الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الرياضة في الإسلام

الرياضة في الإسلام

الرياضة في الإسلام

من جماليات دين الإسلام أنه دين الشمولية، ومن دلائل شموليته أنه اهتم بالإنسان روحا وبدنا، فوفر للروح حاجتها وأسباب سعادتها، وفي ذات الوقت لم يهمل البدن وعوامل قوامه وقوته.. فدعا للاهتمام به، والأخذ بأسباب قوته وأسس بنائه.. ومن مشهور كلام النبي صلى الله عليه وسلم: [المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير](رواه مسلم). وقال أيضا: [وإن لجسدك عليك حقا](رواه مسلم وغيره).

ومن هنا يأتي دور الرياضة كوسيلة فعالة لتقوية الجسم وتقويمه، فهي بهذا مطلب شرعي، لا كما يظن البعض أنها من الأمور التي يجب على المسلم الابتعاد عنها باعتبارها لهوا يشغل عن العبادة والذكر، ويقلل من درجة الهيبة والاحترام بين الناس.. وهذا لا شك فهم خاطئ لمعنى الدين الشامل الذي جاء ليصوغ المسلم جسديا وعقليا وروحيا واجتماعيا وأخلاقيا...

فوائد الرياضة
إن الرياضة ـ بلا شك ـ من أسباب بناء الجسم وتقويته، وهي تعينه على تأدية وظائفه، وتنظم دورته الدموية، وتحسن عمل المخ والقلب، وتقوي العضلات وتمنع ترهلها، وتزيد مرونة المفاصل، وتكسب المرء النشاط والحيوية.. كما وأن الطاقة المبذولة فيها تزيل الشحوم والدهون، فتنقي البدن من الشوائب والسموم، وتمنع الأمراض وتحارب السمنة.
والرياضة باب لملء الفراغ في النافع المفيد، فلا يستغل في الانحلال والفساد،كما أنها علاج للاضطرابات النفسية والقلق والتوتر خصوصا عند الشباب.

وعلى الجانب الأخلاقي.. فهي تنمي أخلاق الفرد وتحسن من علاقاته ومعاملاته مع الآخرين، وتربيه على أخلاقيات الفرسان كالقوة والفتوة واحترام المنافس، وتنمي فيه روح التعاون والمنافسة الشريف الهادفة بين الأفراد والجماعات.
وإذا أدركنا أن التكاليف الشرعية تنتظر المسلم وجوبا بمجرد بلوغه، وأنها تحتاج إلى بدن سليم وبنية قوية، كما هو الحال في الصلاة والصيام والحج والجهاد. وإذا انتبهنا كذلك إلى أن أمة الإسلام أمة فتية، وظيفتها عبادة الله، ومهمتها تعبيد الناس لله تعالى، وسيادة العالم وقيادته بهذا الدين.. وأن أمة هذا شأنها يلزمها أن تكون أمة قوية معدة إعدادًا يتناسب مع هذه المهام الجسام.. كما أمر الله المؤمنين بقوله: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل}(الأنفال: )، وفسر النبي صلى الله عليه وسلم القوة بالرمي..فقال: [ألا إنما القوة الرمي].. علمنا أهميتها في حياة الإنسان، ودورها في حياة المسلم.

الرياضة في الإسلام
لقد اهتم الإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام بالرياضة عند المسلمين رجالا ونساء وأطفالا:
الرياضة عند الأطفال:
اللعب والرياضة عمل هام جداً للأطفال، ورغم أن أكثرها يؤديه الطفل عفواً أو لمجرد الاستمتاع مع أقرانه إلا أن لها دوراً هاماً في تنشيط البدن والقلب، وفي تطوير الجسد والعقل، فلا ينبغي أن ينظر إليها على أنها مجرد مضيعة للوقت وإهدار للعمر، بل ينظر إليها على أنها ضرورة، وباب لتنمية قدرات الطفل ومواهبه، وباب للمعرفة وتحصيل المعلومات، وكذلك إقامة العلاقات مع أبناء جنسه، وهي كذلك باب لتفريغ الطاقة ومحاربة الكبت والانطوائية.

ولقد راعى الإسلام محبة الأطفال للعب والحركة والرياضة وعدها نوعا من الهداية الربانية في بناء الجسم، ومطلبا نفسيا هاما وخطيرا؛ وجزءًا لا يتجزأ من العملية البنائية والتربوية لدى الأطفال، ولذا كان صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك فتارة يداعبهم ويلاعبهم، وتارة يلقاهم يلعبون فيقرهم ويتركهم، طالما لم تكن هناك مخالفات شرعية. بل كان يقيم بينهم المسابقات ويكافئهم على ذلك.. ففي مسند أحمد عن عبد الله بن الحارث رضي الله عليه عنه قال: [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف عبد الله وعبيد الله وكثير بني العباس رضي الله عنهم ثم يقول: من سبق فله كذا وكذا... قال فيسبقون إليه، فيقعون على ظهره وصدره، ويقبلهم ويلتزمهم].

وأقام مصارعة بين رافع بن خديج وسمرة بن جندب وهما ابنا أربعة عشر عاما، فصرع سمرة رافعا وقبلهما النبي في الغزوة بعد ما رأى قوتهما، وكان رافع راميا، وسمرة مصارعا بطلا.

وهذا إن دل فإنما يدل على اهتمام البني صلى الله عليه وسلم بناشئة الإسلام، وأنه كان يرعاهم بنفسه، ويجرى بينهم المسابقات على رغم شغله وكثرة أعبائه، وقد ورث عنه قادة الأمة هذه المهمة.... ومازال الدهر يصدح بما روى عن عمر بن الخطاب في قولته المشهورة (علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل).

الرياضة عند النساء
لم يهمل النبي صلى الله عليه وسلم النساء بل دلت سيرته على اهتمامه بهن في هذا الجانب، كما اهتم بهن في كل الجوانب.. وليس أدل على هذا الاهتمام من حديث مسابقته لعائشة زوجته مرتين، سبقته مرة، وسبقها مرة.. فقال: هذه بتلك.

وقد كانت النساء في عهده يخرجن للجهاد معه في بعض الأحيان، يسقين العطشى، ويعالجن الجرحى، ويداوين المرضى، وربما يشاركن في القتال، كما حدث في معركة أحد، كأم عمارة وعائشة وأم سليم رضي الله عنهن.. ومعلوم أن مثل هذا يحتاج إلى خفة ونشاط وقوة لا تتأتى بالخمول والنوم والبدانة والتنعم، وإنما بالجهد والتدريب والرياضة.

وعموما فإن الرياضة للنساء أمر مباح إذا ما روعيت الضوابط الشرعية: كعدم الاختلاط، أو التكشف، أو الدخول فيما يخص الرجال، أو شغل المرأة عن واجباتها الشرعية، أو إخراجها عن طبيعتها الأنثوية.. ونحو ذلك.

الرياضة عند الرجال:
وأما الرياضة عند الكبار، واهتمام الإسلام بها فشيء لا تخطئه العين، ولا ينبو عن السمع، ولا ينكره العقل والفكر.. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على القوة والفتوة والرجولة ومعالي الأمور، ويعدهم للحياة وللجهاد.. فكان يقيم لهم المسابقات، وينافس بينهم في المصارعات، وكان هو القدوة لهم في ذلك؛ وقد صارع ركانة بن يزيد، وكان من أقوى الرجال في الجاهلية، فطلب أن يصارع النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ فصارعه النبي وصرعه.

وقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل وراهن"، وفي رواية "سابق بين الخيل وأعطى السابق"، وفي إتحاف المهرة: "سابق بين الخيل والإبل".. وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: [لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر](رواه الترمذي وهو حسن)

وقد روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم السباقات بين الخيل المضمرة وغير المضمرة.. فعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَجْرَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ضُمِّرَ مِنْ الْخَيْلِ مِنْ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَأَجْرَى مَا لَمْ يُضَمَّرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ.
قَالَ سُفْيَانُ: بَيْنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ خَمْسَةُ أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّةٌ، وَبَيْنَ ثَنِيَّةَ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ.
قَالَ اِبْن عُمَر وَكُنْت فِيمَنْ أَجْرَى فَوَثَبَ بِي فَرَسِي جِدَارًا"، "فَسَبَقْتُ اَلنَّاسَ".

قال ابن حجر في فتح الباري: "وَفِي اَلْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّة اَلْمُسَابَقَةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ اَلْعَبَثِ بَلْ مِنْ اَلرِّيَاضَةِ اَلْمَحْمُودَةِ اَلْمُوصِلَةِ إِلَى تَحْصِيل اَلْمَقَاصِد فِي اَلْغَزْوِ وَالانْتِفَاعِ بِهَا عِنْدَ اَلْحَاجَةِ، وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ اَلاسْتِحْبَابِ وَالإِبَاحَةِ بِحَسَبِ اَلْبَاعِث عَلَى ذَلِكَ".

وكان عليه السلام يشجع المسلمين على الرمي ويأمرهم بتعلمه وينهاهم عن تركه بعد إتقانه: فمر يوما على جماعة من الأنصار يرمون فقال: [ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا](رواه البخاري )، وروى مسلم عن عقبة بن عامر قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}.. ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي]. وقال عليه الصلاة والسلام : [من تعلم الرمي ثم تركه فليس منا](رواه أصحاب السنن وصححه الألباني).

ضوابط يجب مراعاتها :
• الاحتشام في اللباس عند ممارسة الألعاب الرياضية، فلا يحل كشف العورة بحجة ممارسة الرياضة.
• أن لا تلهي الرياضة عن أداء العبادات والواجبات الدينية في أوقاتها كما أمر الله، فلا تضيع الصلاة ولا تُنهك حُرمة الصيام.
• عدم الاختلاط بين الجنسين أثناء ممارسة الرياضة، فلكل جنس أن يمارس ما يناسبه من الرياضة في مكان خاص بهم.
• عدم اتخاذ المسابقات الرياضية وسيلة للكسب الحرام كالمراهنات والقمار.
• عدم إيقاع الأذى المقصود بالمخلوقات من الناس أو الحيوانات، كاتخاذ الطيور أهدافاً للتدريب على الرماية، أو تعذيب الحيوان، أو التحريش بين الطيور والحيوانات بقصد اللهو مثل مصارعة الثيران، والاستمتاع بمناظرها لنهي النبي عن اتخاذ الطيور غرضاً يرمى، والتحريش بين البهائم. أو إيذاء الإنسان كما يجري في بعض أنواع المصارعة.
• أن تكون الرياضة مشروعة وأن لا تُعرض حياة الإنسان للخطر المحقق.
• أن لا تحمل على التعصب، وتفريق الولاء والبراء في غير المشروع.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

قضايا شبابية

الاهتمام بالقلوب

سلامة القلب وطهارته وصفاؤه ونقاوته، مطلب رباني، ومقصود شرعي، وكلما طهر قلب العبد كان من أفضل الناس.. فعن عبد الله...المزيد