قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=36فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=37والشياطين كل بناء وغواص nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=38وآخرين مقرنين في الأصفاد nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=39هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=40وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب .
[ ص: 178 ] nindex.php?page=treesubj&link=29009قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34ولقد فتنا سليمان قيل : فتن
سليمان بعد ما ملك عشرين سنة ، وملك بعد الفتنة عشرين سنة ، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري . و " فتنا " أي : ابتلينا وعاقبنا . وسبب ذلك ما رواه
سعيد بن جبير عن
ابن عباس قال : اختصم إلى
سليمان - عليه السلام - فريقان أحدهما من أهل
جرادة امرأة
سليمان ، وكان يحبها فهوى أن يقع القضاء لهم ، ثم قضى بينهما بالحق ، فأصابه الذي أصابه عقوبة لذلك الهوى . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : إن
سليمان - عليه السلام - احتجب عن الناس ثلاثة أيام لا يقضي بين أحد ، ولا ينصف مظلوما من ظالم ، فأوحى الله تعالى إليه : " إني لم أستخلفك لتحتجب عن عبادي ولكن لتقضي بينهم وتنصف مظلومهم " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب nindex.php?page=showalam&ids=17285ووهب بن منبه : إن
سليمان - عليه السلام - سبى بنت ملك غزاه في البحر ، في جزيرة من جزائر البحر يقال لها
صيدون . فألقيت عليه محبتها ، وهي تعرض عنه ، لا تنظر إليه إلا شزرا ، ولا تكلمه إلا نزرا ، وكان لا يرقأ لها دمع حزنا على أبيها ، وكانت في غاية من الجمال ، ثم إنها سألته أن يصنع لها تمثالا على صورة أبيها حتى تنظر إليه ، فأمر فصنع لها فعظمته وسجدت له ، وسجدت معها جواريها ، وصار صنما معبودا في داره وهو لا يعلم ، حتى مضت أربعون ليلة ، وفشا خبره في
بني إسرائيل وعلم به
سليمان فكسره ، وحرقه ثم ذراه في البحر . وقيل : إن
سليمان لما أصاب ابنة ملك
صيدون واسمها
جرادة - فيما ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري - أعجب بها ، فعرض عليها الإسلام فأبت ، فخوفها فقالت : اقتلني ولا أسلم ، فتزوجها وهي مشركة فكانت تعبد صنما لها من ياقوت أربعين يوما في خفية من
سليمان إلى أن أسلمت ، فعوقب
سليمان بزوال ملكه أربعين يوما . وقال
كعب الأحبار : إنه لما ظلم الخيل بالقتل سلب ملكه . وقال
الحسن : إنه قارب بعض نسائه في شيء من حيض أو غيره . وقيل : إنه أمر ألا يتزوج امرأة إلا من
بني إسرائيل ، فتزوج امرأة من غيرهم ، فعوقب على ذلك ، والله أعلم .
nindex.php?page=treesubj&link=29009قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34وألقينا على كرسيه جسدا قيل : شيطان في قول أكثر أهل التفسير ، ألقى الله شبه
سليمان - عليه السلام - عليه ، واسمه
صخر بن عمير صاحب البحر ، وهو الذي دل
[ ص: 179 ] سليمان على الماس حين أمر
سليمان ببناء
بيت المقدس ، فصوتت الحجارة لما صنعت بالحديد ، فأخذوا الماس فجعلوا يقطعون به الحجارة والفصوص وغيرها ولا تصوت . قال
ابن عباس : كان ماردا لا يقوى عليه جميع الشياطين ، ولم يزل يحتال حتى ظفر بخاتم
سليمان بن داود ، وكان
سليمان لا يدخل الكنيف بخاتمه ، فجاء صخر في صورة
سليمان حتى أخذ الخاتم من امرأة من نساء
سليمان أم ولد له يقال لها
الأمينة ، قاله
شهر ووهب .
وقال
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير : اسمها
جرادة . فقام أربعين يوما على ملك
سليمان وسليمان هارب ، حتى رد الله عليه الخاتم والملك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : كان
سليمان قد وضع خاتمه تحت فراشه ، فأخذه الشيطان من تحته . وقال
مجاهد : أخذه الشيطان من يد
سليمان ; لأن
سليمان سأل الشيطان وكان اسمه آصف : كيف تضلون الناس ؟ فقال له الشيطان : أعطني خاتمك حتى أخبرك . فأعطاه خاتمه ، فلما أخذ الشيطان الخاتم جلس على كرسي
سليمان ، متشبها بصورته ، داخلا على نسائه ، يقضي بغير الحق ، ويأمر بغير الصواب . واختلف في إصابته لنساء
سليمان ، فحكي عن
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=17285ووهب بن منبه : أنه كان يأتيهن في حيضهن . وقال
مجاهد : منع من إتيانهن ، وزال عن
سليمان ملكه ، فخرج هاربا إلى ساحل البحر يتضيف الناس ، ويحمل سموك الصيادين بالأجر ، وإذا أخبر الناس أنه
سليمان أكذبوه . قال
قتادة : ثم إن
سليمان بعد أن استنكر
بنو إسرائيل حكم الشيطان أخذ حوته من صياد . قيل : إنه استطعمها . وقال
ابن عباس : أخذها أجرة في حمل حوت . وقيل : إن
سليمان صادها ، فلما شق بطنها وجد خاتمه فيها ، وذلك بعد أربعين يوما من زوال ملكه ، وهي عدد الأيام التي عبد فيها الصنم في داره ، وإنما وجد الخاتم في بطن الحوت ; لأن الشيطان الذي أخذه ألقاه في البحر . وقال
علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : بينما
سليمان على شاطئ البحر وهو يعبث بخاتمه ، إذ سقط منه في البحر وكان ملكه في خاتمه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
كان نقش خاتم سليمان بن داود لا إله إلا الله محمد رسول الله .
وحكى
يحيى بن أبي عمرو الشيباني أن
[ ص: 180 ] سليمان وجد خاتمه
بعسقلان ، فمشى منها إلى
بيت المقدس تواضعا لله تعالى . قال
ابن عباس وغيره : ثم إن
سليمان لما رد الله عليه ملكه ، أخذ
صخرا الذي أخذ خاتمه ، ونقر له صخرة وأدخله فيها ، وسد عليه بأخرى وأوثقها بالحديد والرصاص ، وختم عليها بخاتمه وألقاها في البحر ، وقال : هذا محبسك إلى يوم القيامة . وقال
علي - رضي الله عنه - : لما أخذ
سليمان الخاتم ، أقبلت إليه الشياطين والجن والإنس والطير والوحش والريح ، وهرب الشيطان الذي خلف في أهله ، فأتى جزيرة في البحر ، فبعث إليه الشياطين فقالوا : لا نقدر عليه ، ولكنه يرد عينا في الجزيرة في كل سبعة أيام يوما ، ولا نقدر عليه حتى يسكر! قال : فنزح
سليمان ماءها وجعل فيها خمرا ، فجاء يوم وروده فإذا هو بالخمر ، فقال : والله إنك لشراب طيب إلا أنك تطيشين الحليم ، وتزيدين الجاهل جهلا . ثم عطش عطشا شديدا ثم أتاه فقال مثل مقالته ، ثم شربها فغلبت على عقله ، فأروه الخاتم فقال : سمعا وطاعة . فأتوا به
سليمان فأوثقه وبعث به إلى جبل ، فذكروا أنه جبل الدخان ، فقالوا : إن الدخان الذي ترون من نفسه ، والماء الذي يخرج من الجبل من بوله . وقال
مجاهد : اسم ذلك الشيطان آصف . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي اسمه حبقيق ، فالله أعلم .
وقد ضعف هذا القول من حيث إن الشيطان لا يتصور بصورة الأنبياء ، ثم من المحال أن يلتبس على أهل مملكة
سليمان الشيطان
بسليمان حتى يظنوا أنهم مع نبيهم في حق ، وهم مع الشيطان في باطل . وقيل : إن الجسد ولد ولد
لسليمان ، وأنه لما ولد اجتمعت الشياطين ، وقال بعضهم لبعض : إن عاش له ابن لم ننفك مما نحن فيه من البلاء والسخرة ، فتعالوا نقتل ولده أو نخبله . فعلم
سليمان بذلك فأمر الريح حتى حملته إلى السحاب ، وغدا ابنه في السحاب خوفا من مضرة الشياطين ، فعاقبه الله بخوفه من الشياطين ، فلم يشعر إلا وقد وقع على كرسيه ميتا . قال معناه
الشعبي . فهو الجسد الذي قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34وألقينا على كرسيه جسدا .
وحكى
النقاش وغيره : إن أكثر ما وطئ
سليمان جواريه طلبا للولد ، فولد له نصف إنسان ، فهو كان الجسد الملقى على كرسيه ، جاءت به القابلة فألقته هناك . وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831042قال سليمان لأطوفن الليلة على تسعين امرأة ، كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ، فقال له صاحبه : قل إن شاء الله ، فلم يقل إن شاء الله ، فطاف عليهن جميعا فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل ، وايم الذي نفس [ ص: 181 ] محمد بيده لو قال : إن شاء الله ، لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون . وقيل : إن الجسد هو
آصف بن برخيا الصديق كاتب
سليمان ، وذلك أن
سليمان لما فتن سقط الخاتم من يده وكان فيه ملكه ، فأعاده إلى يده فسقط فأيقن بالفتنة ، فقال له
آصف : إنك مفتون ، ولذلك لا يتماسك في يدك ، ففر إلى الله تعالى تائبا من ذلك ، وأنا أقوم مقامك في عالمك إلى أن يتوب الله عليك ، ولك من حين فتنت أربعة عشر يوما . ففر
سليمان هاربا إلى ربه ، وأخذ آصف الخاتم فوضعه في يده فثبت ، وكان عنده علم من الكتاب . وقام آصف في ملك
سليمان وعياله ، يسير بسيره ويعمل بعمله ، إلى أن رجع
سليمان إلى منزله تائبا إلى الله تعالى ، ورد الله عليه ملكه ، فأقام آصف في مجلسه ، وجلس على كرسيه وأخذ الخاتم . وقيل : إن الجسد كان
سليمان نفسه ، وذلك أنه مرض مرضا شديدا حتى صار جسدا . وقد يوصف به المريض المضنى فيقال : كالجسد الملقى .
nindex.php?page=treesubj&link=31972صفة كرسي سليمان وملكه : روي عن
ابن عباس قال : كان
سليمان يوضع له ستمائة كرسي ، ثم يجيء أشراف الناس فيجلسون مما يليه ، ثم يأتي أشراف الجن فيجلسون مما يلي الإنس ، ثم يدعو الطير فتظلهم ، ثم يدعو الريح فتقلهم ، وتسير بالغداة الواحدة مسيرة شهر . وقال
وهب وكعب وغيرهما : إن
سليمان - عليه السلام - لما ملك بعد أبيه ، أمر باتخاذ كرسي ليجلس عليه للقضاء ، وأمر أن يعمل بديعا مهولا بحيث إذا رآه مبطل أو شاهد زور ارتدع وتهيب ، فأمر أن يعمل من أنياب الفيلة مفصصة بالدر والياقوت والزبرجد ، وأن يحف بنخيل الذهب ، فحف بأربع نخلات من ذهب ، شماريخها الياقوت الأحمر والزمرد الأخضر ، على رأس نخلتين منهما طاووسان من ذهب ، وعلى رأس نخلتين نسران من ذهب بعضها مقابل لبعض ، وجعلوا من جنبي الكرسي أسدين من ذهب ، على رأس كل واحد منهما عمود من الزمرد الأخضر . وقد عقدوا على النخلات أشجار كروم من الذهب الأحمر ، واتخذوا عناقيدها من الياقوت الأحمر ، بحيث أظل عريش الكروم
[ ص: 182 ] النخل والكرسي . وكان
سليمان - عليه السلام - إذا أراد صعوده وضع قدميه على الدرجة السفلى ، فيستدير الكرسي كله بما فيه دوران الرحى المسرعة ، وتنشر تلك النسور والطواويس أجنحتها ، ويبسط الأسدان أيديهما ، ويضربان الأرض بأذنابهما . وكذلك يفعل في كل درجة يصعدها
سليمان ، فإذا استوى بأعلاه أخذ النسران اللذان على النخلتين تاج
سليمان فوضعاه على رأسه ، ثم يستدير الكرسي بما فيه ، ويدور معه النسران والطاووسان والأسدان مائلان برءوسهما إلى
سليمان ، وينضحن عليه من أجوافهن المسك والعنبر ، ثم تناوله حمامة من ذهب قائمة على عمود من أعمدة الجواهر فوق الكرسي التوراة ، فيفتحها
سليمان - عليه السلام - ويقرأها على الناس ويدعوهم إلى فصل القضاء .
قالوا : ويجلس عظماء
بني إسرائيل على كراسي الذهب المفصصة بالجواهر ، وهي ألف كرسي عن يمينه ، ويجلس عظماء الجن على كراسي الفضة عن يساره ، وهي ألف كرسي ، ثم تحف بهم الطير تظلهم ، ويتقدم الناس لفصل القضاء . فإذا تقدمت الشهود للشهادات ، دار الكرسي بما فيه وعليه دوران الرحى المسرعة ، ويبسط الأسدان أيديهما ويضربان الأرض بأذنابهما ، وينشر النسران والطاووسان أجنحتهما ، فتفزع الشهود فلا يشهدون إلا بالحق .
وقيل : إن الذي كان يدور بذلك الكرسي تنين من ذهب ذلك الكرسي عليه ، وهو عظم مما عمله له صخر الجني ، فإذا أحست بدورانه تلك النسور والأسد والطواويس التي في أسفل الكرسي إلى أعلاه درن معه ، فإذا وقفن وقفن كلهن على رأس
سليمان ، وهو جالس ، ثم ينضحن جميعا على رأسه ما في أجوافهن من المسك والعنبر . فلما توفي
سليمان بعث
بختنصر فأخذ الكرسي فحمله إلى
أنطاكية ، فأراد أن يصعد إليه ولم يكن له علم كيف يصعد إليه ، فلما وضع رجله ضرب الأسد رجله فكسرها ، وكان
سليمان إذا صعد وضع قدميه جميعا . ومات
بختنصر وحمل الكرسي إلى
بيت المقدس ، فلم يستطع قط ملك أن يجلس عليه ، ولكن لم يدر أحد عاقبة أمره ، ولعله رفع .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34ثم أناب أي رجع إلى الله وتاب . وقد تقدم .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35قال رب اغفر لي أي اغفر لي ذنبي
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي يقال : كيف أقدم
سليمان على طلب الدنيا ، مع ذمها من الله تعالى ، وبغضه لها ، وحقارتها لديه ؟ . فالجواب : أن ذلك محمول عند العلماء على أداء حقوق الله تعالى وسياسة ملكه ، وترتيب منازل خلقه ، وإقامة حدوده ، والمحافظة على رسومه ، وتعظيم شعائره ، وظهور عبادته ، ولزوم طاعته ، ونظم قانون الحكم النافذ عليهم منه ، وتحقيق الوعود في أنه يعلم ما لا يعلم أحد من خلقه حسب ما صرح بذلك لملائكته فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إني أعلم ما لا تعلمون [ ص: 183 ] وحاشا
سليمان - عليه السلام - أن يكون سؤاله طلبا لنفس الدنيا ; لأنه هو والأنبياء أزهد خلق الله فيها ، وإنما سأل مملكتها لله ، كما سأل
نوح دمارها وهلاكها لله ، فكانا محمودين مجابين إلى ذلك ، فأجيب
نوح فأهلك من عليها ، وأعطي
سليمان المملكة . وقد قيل : إن ذلك كان بأمر من الله - جل وعز - على الصفة التي علم الله أنه لا يضبطه إلا هو وحده دون سائر عباده ، أو أراد أن يقول ملكا عظيما فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35لا ينبغي لأحد من بعدي وهذا فيه نظر . والأول أصح . ثم قال له :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=39هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب قال
الحسن : ما من أحد إلا ولله عليه تبعة في نعمه غير
سليمان بن داود - عليه السلام - فإنه قال : هذا عطاءنا الآية .
قلت : وهذا يرد ما روي في الخبر :
إن آخر الأنبياء دخولا الجنة سليمان بن داود - عليه السلام - لمكان ملكه في الدنيا . وفي بعض الأخبار : يدخل الجنة بعد الأنبياء بأربعين خريفا ، ذكره صاحب القوت ، وهو حديث لا أصل له ; لأنه سبحانه إذا كان عطاءه لا تبعة فيه ; لأنه من طريق المنة ، فكيف يكون آخر الأنبياء دخولا الجنة ، وهو سبحانه يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=40وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب . وفي الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831043لكل نبي دعوة مستجابة ، فتعجل كل نبي دعوته . . . الحديث . وقد تقدم فجعل له من قبل السؤال حاجة مقضية ، فلذلك لم تكن عليه تبعة . ومعنى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35لا ينبغي لأحد من بعدي أي : أن يسأله . فكأنه سأل منع السؤال بعده ، حتى لا يتعلق به أمل أحد ، ولم يسأل منع الإجابة . وقيل : إن سؤاله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، ليكون محله وكرامته من الله ظاهرا في خلق السماوات والأرض ، فإن الأنبياء عليهم السلام لهم تنافس في المحل عنده ، فكل يحب أن تكون له خصوصية يستدل بها على محله عنده ، ولهذا لما أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - العفريت الذي أراد أن يقطع عليه صلاته وأمكنه الله منه ، أراد ربطه ثم تذكر قول أخيه
سليمان :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي فرده خاسئا . فلو أعطي أحد بعده مثله ذهبت الخصوصية ، فكأنه كره - صلى الله عليه وسلم - أن يزاحمه في تلك الخصوصية ، بعد أن علم أنه شيء هو الذي خص به من سخرة الشياطين ، وأنه أجيب إلى ألا يكون لأحد بعده . والله أعلم .
[ ص: 184 ] قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=36فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء أي لينة مع قوتها وشدتها حتى لا تضر بأحد ، وتحمله بعسكره وجنوده وموكبه . وكان موكبه فيما روي فرسخا في فرسخ ، مائة درجة بعضها فوق بعض ، كل درجة صنف من الناس ، وهو في أعلى درجة مع
nindex.php?page=treesubj&link=31974جواريه وحشمه وخدمه ، صلوات الله وسلامه عليه . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم الحافظ قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12244أحمد بن جعفر ، قال حدثنا
عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال حدثنا
أحمد بن محمد بن أيوب ، قال حدثنا
أبو بكر بن عياش عن
إدريس بن وهب بن منبه ، قال حدثني أبي قال : كان
لسليمان بن داود - عليه السلام - ألف بيت ، أعلاه قوارير وأسفله حديد ، فركب الريح يوما فمر بحراث فنظر إليه الحراث فقال : لقد أوتي
آل داود ملكا عظيما ، فحملت الريح كلامه فألقته في أذن
سليمان ، قال فنزل حتى أتى الحراث فقال : إني سمعت قولك ، وإنما مشيت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه ، لتسبيحة واحدة يقبلها الله منك لخير مما أوتي
آل داود . فقال الحراث : أذهب الله همك كما أذهبت همي .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=36حيث أصاب أي أراد ، قاله
مجاهد . والعرب تقول : أصاب الصواب وأخطأ الجواب . أي : أراد الصواب وأخطأ الجواب ، قاله
ابن الأعرابي . وقال الشاعر :
أصاب الكلام فلم يستطع فأخطا الجواب لدى المفصل
وقيل : أصاب أراد بلغة
حمير . وقال
قتادة : هو بلسان
هجر . وقيل : حيث أصاب : حينما قصد ، وهو مأخوذ من إصابة السهم الغرض المقصود .
" والشياطين " أي وسخرنا له الشياطين ، وما سخرت لأحد قبله . " كل بناء " بدل من الشياطين ، أي : كل بناء منهم ، فهم يبنون له ما يشاء . قال [
النابغة الذبياني ] :
إلا سليمان إذ قال الإله له قم في البرية فاحددها عن الفند
وخيس الجن إني قد أذنت لهم يبنون تدمر بالصفاح والعمد
" وغواص " يعني في البحر يستخرجون له الدر .
فسليمان أول من استخرج له اللؤلؤ من البحر .
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=38وآخرين مقرنين في الأصفاد أي وسخرنا له مردة الشياطين حتى قرنهم في سلاسل الحديد وقيود الحديد ، قال
قتادة .
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : الأغلال .
ابن عباس : في وثاق . ومنه قول الشاعر [
عمرو بن كلثوم ] :
[ ص: 185 ] فآبوا بالنهاب وبالسبايا وأبنا بالملوك مصفدينا
قال
يحيى بن سلام : ولم يكن يفعل ذلك إلا بكفارهم ، فإذا آمنوا أطلقهم ولم يسخرهم .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=39هذا عطاؤنا الإشارة بهذا إلى الملك ، أي : هذا الملك عطاءنا فأعط من شئت أو امنع من شئت لا حساب عليك ، عن
الحسن والضحاك وغيرهما . قال
الحسن :
nindex.php?page=treesubj&link=31971ما أنعم الله على أحد نعمة إلا عليه فيها تبعة إلا سليمان عليه السلام ، فإن الله تعالى يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=39هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب . وقال
قتادة : الإشارة في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=39هذا عطاؤنا إلى ما أعطيه من القوة على الجماع ، وكانت له ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرية ، وكان في ظهره ماء مائة رجل ، رواه
عكرمة عن
ابن عباس . ومعناه في
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
فامنن من المني ، يقال : أمنى يمني ومنى يمني لغتان ، فإذا أمرت من أمنى قلت : أمن ، ويقال : من منى يمني في الأمر : امن ، فإذا جئت بنون الفعل نون الخفيفة قلت : امنن . ومن ذهب به إلى المنة قال : من عليه ، فإذا أخرجه مخرج الأمر أبرز النونين ; لأنه كان مضاعفا فقال امنن . فيروى في الخبر أنه سخر له الشياطين ، فمن شاء من عليه بالعتق والتخلية ، ومن شاء أمسكه ، قال
قتادة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي . وعلى ما روى
عكرمة عن
ابن عباس : أي : جامع من شئت من نسائك ، واترك جماع من شئت منهن لا حساب عليك .
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=40وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب أي إن أنعمنا عليه في الدنيا فله عندنا في الآخرة قربة وحسن مرجع .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=36فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=37وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=38وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=39هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=40وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ .
[ ص: 178 ] nindex.php?page=treesubj&link=29009قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ قِيلَ : فُتِنَ
سُلَيْمَانُ بَعْدَ مَا مَلَكَ عِشْرِينَ سَنَةً ، وَمَلَكَ بَعْدَ الْفِتْنَةِ عِشْرِينَ سَنَةً ، ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ . وَ " فَتَنَّا " أَيِ : ابْتَلَيْنَا وَعَاقَبْنَا . وَسَبَبُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : اخْتَصَمَ إِلَى
سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ
جَرَادَةَ امْرَأَةِ
سُلَيْمَانَ ، وَكَانَ يُحِبُّهَا فَهَوَى أَنْ يَقَعَ الْقَضَاءُ لَهُمْ ، ثُمَّ قَضَى بَيْنَهُمَا بِالْحَقِّ ، فَأَصَابَهُ الَّذِي أَصَابَهُ عُقُوبَةً لِذَلِكَ الْهَوَى . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ : إِنَّ
سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - احْتَجَبَ عَنِ النَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يَقْضِي بَيْنَ أَحَدٍ ، وَلَا يُنْصِفُ مَظْلُومًا مِنْ ظَالِمٍ ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ : " إِنِّي لَمْ أَسْتَخْلِفْكَ لِتَحْتَجِبَ عَنْ عِبَادِي وَلَكِنْ لِتَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَتُنْصِفَ مَظْلُومَهُمْ " .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16128شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ nindex.php?page=showalam&ids=17285وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ : إِنَّ
سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَبَى بِنْتَ مَلِكٍ غَزَاهُ فِي الْبَحْرِ ، فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ يُقَالُ لَهَا
صِيدُونَ . فَأُلْقِيَتْ عَلَيْهِ مَحَبَّتُهَا ، وَهِيَ تُعْرِضُ عَنْهُ ، لَا تَنْظُرُ إِلَيْهِ إِلَّا شَزْرًا ، وَلَا تُكَلِّمُهُ إِلَّا نَزْرًا ، وَكَانَ لَا يُرْقَأُ لَهَا دَمْعٌ حُزْنًا عَلَى أَبِيهَا ، وَكَانَتْ فِي غَايَةٍ مِنَ الْجَمَالِ ، ثُمَّ إِنَّهَا سَأَلَتْهُ أَنْ يَصْنَعَ لَهَا تِمْثَالًا عَلَى صُورَةِ أَبِيهَا حَتَّى تَنْظُرَ إِلَيْهِ ، فَأَمَرَ فَصُنِعَ لَهَا فَعَظَّمَتْهُ وَسَجَدَتْ لَهُ ، وَسَجَدَتْ مَعَهَا جَوَارِيهَا ، وَصَارَ صَنَمًا مَعْبُودًا فِي دَارِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ، حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً ، وَفَشَا خَبَرُهُ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعَلِمَ بِهِ
سُلَيْمَانُ فَكَسَرَهُ ، وَحَرَقَهُ ثُمَّ ذَرَّاهُ فِي الْبَحْرِ . وَقِيلَ : إِنَّ
سُلَيْمَانَ لَمَّا أَصَابَ ابْنَةَ مَلِكِ
صِيدُونَ وَاسْمُهَا
جَرَادَةُ - فِيمَا ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ - أُعْجِبَ بِهَا ، فَعَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَأَبَتْ ، فَخَوَّفَهَا فَقَالَتِ : اقْتُلْنِي وَلَا أُسْلِمُ ، فَتَزَوَّجَهَا وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَكَانَتْ تَعْبُدُ صَنَمًا لَهَا مِنْ يَاقُوتٍ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي خُفْيَةٍ مِنْ
سُلَيْمَانَ إِلَى أَنْ أَسْلَمَتْ ، فَعُوقِبَ
سُلَيْمَانُ بِزَوَالِ مُلْكِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا . وَقَالَ
كَعْبُ الْأَحْبَارِ : إِنَّهُ لَمَّا ظَلَمَ الْخَيْلَ بِالْقَتْلِ سُلِبَ مُلْكَهُ . وَقَالَ
الْحَسَنُ : إِنَّهُ قَارَبَ بَعْضَ نِسَائِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ حَيْضٍ أَوْ غَيْرِهِ . وَقِيلَ : إِنَّهُ أُمِرَ أَلَّا يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً إِلَّا مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ غَيْرِهِمْ ، فَعُوقِبَ عَلَى ذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
nindex.php?page=treesubj&link=29009قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا قِيلَ : شَيْطَانٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ، أَلْقَى اللَّهُ شَبَهَ
سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَيْهِ ، وَاسْمُهُ
صَخْرُ بْنُ عُمَيْرٍ صَاحِبُ الْبَحْرِ ، وَهُوَ الَّذِي دَلَّ
[ ص: 179 ] سُلَيْمَانَ عَلَى الْمَاسِ حِينَ أَمَرَ
سُلَيْمَانُ بِبِنَاءِ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَصَوَّتَتِ الْحِجَارَةُ لَمَّا صُنِعَتْ بِالْحَدِيدِ ، فَأَخَذُوا الْمَاسَ فَجَعَلُوا يَقْطَعُونَ بِهِ الْحِجَارَةَ وَالْفُصُوصَ وَغَيْرَهَا وَلَا تُصَوِّتُ . قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَ مَارِدًا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ جَمِيعُ الشَّيَاطِينِ ، وَلَمْ يَزَلْ يَحْتَالُ حَتَّى ظَفِرَ بِخَاتَمِ
سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ ، وَكَانَ
سُلَيْمَانُ لَا يَدْخُلُ الْكَنِيفَ بِخَاتَمِهِ ، فَجَاءَ صَخْرٌ فِي صُورَةِ
سُلَيْمَانَ حَتَّى أَخَذَ الْخَاتَمَ مِنِ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَاءِ
سُلَيْمَانَ أُمِّ وَلَدٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا
الْأَمِينَةُ ، قَالَهُ
شَهْرٌ وَوَهْبٌ .
وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=13033وَابْنُ جُبَيْرٍ : اسْمُهَا
جَرَادَةُ . فَقَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَى مُلْكِ
سُلَيْمَانَ وَسُلَيْمَانُ هَارِبٌ ، حَتَّى رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ الْخَاتَمَ وَالْمُلْكَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ : كَانَ
سُلَيْمَانُ قَدْ وَضَعَ خَاتَمَهُ تَحْتَ فِرَاشِهِ ، فَأَخَذَهُ الشَّيْطَانُ مِنْ تَحْتِهِ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : أَخَذَهُ الشَّيْطَانُ مِنْ يَدِ
سُلَيْمَانَ ; لِأَنَّ
سُلَيْمَانَ سَأَلَ الشَّيْطَانَ وَكَانَ اسْمُهُ آصِفَ : كَيْفَ تُضِلُّونَ النَّاسَ ؟ فَقَالَ لَهُ الشَّيْطَانُ : أَعْطِنِي خَاتَمَكَ حَتَّى أُخْبِرَكَ . فَأَعْطَاهُ خَاتَمَهُ ، فَلَمَّا أَخَذَ الشَّيْطَانُ الْخَاتَمَ جَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ
سُلَيْمَانَ ، مُتَشَبِّهًا بِصُورَتِهِ ، دَاخِلًا عَلَى نِسَائِهِ ، يَقْضِي بِغَيْرِ الْحَقِّ ، وَيَأْمُرُ بِغَيْرِ الصَّوَابِ . وَاخْتُلِفَ فِي إِصَابَتِهِ لِنِسَاءِ
سُلَيْمَانَ ، فَحُكِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=17285وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ : أَنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِنَّ فِي حَيْضِهِنَّ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : مُنِعَ مِنْ إِتْيَانِهِنَّ ، وَزَالَ عَنْ
سُلَيْمَانَ مُلْكُهُ ، فَخَرَجَ هَارِبًا إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ يَتَضَيَّفُ النَّاسَ ، وَيَحْمِلُ سُمُوكَ الصَّيَّادِينَ بِالْأَجْرِ ، وَإِذَا أَخْبَرَ النَّاسَ أَنَّهُ
سُلَيْمَانُ أَكْذَبُوهُ . قَالَ
قَتَادَةُ : ثُمَّ إِنَّ
سُلَيْمَانَ بَعْدَ أَنِ اسْتَنْكَرَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ حُكْمَ الشَّيْطَانِ أَخَذَ حُوتَهُ مِنْ صَيَّادٍ . قِيلَ : إِنَّهُ اسْتَطْعَمَهَا . وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : أَخَذَهَا أُجْرَةً فِي حَمْلِ حُوتٍ . وَقِيلَ : إِنَّ
سُلَيْمَانَ صَادَهَا ، فَلَمَّا شَقَّ بَطْنَهَا وَجَدَ خَاتَمَهُ فِيهَا ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مِنْ زَوَالِ مُلْكِهِ ، وَهِيَ عَدَدُ الْأَيَّامِ الَّتِي عُبِدَ فِيهَا الصَّنَمُ فِي دَارِهِ ، وَإِنَّمَا وَجَدَ الْخَاتَمَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ; لِأَنَّ الشَّيْطَانَ الَّذِي أَخَذَهُ أَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ . وَقَالَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : بَيْنَمَا
سُلَيْمَانُ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ وَهُوَ يَعْبَثُ بِخَاتَمِهِ ، إِذْ سَقَطَ مِنْهُ فِي الْبَحْرِ وَكَانَ مُلْكُهُ فِي خَاتَمِهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ .
وَحَكَى
يَحْيَى بْنُ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ أَنَّ
[ ص: 180 ] سُلَيْمَانَ وَجَدَ خَاتَمَهُ
بِعَسْقَلَانَ ، فَمَشَى مِنْهَا إِلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ تَعَالَى . قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ : ثُمَّ إِنَّ
سُلَيْمَانَ لَمَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ مُلْكَهُ ، أَخَذَ
صَخْرًا الَّذِي أَخَذَ خَاتَمَهُ ، وَنَقَرَ لَهُ صَخْرَةً وَأَدْخَلَهُ فِيهَا ، وَسَدَّ عَلَيْهِ بِأُخْرَى وَأَوْثَقَهَا بِالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ ، وَخَتَمَ عَلَيْهَا بِخَاتَمِهِ وَأَلْقَاهَا فِي الْبَحْرِ ، وَقَالَ : هَذَا مَحْبِسُكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَقَالَ
عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : لَمَّا أَخَذَ
سُلَيْمَانُ الْخَاتَمَ ، أَقْبَلَتْ إِلَيْهِ الشَّيَاطِينُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَالطَّيْرُ وَالْوَحْشُ وَالرِّيحُ ، وَهَرَبَ الشَّيْطَانُ الَّذِي خَلَفَ فِي أَهْلِهِ ، فَأَتَى جَزِيرَةً فِي الْبَحْرِ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الشَّيَاطِينُ فَقَالُوا : لَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ ، وَلَكِنَّهُ يَرِدُ عَيْنًا فِي الْجَزِيرَةِ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا ، وَلَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْكَرَ! قَالَ : فَنَزَحَ
سُلَيْمَانُ مَاءَهَا وَجَعَلَ فِيهَا خَمْرًا ، فَجَاءَ يَوْمَ وُرُودِهِ فَإِذَا هُوَ بِالْخَمْرِ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ إِنَّكِ لَشَرَابٌ طَيِّبٌ إِلَّا أَنَّكِ تُطِيشِينَ الْحَلِيمَ ، وَتَزِيدِينَ الْجَاهِلَ جَهْلًا . ثُمَّ عَطِشَ عَطَشًا شَدِيدًا ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ ، ثُمَّ شَرِبَهَا فَغَلَبَتْ عَلَى عَقْلِهِ ، فَأَرَوْهُ الْخَاتَمَ فَقَالَ : سَمْعًا وَطَاعَةً . فَأَتَوْا بِهِ
سُلَيْمَانَ فَأَوْثَقَهُ وَبَعَثَ بِهِ إِلَى جَبَلٍ ، فَذَكَرُوا أَنَّهُ جَبَلُ الدُّخَانِ ، فَقَالُوا : إِنَّ الدُّخَانَ الَّذِي تَرَوْنَ مِنْ نَفَسِهِ ، وَالْمَاءُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْجَبَلِ مِنْ بَوْلِهِ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : اسْمُ ذَلِكَ الشَّيْطَانِ آصِفُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ اسْمُهُ حَبْقِيقُ ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ ضُعِّفَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَصَوَّرُ بِصُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ ، ثُمَّ مِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَى أَهْلِ مَمْلَكَةِ
سُلَيْمَانَ الشَّيْطَانُ
بِسُلَيْمَانَ حَتَّى يَظُنُّوا أَنَّهُمْ مَعَ نَبِيِّهِمْ فِي حَقٍّ ، وَهُمْ مَعَ الشَّيْطَانِ فِي بَاطِلٍ . وَقِيلَ : إِنَّ الْجَسَدَ وَلَدٌ وُلِدَ
لِسُلَيْمَانَ ، وَأَنَّهُ لَمَّا وُلِدَ اجْتَمَعَتِ الشَّيَاطِينُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : إِنْ عَاشَ لَهُ ابْنٌ لَمْ نَنْفَكَّ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ وَالسُّخْرَةِ ، فَتَعَالَوْا نَقْتُلْ وَلَدَهُ أَوْ نَخْبِلْهُ . فَعَلِمَ
سُلَيْمَانُ بِذَلِكَ فَأَمَرَ الرِّيحَ حَتَّى حَمَلَتْهُ إِلَى السَّحَابِ ، وَغَدَا ابْنُهُ فِي السَّحَابِ خَوْفًا مِنْ مَضَرَّةِ الشَّيَاطِينِ ، فَعَاقَبَهُ اللَّهُ بِخَوْفِهِ مِنَ الشَّيَاطِينِ ، فَلَمْ يَشْعُرْ إِلَّا وَقَدْ وَقَعَ عَلَى كُرْسِيِّهِ مَيِّتًا . قَالَ مَعْنَاهُ
الشَّعْبِيُّ . فَهُوَ الْجَسَدُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا .
وَحَكَى
النَّقَّاشُ وَغَيْرُهُ : إِنَّ أَكْثَرَ مَا وَطِئَ
سُلَيْمَانُ جَوَارِيَهُ طَلَبًا لِلْوَلَدِ ، فَوُلِدَ لَهُ نِصْفُ إِنْسَانٍ ، فَهُوَ كَانَ الْجَسَدَ الْمُلْقَى عَلَى كُرْسِيِّهِ ، جَاءَتْ بِهِ الْقَابِلَةُ فَأَلْقَتْهُ هُنَاكَ . وَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831042قَالَ سُلَيْمَانُ لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً ، كُلُّهُنَّ تَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ : قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ ، وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ [ ص: 181 ] مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ . وَقِيلَ : إِنَّ الْجَسَدَ هُوَ
آصِفُ بْنُ بَرْخِيَا الصِّدِّيقُ كَاتِبُ
سُلَيْمَانَ ، وَذَلِكَ أَنَّ
سُلَيْمَانَ لَمَّا فُتِنَ سَقَطَ الْخَاتَمُ مِنْ يَدِهِ وَكَانَ فِيهِ مُلْكُهُ ، فَأَعَادَهُ إِلَى يَدِهِ فَسَقَطَ فَأَيْقَنَ بِالْفِتْنَةِ ، فَقَالَ لَهُ
آصِفُ : إِنَّكَ مَفْتُونٌ ، وَلِذَلِكَ لَا يَتَمَاسَكُ فِي يَدِكَ ، فَفِرَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى تَائِبًا مِنْ ذَلِكَ ، وَأَنَا أَقُومُ مَقَامَكَ فِي عَالَمِكَ إِلَى أَنْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْكَ ، وَلَكَ مِنْ حِينِ فُتِنْتَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا . فَفَرَّ
سُلَيْمَانُ هَارِبًا إِلَى رَبِّهِ ، وَأَخَذَ آصِفُ الْخَاتَمَ فَوَضَعَهُ فِي يَدِهِ فَثَبَتَ ، وَكَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ . وَقَامَ آصِفُ فِي مُلْكِ
سُلَيْمَانَ وَعِيَالِهِ ، يَسِيرُ بِسَيْرِهِ وَيَعْمَلُ بِعَمَلِهِ ، إِلَى أَنْ رَجَعَ
سُلَيْمَانُ إِلَى مَنْزِلِهِ تَائِبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ مُلْكَهُ ، فَأَقَامَ آصِفُ فِي مَجْلِسِهِ ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ وَأَخَذَ الْخَاتَمَ . وَقِيلَ : إِنَّ الْجَسَدَ كَانَ
سُلَيْمَانَ نَفْسَهُ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا حَتَّى صَارَ جَسَدًا . وَقَدْ يُوصَفُ بِهِ الْمَرِيضُ الْمُضْنَى فَيُقَالُ : كَالْجَسَدِ الْمُلْقَى .
nindex.php?page=treesubj&link=31972صِفَةُ كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ وَمُلْكِهِ : رُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ
سُلَيْمَانُ يُوضَعُ لَهُ سِتُّمِائَةِ كُرْسِيٍّ ، ثُمَّ يَجِيءُ أَشْرَافُ النَّاسِ فَيَجْلِسُونَ مِمَّا يَلِيهِ ، ثُمَّ يَأْتِي أَشْرَافُ الْجِنِّ فَيَجْلِسُونَ مِمَّا يَلِي الْإِنْسَ ، ثُمَّ يَدْعُو الطَّيْرَ فَتُظِلُّهُمْ ، ثُمَّ يَدْعُو الرِّيحَ فَتُقِلُّهُمْ ، وَتَسِيرُ بِالْغَدَاةِ الْوَاحِدَةِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ . وَقَالَ
وَهْبٌ وَكَعْبٌ وَغَيْرُهُمَا : إِنَّ
سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا مَلَكَ بَعْدَ أَبِيهِ ، أَمَرَ بِاتِّخَاذِ كُرْسِيٍّ لِيَجْلِسَ عَلَيْهِ لِلْقَضَاءِ ، وَأَمَرَ أَنْ يُعْمَلَ بَدِيعًا مَهُولًا بِحَيْثُ إِذَا رَآهُ مُبْطِلٌ أَوْ شَاهِدُ زُورٍ ارْتَدَعَ وَتَهَيَّبَ ، فَأَمَرَ أَنْ يُعْمَلَ مِنْ أَنْيَابِ الْفِيَلَةِ مُفَصَّصَةٍ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ ، وَأَنْ يُحَفَّ بِنَخِيلِ الذَّهَبِ ، فَحُفَّ بِأَرْبَعِ نَخَلَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ ، شَمَارِيخُهَا الْيَاقُوتُ الْأَحْمَرُ وَالزُّمُرُّدُ الْأَخْضَرُ ، عَلَى رَأْسِ نَخْلَتَيْنِ مِنْهُمَا طَاوُوسَانِ مِنْ ذَهَبٍ ، وَعَلَى رَأْسِ نَخْلَتَيْنِ نِسْرَانِ مِنْ ذَهَبٍ بَعْضُهَا مُقَابِلٌ لِبَعْضٍ ، وَجَعَلُوا مِنْ جَنْبَيِ الْكُرْسِيِّ أَسَدَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ ، عَلَى رَأْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمُودٌ مِنَ الزُّمُرُّدِ الْأَخْضَرِ . وَقَدْ عَقَدُوا عَلَى النَّخَلَاتِ أَشْجَارُ كُرُومٍ مِنَ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ ، وَاتَّخَذُوا عَنَاقِيدَهَا مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ ، بِحَيْثُ أَظَلَّ عَرِيشُ الْكُرُومِ
[ ص: 182 ] النَّخْلَ وَالْكُرْسِيَّ . وَكَانَ
سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِذَا أَرَادَ صُعُودَهُ وَضَعَ قَدَمَيْهِ عَلَى الدَّرَجَةِ السُّفْلَى ، فَيَسْتَدِيرُ الْكُرْسِيُّ كُلُّهُ بِمَا فِيهِ دَوَرَانُ الرَّحَى الْمُسْرِعَةِ ، وَتَنْشُرُ تِلْكَ النُّسُورُ وَالطَّوَاوِيسُ أَجْنِحَتَهَا ، وَيَبْسُطُ الْأَسَدَانِ أَيْدِيَهُمَا ، وَيَضْرِبَانِ الْأَرْضَ بِأَذْنَابِهِمَا . وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ فِي كُلِّ دَرَجَةٍ يَصْعَدُهَا
سُلَيْمَانُ ، فَإِذَا اسْتَوَى بِأَعْلَاهُ أَخَذَ النِّسْرَانِ اللَّذَانِ عَلَى النَّخْلَتَيْنِ تَاجَ
سُلَيْمَانَ فَوَضَعَاهُ عَلَى رَأْسِهِ ، ثُمَّ يَسْتَدِيرُ الْكُرْسِيُّ بِمَا فِيهِ ، وَيَدُورُ مَعَهُ النِّسْرَانِ وَالطَّاوُوسَانِ وَالْأَسَدَانِ مَائِلَانِ بِرُءُوسِهِمَا إِلَى
سُلَيْمَانَ ، وَيَنْضَحْنَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْوَافِهِنَّ الْمِسْكَ وَالْعَنْبَرَ ، ثُمَّ تُنَاوِلُهُ حَمَامَةٌ مِنْ ذَهَبٍ قَائِمَةٌ عَلَى عَمُودٍ مِنْ أَعْمِدَةِ الْجَوَاهِرِ فَوْقَ الْكُرْسِيِّ التَّوْرَاةَ ، فَيَفْتَحُهَا
سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَيَقْرَأُهَا عَلَى النَّاسِ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى فَصْلِ الْقَضَاءِ .
قَالُوا : وَيَجْلِسُ عُظَمَاءُ
بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى كَرَاسِيِّ الذَّهَبِ الْمُفَصَّصَةِ بِالْجَوَاهِرِ ، وَهِيَ أَلْفُ كُرْسِيٍّ عَنْ يَمِينِهِ ، وَيَجْلِسُ عُظَمَاءُ الْجِنِّ عَلَى كَرَاسِيِّ الْفِضَّةِ عَنْ يَسَارِهِ ، وَهِيَ أَلْفُ كُرْسِيٍّ ، ثُمَّ تَحُفُّ بِهِمُ الطَّيْرُ تُظِلُّهُمْ ، وَيَتَقَدَّمُ النَّاسُ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ . فَإِذَا تَقَدَّمَتِ الشُّهُودُ لِلشَّهَادَاتِ ، دَارَ الْكُرْسِيُّ بِمَا فِيهِ وَعَلَيْهِ دَوَرَانَ الرَّحَى الْمُسْرِعَةِ ، وَيَبْسُطُ الْأَسَدَانِ أَيْدِيَهُمَا وَيَضْرِبَانِ الْأَرْضَ بِأَذْنَابِهِمَا ، وَيَنْشُرُ النِّسْرَانِ وَالطَّاوُوسَانِ أَجْنِحَتَهُمَا ، فَتَفْزَعُ الشُّهُودُ فَلَا يَشْهَدُونَ إِلَّا بِالْحَقِّ .
وَقِيلَ : إِنَّ الَّذِي كَانَ يَدُورُ بِذَلِكَ الْكُرْسِيِّ تِنِّينٌ مِنْ ذَهَبٍ ذَلِكَ الْكُرْسِيُّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ عَظْمٌ مِمَّا عَمِلَهُ لَهُ صَخْرٌ الْجِنِّيُّ ، فَإِذَا أَحَسَّتْ بِدَوَرَانِهِ تِلْكَ النُّسُورُ وَالْأُسْدُ وَالطَّوَاوِيسُ الَّتِي فِي أَسْفَلِ الْكُرْسِيِّ إِلَى أَعْلَاهُ دُرْنَ مَعَهُ ، فَإِذَا وَقَفْنَ وَقَفْنَ كُلُّهُنَّ عَلَى رَأْسِ
سُلَيْمَانَ ، وَهُوَ جَالِسٌ ، ثُمَّ يَنْضَحْنَ جَمِيعًا عَلَى رَأْسِهِ مَا فِي أَجْوَافِهِنَّ مِنَ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ . فَلَمَّا تُوُفِّيَ
سُلَيْمَانُ بَعَثَ
بُخْتُنَصَّرُ فَأَخَذَ الْكُرْسِيَّ فَحَمَلَهُ إِلَى
أَنْطَاكِيَةَ ، فَأَرَادَ أَنْ يَصْعَدَ إِلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ كَيْفَ يَصْعَدُ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا وَضَعَ رَجُلَهُ ضَرَبَ الْأَسَدُ رِجْلَهُ فَكَسَرَهَا ، وَكَانَ
سُلَيْمَانُ إِذَا صَعِدَ وَضَعَ قَدَمَيْهِ جَمِيعًا . وَمَاتَ
بُخْتُنَصَّرُ وَحُمِلَ الْكُرْسِيُّ إِلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ قَطُّ مَلِكٌ أَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهِ ، وَلَكِنْ لَمْ يَدْرِ أَحَدٌ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ ، وَلَعَلَّهُ رُفِعَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34ثُمَّ أَنَابَ أَيْ رَجَعَ إِلَى اللَّهِ وَتَابَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي أَيِ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي يُقَالُ : كَيْفَ أَقْدَمَ
سُلَيْمَانُ عَلَى طَلَبِ الدُّنْيَا ، مَعَ ذَمِّهَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَبُغْضِهِ لَهَا ، وَحَقَارَتِهَا لَدَيْهِ ؟ . فَالْجَوَابُ : أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَدَاءِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَسِيَاسَةِ مُلْكِهِ ، وَتَرْتِيبِ مَنَازِلِ خَلْقِهِ ، وَإِقَامَةِ حُدُودِهِ ، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى رُسُومِهِ ، وَتَعْظِيمِ شَعَائِرِهِ ، وَظُهُورِ عِبَادَتِهِ ، وَلُزُومِ طَاعَتِهِ ، وَنُظُمِ قَانُونِ الْحُكْمِ النَّافِذِ عَلَيْهِمْ مِنْهُ ، وَتَحْقِيقِ الْوُعُودِ فِي أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ حَسَبَ مَا صَرَّحَ بِذَلِكَ لِمَلَائِكَتِهِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [ ص: 183 ] وَحَاشَا
سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُ طَلَبًا لِنَفْسِ الدُّنْيَا ; لِأَنَّهُ هُوَ وَالْأَنْبِيَاءُ أَزْهَدُ خَلْقِ اللَّهِ فِيهَا ، وَإِنَّمَا سَأَلَ مَمْلَكَتَهَا لِلَّهِ ، كَمَا سَأَلَ
نُوحٌ دَمَارَهَا وَهَلَاكَهَا لِلَّهِ ، فَكَانَا مَحْمُودَيْنِ مُجَابَيْنِ إِلَى ذَلِكَ ، فَأُجِيبَ
نُوحٌ فَأُهْلِكَ مَنْ عَلَيْهَا ، وَأُعْطِيَ
سُلَيْمَانُ الْمَمْلَكَةَ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ كَانَ بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ - جَلَّ وَعَزَّ - عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَضْبِطُهُ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ دُونَ سَائِرِ عِبَادِهِ ، أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ مُلْكًا عَظِيمًا فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ . وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ . ثُمَّ قَالَ لَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=39هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ قَالَ
الْحَسَنُ : مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَلِلَّهِ عَلَيْهِ تَبِعَةٌ فِي نِعَمِهِ غَيْرَ
سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّهُ قَالَ : هَذَا عَطَاءُنَا الْآيَةَ .
قُلْتُ : وَهَذَا يَرُدُّ مَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ :
إِنَّ آخِرَ الْأَنْبِيَاءِ دُخُولًا الْجَنَّةَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِمَكَانِ مُلْكِهِ فِي الدُّنْيَا . وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ : يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْقُوتِ ، وَهُوَ حَدِيثٌ لَا أَصْلَ لَهُ ; لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ إِذَا كَانَ عَطَاءُهُ لَا تَبِعَةَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْمِنَّةِ ، فَكَيْفَ يَكُونُ آخِرَ الْأَنْبِيَاءِ دُخُولًا الْجَنَّةَ ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=40وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ . وَفِي الصَّحِيحِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831043لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعَوْتَهُ . . . الْحَدِيثُ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فَجَعَلَ لَهُ مِنْ قَبْلِ السُّؤَالِ حَاجَةً مَقْضِيَّةً ، فَلِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ تَبِعَةٌ . وَمَعْنَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي أَيْ : أَنْ يَسْأَلَهُ . فَكَأَنَّهُ سَأَلَ مَنْعَ السُّؤَالِ بَعْدَهُ ، حَتَّى لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ أَمَلُ أَحَدٍ ، وَلَمْ يَسْأَلْ مَنْعَ الْإِجَابَةِ . وَقِيلَ : إِنَّ سُؤَالَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ، لِيَكُونَ مَحَلُّهُ وَكَرَامَتُهُ مِنَ اللَّهِ ظَاهِرًا فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لَهُمْ تَنَافُسٌ فِي الْمَحَلِّ عِنْدَهُ ، فَكُلٌّ يُحِبُّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خُصُوصِيَّةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مَحَلِّهِ عِنْدَهُ ، وَلِهَذَا لَمَّا أَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِفْرِيتَ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَأَمْكَنَهُ اللَّهُ مِنْهُ ، أَرَادَ رَبْطَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ قَوْلَ أَخِيهِ
سُلَيْمَانَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فَرَدَّهُ خَاسِئًا . فَلَوْ أُعْطِيَ أَحَدٌ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ذَهَبَتِ الْخُصُوصِيَّةُ ، فَكَأَنَّهُ كَرِهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُزَاحِمَهُ فِي تِلْكَ الْخُصُوصِيَّةِ ، بَعْدَ أَنْ عَلِمَ أَنَّهُ شَيْءٌ هُوَ الَّذِي خُصَّ بِهِ مِنْ سُخْرَةِ الشَّيَاطِينِ ، وَأَنَّهُ أُجِيبَ إِلَى أَلَّا يَكُونَ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
[ ص: 184 ] قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=36فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً أَيْ لَيِّنَةً مَعَ قُوَّتِهَا وَشِدَّتِهَا حَتَّى لَا تَضُرَّ بِأَحَدٍ ، وَتَحْمِلَهُ بِعَسْكَرِهِ وَجُنُودِهِ وَمَوْكِبِهِ . وَكَانَ مَوْكِبُهُ فِيمَا رُوِيَ فَرْسَخًا فِي فَرْسَخٍ ، مِائَةَ دَرَجَةٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ، كُلُّ دَرَجَةٍ صِنْفٌ مِنَ النَّاسِ ، وَهُوَ فِي أَعْلَى دَرَجَةٍ مَعَ
nindex.php?page=treesubj&link=31974جَوَارِيهِ وَحَشَمِهِ وَخَدَمِهِ ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ . وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=12181أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12244أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، قَالَ حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، قَالَ حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ ، قَالَ حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ
إِدْرِيسَ بْنِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : كَانَ
لِسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَلْفُ بَيْتٍ ، أَعْلَاهُ قَوَارِيرُ وَأَسْفَلُهُ حَدِيدٌ ، فَرَكِبَ الرِّيحَ يَوْمًا فَمَرَّ بِحَرَّاثٍ فَنَظَرَ إِلَيْهِ الْحَرَّاثُ فَقَالَ : لَقَدْ أُوتِيَ
آلُ دَاوُدَ مُلْكًا عَظِيمًا ، فَحَمَلَتِ الرِّيحُ كَلَامَهُ فَأَلْقَتْهُ فِي أُذُنِ
سُلَيْمَانَ ، قَالَ فَنَزَلَ حَتَّى أَتَى الْحَرَّاثَ فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ قَوْلَكَ ، وَإِنَّمَا مَشَيْتُ إِلَيْكَ لِئَلَّا تَتَمَنَّى مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ ، لَتَسْبِيحَةٌ وَاحِدَةٌ يَقْبَلُهَا اللَّهُ مِنْكَ لَخَيْرٌ مِمَّا أُوتِيَ
آلُ دَاوُدَ . فَقَالَ الْحَرَّاثُ : أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّكَ كَمَا أَذْهَبْتَ هَمِّي .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=36حَيْثُ أَصَابَ أَيْ أَرَادَ ، قَالَهُ
مُجَاهِدٌ . وَالْعَرَبُ تَقُولُ : أَصَابَ الصَّوَابَ وَأَخْطَأَ الْجَوَابَ . أَيْ : أَرَادَ الصَّوَابَ وَأَخْطَأَ الْجَوَابَ ، قَالَهُ
ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
أَصَابَ الْكَلَامَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَأَخْطَا الْجَوَابَ لَدَى الْمَفْصِلِ
وَقِيلَ : أَصَابَ أَرَادَ بِلُغَةِ
حِمْيَرَ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : هُوَ بِلِسَانِ
هَجَرَ . وَقِيلَ : حَيْثُ أَصَابَ : حِينَمَا قَصَدَ ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ إِصَابَةِ السَّهْمِ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ .
" وَالشَّيَاطِينَ " أَيْ وَسَخَّرْنَا لَهُ الشَّيَاطِينَ ، وَمَا سُخِّرَتْ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ . " كُلَّ بَنَّاءٍ " بَدَلٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ ، أَيْ : كُلَّ بَنَّاءٍ مِنْهُمْ ، فَهُمْ يَبْنُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ . قَالَ [
النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ ] :
إِلَّا سُلَيْمَانَ إِذْ قَالَ الْإِلَهُ لَهُ قُمْ فِي الْبَرِيَّةِ فَاحْدُدْهَا عَنِ الْفَنَدِ
وَخَيِّسِ الْجِنَّ إِنِّي قَدْ أَذِنْتُ لَهُمْ يَبْنُونَ تَدْمُرَ بِالصُّفَّاحِ وَالْعُمُدِ
" وَغَوَّاصٍ " يَعْنِي فِي الْبَحْرِ يَسْتَخْرِجُونَ لَهُ الدُّرَّ .
فَسُلَيْمَانُ أَوَّلُ مَنِ اسْتُخْرِجَ لَهُ اللُّؤْلُؤ مِنَ الْبَحْرِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=38وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ أَيْ وَسَخَّرْنَا لَهُ مَرَدَةَ الشَّيَاطِينِ حَتَّى قَرَنَهُمْ فِي سَلَاسِلِ الْحَدِيدِ وَقُيُودِ الْحَدِيدِ ، قَالَ
قَتَادَةُ .
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : الْأَغْلَالُ .
ابْنُ عَبَّاسٍ : فِي وَثَاقٍ . وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ [
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ ] :
[ ص: 185 ] فَآبَوْا بِالنِّهَابِ وَبِالسَّبَايَا وَأُبْنَا بِالْمُلُوكِ مُصَفَّدِينَا
قَالَ
يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ : وَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا بِكُفَّارِهِمْ ، فَإِذَا آمَنُوا أَطْلَقَهُمْ وَلَمْ يُسَخِّرْهُمْ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=39هَذَا عَطَاؤُنَا الْإِشَارَةُ بِهَذَا إِلَى الْمُلْكِ ، أَيْ : هَذَا الْمُلْكُ عَطَاءُنَا فَأَعْطِ مَنْ شِئْتَ أَوِ امْنَعْ مَنْ شِئْتَ لَا حِسَابَ عَلَيْكَ ، عَنِ
الْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِهِمَا . قَالَ
الْحَسَنُ :
nindex.php?page=treesubj&link=31971مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى أَحَدٍ نِعْمَةً إِلَّا عَلَيْهِ فِيهَا تَبِعَةٌ إِلَّا سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=39هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=39هَذَا عَطَاؤُنَا إِلَى مَا أُعْطِيَهُ مِنَ الْقُوَّةِ عَلَى الْجِمَاعِ ، وَكَانَتْ لَهُ ثَلَاثُمِائَةِ امْرَأَةٍ وَسَبْعُمِائَةِ سُرِّيَّةٍ ، وَكَانَ فِي ظَهْرِهِ مَاءَ مِائَةِ رَجُلٍ ، رَوَاهُ
عِكْرِمَةُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ . وَمَعْنَاهُ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ .
فَامْنُنْ مِنَ الْمَنِيِّ ، يُقَالُ : أَمْنَى يُمْنِي وَمَنَى يَمْنِي لُغَتَانِ ، فَإِذَا أَمَرْتَ مَنْ أَمْنَى قُلْتَ : أَمْنِ ، وَيُقَالُ : مِنْ مَنَى يَمْنِي فِي الْأَمْرِ : امْنِ ، فَإِذَا جِئْتَ بِنُونِ الْفِعْلِ نُونِ الْخَفِيفَةِ قُلْتَ : امْنُنْ . وَمَنْ ذَهَبَ بِهِ إِلَى الْمِنَّةِ قَالَ : مَنَّ عَلَيْهِ ، فَإِذَا أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْأَمْرِ أَبْرَزَ النُّونَيْنِ ; لِأَنَّهُ كَانَ مُضَاعَفًا فَقَالَ امْنُنْ . فَيُرْوَى فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ سَخَّرَ لَهُ الشَّيَاطِينَ ، فَمَنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ وَالتَّخْلِيَةِ ، وَمَنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ ، قَالَ
قَتَادَةُ nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيُّ . وَعَلَى مَا رَوَى
عِكْرِمَةُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : أَيْ : جَامِعْ مَنْ شِئْتَ مِنْ نِسَائِكَ ، وَاتْرُكْ جِمَاعَ مَنْ شِئْتَ مِنْهُنَّ لَا حِسَابَ عَلَيْكَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=40وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ أَيْ إِنْ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا فَلَهُ عِنْدَنَا فِي الْآخِرَةِ قُرْبَةٌ وَحُسْنُ مَرْجِعٍ .