الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

انتهاء رمضان بين الحزن والفرح

انتهاء رمضان بين الحزن والفرح

انتهاء رمضان بين الحزن والفرح

كل عام وأنتم بخير، وأسعد الله أيامكم، تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام، تقبل الله منا ومنكم الصدقات وقراءة القرآن، تقبل الله منا ومنكم الطاعات والعبادات وسائر الأعمال.

ها هو شهر رمضان قد مضى
مضى بأيامه الفاضلة، ولياليه العامرة.
مضى بعد أن كان بين أيدينا، وملء أسماعنا ونور أبصارنا، وبهجة قلوبنا.
بعد أن كان حديث منابرنا، وزينة منائرنا، وسمر مجالسنا، وحياة مساجدنا.

مضى بعد أن انفض سوق تجارته، وانتهى مضمار سباقه.
مضى حاملا معه صحائف أعمالنا، شاهدا فيها لنا أو علينا.
مضى بعد أن قسم الناس إلى ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات بإذن الله.
فليت شعري من أي الأقسام نحن؟.

لقد فاز في رمضان من جد واجتهد؛ ففاز بالرحمة والغفران، والعتق من النيران.
وخسر من خسر بسبب الغفلة والذنوب والعصيان.
فليت شعري من الفائز فنهنيه، ومن الآخَر فنعزيه؟

مضى رمضان فبكت قلوب المؤمنين حزنا على فراقه قبل أن تدمع عيونهم..
وحق للقلوب أن تحزن وللعيون أن تبكي وتدمع على فراق شهر الرحمة والتوبة والرضوان الغفران.

حق للقلوب أن تحزن وللعيون أن تدمع على شهر اكتحلت فيه بدموع المحبة والخوف والرجاء، وعزَّت جباهنا بالسجود والذل لرب الأرض والسماء.

حق للقلوب أن تحزن وللعيون أن تدمع على شهر الجد والاجتهاد.. بعد أن جعل القرآن حياتنا، والصلاة والوقوف بين يدي الله متعتنا، وذِكْر الله غذاءنا.

لكنني أقول أيها الإخوة
لئن كان من حقنا أن نحزن على فوات كل هذا الخير بفوات رمضان.. إلا أنه أيضا من حقنا أن نفرح:
نفرح بنعمة الإسلام التي لولاها ما عرفنا الله، ولا عرفنا رسول الله، ولا عرفنا رمضان، ولا عرفنا القرآن.

نفرح بنعمة الإسلام الدين الذي اختاره الله لنا واختارنا الله له بعد أن اختاره الله لنفسه فلا يقبل من أحد دينا سواه.. {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ}(آل عمران:19)، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(آل عمران:85)..

نفرح بنعمة الله علينا، وبإحسانه إلينا وإتمام نعمته وإكمال فضله.. فأكرمنا ببلوغ رمضان، وأتم علينا نعمته بإكماله، وتفضل علينا بتوفيقه، فوفقنا فيه فصمنا الشهر كاملا، وقمنا الشهر كاملا، ودعوناه ورجوناه وأملنا خيره وبره وثوابه ونعماه.

ولماذا لا نفرح والله تعالى يقول: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}(يونس:58)؟

ولماذا لا نفرح النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)، (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)، (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)..
وقد صمنا بحمد الله، وقمنا بفضل الله، والتمسنا ليلة القدر قدر الطاقة والمستعان الله.
فاللهم اجعلنا ممن صام رمضان إيمانا واحتسابا، وقام رمضان إيمانا واحتسابا، وممن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا.

إن انقضاء رمضان ليس معناه انتهاء العبادة..
فإذا كان رمضان قد انتهى وزال فإن رب رمضان لا يزول ولا يحول، وإن كان رمضان مضى وفات فإن رب رمضان هو الحي الذي لا يموت.. وبئس العبد عبد لا يعرف ربه إلا في رمضان.

ليس معنى انتهاء رمضان نهاية الصوم، فإذا كان صوم الفريضة قد تم فهناك صيام النوافل (الاثنين والخميس، والست من شوال، وعاشوراء، وعشر ذي الحجة)

وإذا كان قيام رمضان قد انتهى، فإن قيام الليل لم ينته.. والأمر ما زال كما قال عليه الصلاة والسلام (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل).

وأما القرآن فليس هو بكتاب رمضان فقط، وإنما هو دستور الله لأمة الإسلام على مدار الأوقات والأيام والأزمان.

فيا أيها الأفاضل الكرام:
واصلوا طاعاتكم، وتابعوا قرباتكم، فإن من علامات قبول الطاعة الطاعة بعدها، فلا يكن آخر العهد بالقرآن ختمة رمضان، ولا بالقيام آخر ليلة من لياله، ولا بالجود والكرم آخر يوم فيه.. ولكن شمروا واستقيما على ما كنتم فيه في رمضان فـ {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون}(فصلت:30).

إن انقضاء رمضان ليس معناه أن يعود الإنسان إلى سابق عهده قبله ويرجع إلى سالف ذنبه، ويطلق سمعه وبصره ولسانه، ويظهر سيء خلقه؛ فإن النكوص والارتداد على الأعقاب بعد زمن الطاعة من علامات الرد وعدم القبول.
يقول ابن رجب رحمه الله: "من استغفر بلسانه وقلبه على المعصية معقود، وعزمه أن يرجع إليها بعد الشهر ويعود، فصومه مردود وباب القبول عليه مسدود".

وقد حذرنا القرآن عن هذا المسلك غير الرشيد وهذا المسلك غير السديد فقال سبحانه: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا}(النحل:92). وقال سبحانه: {ولا تبطلوا أعمالكم}(محمد:33).

وهو تحذير للذين كانوا يحافظون على الصلوات في المساجد في رمضان فلما انتهى تركوها.

وإلى الذين كانوا يقرؤون القرآن في رمضان فلما مضى هجروه وأعادوا المصاحف إلى رفوفها.

وإلى الذين تركوا المحرمات ـ من شرب دخان ومخدرات ومسكرات ـ فلما انتهى رمضان عادوا إليها وقارفوها.

وإلى الذين هجروا مشاهدة المحرمات وسماع الأغنيات طيلة رمضان فلما مضى عادوا إليها ووقعوا فيها.

إن الإسلام يعلمنا أن مواسم الطاعة لا تنتهي، كلما انقضى موسم أتى موسم، فإذا مضى موسم الصيام بدأ بعده مباشرة موسم الحج، وفي صحيح مسلم عن أبي أيوب الأنصاري عن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فذلك صوم الدهر).

فكونوا ربانيين ولا تكونوا رمضانيين، ولا تقطعوا طاعاتكم وعباداتكم؛ فإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل.

تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام والدعاء وسائر الأعمال.. وجعلنا وإياكم من المقبولين الفائزين.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

خواطـر دعوية

المواساة خلق أهل المروءة

"المواساة" خلق نبيل، من مكارم الأخلاق ومحاسن العادات التي دعا إليها الإسلام، وهو من أخلاق المؤمنين، وجميل...المزيد