة الدولة، وليست الحقيقة، هي التي تصنع القانون وهي التي تمنح الحرية الدينية".

- "ولقد قدمت العلمانية الحداثة باعتبارها دينا حل محل الدين المسيحي، يفهم الوجود بقوى دنيوية، هي العقل والعلم".

- "لكن، وبعد تلاشي المسيحية، سرعان ما عجزت العلمانية عن الإجابة على أسئلة الإنسان، التي كان الدين يقدم لها الإجابات. فالقناعات العقلية أصبحت مفتقرة إلى اليقين، وغدت الحداثة العلمانية غير واثقة من نفسها، بل وتُفككُ أنساقها العقلية والعلمية عدمية ما بعد الحداثة، فدخلت الثقافة العلمانية في أزمة، بعد أن أدخلت الدين المسيحي في أزمة. فالإنهاك الذي أصاب المسيحية أعقبه إعياء أصاب كل العصر العلماني الحديث، وتحققت نبوءة "نيتشه" (1844 - 1900م) عن "إفراز التطور الثقافي الغربي لأُناس يفقدون نجمهم الذي فوقهم، ويحيون حياة تافهة، ذات بعد واحد، لا يعرف الواحد منهم شيئا خارج نطاقه"، وبعبارة "ماكس فيبر" (1864 - 1920م): "لقد أصبح هناك أخصائيون لا روح لهم، وعلماء لا قلوب لهم"!

- ولأن الاهتمام الإنساني بالدين لم يتلاشَ، بل تزايد، وفي ظل انحسار المسيحية، انفتح باب أوروبا لضروب الروحانيات وخليط من العقائد الدينية لا علاقة لها بالمسيحية ولا بالكنيسة، ومن التنجيم إلى عبادة القوى الخفية والخارقة، والاعتقاد بالأشباح وطقوس الهنود الحمر، وروحانيات الديانات الأسيوية، والإسلام الذي أخذ يحقق نجاحا متتزايدا في المجتمعات الغربية.

- لقد أزالت العلمانية السيادة الثقافية للمسيحية عن أوروبا، ثم عجزت عن تحقيق سيادة دينها العلماني على الإنسان الأوروبي، عندما أصبح معبدها العلمي عتيقا، ففقد الناس "النجم" الذي كانوا به يهتدون، وعد الخلاص المسيحي ثم وعد الخلاص العلماني"!

هكذا شهد أستاذ اللاهوت والأخلاقيات الاجتماعية على ما صنعته العلمانية والتنوير والحداثة بالدين في أوروبا، عندما شربت هذا الكأس المسموم الذي يسعى الغرب والمتغربون إلى أن يتجرعه المسلمون الآن.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة