nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=10nindex.php?page=treesubj&link=29004_30826إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=11هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=10إذ جاءوكم بدل من
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=9إذ جاءتكم جنود بدل مفصل من مجمل .
والمراد بـ فوق و أسفل " فوق " جهة
المدينة وأسفلها .
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=10وإذ زاغت الأبصار عطف على البدل وهو من جملة التفصيل ، والتعريف في الأبصار و القلوب و الحناجر للعهد ، أي أبصار المسلمين وقلوبهم وحناجرهم ، أو تجعل اللام فيها عوضا عن المضافات إليها ، أي زاغت أبصاركم وبلغت قلوبكم حناجركم .
والزيغ : الميل عن الاستواء إلى الانحراف . فزيغ البصر أن لا يرى ما يتوجه إليه ، أو أن يريد التوجه إلى صوب فيقع إلى صوب آخر من شدة الرعب والانذعار .
والحناجر : جمع حنجرة بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح الجيم : منتهى الحلقوم وهي رأس الغلصمة . وبلوغ القلوب الحناجر تمثيل لشدة اضطراب القلوب من الفزع والهلع حتى كأنها لاضطرابها تتجاوز مقارها وترتفع طالبة الخروج من الصدور فإذا بلغت الحناجر لم تستطع تجاوزها من الضيق ; فشبهت هيئة قلب الهلوع المرعود بهيئة قلب تجاوز موضعه وذهب متصاعدا طالبا الخروج ، فالمشبه القلب نفسه باعتبار اختلاف الهيئتين .
[ ص: 281 ] وليس الكلام على الحقيقة فإن القلوب لا تتجاوز مكانها ، وقريب منه قولهم : تنفس الصعداء ، وبلغت الروح التراقي .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=10وتظنون بالله الظنون يجوز أن تكون عطفا على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=10زاغت الأبصار ، ويجوز أن يكون الواو للحال وجيء بالفعل المضارع للدلالة على تجدد تلك الظنون بتجدد أسبابها كناية عن طول مدة هذا البلاء .
وفي صيغة المضارع معنى التعجيب من ظنونهم لإدماج العتاب بالامتنان فإن شدة الهلع الذي أزاغ الأبصار وجعل القلوب بمثل حالة أن تبلغ الحناجر ، دل على أنهم أشفقوا من أن يهزموا لما رأوا من قوة الأحزاب وضيق الحصار أو خافوا طول مدة الحرب وفناء الأنفس ، أو أشفقوا من أن تكون من الهزيمة جراءة للمشركين على المسلمين ، أو نحو ذلك من أنواع الظنون وتفاوت درجات أهلها .
والمؤمن وإن كان يثق بوعد ربه لكنه لا يأمن غضبه من جراء تقصيره ، ويخشى أن يكون النصر مرجأ إلى زمن آخر ، فإن ما في علم الله وحكمته لا يحاط به .
وحذف مفعولا ( تظنون ) بدون وجود دليل يدل على تقديرهما فهو حذف لتنزيل الفعل منزلة اللازم ، ويسمى هذا الحذف عند النحاة الحذف اقتصارا ، أي للاقتصار على نسبة فعل الظن لفاعله ، والمقصود من هذا التنزيل أن تذهب نفس السامع كل مذهب ممكن ، وهو حذف مستعمل كثيرا في الكلام الفصيح وعلى جوازه أكثر النحويين ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=35أعنده علم الغيب فهو يرى وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=12وظننتم ظن السوء ، وقول المثل : من يسمع يخل ، ومنعه
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه والأخفش .
وضمن ( تظنون ) معنى تلحقون فعدي بالباء فالباء للملابسة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : قولهم : ظننت به ، معناه : جعلته موضع ظني ، وليست الباء هنا بمنزلتها في
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=39وكفى بالله حسيبا ، أي ليست زائدة ، ومجرورها معمول للفعل قبلها كأنك قلت : ظننت في الدار ، ومثله : شككت فيه ، أي فالباء عنده بمعنى " في " . والوجه أنها للملابسة كقول
دريد بن الصمة : فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرد
[ ص: 282 ] وسيأتي تفصيل ذلك عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=87فما ظنكم برب العالمين في سورة الصافات .
وانتصب ( الظنونا ) على المفعول المطلق المبين للعدد ، وهو جمع ظن . وتعريفه باللام تعريف الجنس ، وجمعه للدلالة على أنواع من الظن كما في قول
النابغة :
أتيتك عاريا خلقا ثيابي
على خوف تظن بي الظنون
وكتب الظنونا في الإمام بعد النون ، زيدت هذه الألف في النطق للرعاية على الفواصل في الوقوف ، لأن الفواصل مثل الأسجاع تعتبر موقوفا عليها لأن المتكلم أرادها كذلك ، فهذه السورة بنيت على فاصلة الألف مثل القصائد المقصورة ، كما زيدت الألف في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=66وأطعنا الرسولا ) وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=67فأضلونا السبيلا ) .
وعن
أبي علي في الحجة : من أثبت الألف في الوصل لأنها في المصحف كذلك وهو رأس آية ورءوس الآيات تشبه بالقوافي من حيث كانت مقاطع ، فأما من طرح الألف في الوصل فإنه ذهب إلى أن ذلك في القوافي وليس رءوس الآي بقواف .
فأما القراء فقرأ
نافع وابن عامر وأبو بكر عن
عاصم وأبو جعفر بإثبات الألف في الوصل والوقف . وقرأ
ابن كثير وحفص عن
عاصم nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي بحذف الألف في الوصل وإثباتها في الوقف . وقرأ
أبو عمرو وحمزة ويعقوب بحذف الألف في الوصل والوقف ، وقرأ
خلف بإثبات الألف بعد النون في الوقف وحذفها في الوصل . وهذا اختلاف من قبيل الاختلاف في وجوه الأداء لا في لفظ القرآن . وهي كلها فصيحة مستعملة والأحسن الوقف عليها لأن الفواصل كالأسجاع والأسجاع كالقوافي .
والإشارة بـ هنالك إلى المكان الذي تضمنه قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=9جاءتكم جنود وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=10إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم . والأظهر أن تكون الإشارة إلى الزمان الذي دلت عليه إذ في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=10وإذ زاغت الأبصار . وكثيرا ما ينزل أحد الظرفين منزلة الآخر ولهذا قال
ابن عطية : هنالك ظرف زمان والعامل فيه
[ ص: 283 ] ابتلي اهـ . قلت : ومنه دخول ( لات ) على ( هنا ) في قول
حجل بن نضلة :
خنت نوار ولات هنا حنت وبدا الذي كانت نوار أجنت
فإن ( لات ) خاصة بنفي أسماء الزمان فكان ( هنا ) إشارة إلى زمان منكر وهو لغة في ( هنا ) . ويقولون : يوم هنا ، أي يوم أول ، فيشيرون إلى زمن قريب ، وأصل ذلك مجاز توسع فيه وشاع .
والابتلاء : أصله الاختبار ، ويطلق كناية عن إصابة الشدة لأن اختبار حال الثبات والصبر لازم لها ، وسمى الله ما أصاب المؤمنين ابتلاء إشارة إلى أنه لم يزعزع إيمانهم .
والزلزال : اضطراب الأرض ، وهو مضاعف زل تضعيفا يفيد المبالغة ، وهو هنا استعارة لاختلال الحال اختلالا شديدا بحيث تخيل مضطربة اضطرابا شديدا كاضطراب الأرض وهو أشد اضطرابا للحاقه أعظم جسم في هذا العالم . ويقال : زلزل فلان ، مبنيا للمجهول تبعا لقولهم : زلزلت الأرض ، إذ لا يعرف فاعل هذا الفعل عرفا . وهذا هو غالب استعماله قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=214وزلزلوا حتى يقول الرسول الآية .
والمراد بزلزلة المؤمنين شدة الانزعاج والذعر لأن أحزاب العدو تفوقهم عددا وعدة .
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=10nindex.php?page=treesubj&link=29004_30826إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=11هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=10إِذْ جَاءُوكُمْ بَدَلٌ مِنْ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=9إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ بَدَلَ مُفَصَّلٍ مِنْ مُجْمَلٍ .
وَالْمُرَادُ بِـ فَوْقِ وَ أَسْفَلَ " فَوْقُ " جِهَةِ
الْمَدِينَةِ وَأَسْفَلُهَا .
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=10وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ عَطْفٌ عَلَى الْبَدَلِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ التَّفْصِيلِ ، وَالتَّعْرِيفُ فِي الْأَبْصَارُ وَ الْقُلُوبُ وَ الْحَنَاجِرَ لِلْعَهْدِ ، أَيْ أَبْصَارُ الْمُسْلِمِينَ وَقُلُوبُهُمْ وَحَنَاجِرَهُمْ ، أَوْ تُجْعَلُ اللَّامُ فِيهَا عِوَضًا عَنِ الْمُضَافَاتِ إِلَيْهَا ، أَيْ زَاغَتْ أَبْصَارُكُمْ وَبَلَغَتْ قُلُوبُكُمْ حَنَاجِرَكُمْ .
وَالزَّيْغُ : الْمَيْلُ عَنِ الْاسْتِوَاءِ إِلَى الِانْحِرَافِ . فَزَيْغُ الْبَصَرِ أَنْ لَا يَرَى مَا يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ ، أَوْ أَنْ يُرِيدَ التَّوَجُّهَ إِلَى صَوْبٍ فَيَقَعَ إِلَى صَوْبٍ آخَرَ مِنْ شِدَّةِ الرُّعْبِ وَالِانْذِعَارِ .
وَالْحَنَاجِرُ : جَمَعُ حَنْجَرَةٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْجِيمِ : مُنْتَهَى الْحُلْقُومِ وَهِيَ رَأْسُ الْغَلْصَمَةِ . وَبُلُوغُ الْقُلُوبِ الْحَنَاجِرَ تَمْثِيلٌ لِشِدَّةِ اضْطِرَابِ الْقُلُوبِ مِنَ الْفَزَعِ وَالْهَلَعِ حَتَّى كَأَنَّهَا لِاضْطِرَابِهَا تَتَجَاوَزُ مَقَارَّهَا وَتَرْتَفِعُ طَالِبَةً الْخُرُوجَ مِنَ الصُّدُورِ فَإِذَا بَلَغَتِ الْحَنَاجِرَ لَمْ تَسْتَطِعْ تُجَاوُزَهَا مِنَ الضِّيقِ ; فَشُبِّهَتْ هَيْئَةُ قَلْبِ الْهُلُوعِ الْمَرْعُودِ بِهَيْئَةِ قَلْبٍ تَجَاوَزَ مَوْضِعَهُ وَذَهَبَ مُتَصَاعِدًا طَالِبًا الْخُرُوجَ ، فَالْمُشَبَّهُ الْقَلْبُ نَفْسُهُ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْهَيْئَتَيْنِ .
[ ص: 281 ] وَلَيْسَ الْكَلَامُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ الْقُلُوبَ لَا تَتَجَاوَزُ مَكَانَهَا ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُهُمْ : تَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ ، وَبَلَغَتِ الرُّوحُ التَّرَاقِيَ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=10وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=10زَاغَتِ الْأَبْصَارُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَاوُ لِلْحَالِ وَجِيءَ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَجَدُّدِ تِلْكَ الظُّنُونِ بِتَجَدُّدِ أَسْبَابِهَا كِنَايَةً عَنْ طُولِ مُدَّةِ هَذَا الْبَلَاءِ .
وَفِي صِيغَةِ الْمُضَارِعِ مَعْنَى التَّعْجِيبِ مِنْ ظُنُونِهِمْ لِإِدْمَاجِ الْعِتَابِ بِالِامْتِنَانِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْهَلَعِ الَّذِي أَزَاغَ الْأَبْصَارَ وَجَعَلَ الْقُلُوبَ بِمِثْلِ حَالَةِ أَنْ تَبْلُغَ الْحَنَاجِرَ ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ أَشْفَقُوا مِنْ أَنْ يُهْزَمُوا لِمَا رَأَوْا مِنْ قُوَّةِ الْأَحْزَابِ وَضِيقِ الْحِصَارِ أَوْ خَافُوا طُولَ مُدَّةِ الْحَرْبِ وَفَنَاءَ الْأَنْفُسِ ، أَوْ أَشْفَقُوا مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْهَزِيمَةِ جَرَاءَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الظُّنُونِ وَتَفَاوُتِ دَرَجَاتِ أَهْلِهَا .
وَالْمُؤْمِنُ وَإِنْ كَانَ يَثِقُ بِوَعْدِ رَبِّهِ لَكِنَّهُ لَا يَأْمَنُ غَضَبَهُ مِنْ جَرَّاءِ تَقْصِيرِهِ ، وَيَخْشَى أَنْ يَكُونَ النَّصْرُ مُرْجَأً إِلَى زَمَنٍ آخَرَ ، فَإِنَّ مَا فِي عِلْمِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ لَا يُحَاطُ بِهِ .
وَحُذِفَ مَفْعُولَا ( تَظُنُّونَ ) بِدُونِ وُجُودِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيرِهِمَا فَهُوَ حَذْفٌ لِتَنْزِيلِ الْفِعْلِ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ ، وَيُسَمَّى هَذَا الْحَذْفُ عِنْدَ النُّحَاةِ الْحَذْفَ اقْتِصَارًا ، أَيْ لِلِاقْتِصَارِ عَلَى نِسْبَةِ فِعْلِ الظَّنِّ لِفَاعِلِهِ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا التَّنْزِيلِ أَنْ تَذْهَبَ نَفْسُ السَّامِعِ كُلَّ مَذْهَبٍ مُمْكِنٍ ، وَهُوَ حَذْفٌ مُسْتَعْمَلٌ كَثِيرًا فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ وَعَلَى جَوَازِهِ أَكْثَرُ النَّحْوِيِّينَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=35أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=12وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ ، وَقَوْلُ الْمَثَلِ : مَنْ يَسْمَعْ يَخَلْ ، وَمَنَعَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ وَالْأَخْفَشُ .
وَضُمِّنَ ( تَظُنُّونَ ) مَعْنَى تَلْحَقُونَ فَعُدِّيَ بِالْبَاءِ فَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : قَوْلُهُمْ : ظَنَنْتُ بِهِ ، مَعْنَاهُ : جَعَلْتُهُ مَوْضِعَ ظَنِّي ، وَلَيْسَتِ الْبَاءُ هُنَا بِمَنْزِلَتِهَا فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=39وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ، أَيْ لَيْسَتْ زَائِدَةً ، وَمَجْرُورُهَا مَعْمُولٌ لِلْفِعْلِ قَبْلَهَا كَأَنَّكَ قُلْتَ : ظَنَنْتُ فِي الدَّارِ ، وَمِثْلُهُ : شَكَكْتُ فِيهِ ، أَيْ فَالْبَاءَ عِنْدَهُ بِمَعْنَى " فِي " . وَالْوَجْهُ أَنَّهَا لِلْمُلَابَسَةِ كَقَوْلِ
دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ : فَقُلْتُ لَهُمْ ظُنُّوا بِأَلْفَيْ مُدَجَّجٍ سَرَاتُهُمُ فِي الْفَارِسِيِّ الْمَسَرَّدِ
[ ص: 282 ] وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=87فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ .
وَانْتَصَبَ ( الظُّنُونَا ) عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ الْمُبَيِّنِ لِلْعَدَدِ ، وَهُوَ جَمْعُ ظَنٍّ . وَتَعْرِيفُهُ بِاللَّامِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ ، وَجَمْعُهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الظَّنِّ كَمَا فِي قَوْلِ
النَّابِغَةِ :
أَتَيْتُكَ عَارِيًا خَلَقًا ثِيَابِي
عَلَى خَوْفٍ تُظَنُّ بِيَ الظُّنُونُ
وَكُتِبَ الظُّنُونَا فِي الْإِمَامِ بَعْدَ النُّونِ ، زِيدَتْ هَذِهِ الْأَلِفُ فِي النُّطْقِ لِلرِّعَايَةِ عَلَى الْفَوَاصِلِ فِي الْوُقُوفِ ، لِأَنَّ الْفَوَاصِلَ مِثْلَ الْأَسْجَاعِ تُعْتَبَرُ مَوْقُوفًا عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ أَرَادَهَا كَذَلِكَ ، فَهَذِهِ السُّورَةُ بُنِيَتْ عَلَى فَاصِلَةِ الْأَلِفِ مِثْلَ الْقَصَائِدِ الْمَقْصُورَةِ ، كَمَا زِيدَتِ الْأَلِفُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=66وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ) وَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=67فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ) .
وَعَنْ
أَبِي عَلِيٍّ فِي الْحُجَّةِ : مَنْ أَثْبَتَ الْأَلِفَ فِي الْوَصْلِ لِأَنَّهَا فِي الْمُصْحَفِ كَذَلِكَ وَهُوَ رَأْسُ آيَةِ وَرُءُوسُ الْآيَاتِ تُشَبَّهُ بِالْقَوَافِي مِنْ حَيْثُ كَانَتْ مَقَاطِعَ ، فَأَمَّا مَنْ طَرَحَ الْأَلِفَ فِي الْوَصْلِ فَإِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الْقَوَافِي وَلَيْسَ رُءُوسُ الْآيِ بِقَوَافٍ .
فَأَمَّا الْقُرَّاءُ فَقَرَأَ
نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ
عَاصِمٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ . وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَحَفْصٌ عَنْ
عَاصِمٍ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ بِحَذْفِ الْأَلِفِ فِي الْوَصْلِ وَإِثْبَاتِهَا فِي الْوَقْفِ . وَقَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ بِحَذْفِ الْأَلِفِ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ ، وَقَرَأَ
خَلَفٌ بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ بَعْدَ النُّونِ فِي الْوَقْفِ وَحَذْفِهَا فِي الْوَصْلِ . وَهَذَا اخْتِلَافٌ مِنْ قَبِيلِ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُوهِ الْأَدَاءِ لَا فِي لَفْظِ الْقُرْآنِ . وَهِيَ كُلُّهَا فَصِيحَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَالْأَحْسَنُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْفَوَاصِلَ كَالْأَسْجَاعِ وَالْأَسْجَاعَ كَالْقَوَافِي .
وَالْإِشَارَةُ بِـ هُنَالِكَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=9جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=10إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ . وَالْأَظْهَرُ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ إِلَى الزَّمَانِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ إِذْ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=10وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ . وَكَثِيرًا مَا يُنَزَّلُ أَحَدُ الظَّرْفَيْنِ مَنْزِلَةَ الْآخَرِ وَلِهَذَا قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : هُنَالِكَ ظَرْفُ زَمَانٍ وَالْعَامِلُ فِيهِ
[ ص: 283 ] ابْتُلِيَ اهـ . قُلْتُ : وَمِنْهُ دُخُولُ ( لَاتَ ) عَلَى ( هَنَّا ) فِي قَوْلِ
حَجْلِ بْنِ نَضْلَةَ :
خَنَّتْ نَوَارُ وَلَاتَ هَنَّا حَنَّتِ وَبَدَا الَّذِي كَانَتْ نَوَارُ أَجَنَّتِ
فَإِنَّ ( لَاتَ ) خَاصَّةٌ بِنَفْيِ أَسْمَاءِ الزَّمَانِ فَكَانَ ( هَنَّا ) إِشَارَةً إِلَى زَمَانٍ مُنْكَرٍ وَهُوَ لُغَةٌ فِي ( هُنَا ) . وَيَقُولُونَ : يَوْمُ هُنَا ، أَيْ يَوْمُ أَوَّلَ ، فَيُشِيرُونَ إِلَى زَمَنٍ قَرِيبٍ ، وَأَصْلُ ذَلِكَ مَجَازٌ تُوُسِّعَ فِيهِ وَشَاعَ .
وَالِابْتِلَاءُ : أَصْلُهُ الِاخْتِبَارُ ، وَيُطْلَقُ كِنَايَةً عَنْ إِصَابَةِ الشِّدَّةِ لِأَنَّ اخْتِبَارَ حَالِ الثَّبَاتِ وَالصَّبْرِ لَازِمٌ لَهَا ، وَسَمَّى اللَّهُ مَا أَصَابَ الْمُؤْمِنِينَ ابْتِلَاءً إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَمْ يُزَعْزِعْ إِيمَانَهُمْ .
وَالزِّلْزَالُ : اضْطِرَابُ الْأَرْضِ ، وَهُوَ مُضَاعَفُ زَلَّ تَضْعِيفًا يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ ، وَهُوَ هُنَا اسْتِعَارَةٌ لِاخْتِلَالِ الْحَالِ اخْتِلَالًا شَدِيدًا بِحَيْثُ تُخَيَّلُ مُضْطَرِبَةً اضْطِرَابًا شَدِيدًا كَاضْطِرَابِ الْأَرْضِ وَهُوَ أَشَدُّ اضْطِرَابًا لِلِحَاقِهِ أَعْظَمَ جِسْمٍ فِي هَذَا الْعَالَمِ . وَيُقَالُ : زُلْزِلَ فُلَانٌ ، مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ تَبَعًا لِقَوْلِهِمْ : زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ ، إِذْ لَا يُعْرَفُ فَاعِلُ هَذَا الْفِعْلِ عُرْفًا . وَهَذَا هُوَ غَالِبُ اسْتِعْمَالِهِ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=214وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ الْآيَةَ .
وَالْمُرَادُ بِزَلْزَلَةِ الْمُؤْمِنِينَ شِدَّةُ الِانْزِعَاجِ وَالذُّعْرِ لِأَنَّ أَحْزَابَ الْعَدُوِّ تَفُوقُهُمْ عَدَدًا وَعُدَّةً .