nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=22nindex.php?page=treesubj&link=29022_31763_30340وفي السماء رزقكم وما توعدون
بعد أن ذكر دلائل الأرض ودلائل الأنفس التي هم من علائق الأرض عطف ذكر السماء للمناسبة ، وتمهيدا للقسم الذي بعده بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=23فورب السماء والأرض إنه لحق . ولما في السماء من آية المطر الذي به تنبت الأرض بعد الجفاف ، فالمعنى : وفي السماء آية المطر ، فعدل عن ذكر المطر إلى الرزق إدماجا للامتنان في الاستدلال فإن الدليل في كونه مطرا يحيي الأرض بعد موتها . وهذا قياس تمثيل للنبت ، أي في السماء المطر الذي ترزقون بسببه .
فالرزق : هو المطر الذي تحمله السحب والسماء هنا : طبقات الجو .
وتقديم المجرور على متعلقه للتشويق وللاهتمام بالمكان وللرد على الفاصلة .
وعطف " وما توعدون " إدماج بين أدلة إثبات البعث لقصد الموعظة الشاملة للوعيد على الإشراك والوعد على الإيمان إن آمنوا تعجيلا بالموعظة عند سنوح فرصتها .
وفي إيثار صيغة " توعدون " خصوصية من خصائص إعجاز القرآن ، فإن هذه الصيغة صالحة لأن تكون مصوغة من الوعد فيكون وزن " توعدون " تفعلون مضارع وعد مبنيا للنائب . وأصله قبل البناء للنائب تعدون وأصله توعدون ، فلما بني للنائب ضم حرف المضارعة فصارت الواو الساكنة مدة مجانسة للضمة فصار : توعدون .
وصالحة لأن تكون من الإيعاد ووزنه تأفعلون مثل تصريف أكرم يكرم وبذلك صار توعدون مثل تكرمون ، فاحتملت للبشارة والإنذار .
[ ص: 355 ] وكون ذلك في السماء يجوز أن يكون معناه أنه محقق في علم أهل السماء ، أي الملائكة الموكلين بتصريفه .
ويجوز أن يكون المعنى : أن مكان حصوله في السماء ، من جنة أو جهنم بناء على أن الجنة وجهنم موجودتان من قبل يوم القيامة ، وفي ذلك اختلاف لا حاجة إلى ذكره .
وفيه إيماء إلى أن ما أوعدوه يأتيهم من قبل السماء كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=10فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم . فإن ذلك الدخان كان في طبقات الجو كما تقدم في سورة الدخان .
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=22nindex.php?page=treesubj&link=29022_31763_30340وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ
بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ دَلَائِلَ الْأَرْضِ وَدَلَائِلَ الْأَنْفُسِ الَّتِي هُمْ مِنْ عَلَائِقِ الْأَرْضِ عَطَفَ ذِكْرَ السَّمَاءِ لِلْمُنَاسِبَةِ ، وَتَمْهِيدًا لِلْقَسَمِ الَّذِي بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=23فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ . وَلِمَا فِي السَّمَاءِ مِنْ آيَةِ الْمَطَرِ الَّذِي بِهِ تُنْبِتُ الْأَرْضُ بَعْدَ الْجَفَافِ ، فَالْمَعْنَى : وَفِي السَّمَاءِ آيَةُ الْمَطَرِ ، فَعَدَلَ عَنْ ذِكْرِ الْمَطَرِ إِلَى الرِّزْقِ إِدْمَاجًا لِلِامْتِنَانِ فِي الِاسْتِدْلَالِ فَإِنَّ الدَّلِيلَ فِي كَوْنِهِ مَطَرًا يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا . وَهَذَا قِيَاسُ تَمْثِيلٍ لِلنَّبْتِ ، أَيْ فِي السَّمَاءِ الْمَطَرُ الَّذِي تُرْزَقُونَ بِسَبَبِهِ .
فَالرِّزْقُ : هُوَ الْمَطَرُ الَّذِي تَحْمِلُهُ السُّحُبُ وَالسَّمَاءُ هُنَا : طَبَقَاتُ الْجَوِّ .
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ لِلتَّشْوِيقِ وَلِلِاهْتِمَامِ بِالْمَكَانِ وَلِلرَّدِّ عَلَى الْفَاصِلَةِ .
وَعَطْفُ " وَمَا تُوعَدُونَ " إِدْمَاجٌ بَيْنَ أَدِلَّةِ إِثْبَاتِ الْبَعْثِ لِقَصْدِ الْمَوْعِظَةِ الشَّامِلَةِ لِلْوَعِيدِ عَلَى الْإِشْرَاكِ وَالْوَعْدِ عَلَى الْإِيمَانِ إِنْ آمَنُوا تَعْجِيلًا بِالْمَوْعِظَةِ عِنْدَ سُنُوحِ فُرْصَتِهَا .
وَفِي إِيثَارِ صِيغَةِ " تُوعَدُونَ " خُصُوصِيَّةٌ مِنْ خَصَائِصِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ ، فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ صَالِحَةٌ لِأَنْ تَكُونَ مَصُوغَةً مِنَ الْوَعْدِ فَيَكُونُ وَزْنُ " تُوعَدُونَ " تُفْعَلُونَ مُضَارِعُ وَعَدَ مَبْنِيًّا لِلنَّائِبِ . وَأَصْلُهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ تَعِدُونَ وَأَصْلُهُ تُوعِدُونَ ، فَلَمَّا بُنِيَ لِلنَّائِبِ ضُمَّ حَرْفُ الْمُضَارَعَةِ فَصَارَتِ الْوَاوُ السَّاكِنَةُ مَدَّةً مُجَانَسَةً لِلضَّمَّةِ فَصَارَ : تُوعَدُونَ .
وَصَالِحَةٌ لِأَنْ تَكُونَ مِنَ الْإِيعَادِ وَوَزْنُهُ تَأَفْعَلُونَ مِثْلَ تَصْرِيفِ أَكْرَمَ يُكْرِمُ وَبِذَلِكَ صَارَ تُوعَدُونَ مِثْلَ تُكْرَمُونَ ، فَاحْتُمِلَتْ لِلْبِشَارَةِ وَالْإِنْذَارِ .
[ ص: 355 ] وَكَوْنُ ذَلِكَ فِي السَّمَاءِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُحَقَّقٌ فِي عِلْمِ أَهْلِ السَّمَاءِ ، أَيِ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِتَصْرِيفِهِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : أَنَّ مَكَانَ حُصُولِهِ فِي السَّمَاءِ ، مِنْ جَنَّةٍ أَوْ جَهَنَّمَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ وَجَهَنَّمَ مَوْجُودَتَانِ مِنْ قَبْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ لَا حَاجَةَ إِلَى ذِكْرِهِ .
وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ مَا أُوعِدُوهُ يَأْتِيهِمْ مِنْ قِبَلِ السَّمَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=10فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ . فَإِنَّ ذَلِكَ الدُّخَانَ كَانَ فِي طَبَقَاتِ الْجَوِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ .