الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تضخيم الذات

تضخيم الذات

تضخيم الذات

التضخيم لغة: التكبير، والتوسيع، وزيادة الحجم، والمبالغة في وصف الشيء ونعته.
يقول عليه الصلاة والسلام في حديثه: " وإن لنفسك عليك حقا"، ومن حق النفس: إكرامها، واحترامها، والإحسان إليها، ودفع الضر عنها، والارتقاء بها عن مواطن الزلل والنقص، والحرص على تزكيتها فيما يرضي الله، أما ما زاد عن ذلك؛ كأن يمدحها، ويعظمها، ويضخمها، ويتغزل بها، ويتغنى بإنجازاتها، فهو أمر مذموم ومكروه شرعا، وهو فعل اليهود والنصارى حين قالوا: (نحن أبناء الله وأحباؤه) المائدة 18، فأصبح اليهود مغضوبا عليهم، والنصارى أصبحوا ضالين.

وقد كان السلف الصالح إلى عهد قريب لا يطيق الواحد منهم كلمة ثناء من قبل غيره، فضلا عن أن يمدحوا أنفسهم إلا فيما كان جائزا، فالأصل في ذكر محاسن النفس ومدحها بذلك: المنع، وأقل أحواله الكراهة، لكن في موضع الحاجة والمصلحة الشرعية يرخص في مثل ذلك، بقدر ما تقتضيه الحاجة:
1- كأن تجيء لقوم لا يعرفونك، وأردت أن ينتفعوا منك ومن علمك كما ورد على لسان يوسف عليه السلام: (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) يوسف 55، فهو لا يزكي نفسه وإنما يعلم عن نفسه لينتفعوا منه.
2- أن تكون خاطبا لقوم لا يعرفونك، فإنه يجوز أن تذكر بعض محاسنك مما يرغبهم بالقبول بك.
3- أو كنت تريد وظيفة لا تستطيع الوصول إليها من دون إظهار لخبراتك ومستواك وإنجازاتك.

وأما ما كان على سبيل: الافتخار، وإظهار الارتفاع، والتميّز على الأقران، فهذا مذموم منهي عنه، قال تعالى: (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) النجم 32.

أما في حال مدح الغير، فهناك حالتان:
1- لا يجوز المدح: إذا كان فيه إفراط، وكان في الوجه، وخيف منه فتنة على الممدوح، فهذا يفسده، فقد قال -عليه الصلاة والسلام- حين رأى رجلا يمدح صاحبه بين يدي رسول الله، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "ويحك قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك، مرارا" ثم قال: "إذا كان أحدكم مادحا صاحبه لا محالة فليقل أحسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا"، لماذا؟ لأنك إذا مدحته بما ليس فيه تكبر، وإذا مدحته بما فيه اتكل على مدحك ذاك فقصر، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب)، قال النووي في شرح مسلم: النهي محمول على المجازفة في المدح والزيادة في الأوصاف، أو على من يخاف عليه فتنة من إعجاب ونحوه إذا سمع المدح.

2- يجوز: في من لا يخاف عليه الفتنة: لكمال تقواه، ورسوخ عقله، ومعرفته، فلا نهي في مدحه في وجهه إذا لم يكن فيه مجازفة؛ بل إن كان يحصل بذلك مصلحة كأن ينشط للخير ويزداد منه، أو يداوم عليه، أو للاقتداء به كان مستحباً.

وتضخيم الذات ومدحها علامة على ضعف عقل صاحبها ونقصه، فكما قال المتنبي:
ملأى السنابل تنحني بتواضع ... والفارغاتُ رؤوسُهن شوامخُ

فالعلم والكبر لا يجتمعان، وإن اجتمعا سقط العلم وبقي الكبر.
- فمن كان ممتلأ بالعلم والخير تجده متواضعا، يستمع للصغير قبل الكبير، لا تجده مغترا بمال، ولا جاه، ولا نسب، ولا منصب، ولا علم، ولا رأي.
- أما من كان فارغا، تجده متعجرفا، متكبرا، يطلق على نفسه الألقاب، ولا يتقبل النقد، وأن رأيه هو الصواب.
قال (يحيى بن معين): " ما رأيت مثل أحمد بن حنبل، صحبناه خمسين سنة ما افتخر علينا بشيء مما كان فيه من الخير والصلاح، وكان رحمه الله يقول: " نحن قوم مساكين، رحم الله ضعفنا، وطهر قلوبنا وأعمالنا".(4)
ويقول أحمد زويل: " من يحدثك عن عظمته وقدرته وعلمه ونبوغه فلا تستمع إليه؛ فإن العالم الحقيقي كلما ارتقى في سلم العلم، وتكشف له مساحات أخرى من الجهل، أدرك كم هو صغير في ملكوت الله، وأنه نقطة في بحر العلم والمعرفة".

وأخيرا، فإن من تعاظم في نفسه كان جزاؤه كما ورد في حديث ابن عمر -رَضي الله عنه- يقول: "سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: (من تعظم في نفسه أو اختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان) رواه الإمام أحمد

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة