قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويجوز ، لما روت إفراد الحج عن العمرة ، والتمتع بالعمرة إلى الحج والقران بينهما قالت : { عائشة } والإفراد والتمتع أفضل من القران ، وقال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا ، من أهل بالحج : ومنا من أهل بالعمرة ، ومنا من أهل بالحج والعمرة القران أفضل ، والدليل على ما قلناه أن المفرد والمتمتع يأتي بكل واحد من النسكين بكمال أفعاله ، والقارن يقتصر على عمل الحج وحده ، فكان الإفراد والتمتع أفضل ، وفي التمتع والإفراد قولان ( أحدهما ) أن التمتع أفضل ، لما روى المزني رضي الله عنهما قال : { ابن عمر } ( والثاني ) : أن الإفراد أفضل لما روى تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج قال : { جابر } ولأن التمتع يتعلق به [ ص: 142 ] وجوب دم ، فكان الإفراد أفضل منه كالقران ( وأما ) حديث ابن عمر رضي الله عنهما فإنه يحتمل أنه أراد أمر بالتمتع كما روي أنه رجم أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج ليس معه عمرة ماعزا وأراد أنه أمر برجمه ، والدليل عليه أن هو الراوي ، وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم { ابن عمر } ) أفرد بالحج
التالي
السابق
( الشرح ) : حديث وحديث عائشة وحديث ابن عمر رواها كلها جابر البخاري بلفظها ، إلا حديث ومسلم فلفظهما فيه : { جابر } ( وأما ) قوله ليس معه عمرة فليست في روايتهما ورواها أهل النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه بالحج بإسناد ضعيف . أما الأحكام ، فقد أتفقت نصوص البيهقي والأصحاب على جواز الإحرام على خمسة أنواع ، الإفراد ، والتمتع ، والقران ، والإطلاق ، وهو أن يحرم بنسك مطلقا ، ثم يصرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة أو كليهما ، والتعليق وهو أن يحرم بإحرام كإحرام فهذه الأنواع الخمسة جائزة بلا خلاف ، وذكر الشافعي المصنف هنا الثلاثة الأولى ( وأما ) النوعان الآخران : فذكرهما في باب الإحرام وسنوضحهما هناك إن شاء الله تعالى .
( وأما ) الأفضل من هذه الأنواع الثلاثة الأولى ففيه طرق وأقوال منتشرة ( الصحيح ) منها الإفراد ، ثم التمتع ، ثم القران ، هذا هو المنصوص رحمه الله تعالى في عامة كتبه ، والمشهور من مذهبه ( والقول الثاني ) أن أفضلها التمتع ، ثم الإفراد ، وهذا القول في الكتاب ، وهذا الثاني نصه في كتاب اختلاف الحديث ، حكاه عنه القاضي للشافعي والأصحاب ( والثالث ) : أفضلها الإفراد ، ثم القران ، ثم التمتع ، حكاه صاحب الفروع ، أبو الطيب والسرخسي وصاحب البيان ، وآخرون ، قالوا : نص عليه في أحكام القرآن ، وممن اختاره من أصحابنا المزني وابن المنذر وأبو إسحاق المروزي والقاضي حسين في تعليقه . قال أصحابنا : وشرط تقديم الإفراد أن يحج ، ثم يعتمر في سنة ، فإن أخر العمرة عن سنة فكل واحد من التمتع والقران أفضل منه بلا خلاف ; لأن تأخير العمرة عن سنة الحج مكروه .
[ ص: 143 ] هكذا قاله جماهير الأصحاب ، ممن صرح به الماوردي والقاضي في تعليقه . وصاحب الشامل والبيان أبو الطيب والرافعي وآخرون ، وقال القاضي حسين والمتولي : الإفراد أفضل من التمتع والقران ، سواء اعتمر في سنته أم في سنة أخرى ، وهذا شاذ ضعيف ، والله أعلم .
( فرع ) : في . قد ذكرنا أن مذهبنا جواز الثلاثة ، وبه قال العلماء كافة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، إلا ما ثبت في الصحيحين عن مذاهب العلماء في الإفراد والتمتع والقران عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنهما كانا ينهيان عن التمتع ، وقد ذكر الشيخ وعثمان بن عفان في تعليقه وآخرون من أصحابنا ومن غيرهم من العلماء في نهي أبو حامد عمر وعثمان تأويلين : ( أحدهما ) : أنهما نهيا عنه تنزيها ، وحملا للناس على ما هو الأفضل عندهما وهو الإفراد ، لا أنهما يعتقدان بطلان التمتع هذا مع علمهما بقول الله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } ( والثاني ) : أنهما كانا ينهيان عن التمتع الذي فعلته الصحابة في حجة الوداع ، وهو فسخ الحج إلى العمرة ; لأن ذلك كان خاصا لهم كما سنذكره واضحا إن شاء الله تعالى ، وهذا التأويل ضعيف وإن كان مشهورا وسياق الأحاديث ، الصحيحة يقتضي خلافه . ومن العلماء من أصحابنا وغيرهم من يقتضي كلامه أن مذهب بطلان التمتع وهو ضعيف ولا ينبغي أن يحمل كلامه عليه ، بل المختار في مذهبه ما قدمته والله أعلم . عمر
( فرع ) : في مذاهبهم في الثلاثة . الأفضل من هذه الأنواع
قد ذكرنا أن الصحيح من مذهبنا أن الإفراد أفضل ، وبه قال عمر بن الخطاب وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عمر وجابر وعائشة ومالك والأوزاعي وأبو ثور ، وقال وداود أبو حنيفة وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه والمزني وابن المنذر : القران أفضل . وقال وأبو إسحاق المروزي : التمتع أفضل . وحكى أحمد أن التمتع والقران أفضل من الإفراد . وحكى القاضي أبو يوسف عياض عن بعض العلماء أن الأنواع الثلاثة سواء في الفضيلة لا أفضلية لبعضها على بعض ، ودليل الجميع يفهم مما ذكره المصنف ومما سأذكره إن شاء الله تعالى بعد هذا ، والله أعلم . [ ص: 144 ] فرع ) قال في المختصر : قال المزني في اختلاف الحديث : ليس شيء من الاختلاف أيسر من هذا ، وإن كان الغلط فيه قبيحا من جهة أنه مباح ; لأن الكتاب ، ثم السنة ، ثم ما لا علم فيه خلاف يدل على أن التمتع بالعمرة إلى الحج وإفراد الحج والقران واسع كله ، قال الشافعي : وثبت أنه صلى الله عليه وسلم { الشافعي الصفا والمروة ، فأمر أصحابه أن من كان منهم أهل بالحج - ولم يكن معه هدي - أن يجعلها عمرة وقال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ، ولجعلتها عمرة } . خرج ينتظر القضاء ، فنزل عليه القضاء وهو فيما بين
قال : ( فإن ) قال قائل : فمن أين أثبت حديث الشافعي عائشة وجابر يعني روايتهم للإفراد دون حديث من قال قرن ؟ ( قيل : ) لتقدم صحبة وابن عمر للنبي صلى الله عليه وسلم وحسن سياقه لابتداء الحديث وآخره لرواية جابر ، وفضل حفظها عنه ، وقرب عائشة منه ، هذا نصه في مختصر ابن عمر قال المزني الماوردي : يعني قول ليس من الخلاف أيسر من هذا ; لأنه مباح ليس فيه تغيير حكم ; لأن الإفراد والتمتع كلها جائزة ، قال : وقول الشافعي وإن كان الغلط فيه قبيحا يحتمل أمرين : ( أحدهما ) : أنه أراد الإنكار على الرواة حيث لم يتفقوا على نقلها ، وهي حجة واحدة ( والثاني ) : أنه أراد الإنكار على من لا معرفة له بالأحاديث وترتيب مختلفها ، والجمع بينها ، وأنها غير متضادة ، بل يجمع بينها ، هذا كلام الشافعي الماوردي . وقال القاضي حسين : وإنما استيسر الخلاف فيه ; لأن الأنواع الثلاثة منصوص عليها في القرآن ، وكلها منقولة عنه صلى الله عليه وسلم صحيحة عنه ، وكلها جائزة بالإجماع ( أما ) الإفراد فبين في قوله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ( وأما ) التمتع ففي قوله تعالى { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } وأما القران ففي قوله تعالى { وأتموا الحج والعمرة لله } هذا كلام القاضي حسين ، وفي الاستدلال بهذه الأخيرة للقران نظر ، وقد استدل بها أصحاب لمذهبهم في ترجيح القران ، وأنكر ذلك أصحابنا وقالوا : لا دلالة في الآية [ ص: 145 ] للقران ; لأنه ليس في الآية أكثر من جمع الحج والعمرة في الذكر ، ولا يلزم من ذلك جمعهما في الفعل ، نظيره قوله تعالى : { أبي حنيفة وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } وقال في تعليقه في شرح كلام القاضي أبو الطيب هذا وقوله وإن كان الغلط فيه قبيحا يعني اختلافهم فيها قبيح ، قال : ثم عذرهم في ذلك فإنه قد كان ثبت عندهم أن الإفراد والتمتع والقران كلها جائزة لم يهتموا بما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث يعلمونه علما قطعيا ، ويتفقون عليه ، بل اقتصر كل واحد على ما غلب على ظنه كما رواه وسمعه منه ، مع أمور فوق ظنه في روايته ، والله أعلم . الشافعي
( فرع ) أذكر فيه إن شاء الله - تعالى - جملة من الأحاديث الصحيحة في الإفراد والتمتع والقران ، ( فأما ) ففيه حديث جوازها كلها رضي الله عنها قالت : { عائشة } رواه خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع ، فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحج وعمرة ، ومنا من أهل بحج ، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج البخاري ، وفي رواية ومسلم : { لمسلم } ، ( وأما ) منا من أهل بالحج مفردا ، ومنا من قرن ، ومنا من تمتع فثبت في الصحيح من رواية ترجيح الإفراد جابر وابن عمر وابن عباس . وعائشة
( فأما ) حديث فقد سبق الآن في قولها : " وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج " رواه عائشة البخاري وفي رواية ومسلم ، : { لمسلم } وفي رواية له أيضا عنها : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج } وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج مفردا البخاري قالت : { ومسلم سرف طمثت - وذكرت تمام الحديث إلى قولها - ثم رجعوا مهلين بالحج - يعني إلى منى - } . خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يذكر لنا الحج ، فلما جئنا
( وأما ) حديث فعن ابن عمر بكر بن عبد الله المزني عن قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم { أنس بكر : فحدثت بذلك فقال : لبى بالحج وحده ، فلقيت ابن عمر [ ص: 146 ] فحدثته بقول أنسا فقال ابن عمر : ما تعدوننا إلا صبيانا ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لبيك عمرة وحجا أنس } رواه يلبي بالحج والعمرة جميعا ، قال البخاري وعن ومسلم { زيد بن أسلم فقال : بم أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : بالحج ، ثم أتاه من العام المقبل فسأله فقال : ألم تأتني عام أول ؟ قال : بلى ، ولكن ابن عمر يزعم أنه قرن ، قال أنسا : إن ابن عمر كان يدخل على النساء وهن منكشفات الرءوس ، وإني كنت تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت أسمعه يلبي بالحج أنسا } رواه أن رجلا أتى بإسناد صحيح ، وفي رواية البيهقي أيضا عن لمسلم قال : { ابن عمر } . أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج منفردا
( وأما ) حديث فعن جابر عن عطاء قال : { جابر بن عبد الله } رواه أهل النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه بالحج البخاري وفي رواية ومسلم ، أيضا عن لمسلم قال : { جابر محمد صلى الله عليه وسلم بالحج خالصا وحده ، فقدمنا صبح رابعة من ذي الحجة فأمرنا أن نحل } وفي صحيح أهللنا أصحاب أيضا عن مسلم في حديث طويل قال : { جابر } - وذكر الحديث إلى أن قال : حتى { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لمناسك الحج المروة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليتحلل وليجعلها عمرة } ( قوله ) : آخر طواف على إذا كان آخر طواف على المروة ، يعني : السعي .
( وأما ) حديث ففيه قال { ابن عباس } رواه : أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج فقدم لأربع مضين من ذي الحجة وصلى الصبح وقال لما صلى الصبح : من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها عمرة وفي رواية مسلم ، أيضا عن لمسلم { ابن عباس بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن ، وسلت الدم وقلدها نعلين ، ثم ركب راحلته ، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج } وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بإسناده عن البيهقي رضي الله تعالى عنه أنه قال لابنه : [ ص: 147 ] يا بني أفرد الحج فإنه أفضل " وبإسناده عن علي أنه أمر بإفراد الحج . ابن مسعود
( وأما ) فعن ترجيح التمتع قال : { ابن عمر ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج ، فكان من الناس من أهدى ، فساق الهدي ، ومنهم من لم يهد ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس : من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة ، وليقصر وليحلل ، ثم ليهل بالحج وليهد فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة فاستلم الركن أول شيء ثم خب ثلاثة أطواف من السبع ، ومشى أربعة أطواف ، ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ، ثم سلم فانصرف ، فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر ، وأفاض فطاف بالبيت ، ثم حل من كل شيء حرم منه ، وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهدى وساق الهدي من الناس } رواه تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى ، فساق معه الهدي من البخاري . ومسلم
وعن الزهري عن عروة عن قالت { عائشة } ، قال : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج ، وتمتع الناس معه الزهري : مثل الذي أخبرني سالم عن عن النبي صلى الله عليه وسلم " رواه ابن عمر البخاري ، قال ومسلم : قد روينا عن البيهقي ابن عمر فيما سبق في إفراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يخالف هذا ، قال : وكونه قال في هذه الرواية : لم يتحلل من إحرامه حتى فرغ من حجه دليل ظاهر على أنه لم يكن متمتعا . وعن وعائشة غنيم بن قيس - بضم الغين المعجمة - قال : " سألت عن المتعة فقال : فعلناها ، وهذا يومئذ كافر بالعرش - يعني : بيوت سعد بن أبي وقاص مكة - " رواه ( وقوله ) العرش هو - بضم العين [ ص: 148 ] والراء - وهي بيوت مسلم مكة ( وقوله ) وهذا كافر يعني : ، وفي رواية غير معاوية : " فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يومئذ كافر بالعرش - يعني مسلم - " وعن معاوية محمد بن عبد الله بن الحارث أنه { سعد بن أبي وقاص عام حج والضحاك بن قيس وهما يذكران التمتع والعمرة إلى الحج ، فقال معاوية بن أبي سفيان ، الضحاك : لا يصنع مثل هذا إلا من جهل أمر الله - تعالى - ، فقال : بئس ما قلت يا ابن أخي ، قال سعد الضحاك : فإن نهى عن ذلك ، فقال عمر بن الخطاب : قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه سعد } رواه سمع الترمذي وقال : حديث صحيح ، وفي بعض النسخ حسن صحيح ورواه وآخرون أيضا ، وعن النسائي قال { أبي موسى الأشعري باليمن فجئت وهو منيخ بالبطحاء فقال : بم أهللت ؟ فقلت : أهللت كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال : هل معك من هدي ؟ قلت : لا ، فأمرني فطفت بالبيت والصفا والمروة ، ثم أمرني فأحللت فأتيت امرأة من قومي فمشطتني - أو غسلت رأسي - } رواه بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومي البخاري . ومسلم
وعن " أنه سمع { سالم بن عبد الله الشام سأل عن التمتع بالعمرة إلى الحج فقال ابن عمر : هي حلال ، قال الشامي : إن أباك قد نهى عنها ، قال ابن عمر : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر } " رواه رجلا من أهل الترمذي بإسناد صحيح ، وقال : حديث حسن ، وهو من رواية وهو ضعيف ، ولهذا لم يقع في بعض نسخ ليث بن أبي سليم الترمذي قوله : حديث حسن . وعن قال : { عمران بن الحصين } رواه تمتع النبي صلى الله عليه وسلم وتمتعنا معه بهذا اللفظ ورواه مسلم بمعناه قال : { البخاري } وعن متعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن ، قال رجل برأيه ما شاء - بالجيم - قال { أبي جمرة فأمرني بها . فرأيت في المنام كأن رجلا [ ص: 149 ] يقول لي : حج مبرور وعمرة متقبلة ، فأخبرت ابن عباس فقال : سنة النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس } رواه تمتعت فنهاني ناس عن ذلك ، فسألت البخاري . ومسلم
( وأما ) فجاءت فيه أحاديث ( منها ) حديث القران قال : { سعيد بن المسيب علي وعثمان وهما بعسفان فكان عثمان نهى عن المتعة أو العمرة ، فقال : ما تريد إلا أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي عثمان : دعنا منك ، فقال : إني لا أستطيع أن أدعك ، فلما رأى ذلك أهل بهما جميعا علي } رواه اختلف البخاري ( ومنها ) حديث ومسلم فعن أنس بكر بن عبد الله المزني عن قال : { أنس بكر : فحدثت بذلك فقال : لبى بالحج وحده ، فلقيت ابن عمر فحدثه بقول أنسا فقال ابن عمر ، : ما تعدوننا إلا صبيانا ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لبيك عمرة وحجا أنس } وروى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعا . قال بإسناده عن البيهقي سليمان بن الحارث وهو شيخ قال : " سمع هذه الرواية البخاري أبو قلابة من أنس وأبو قلابة فقيه " قال : وقد روى حميد ويحيى بن أبي إسحاق عن قال : { أنس } قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بعمرة وحج سليمان : ولم يحفظا ، إنما الصحيح ما قال أبو قلابة { } فأما سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج ، وقد جمع بعض أصحابه بين الحج والعمرة فعن أولئك الذين جمعوا بين الحج والعمرة ، قال أنس : فالاشتباه وقع البيهقي لا لمن دونه قال : ويحتمل أن يكون سمع النبي صلى الله عليه وسلم يعلم رجلا كيف صورة القران ، لا أنه قرن عن نفسه وعن لأنس قال : { أنس } رواه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بهما لبيك عمرة وحجا وعن مسلم ، قال : { عمران بن الحصين } رواه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حجة وعمرة ، ثم لم ينه حتى مات ، ولم ينزل فيه قرآن يحرمه . وعن مسلم رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عمر بوادي العقيق { } رواه أتاني الليلة آت من ربي ، فقال : صل في هذا الوادي المبارك ، وقال : عمرة في حجة هكذا في بعض الروايات ، وقال عمرة في حجة ، وفي بعضها وقل : عمرة في حجة ، قال [ ص: 150 ] البخاري : ويكون ذلك إذنا في إدخال العمرة على الحج ; لأنه أمره في نفسه وعن البيهقي الصبي بن معبد قال : { العذيب لقيني سلمان بن ربيعة ، وأنا أهل بهما جميعا فقال أحدهما للآخر : ما هذا بأفقه من بعيره قال : فكأنما ألقى علي جبل حتى أتيت وزيد بن صوحان فقلت له : يا أمير المؤمنين إني كنت رجلا أعرابيا نصرانيا ، وإني أسلمت وأنا حريص على الجهاد ، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي ، فأتيت رجلا من قومي ، فقال لي : اجمعهما واذبح ما استيسر من الهدي ، وإني أهللت بهما جميعا ، فقال عمر بن الخطاب : هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم عمر } ، رواه كنت رجلا نصرانيا ، فأسلمت فأهللت بالحج والعمرة ، فلما أتيت أبو داود بإسناد صحيح ، قال والنسائي في كتاب العلل : هو حديث صحيح . قال الدارقطني : ومقتضى هذا جواز القران لا تفضيله وقد أمر البيهقي بالإفراد . عمر
( قلت ) : وهذا أود ما قلته منه في تأويل نهي رضي الله تعالى عنه عن التمتع ، وأنه إنما نهى عنه لتفضيله أمر الإفراد لا لبطلان التمتع ، وعن عمر قال : " { أبي قتادة } رواه إنما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة ; لأنه علم أنه ليس بجامع بعدها وعن الدارقطني حفصة قالت : { } رواه قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحل من عمرتك ؟ قال : إني قلدت هديي ولبدت رأسي ، فلا أحل حتى أحل من الحج قال البخاري : قال البيهقي : قولها من عمرتك أي من إحرامك ، قال : إني قلدت هديي ولبدت رأسي ، فلا أحل حتى أنحر ، أي حتى يحل الحاج ; لأن القضاء نزل عليه أنه من كان معه هدي جعل إحرامه حجا . الشافعي
( وأما ) الأفضل من هذه الأنواع الثلاثة الأولى ففيه طرق وأقوال منتشرة ( الصحيح ) منها الإفراد ، ثم التمتع ، ثم القران ، هذا هو المنصوص رحمه الله تعالى في عامة كتبه ، والمشهور من مذهبه ( والقول الثاني ) أن أفضلها التمتع ، ثم الإفراد ، وهذا القول في الكتاب ، وهذا الثاني نصه في كتاب اختلاف الحديث ، حكاه عنه القاضي للشافعي والأصحاب ( والثالث ) : أفضلها الإفراد ، ثم القران ، ثم التمتع ، حكاه صاحب الفروع ، أبو الطيب والسرخسي وصاحب البيان ، وآخرون ، قالوا : نص عليه في أحكام القرآن ، وممن اختاره من أصحابنا المزني وابن المنذر وأبو إسحاق المروزي والقاضي حسين في تعليقه . قال أصحابنا : وشرط تقديم الإفراد أن يحج ، ثم يعتمر في سنة ، فإن أخر العمرة عن سنة فكل واحد من التمتع والقران أفضل منه بلا خلاف ; لأن تأخير العمرة عن سنة الحج مكروه .
[ ص: 143 ] هكذا قاله جماهير الأصحاب ، ممن صرح به الماوردي والقاضي في تعليقه . وصاحب الشامل والبيان أبو الطيب والرافعي وآخرون ، وقال القاضي حسين والمتولي : الإفراد أفضل من التمتع والقران ، سواء اعتمر في سنته أم في سنة أخرى ، وهذا شاذ ضعيف ، والله أعلم .
( فرع ) : في . قد ذكرنا أن مذهبنا جواز الثلاثة ، وبه قال العلماء كافة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، إلا ما ثبت في الصحيحين عن مذاهب العلماء في الإفراد والتمتع والقران عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنهما كانا ينهيان عن التمتع ، وقد ذكر الشيخ وعثمان بن عفان في تعليقه وآخرون من أصحابنا ومن غيرهم من العلماء في نهي أبو حامد عمر وعثمان تأويلين : ( أحدهما ) : أنهما نهيا عنه تنزيها ، وحملا للناس على ما هو الأفضل عندهما وهو الإفراد ، لا أنهما يعتقدان بطلان التمتع هذا مع علمهما بقول الله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } ( والثاني ) : أنهما كانا ينهيان عن التمتع الذي فعلته الصحابة في حجة الوداع ، وهو فسخ الحج إلى العمرة ; لأن ذلك كان خاصا لهم كما سنذكره واضحا إن شاء الله تعالى ، وهذا التأويل ضعيف وإن كان مشهورا وسياق الأحاديث ، الصحيحة يقتضي خلافه . ومن العلماء من أصحابنا وغيرهم من يقتضي كلامه أن مذهب بطلان التمتع وهو ضعيف ولا ينبغي أن يحمل كلامه عليه ، بل المختار في مذهبه ما قدمته والله أعلم . عمر
( فرع ) : في مذاهبهم في الثلاثة . الأفضل من هذه الأنواع
قد ذكرنا أن الصحيح من مذهبنا أن الإفراد أفضل ، وبه قال عمر بن الخطاب وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عمر وجابر وعائشة ومالك والأوزاعي وأبو ثور ، وقال وداود أبو حنيفة وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه والمزني وابن المنذر : القران أفضل . وقال وأبو إسحاق المروزي : التمتع أفضل . وحكى أحمد أن التمتع والقران أفضل من الإفراد . وحكى القاضي أبو يوسف عياض عن بعض العلماء أن الأنواع الثلاثة سواء في الفضيلة لا أفضلية لبعضها على بعض ، ودليل الجميع يفهم مما ذكره المصنف ومما سأذكره إن شاء الله تعالى بعد هذا ، والله أعلم . [ ص: 144 ] فرع ) قال في المختصر : قال المزني في اختلاف الحديث : ليس شيء من الاختلاف أيسر من هذا ، وإن كان الغلط فيه قبيحا من جهة أنه مباح ; لأن الكتاب ، ثم السنة ، ثم ما لا علم فيه خلاف يدل على أن التمتع بالعمرة إلى الحج وإفراد الحج والقران واسع كله ، قال الشافعي : وثبت أنه صلى الله عليه وسلم { الشافعي الصفا والمروة ، فأمر أصحابه أن من كان منهم أهل بالحج - ولم يكن معه هدي - أن يجعلها عمرة وقال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ، ولجعلتها عمرة } . خرج ينتظر القضاء ، فنزل عليه القضاء وهو فيما بين
قال : ( فإن ) قال قائل : فمن أين أثبت حديث الشافعي عائشة وجابر يعني روايتهم للإفراد دون حديث من قال قرن ؟ ( قيل : ) لتقدم صحبة وابن عمر للنبي صلى الله عليه وسلم وحسن سياقه لابتداء الحديث وآخره لرواية جابر ، وفضل حفظها عنه ، وقرب عائشة منه ، هذا نصه في مختصر ابن عمر قال المزني الماوردي : يعني قول ليس من الخلاف أيسر من هذا ; لأنه مباح ليس فيه تغيير حكم ; لأن الإفراد والتمتع كلها جائزة ، قال : وقول الشافعي وإن كان الغلط فيه قبيحا يحتمل أمرين : ( أحدهما ) : أنه أراد الإنكار على الرواة حيث لم يتفقوا على نقلها ، وهي حجة واحدة ( والثاني ) : أنه أراد الإنكار على من لا معرفة له بالأحاديث وترتيب مختلفها ، والجمع بينها ، وأنها غير متضادة ، بل يجمع بينها ، هذا كلام الشافعي الماوردي . وقال القاضي حسين : وإنما استيسر الخلاف فيه ; لأن الأنواع الثلاثة منصوص عليها في القرآن ، وكلها منقولة عنه صلى الله عليه وسلم صحيحة عنه ، وكلها جائزة بالإجماع ( أما ) الإفراد فبين في قوله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ( وأما ) التمتع ففي قوله تعالى { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } وأما القران ففي قوله تعالى { وأتموا الحج والعمرة لله } هذا كلام القاضي حسين ، وفي الاستدلال بهذه الأخيرة للقران نظر ، وقد استدل بها أصحاب لمذهبهم في ترجيح القران ، وأنكر ذلك أصحابنا وقالوا : لا دلالة في الآية [ ص: 145 ] للقران ; لأنه ليس في الآية أكثر من جمع الحج والعمرة في الذكر ، ولا يلزم من ذلك جمعهما في الفعل ، نظيره قوله تعالى : { أبي حنيفة وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } وقال في تعليقه في شرح كلام القاضي أبو الطيب هذا وقوله وإن كان الغلط فيه قبيحا يعني اختلافهم فيها قبيح ، قال : ثم عذرهم في ذلك فإنه قد كان ثبت عندهم أن الإفراد والتمتع والقران كلها جائزة لم يهتموا بما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث يعلمونه علما قطعيا ، ويتفقون عليه ، بل اقتصر كل واحد على ما غلب على ظنه كما رواه وسمعه منه ، مع أمور فوق ظنه في روايته ، والله أعلم . الشافعي
( فرع ) أذكر فيه إن شاء الله - تعالى - جملة من الأحاديث الصحيحة في الإفراد والتمتع والقران ، ( فأما ) ففيه حديث جوازها كلها رضي الله عنها قالت : { عائشة } رواه خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع ، فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحج وعمرة ، ومنا من أهل بحج ، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج البخاري ، وفي رواية ومسلم : { لمسلم } ، ( وأما ) منا من أهل بالحج مفردا ، ومنا من قرن ، ومنا من تمتع فثبت في الصحيح من رواية ترجيح الإفراد جابر وابن عمر وابن عباس . وعائشة
( فأما ) حديث فقد سبق الآن في قولها : " وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج " رواه عائشة البخاري وفي رواية ومسلم ، : { لمسلم } وفي رواية له أيضا عنها : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج } وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج مفردا البخاري قالت : { ومسلم سرف طمثت - وذكرت تمام الحديث إلى قولها - ثم رجعوا مهلين بالحج - يعني إلى منى - } . خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يذكر لنا الحج ، فلما جئنا
( وأما ) حديث فعن ابن عمر بكر بن عبد الله المزني عن قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم { أنس بكر : فحدثت بذلك فقال : لبى بالحج وحده ، فلقيت ابن عمر [ ص: 146 ] فحدثته بقول أنسا فقال ابن عمر : ما تعدوننا إلا صبيانا ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لبيك عمرة وحجا أنس } رواه يلبي بالحج والعمرة جميعا ، قال البخاري وعن ومسلم { زيد بن أسلم فقال : بم أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : بالحج ، ثم أتاه من العام المقبل فسأله فقال : ألم تأتني عام أول ؟ قال : بلى ، ولكن ابن عمر يزعم أنه قرن ، قال أنسا : إن ابن عمر كان يدخل على النساء وهن منكشفات الرءوس ، وإني كنت تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت أسمعه يلبي بالحج أنسا } رواه أن رجلا أتى بإسناد صحيح ، وفي رواية البيهقي أيضا عن لمسلم قال : { ابن عمر } . أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج منفردا
( وأما ) حديث فعن جابر عن عطاء قال : { جابر بن عبد الله } رواه أهل النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه بالحج البخاري وفي رواية ومسلم ، أيضا عن لمسلم قال : { جابر محمد صلى الله عليه وسلم بالحج خالصا وحده ، فقدمنا صبح رابعة من ذي الحجة فأمرنا أن نحل } وفي صحيح أهللنا أصحاب أيضا عن مسلم في حديث طويل قال : { جابر } - وذكر الحديث إلى أن قال : حتى { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لمناسك الحج المروة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليتحلل وليجعلها عمرة } ( قوله ) : آخر طواف على إذا كان آخر طواف على المروة ، يعني : السعي .
( وأما ) حديث ففيه قال { ابن عباس } رواه : أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج فقدم لأربع مضين من ذي الحجة وصلى الصبح وقال لما صلى الصبح : من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها عمرة وفي رواية مسلم ، أيضا عن لمسلم { ابن عباس بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن ، وسلت الدم وقلدها نعلين ، ثم ركب راحلته ، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج } وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بإسناده عن البيهقي رضي الله تعالى عنه أنه قال لابنه : [ ص: 147 ] يا بني أفرد الحج فإنه أفضل " وبإسناده عن علي أنه أمر بإفراد الحج . ابن مسعود
( وأما ) فعن ترجيح التمتع قال : { ابن عمر ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج ، فكان من الناس من أهدى ، فساق الهدي ، ومنهم من لم يهد ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس : من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة ، وليقصر وليحلل ، ثم ليهل بالحج وليهد فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة فاستلم الركن أول شيء ثم خب ثلاثة أطواف من السبع ، ومشى أربعة أطواف ، ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ، ثم سلم فانصرف ، فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر ، وأفاض فطاف بالبيت ، ثم حل من كل شيء حرم منه ، وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهدى وساق الهدي من الناس } رواه تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى ، فساق معه الهدي من البخاري . ومسلم
وعن الزهري عن عروة عن قالت { عائشة } ، قال : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج ، وتمتع الناس معه الزهري : مثل الذي أخبرني سالم عن عن النبي صلى الله عليه وسلم " رواه ابن عمر البخاري ، قال ومسلم : قد روينا عن البيهقي ابن عمر فيما سبق في إفراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يخالف هذا ، قال : وكونه قال في هذه الرواية : لم يتحلل من إحرامه حتى فرغ من حجه دليل ظاهر على أنه لم يكن متمتعا . وعن وعائشة غنيم بن قيس - بضم الغين المعجمة - قال : " سألت عن المتعة فقال : فعلناها ، وهذا يومئذ كافر بالعرش - يعني : بيوت سعد بن أبي وقاص مكة - " رواه ( وقوله ) العرش هو - بضم العين [ ص: 148 ] والراء - وهي بيوت مسلم مكة ( وقوله ) وهذا كافر يعني : ، وفي رواية غير معاوية : " فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يومئذ كافر بالعرش - يعني مسلم - " وعن معاوية محمد بن عبد الله بن الحارث أنه { سعد بن أبي وقاص عام حج والضحاك بن قيس وهما يذكران التمتع والعمرة إلى الحج ، فقال معاوية بن أبي سفيان ، الضحاك : لا يصنع مثل هذا إلا من جهل أمر الله - تعالى - ، فقال : بئس ما قلت يا ابن أخي ، قال سعد الضحاك : فإن نهى عن ذلك ، فقال عمر بن الخطاب : قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه سعد } رواه سمع الترمذي وقال : حديث صحيح ، وفي بعض النسخ حسن صحيح ورواه وآخرون أيضا ، وعن النسائي قال { أبي موسى الأشعري باليمن فجئت وهو منيخ بالبطحاء فقال : بم أهللت ؟ فقلت : أهللت كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال : هل معك من هدي ؟ قلت : لا ، فأمرني فطفت بالبيت والصفا والمروة ، ثم أمرني فأحللت فأتيت امرأة من قومي فمشطتني - أو غسلت رأسي - } رواه بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومي البخاري . ومسلم
وعن " أنه سمع { سالم بن عبد الله الشام سأل عن التمتع بالعمرة إلى الحج فقال ابن عمر : هي حلال ، قال الشامي : إن أباك قد نهى عنها ، قال ابن عمر : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر } " رواه رجلا من أهل الترمذي بإسناد صحيح ، وقال : حديث حسن ، وهو من رواية وهو ضعيف ، ولهذا لم يقع في بعض نسخ ليث بن أبي سليم الترمذي قوله : حديث حسن . وعن قال : { عمران بن الحصين } رواه تمتع النبي صلى الله عليه وسلم وتمتعنا معه بهذا اللفظ ورواه مسلم بمعناه قال : { البخاري } وعن متعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن ، قال رجل برأيه ما شاء - بالجيم - قال { أبي جمرة فأمرني بها . فرأيت في المنام كأن رجلا [ ص: 149 ] يقول لي : حج مبرور وعمرة متقبلة ، فأخبرت ابن عباس فقال : سنة النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس } رواه تمتعت فنهاني ناس عن ذلك ، فسألت البخاري . ومسلم
( وأما ) فجاءت فيه أحاديث ( منها ) حديث القران قال : { سعيد بن المسيب علي وعثمان وهما بعسفان فكان عثمان نهى عن المتعة أو العمرة ، فقال : ما تريد إلا أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي عثمان : دعنا منك ، فقال : إني لا أستطيع أن أدعك ، فلما رأى ذلك أهل بهما جميعا علي } رواه اختلف البخاري ( ومنها ) حديث ومسلم فعن أنس بكر بن عبد الله المزني عن قال : { أنس بكر : فحدثت بذلك فقال : لبى بالحج وحده ، فلقيت ابن عمر فحدثه بقول أنسا فقال ابن عمر ، : ما تعدوننا إلا صبيانا ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لبيك عمرة وحجا أنس } وروى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعا . قال بإسناده عن البيهقي سليمان بن الحارث وهو شيخ قال : " سمع هذه الرواية البخاري أبو قلابة من أنس وأبو قلابة فقيه " قال : وقد روى حميد ويحيى بن أبي إسحاق عن قال : { أنس } قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بعمرة وحج سليمان : ولم يحفظا ، إنما الصحيح ما قال أبو قلابة { } فأما سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج ، وقد جمع بعض أصحابه بين الحج والعمرة فعن أولئك الذين جمعوا بين الحج والعمرة ، قال أنس : فالاشتباه وقع البيهقي لا لمن دونه قال : ويحتمل أن يكون سمع النبي صلى الله عليه وسلم يعلم رجلا كيف صورة القران ، لا أنه قرن عن نفسه وعن لأنس قال : { أنس } رواه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بهما لبيك عمرة وحجا وعن مسلم ، قال : { عمران بن الحصين } رواه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حجة وعمرة ، ثم لم ينه حتى مات ، ولم ينزل فيه قرآن يحرمه . وعن مسلم رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عمر بوادي العقيق { } رواه أتاني الليلة آت من ربي ، فقال : صل في هذا الوادي المبارك ، وقال : عمرة في حجة هكذا في بعض الروايات ، وقال عمرة في حجة ، وفي بعضها وقل : عمرة في حجة ، قال [ ص: 150 ] البخاري : ويكون ذلك إذنا في إدخال العمرة على الحج ; لأنه أمره في نفسه وعن البيهقي الصبي بن معبد قال : { العذيب لقيني سلمان بن ربيعة ، وأنا أهل بهما جميعا فقال أحدهما للآخر : ما هذا بأفقه من بعيره قال : فكأنما ألقى علي جبل حتى أتيت وزيد بن صوحان فقلت له : يا أمير المؤمنين إني كنت رجلا أعرابيا نصرانيا ، وإني أسلمت وأنا حريص على الجهاد ، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي ، فأتيت رجلا من قومي ، فقال لي : اجمعهما واذبح ما استيسر من الهدي ، وإني أهللت بهما جميعا ، فقال عمر بن الخطاب : هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم عمر } ، رواه كنت رجلا نصرانيا ، فأسلمت فأهللت بالحج والعمرة ، فلما أتيت أبو داود بإسناد صحيح ، قال والنسائي في كتاب العلل : هو حديث صحيح . قال الدارقطني : ومقتضى هذا جواز القران لا تفضيله وقد أمر البيهقي بالإفراد . عمر
( قلت ) : وهذا أود ما قلته منه في تأويل نهي رضي الله تعالى عنه عن التمتع ، وأنه إنما نهى عنه لتفضيله أمر الإفراد لا لبطلان التمتع ، وعن عمر قال : " { أبي قتادة } رواه إنما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة ; لأنه علم أنه ليس بجامع بعدها وعن الدارقطني حفصة قالت : { } رواه قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحل من عمرتك ؟ قال : إني قلدت هديي ولبدت رأسي ، فلا أحل حتى أحل من الحج قال البخاري : قال البيهقي : قولها من عمرتك أي من إحرامك ، قال : إني قلدت هديي ولبدت رأسي ، فلا أحل حتى أنحر ، أي حتى يحل الحاج ; لأن القضاء نزل عليه أنه من كان معه هدي جعل إحرامه حجا . الشافعي
( واعلم ) أن ذكر بابا في جواز الإفراد والتمتع والقران ، ثم بابا في تفضيل الإفراد ، ثم باب من زعم أن القران أفضل ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعا ، وذكر في كل نحو ما ذكرته ؟ ثم قال : البيهقي باب كراهة من كره التمتع والقران ، وبيان أن جميع ذلك جائز ، وإن كنا [ ص: 151 ] اخترنا الإفراد فذكر في هذا الباب بإسناده عن { سعيد بن المسيب رضي الله عنه فشهد عنده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قضي فيه ينهى عن العمرة قبل الحج عمر بن الخطاب } رواه أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتى أبو داود في سننه ، وقد اختلفوا في سماع من سعيد بن المسيب لكنه لم يرو هنا عن عمر ، بل عن صحابي غير مسمى ، والصحابة كلهم عدول . وعن عمر ، { معاوية } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقرن بين الحج والعمرة بإسناد حسن ، وروى البيهقي حديث البيهقي قال { عمران بن الحصين } رواه تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فيه القرآن فليقل رجل برأيه ما شاء البخاري ، وحديث ومسلم أبي موسى السابق في القران { أبا موسى قال : قلت : أفتي الناس بالذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من التمتع في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمن أبي بكر وصدر خلافة عمر } رواه وأن البخاري وفيه أن ومسلم ، كان ينهى عنها ، وفي رواية { عمر أبا موسى سأل عن نهيه ، فقال عمر : قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه ، ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك ، ثم يروحون في الحج تقطر رءوسهم عمر } رواه أن إلا قوله { مسلم } ( والإعراس ) كناية عن وطء النساء . : وأصحابه ، ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن تحت الأراك ثم يروحون
وروى عن البيهقي الزهري عن عروة عن { عائشة } بمثل الذي أخبرني أنها أخبرته في تمتع النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج ، وتمتع الناس معه عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سالم بن عبد الله بن عمر الزهري : { لسالم فلم ينهى عن التمتع ، وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله الناس معه ؟ قال سالم : أخبرني أن الأتم للعمرة أن تفردوها من أشهر الحج : للحج أشهر معلومات شوال وذو القعدة وذو الحجة ، فأخلصوا فيهن الحج واعتمروا فيما سواهن من الشهور ، قال : وإن أعمر بذلك لزمه إتمام العمرة لقول الله - تعالى - : { ابن عمر وأتموا الحج والعمرة } وذلك أن العمرة إنما يتمتع بها إلى [ ص: 152 ] الحج ، والتمتع لا يتم إلا بالهدي أو الصيام إذا لم يجد هديا ، والعمرة في غير أشهر الحج تتم بلا هدي ولا صيام ، فأراد بترك التمتع تمام العمرة كما أمر الله - تعالى - بإتمامها وأراد أيضا أن تكرر زيارة عمر الكعبة في كل سنة مرتين . فكره التمتع لئلا يقتصروا على زيارة مرة فتردد الأئمة في التمتع حتى ظن الناس أن الأئمة يرون ذلك حراما ، قال : ولعمري لم ير الأئمة ذلك حراما ، ولكنهم اتبعوا ما أمر به رضي الله عنه إحسانا للخير عمر } وبإسناده الصحيح عن فقلت سالم قال : { عن متعة الحج فأمر بها ، فقيل : إنك تخالف أباك ، فقال : إن أبي لم يقل الذي يقولون ، إنما قال : أفردوا الحج من العمرة ، أي إن العمرة لا تتم في أشهر الحج فجعلتموها أنتم حراما وعاقبتم الناس عليها ، وقد أحلها الله - عز وجل - ، وعمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فإذا أكثروا عليه قال : فكتاب الله أحق أن يتبع أم ابن عمر ؟ عمر } . سئل
وعن سالم قال { يفتي بالذي أنزل الله - تعالى - من الرخصة في التمتع ، وبين فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول ناس ابن عمر : كيف أباك وقد نهى عن ذلك ؟ فيقول لهم لابن عمر : ألا تتقون الله ؟ أرأيتم إن كان ابن عمر نهى ذلك يبغي فيه الخير ويلتمس فيه تمام العمرة ، فلم كرهتموها وقد أحلها الله - تعالى - ؟ وعمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبعوا ؟ أم عمر ؟ إن عمر لم يقل ذلك ، إن العمرة في أشهر الحج حرام ، ولكنه قال : إن إتمام العمرة أن تفردها من أشهر الحج عمر } ثم روى ، : كان بإسناده الصحيح عن البيهقي قال { عبيد بن عمير علي بن أبي طالب رضي الله عنهما : أنهيت عن المتعة ؟ قال : لا ولكني أردت كثرة زيارة لعمر بن الخطاب البيت ، فقال : من أفرد الحج فحسن ، ومن تمتع فقد أخذ بكتاب الله - تعالى - وسنة نبيه علي } . عن : قال أبي نصرة قال { إن لجابر بن عبد الله ينهى عن المتعة ، وإن ابن الزبير يأمر بها ، فقال ابن عباس : على يدي دار الحديث ، تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قام جابر قال : إن الله كان يحل [ ص: 153 ] لرسوله صلى الله عليه وسلم ما شاء بما شاء ، وإن القرآن قد نزل منازله فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله وابتغوا نكاح هذه النساء فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة عمر } رواه : قلت وفي رواية : { مسلم ، } قال فإنه أتم بحجكم ، وأتم بعمرتكم : وفي هذه الزيادة دلالة على أن عمر نهى عن المتعة على الوجه الذي سبق بيانه في الحديث قبله . البيهقي
وعن عبد الله بن شقيق { ينهى عن المتعة وكان عثمان يأمر بها ، فقال علي عثمان كلمة ثم قال لعلي : لقد علمت أنا قد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أجل ، ولكننا كنا خائفين علي } رواه كان وأراد بكنا خائفين عمرة القضاء وكانت سنة سبع من الهجرة قبل الفتح ، وعن مسلم قال { أبي ذر محمد صلى الله عليه وسلم خاصة } رواه : كانت المتعة في الحج لأصحاب . قال مسلم : إنما أراد فسخهم الحج إلى العمرة هو أن بعض الصحابة أهل بالحج ، ولم يكن معه هدي فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعلوه عمرة لينقض بذلك عادتهم في تحريم العمرة في أشهر الحج وهذا لا يجوز اليوم وقد جاء في رواية البيهقي وغيره ما دل على ذلك . وعن ابن عباس عن محمد بن إسحاق عبد الرحمن بن الأسود عن سليمان بن الأسود { رضي الله عنه كان يقول فيمن حج ثم فسخها بعمرة ولم يكن ذلك إلا الركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر } رواه أن أبو داود ، ولكنه ضعيف لأن صاحب المغازي هذا مدلس وقد قال : ( عن ) وقد اتفق العلماء على أن المدلس إذا قال : ( عن ) لا يحتج بروايته . وعن محمد بن إسحاق قال : " الحج أشهر معلومات ليس فيها عمرة " قال ابن مسعود . وكراهة من كره ذلك أظنها على الوجه الذي ذكرناه عن البيهقي عن ابن عمر . وقد روي عن عمر الأسود عن قال : " أحب أن يكون لكل واحد منهما قال ابن مسعود فثبت بالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جواز التمتع والقران والإفراد وثبت بمضي النبي [ ص: 154 ] صلى الله عليه وسلم في حج مفرد ثم باختلاف الصدر الأول في كراهة التمتع والقران دون الإفراد كون إفراد الحج عن العمرة أفضل وأنه أسلم . البيهقي
( فرع ) في طريق الجمع بين هذه الأحاديث الصحيحة على الوجه الذي تقتضيه طرقها . قد سبق في هذه الأحاديث الصحيحة أن من الصحابة من روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حجة الوداع مفردا ، ( ومنهم ) من روى أنه كان قارنا ، ( ومنهم ) من روى أنه كان متمتعا ، وكله في الصحيح وهي قصة واحدة ، فيجب تأويل جميعها ببعضها ، والجمع بينها ، وصنف كتابا فيها حاصله أنه اختار القران وتأول باقي الأحاديث وتأويل بعضها ليس بظاهر فيما قاله ، ( والصواب ) الذي نعتقده أنه صلى الله عليه وسلم أحرم أولا بالحج مفردا ، ثم أدخل عليه العمرة فصار قارنا ، ابن حزم الظاهري وإدخال العمرة على الحج جائز على أحد القولين عندنا ، وعلى الأصح . لا يجوز لنا ، { } كما سبق . فإذا عرفت ما قلناه سهل الجمع بين الأحاديث ، فمن روى أنه صلى الله عليه وسلم كان مفردا وهم الأكثرون كما سبق أراد أنه اعتمر أول الإحرام ، ( ومن ) روى أنه كان قارنا أراد أنه اعتمر آخره ، وما بعد إحرام ( ومن ) روى أنه كان متمتعا أراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع والالتذاذ ، وقد انتفع بأن كفاه عن النسكين فعل واحد ، ولم يحتج إلى إفراد كل واحد بعمل ، ويؤيد هذا الذي ذكرته أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر تلك السنة عمرة مفردة ، لا قبل الحج ولا بعده ، وقد قدمنا أن القران أفضل من إفراد الحج من غير عمرة بلا خلاف ، ولو جعلت حجته صلى الله عليه وسلم مفردة لزم منه أن لا يكون اعتمر تلك السنة ، ولم يقل أحد : إن الحج وحده أفضل من القران ، وعلى هذا الجمع الذي ذكرته ينتظم الأحاديث كلها في حجته صلى الله عليه وسلم في نفسه وجاز للنبي صلى الله عليه وسلم تلك السنة للحاجة ، وأمر به في قوله لبيك عمرة في حجة
وروى عن البيهقي الزهري عن عروة عن { عائشة } بمثل الذي أخبرني أنها أخبرته في تمتع النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج ، وتمتع الناس معه عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سالم بن عبد الله بن عمر الزهري : { لسالم فلم ينهى عن التمتع ، وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله الناس معه ؟ قال سالم : أخبرني أن الأتم للعمرة أن تفردوها من أشهر الحج : للحج أشهر معلومات شوال وذو القعدة وذو الحجة ، فأخلصوا فيهن الحج واعتمروا فيما سواهن من الشهور ، قال : وإن أعمر بذلك لزمه إتمام العمرة لقول الله - تعالى - : { ابن عمر وأتموا الحج والعمرة } وذلك أن العمرة إنما يتمتع بها إلى [ ص: 152 ] الحج ، والتمتع لا يتم إلا بالهدي أو الصيام إذا لم يجد هديا ، والعمرة في غير أشهر الحج تتم بلا هدي ولا صيام ، فأراد بترك التمتع تمام العمرة كما أمر الله - تعالى - بإتمامها وأراد أيضا أن تكرر زيارة عمر الكعبة في كل سنة مرتين . فكره التمتع لئلا يقتصروا على زيارة مرة فتردد الأئمة في التمتع حتى ظن الناس أن الأئمة يرون ذلك حراما ، قال : ولعمري لم ير الأئمة ذلك حراما ، ولكنهم اتبعوا ما أمر به رضي الله عنه إحسانا للخير عمر } وبإسناده الصحيح عن فقلت سالم قال : { عن متعة الحج فأمر بها ، فقيل : إنك تخالف أباك ، فقال : إن أبي لم يقل الذي يقولون ، إنما قال : أفردوا الحج من العمرة ، أي إن العمرة لا تتم في أشهر الحج فجعلتموها أنتم حراما وعاقبتم الناس عليها ، وقد أحلها الله - عز وجل - ، وعمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فإذا أكثروا عليه قال : فكتاب الله أحق أن يتبع أم ابن عمر ؟ عمر } . سئل
وعن سالم قال { يفتي بالذي أنزل الله - تعالى - من الرخصة في التمتع ، وبين فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول ناس ابن عمر : كيف أباك وقد نهى عن ذلك ؟ فيقول لهم لابن عمر : ألا تتقون الله ؟ أرأيتم إن كان ابن عمر نهى ذلك يبغي فيه الخير ويلتمس فيه تمام العمرة ، فلم كرهتموها وقد أحلها الله - تعالى - ؟ وعمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبعوا ؟ أم عمر ؟ إن عمر لم يقل ذلك ، إن العمرة في أشهر الحج حرام ، ولكنه قال : إن إتمام العمرة أن تفردها من أشهر الحج عمر } ثم روى ، : كان بإسناده الصحيح عن البيهقي قال { عبيد بن عمير علي بن أبي طالب رضي الله عنهما : أنهيت عن المتعة ؟ قال : لا ولكني أردت كثرة زيارة لعمر بن الخطاب البيت ، فقال : من أفرد الحج فحسن ، ومن تمتع فقد أخذ بكتاب الله - تعالى - وسنة نبيه علي } . عن : قال أبي نصرة قال { إن لجابر بن عبد الله ينهى عن المتعة ، وإن ابن الزبير يأمر بها ، فقال ابن عباس : على يدي دار الحديث ، تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قام جابر قال : إن الله كان يحل [ ص: 153 ] لرسوله صلى الله عليه وسلم ما شاء بما شاء ، وإن القرآن قد نزل منازله فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله وابتغوا نكاح هذه النساء فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة عمر } رواه : قلت وفي رواية : { مسلم ، } قال فإنه أتم بحجكم ، وأتم بعمرتكم : وفي هذه الزيادة دلالة على أن عمر نهى عن المتعة على الوجه الذي سبق بيانه في الحديث قبله . البيهقي
وعن عبد الله بن شقيق { ينهى عن المتعة وكان عثمان يأمر بها ، فقال علي عثمان كلمة ثم قال لعلي : لقد علمت أنا قد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أجل ، ولكننا كنا خائفين علي } رواه كان وأراد بكنا خائفين عمرة القضاء وكانت سنة سبع من الهجرة قبل الفتح ، وعن مسلم قال { أبي ذر محمد صلى الله عليه وسلم خاصة } رواه : كانت المتعة في الحج لأصحاب . قال مسلم : إنما أراد فسخهم الحج إلى العمرة هو أن بعض الصحابة أهل بالحج ، ولم يكن معه هدي فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعلوه عمرة لينقض بذلك عادتهم في تحريم العمرة في أشهر الحج وهذا لا يجوز اليوم وقد جاء في رواية البيهقي وغيره ما دل على ذلك . وعن ابن عباس عن محمد بن إسحاق عبد الرحمن بن الأسود عن سليمان بن الأسود { رضي الله عنه كان يقول فيمن حج ثم فسخها بعمرة ولم يكن ذلك إلا الركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر } رواه أن أبو داود ، ولكنه ضعيف لأن صاحب المغازي هذا مدلس وقد قال : ( عن ) وقد اتفق العلماء على أن المدلس إذا قال : ( عن ) لا يحتج بروايته . وعن محمد بن إسحاق قال : " الحج أشهر معلومات ليس فيها عمرة " قال ابن مسعود . وكراهة من كره ذلك أظنها على الوجه الذي ذكرناه عن البيهقي عن ابن عمر . وقد روي عن عمر الأسود عن قال : " أحب أن يكون لكل واحد منهما قال ابن مسعود فثبت بالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جواز التمتع والقران والإفراد وثبت بمضي النبي [ ص: 154 ] صلى الله عليه وسلم في حج مفرد ثم باختلاف الصدر الأول في كراهة التمتع والقران دون الإفراد كون إفراد الحج عن العمرة أفضل وأنه أسلم . البيهقي
( فرع ) في طريق الجمع بين هذه الأحاديث الصحيحة على الوجه الذي تقتضيه طرقها . قد سبق في هذه الأحاديث الصحيحة أن من الصحابة من روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حجة الوداع مفردا ، ( ومنهم ) من روى أنه كان قارنا ، ( ومنهم ) من روى أنه كان متمتعا ، وكله في الصحيح وهي قصة واحدة ، فيجب تأويل جميعها ببعضها ، والجمع بينها ، وصنف كتابا فيها حاصله أنه اختار القران وتأول باقي الأحاديث وتأويل بعضها ليس بظاهر فيما قاله ، ( والصواب ) الذي نعتقده أنه صلى الله عليه وسلم أحرم أولا بالحج مفردا ، ثم أدخل عليه العمرة فصار قارنا ، ابن حزم الظاهري وإدخال العمرة على الحج جائز على أحد القولين عندنا ، وعلى الأصح . لا يجوز لنا ، { } كما سبق . فإذا عرفت ما قلناه سهل الجمع بين الأحاديث ، فمن روى أنه صلى الله عليه وسلم كان مفردا وهم الأكثرون كما سبق أراد أنه اعتمر أول الإحرام ، ( ومن ) روى أنه كان قارنا أراد أنه اعتمر آخره ، وما بعد إحرام ( ومن ) روى أنه كان متمتعا أراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع والالتذاذ ، وقد انتفع بأن كفاه عن النسكين فعل واحد ، ولم يحتج إلى إفراد كل واحد بعمل ، ويؤيد هذا الذي ذكرته أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر تلك السنة عمرة مفردة ، لا قبل الحج ولا بعده ، وقد قدمنا أن القران أفضل من إفراد الحج من غير عمرة بلا خلاف ، ولو جعلت حجته صلى الله عليه وسلم مفردة لزم منه أن لا يكون اعتمر تلك السنة ، ولم يقل أحد : إن الحج وحده أفضل من القران ، وعلى هذا الجمع الذي ذكرته ينتظم الأحاديث كلها في حجته صلى الله عليه وسلم في نفسه وجاز للنبي صلى الله عليه وسلم تلك السنة للحاجة ، وأمر به في قوله لبيك عمرة في حجة
( وأما ) الصحابة فكانوا ثلاثة أقسام : ( قسم ) أحرموا بحج وعمرة ، أو بحج ومعهم هدي فبقوا عليه حتى تحللوا منه يوم النحر ( وقسم ) بعمرة [ ص: 155 ] فبقوا في عمرتهم حتى تحللوا قبل يوم عرفة ثم أحرموا بالحج من مكة ( وقسم ) بحج وليس معه هدي فيها ولا أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يقلبوا حجهم عمرة وهو معنى فسخ الحج إلى العمرة ، وعلى هذا تنتظم الروايات في ( فمن ) روى أنهم كانوا قارنين أو متمتعين أو مفردين أراد بعضهم وهم الطائفة الذين علم منهم وظن أن الباقين مثلهم ، فهذا الذي ذكرته من الجمع والتأويل هو المعتمد وحاصله ترجيح الإفراد لأن النبي صلى الله عليه وسلم اختاره أولا ، وإنما أدخل عليه العمرة لتلك المصلحة السابقة وهي بيان جواز الاعتمار في أشهر الحج وكانت العرب تعتقد أن ذلك من أفجر الفجور ، وأراد بيانه في تلك السنة التي جمعت من الخلق ما لم يجتمع قبلها مثلها ، ليظهر فيهم ذلك ويشتهر جوازه وصحته عند جمعهم ، وإن كان صلى الله عليه وسلم قد اعتمر قبل ذلك مرات في أشهر الحج ، إلا أنها لم تشتهر اشتهار هذه في حجة الوداع ولا قريبا منها ، وكل هذا لا يخرج الإفراد عن كونه الأفضل . وتأول جماعة من أصحابنا الأحاديث التي جاءت أنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعا أو قارنا أنه أمر بذلك ، كما قالوا : رجم إحرام الصحابة ماعزا أي أمر برجمه ، وهذا ضعيف يرده صريح الروايات الصحيحة السابقة ، بل الصواب ما قدمته قريبا ، والله أعلم . .
( فرع ) قال الإمام : طعن جماعة من الجهال وكفرة من الملحدين في الأحاديث والرواة ، حيث اختلفوا في أبو سليمان الخطابي ؟ وهي حجة واحدة مختلفة الأفعال ، ولو يسروا للتوفيق واغتنوا بحسن المعرفة لم ينكروا ذلك ، ولم يدفعوه ، قال : وقد أنعم حجة النبي صلى الله عليه وسلم هل كان مفردا أو متمتعا أو قارنا - رحمه الله تعالى - ببيان هذا في كتاب اختلاف الحديث . وجود الكلام فيه ، وفي اقتصاص كل ما قاله تطويل ، ولكن الوجيز المختصر من جوامع ما قال أن معلوما في لغة الشافعي العرب جواز إضافة الفعل إلى الآمر به ، لجواز إضافته إلى الفاعل ، كقولك : بنى فلان دارا إذا أمر ببنائها ، وضرب الأمير فلانا إذا أمر بضربه ، ورجم [ ص: 156 ] النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا وقطع سارق رداء صفوان ، وإنما أمر بذلك . ومثله كثير في الكلام ، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم القارن والمفرد والمتمتع ، وكل منهم يأخذ عنه أمر نسكه ويصدر عن تعليمه ، فجاز أن تضاف كلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على معنى أنه أمر بها وأذن فيها . قال : ويحتمل أن بعضهم سمعه يقول : لبيك بحجة ، فحكى أنه أفرد وخفي عليه قوله : وعمرة ، فلم يحك إلا ما سمع ، وسمع أنس وغيره الزيادة ، وهي لبيك بحجة وعمرة ، ولا ينكر قبول الزيادة ، وإنما يحصل التناقص لو كان الزائد نافيا لقول صاحبه ، فأما إذا كان مثبتا له وزائدا عليه فليس فيه تناقض . قال : ويحتمل أن يكون الراوي سمعه يقول ذلك لغيره على وجه التعليم ، فيقول له : لبيك بحجة وعمرة على سبيل التلقين . فهذه الروايات المختلفة في الظاهر ليس فيها تكاذب والجمع بينها سهل كما ذكرنا ، وقد روى { جابر ذي الحليفة إحراما موقوفا ، وخرج ينتظر القضاء فنزل عليه الوحي وهو على الصفا ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي أن يجعله عمرة ، وأمر من كان معه هدي أن يحج } هذا كلام أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم من . الخطابي
وقال : ( قد أكثر الناس الكلام على هذه الأحاديث من علماء وغيرهم ، فمن مجيد منصف ومن مقصر متكلف ، ومن دخيل مكره ، ومن مقتصر مختصر ، وأوسعهم نفسا في ذلك القاضي عياض أبو جعفر الطبري الحنفي ) وإن كان تكلف في ذلك في زيادة على ألف ورقة ، وتكلم معه في ذلك أيضا أبو جعفر الطبري . ثم أبو عبد الله بن أبي صفرة بن المهلب ، والقاضي أبو عبد الله بن المرابط ، والقاضي والحافظ أبو الحسين بن القصار البغدادي وغيرهم . قال أبو عمر بن عبد البر : وأولى ما يقال في هذا ما لخصناه من كلامهم واخترناه من اختياراتهم مما هو أجمع للروايات وأشبه بمساق الأحاديث [ ص: 157 ] أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح للناس من فعل هذه الأنواع الثلاثة ليدل على جواز جميعها إذ لو أمر بواحد لكان غيره يظن أنه لا يجزئ ، فأضيف الجميع إليه ، وأخبر كل واحد بما أمره به وأباحه له ، ونسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم إما لأمره به ، وإما لتأويله عليه . القاضي عياض
( وأما ) إحرامه صلى الله عليه وسلم بنفسه فأخذ بالأفضل فأحرم مفردا بالحج ، وبه تظاهرت الروايات الصحيحة ، وأما الروايات بأنه كان متمتعا فمعناها أمر به ، وأما الروايات بأنه كان قارنا فإخبار عن حالته الثانية لا عن ابتداء إحرامه بل إخبار عن حاله حين أمر أصحابه بالتحلل من حجهم ، وقلبه إلى عمرة لمخالفة الجاهلية إلا من كان معه هدي ، فكان هو صلى الله عليه وسلم ومن معه في الهدي في آخر إحرامهم قارنين ، بمعنى أنهم أردفوا الحج بالعمرة ، وفعل ذلك مواساة لأصحابه ، وتأنيسا لهم في فعلها في أشهر الحج ، لكونها كانت منكرة عندهم في أشهر الحج ، ولم يمكنه التحلل معهم لسبب الهدي واعتذر إليهم بذلك في ترك مواساتهم فصار صلى الله عليه وسلم قارنا في آخر أمره .
وقال : ( قد أكثر الناس الكلام على هذه الأحاديث من علماء وغيرهم ، فمن مجيد منصف ومن مقصر متكلف ، ومن دخيل مكره ، ومن مقتصر مختصر ، وأوسعهم نفسا في ذلك القاضي عياض أبو جعفر الطبري الحنفي ) وإن كان تكلف في ذلك في زيادة على ألف ورقة ، وتكلم معه في ذلك أيضا أبو جعفر الطبري . ثم أبو عبد الله بن أبي صفرة بن المهلب ، والقاضي أبو عبد الله بن المرابط ، والقاضي والحافظ أبو الحسين بن القصار البغدادي وغيرهم . قال أبو عمر بن عبد البر : وأولى ما يقال في هذا ما لخصناه من كلامهم واخترناه من اختياراتهم مما هو أجمع للروايات وأشبه بمساق الأحاديث [ ص: 157 ] أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح للناس من فعل هذه الأنواع الثلاثة ليدل على جواز جميعها إذ لو أمر بواحد لكان غيره يظن أنه لا يجزئ ، فأضيف الجميع إليه ، وأخبر كل واحد بما أمره به وأباحه له ، ونسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم إما لأمره به ، وإما لتأويله عليه . القاضي عياض
( وأما ) إحرامه صلى الله عليه وسلم بنفسه فأخذ بالأفضل فأحرم مفردا بالحج ، وبه تظاهرت الروايات الصحيحة ، وأما الروايات بأنه كان متمتعا فمعناها أمر به ، وأما الروايات بأنه كان قارنا فإخبار عن حالته الثانية لا عن ابتداء إحرامه بل إخبار عن حاله حين أمر أصحابه بالتحلل من حجهم ، وقلبه إلى عمرة لمخالفة الجاهلية إلا من كان معه هدي ، فكان هو صلى الله عليه وسلم ومن معه في الهدي في آخر إحرامهم قارنين ، بمعنى أنهم أردفوا الحج بالعمرة ، وفعل ذلك مواساة لأصحابه ، وتأنيسا لهم في فعلها في أشهر الحج ، لكونها كانت منكرة عندهم في أشهر الحج ، ولم يمكنه التحلل معهم لسبب الهدي واعتذر إليهم بذلك في ترك مواساتهم فصار صلى الله عليه وسلم قارنا في آخر أمره .
وقد اتفق جمهور العلماء على جواز إدخال الحج على العمرة ، وشذ بعض الناس فمنعه وقال : لا يدخل إحرام على إحرام كما لا يدخل صلاة على صلاة ، واختلفوا في إدخال العمرة على الحج ، فجوزه أصحاب الرأي ، وهو قول لهذه الأحاديث ومنعه آخرون وجعلوا هذا خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم لضرورة الاعتمار حينئذ في أشهر الحج ، قال : وكذلك يتأول قول من كان متمتعا أي تمتع بفعله العمرة في أشهر الحج ، وفعلها مع الحج ; لأن لفظ المتعة يطلق على معان فانتظمت الأحاديث واتفقت . قال : ولا يبعد رد ما ورد عن الصحابة من فعل مثل ذلك إلى مثل هذا مع الروايات الصحيحة أنهم أحرموا بالحج مفردا . فيكون الإفراد إخبارا عن فعلهم أولا ، والقران إخبارا عن إحرام الذين معهم هدي بالعمرة ثانيا ، والتمتع لفسخهم الحج إلى العمرة ، ثم إهلالهم بالحج بعد التحلل منها كما فعله كل من لم يكن معه هدي . [ ص: 158 ] قال الشافعي القاضي : وقد قال بعض علمائنا : إنه أحرم إحراما مطلقا منتظرا ما يؤمر به من إفراد أو تمتع أو قران ثم أمر بالحج ، ثم أمر بالعمرة في وادي العقيق بقوله : " أهل في هذا الوادي ، وقل عمرة في حجة " قال القاضي : والذي سبق أبين وأحسن في التأويل . هذا كلام القاضي عياض ثم قال القاضي في وضع آخر بعده : لا يصح قول من قال : أحرم النبي صلى الله عليه وسلم إحراما مطلقا منهما ; لأن رواية وغيره من الصحابة في الأحاديث الصحيحة ترده ، وهي مصرحة بخلافه . جابر
( فرع ) قد ذكرنا ما جاء من الأحاديث في الإفراد والتمتع والقران والإطلاق ، واختلاف العلماء في الأفضل منها ، وفي كيفية الجمع بينها ، وفي الجواب عن اعتراض الملحدين عليها ، وذكرنا أن جميع الأنواع جائزة ، وأوضحنا الجواب عما نقل من كراهة وغيره رضي الله عنهم من التمتع أو القران ، وذكرنا أن الأصح عمر ، ورجحه تفضيل الإفراد والأصحاب وغيرهم بأشياء ، منها أنه الأكثر في الروايات الصحيحة في حجة النبي صلى الله عليه وسلم ( ومنها ) أن رواته أخص بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحجة . فإن منهم الشافعي وهو أحسنهم سياقا لحجة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ذكرها أول خروجه صلى الله عليه وسلم من جابرا ، المدينة إلى فراغه ، وذلك مشهور في صحيح وغيره ، وهذا يدل على ضبطه لها واعتنائه بها . مسلم
( ومنهم ) ، وقد قال { ابن عمر : كان تحت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم يمسني لعابها ، أسمعه يلبي بالحج } وقد سبق بيان هذا عنه ( ومنهم ) عائشة وقربها من النبي صلى الله عليه وسلم معروف ، واطلاعها على باطن أمره وفعله في خلوته وعلانيته مع فقهها وعظم فطنتها ( ومنهم ) وهو بالمحل المعروف من الفقه والفهم الثاقب ، مع كثرة بحثه وحفظه أحوال النبي صلى الله عليه وسلم التي لم يخفها ، وأخذه إياها من كبار الصحابة . ابن عباس
( ) أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 159 ] أفردوا الحج وواظبوا عليه ، كذلك فعل ومنها أبو بكر وعمر : واختلف فعل وعثمان رضي الله عنهم أجمعين ، وقد حج علي بالناس عشر حجج مدة خلافته كلها مفردا ولو لم يكن هذا هو الأفضل عندهم ، وعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم حج مفردا ، لم يواظبوا على الإفراد ، مع أنهم الأئمة الأعلام وقادة الإسلام ويقتدى بهم في عصرهم وبعدهم ، وكيف يظن بهم المواظبة على خلاف فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أو أنهم خفي عليهم جميعهم فعله صلى الله عليه وسلم ؟ ( وأما ) الخلاف عن عمر وغيره ، فإنما فعلوه لبيان الجواز ، وقد قدمنا عنهم ما يوضح هذا . علي
( ومنها ) أن الإفراد لا يجب فيه دم بالإجماع ، وذلك لكماله . ويجب الدم في التمتع والقران . وذلك الدم دم جبران لسقوط الميقات وبعض الأعمال ، ولأن ما لا خلل فيه ولا محتاج إلى جبر أفضل ( ومنها ) أن الأمة أجمعت على جواز الإفراد من غير كراهة ، وكره عمر وغيرهما ممن ذكرنا قبل هذا التمتع ، وبعضهم التمتع والقران ، وإن كانوا يجوزونه على ما سبق تأويله ، فكان ما أجمعوا على أنه لا كراهة فيه أفضل وعثمان
( ومنهم ) ، وقد قال { ابن عمر : كان تحت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم يمسني لعابها ، أسمعه يلبي بالحج } وقد سبق بيان هذا عنه ( ومنهم ) عائشة وقربها من النبي صلى الله عليه وسلم معروف ، واطلاعها على باطن أمره وفعله في خلوته وعلانيته مع فقهها وعظم فطنتها ( ومنهم ) وهو بالمحل المعروف من الفقه والفهم الثاقب ، مع كثرة بحثه وحفظه أحوال النبي صلى الله عليه وسلم التي لم يخفها ، وأخذه إياها من كبار الصحابة . ابن عباس
( ) أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 159 ] أفردوا الحج وواظبوا عليه ، كذلك فعل ومنها أبو بكر وعمر : واختلف فعل وعثمان رضي الله عنهم أجمعين ، وقد حج علي بالناس عشر حجج مدة خلافته كلها مفردا ولو لم يكن هذا هو الأفضل عندهم ، وعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم حج مفردا ، لم يواظبوا على الإفراد ، مع أنهم الأئمة الأعلام وقادة الإسلام ويقتدى بهم في عصرهم وبعدهم ، وكيف يظن بهم المواظبة على خلاف فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أو أنهم خفي عليهم جميعهم فعله صلى الله عليه وسلم ؟ ( وأما ) الخلاف عن عمر وغيره ، فإنما فعلوه لبيان الجواز ، وقد قدمنا عنهم ما يوضح هذا . علي
( ومنها ) أن الإفراد لا يجب فيه دم بالإجماع ، وذلك لكماله . ويجب الدم في التمتع والقران . وذلك الدم دم جبران لسقوط الميقات وبعض الأعمال ، ولأن ما لا خلل فيه ولا محتاج إلى جبر أفضل ( ومنها ) أن الأمة أجمعت على جواز الإفراد من غير كراهة ، وكره عمر وغيرهما ممن ذكرنا قبل هذا التمتع ، وبعضهم التمتع والقران ، وإن كانوا يجوزونه على ما سبق تأويله ، فكان ما أجمعوا على أنه لا كراهة فيه أفضل وعثمان
. بالأحاديث السابقة فيه ، وبقوله - تعالى - : { واحتج القائلون بترجيح القران وأتموا الحج والعمرة لله } ومشهور عن عمر أنهما قالا : " إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك " وبحديث وعلي الصبي بن معبد السابق ، وقول له : " هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم وبحديث عمر وادي العقيق " وقل : لبيك عمرة في حجة " قالوا : ولأن المفرد لا دم عليه ، وعلى القارن دم وليس هو دم جبران ; لأنه لم يفعل حراما ، بل دم عبادة والعبادة المتعلقة بالبدن والمال أفضل من المختصة بالبدن ، قال : ولأن القارن مسارع إلى العبادة فهو أفضل من تأخيرها ، قالوا : ولأن في القران تحصيل العمرة في زمن الحج وهو أشرف . المزني
( وأجاب ) أصحابنا عن الأحاديث الواردة في القران بجوابين : ( أحدهما ) أن أحاديث الإفراد أكثر وأرجح ، وذلك من وجوه كما سبق ، ( والثاني ) أن أحاديث القران مؤولة كما سبق ، ولا بد من التأويل للجمع [ ص: 160 ] بين الأحاديث ، وقد سبق إيضاح الجمع والتأويل ( والجواب ) عن الآية الكريمة أنه ليس فيها إلا الأمر بإتمامهما ، ولا يلزم من ذلك قرنهما في الفعل ، كما في قوله تعالى : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } ( وأما ) ما روي عن عمر فمعناه الإحرام بكل واحد منهما من دويرة أهله ، يدل على أنه صح عن وعلي كراهته للتمتع وأمره بالإفراد . عمر
( والجواب ) عن حديث الصبي بن معبد أن أخبره بأن القران سنة ، أي جائز قد أذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل : إنه أفضل من الإفراد بل المعروف عن عمر ترجيح الإفراد كما سبق ( والجواب ) عن حديث وادي العقيق من وجهين سبق أحدهما عند ذكره ، ( والثاني ) أنه إخبار عن القران في أثناء الحول لا في أول الإحرام ، وقد سبق إيضاح هذا ( والجواب ) عن قولهم : إن القارن عليه دم ، وهو دم نسك ، قال أصحابنا : بل هو عندنا دم جبران على الصحيح ، بدليل أن الصيام يقوم مقامه عند العجز ، ولو كان دم نسك لم يقم مقامه كالأضحية . عمر
( وأما ) قولهم : إن القارن لم يفعل حراما فليس شرط وجوب دم الجبران أن يكون في ارتكاب حرام ، بل قد يكون في مأذون كمن حلق رأسه للأذى أو لبس للمرض أو لحر أو برد ، أو أكل صيدا لمجاعته أو احتاج إلى التداوي بطيب ، فإنه يجب الدم ولم يفعل حراما ، ( والجواب ) عما قال : إن من العبادات ما تأخيرها أفضل لمعنى ، كمن المزني ، فتأخير الصلاة أفضل ، وكتأخير صلاة عيد الفطر وتأخير صلاة الضحى إلى امتداد النهار وأشباه ذلك والله أعلم . عدم الماء في السفر وعلم وجوده أواخر الوقت
. قال الماوردي : ولأن الإفراد فعل كل عبادة وحدها وإفرادها بوقت فكان أفضل من جمعهما كالجمع بين الصلاتين ، ( وأما ) قولهم : لأن في القران تحصل العمرة في زمن الحج وهو أشرف ، فقال أصحابنا : ليس هو أشرف بالنسبة إلى العمرة ، بل رخصة في فعلها فيه ، وإنما شرفه بالنسبة إلى الحج والله أعلم .
( وأجاب ) أصحابنا عن الأحاديث الواردة في القران بجوابين : ( أحدهما ) أن أحاديث الإفراد أكثر وأرجح ، وذلك من وجوه كما سبق ، ( والثاني ) أن أحاديث القران مؤولة كما سبق ، ولا بد من التأويل للجمع [ ص: 160 ] بين الأحاديث ، وقد سبق إيضاح الجمع والتأويل ( والجواب ) عن الآية الكريمة أنه ليس فيها إلا الأمر بإتمامهما ، ولا يلزم من ذلك قرنهما في الفعل ، كما في قوله تعالى : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } ( وأما ) ما روي عن عمر فمعناه الإحرام بكل واحد منهما من دويرة أهله ، يدل على أنه صح عن وعلي كراهته للتمتع وأمره بالإفراد . عمر
( والجواب ) عن حديث الصبي بن معبد أن أخبره بأن القران سنة ، أي جائز قد أذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل : إنه أفضل من الإفراد بل المعروف عن عمر ترجيح الإفراد كما سبق ( والجواب ) عن حديث وادي العقيق من وجهين سبق أحدهما عند ذكره ، ( والثاني ) أنه إخبار عن القران في أثناء الحول لا في أول الإحرام ، وقد سبق إيضاح هذا ( والجواب ) عن قولهم : إن القارن عليه دم ، وهو دم نسك ، قال أصحابنا : بل هو عندنا دم جبران على الصحيح ، بدليل أن الصيام يقوم مقامه عند العجز ، ولو كان دم نسك لم يقم مقامه كالأضحية . عمر
( وأما ) قولهم : إن القارن لم يفعل حراما فليس شرط وجوب دم الجبران أن يكون في ارتكاب حرام ، بل قد يكون في مأذون كمن حلق رأسه للأذى أو لبس للمرض أو لحر أو برد ، أو أكل صيدا لمجاعته أو احتاج إلى التداوي بطيب ، فإنه يجب الدم ولم يفعل حراما ، ( والجواب ) عما قال : إن من العبادات ما تأخيرها أفضل لمعنى ، كمن المزني ، فتأخير الصلاة أفضل ، وكتأخير صلاة عيد الفطر وتأخير صلاة الضحى إلى امتداد النهار وأشباه ذلك والله أعلم . عدم الماء في السفر وعلم وجوده أواخر الوقت
. قال الماوردي : ولأن الإفراد فعل كل عبادة وحدها وإفرادها بوقت فكان أفضل من جمعهما كالجمع بين الصلاتين ، ( وأما ) قولهم : لأن في القران تحصل العمرة في زمن الحج وهو أشرف ، فقال أصحابنا : ليس هو أشرف بالنسبة إلى العمرة ، بل رخصة في فعلها فيه ، وإنما شرفه بالنسبة إلى الحج والله أعلم .
بالأحاديث السابقة ، وبقوله صلى الله عليه وسلم [ ص: 161 ] { واحتج القائلون بترجيح التمتع } فتأسف على فوات العمرة والتمتع فدل على رجحانه . ودليلنا عليهم ما سبق من الأحاديث ومن الدلائل على ترجيح الإفراد ( وأما ) تأسفه صلى الله عليه وسلم فسببه أن من لم يكن معهم هدي أمروا بجعلها عمرة ، فحصل لهم حزن حيث لم يكن معهم هدي ، ويوافقون النبي صلى الله عليه وسلم في البقاء على الإحرام ، فتأسف صلى الله عليه وسلم حينئذ على فوات موافقتهم تطييبا لنفوسهم ، ورغبة فيما يكون في موافقتهم . لا أن التمتع دائما أفضل . قال ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة : ولأن ظاهر هذا الحديث غير مراد بالإجماع ; لأن ظاهره أن سوق الهدي يمنع انعقاد العمرة ، وقد انعقد الإجماع على خلافه ، والله أعلم . القاضي حسين
( فرع ) ذكر في هذا الباب من تعليقه والقاضي القاضي حسين في آخر باب صوم المتمتع من تعليقه وغيرهما من أصحابنا أن أبو الطيب نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج مطلقا . وكان ينتظر القضاء ، وهو نزول الشافعي جبريل ببيان ما يصرف إحرامه المطلق إليه فنزل جبريل عليه السلام وأمره بصرفه إلى الحج المفرد . وذكر في السنن الكبير في هذا بابا قال : باب ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم إحراما مطلقا ينتظر القضاء ، ثم أمر بإفراد الحج ومضى فيه واستدل له البيهقي بأحاديث لا دلالة فيها أصلا لا في حديث مرسل ، وهو ما رواه البيهقي الشافعي بإسنادهما الصحيح عن والبيهقي قال { طاووس المدينة لا يسمي حجا ولا عمرة ، ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة ، فأمر أصحابه من كان منهم أهل بالحج ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة ، وقال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي } . وذكر في الباب أيضا حديث : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطويل بكماله ، قال فيه : { جابر : لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة حتى إذا أتينا جابر البيت معه استلم الركن ، وذكر الطواف والسعي . قال : فلما كان آخر طوافه على المروة ، قال : لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ، وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلل ، وليجعلها عمرة } رواه فأهل [ ص: 162 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد : لبيك اللهم لبيك ، لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك . وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئا منه ، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته ، قال بهذه الحروف . مسلم
( قلت ) ظاهر الأحاديث الصحيحة كلها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم إحراما مطلقا ، بل معينا ، وقد قال الشيخ أبو حامد في تعليقه ، وصاحب البيان وآخرون من أصحابنا : المشهور في الأحاديث خلاف ما قاله في هذا ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم هو وأصحابه بالحج ، فلما دخل الشافعي مكة فسخه إلى العمرة لمن لم يكن معه هدي ، والله أعلم .
( فرع ) ذكر في هذا الباب من تعليقه والقاضي القاضي حسين في آخر باب صوم المتمتع من تعليقه وغيرهما من أصحابنا أن أبو الطيب نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج مطلقا . وكان ينتظر القضاء ، وهو نزول الشافعي جبريل ببيان ما يصرف إحرامه المطلق إليه فنزل جبريل عليه السلام وأمره بصرفه إلى الحج المفرد . وذكر في السنن الكبير في هذا بابا قال : باب ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم إحراما مطلقا ينتظر القضاء ، ثم أمر بإفراد الحج ومضى فيه واستدل له البيهقي بأحاديث لا دلالة فيها أصلا لا في حديث مرسل ، وهو ما رواه البيهقي الشافعي بإسنادهما الصحيح عن والبيهقي قال { طاووس المدينة لا يسمي حجا ولا عمرة ، ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة ، فأمر أصحابه من كان منهم أهل بالحج ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة ، وقال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي } . وذكر في الباب أيضا حديث : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطويل بكماله ، قال فيه : { جابر : لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة حتى إذا أتينا جابر البيت معه استلم الركن ، وذكر الطواف والسعي . قال : فلما كان آخر طوافه على المروة ، قال : لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ، وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلل ، وليجعلها عمرة } رواه فأهل [ ص: 162 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد : لبيك اللهم لبيك ، لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك . وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئا منه ، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته ، قال بهذه الحروف . مسلم
( قلت ) ظاهر الأحاديث الصحيحة كلها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم إحراما مطلقا ، بل معينا ، وقد قال الشيخ أبو حامد في تعليقه ، وصاحب البيان وآخرون من أصحابنا : المشهور في الأحاديث خلاف ما قاله في هذا ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم هو وأصحابه بالحج ، فلما دخل الشافعي مكة فسخه إلى العمرة لمن لم يكن معه هدي ، والله أعلم .
( فرع ) إذا أحرم بالحج لا يجوز له فسخه وقلبه عمرة ، لا لعذر ولا لغيره . وسواء ساق الهدي أم لا ، هذا مذهبنا ، قال وإذا أحرم بالعمرة لا يجوز له فسخها حجا ابن الصباغ والعبدري وآخرون وبه قال عامة الفقهاء ، وقال يجوز فسخ الحج إلى العمرة لمن لم يسق الهدي . وقال أحمد في شرح صحيح القاضي عياض : جمهور الفقهاء على أن فسخ الحج إلى العمرة ، كان خاصا للصحابة ، قال : وقال بعض مسلم أهل الظاهر : هو جائز الآن . واحتج بحديث لأحمد المذكور في الفرع الذي قبل هذا وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال { جابر } وهو صحيح كما سبق ، وعن { : وليجعلها عمرة قال : كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر [ ص: 163 ] الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفرا ، ويقولون : إذا برأ الدبر ، وعفى الأثر ، وانسلخ صفر ، حلت العمرة لمن اعتمر . فقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا : يا رسول الله أي الحل ؟ قال : حل كله ابن عباس ، } رواه البخاري وفي رواية ومسلم : { مسلم } وفي رواية عنه قال : { الحل كله } رواه قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لصبح رابعة يلبون بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة إلا من كان معه هدي البخاري وهذا لفظ ومسلم ، . وعن البخاري قال : { جابر وكان وطلحة قدم من علي اليمن ومعه هدي ، فقال : أهللت بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يجعلوها عمرة ويطوفوا ويقصروا ويحلوا ، إلا من كان معه الهدي ، فقالوا : ننطلق إلى منى ، وذكر أحدنا يقطر ؟ فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ، ولو لا أن معي الهدي لأحللت ، وأن سراقة بن مالك لقي النبي صلى الله عليه وسلم بالعقبة وهو يرميها فقال : ألكم هذه خاصة يا رسول الله ؟ قال : بل للأبد } رواه أهل النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه بالحج وليس مع أحد منهم هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم البخاري . ومسلم
وعن قالت : { عائشة سرف فطمثت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدمت مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : اجعلوها عمرة فأحل الناس إلا من كان معه الهدي قالت : فكان الهدي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وذوي اليسارة ، ثم أهلوا حين راحوا إلى وعمر منى } رواه خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج حتى جئنا البخاري ولفظه ومسلم ، وعن لمسلم ، قال : { أبي سعيد مكة أمرنا أن نجعلها عمرة إلا من ساق الهدي فلما [ ص: 164 ] كان يوم التروية ورحنا إلى منى أهللنا بالحج } رواه خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرخ بالحج صراخا ، فلما قدمنا قوله : رحنا أي أردنا الرواح وعن مسلم ، أنه { ابن عباس المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، وأهللنا ، فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي } رواه سئل عن متعة الحج فقال : أهل فقال : وقال البخاري ، أبو كامل : قال أبو معشر : قال عثمان بن عتاب عن عكرمة عن قال ابن عباس في الأطراف : هذا حديث غريب ، ولم أره عند أحد إلا عند أبو مسعود الدمشقي قال : ولم يذكر مسلم بن الحجاج ، في صحيحه من أخذ عن مسلم عكرمة ، وعندي أن أخذه عن البخاري مسلم قلت : يحتمل ما قاله أبو مسعود ، ويحتمل أن أخذه من البخاري أبي كامل بلا واسطة . قال العلماء : يستعمل هذه العبارة فيما أخذه عرضا ومناولة لا سماعا ، والعرض والمناولة صحيحان يجب العمل بهما كما هو مقرر في علوم الحديث . واحتج أصحابنا بأن هذا الفسخ كان خاصا بالصحابة ، وإنما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالفسخ ليحرموا بالعمرة في أشهر الحج ، ويخالفوا ما كانت الجاهلية عليه من تحريم العمرة في أشهر الحج ، وقولهم : إنها أفجر الفجور . والبخاري
واحتج أصحابنا وموافقوهم للتخصيص بحديث الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه قال { } رواه : قلت : يا رسول الله أرأيت فسخ الحج إلى العمرة لنا خاصة أم للناس عامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل لكم خاصة أبو داود والنسائي وغيرهم ، وإسناده صحيح إلا وابن ماجه الحارث بن بلال ، ولم أر في الحارث جرحا ولا تعديلا ، وقد رواه أبو داود ولم يضعفه وقد ذكرنا مرات أن ما لم يضعفه أبو داود فهو حديث حسن عنده ، إلا أن يوجد فيه ما يقتضي ضعفه ، وقال الإمام : هذا الحديث لا يثبت عندي ولا أقول به ، قال : وقد روى الفسخ أحد عشر صحابيا أين يقع أحمد بن حنبل الحارث بن بلال منهم ؟ قلت : لا معارضة بينكم وبينه حتى [ ص: 165 ] يقدموا عليه لأنهم أثبتوا الفسخ للصحابة ، ولم يذكروا حكم غيرهم ، وقد وافقهم الحارث بن بلال في إثبات الفسخ للصحابة لكنه زاد زيادة لا نخالفهم وهي اختصاص الفسخ بهم . واحتج أصحابنا بحديث رضي الله عنه قال { أبي ذر محمد صلى الله عليه وسلم خاصة } رواه : كانت المتعة في الحج لأصحاب موقوفا على مسلم قال أبي ذر ، وغيره من الأئمة : أراد بالمتعة فسخ الحج إلى العمرة لأنه كان لمصلحة ، وهي بيان جواز الاعتمار في أشهر الحج ، وقد زالت فلا يجوز ذلك اليوم لأحد . واحتج البيهقي أبو داود في سننه وغيرهما في ذلك برواية والبيهقي عن محمد بن إسحاق عبد الرحمن بن الأسود عن سليمان بن الأسود أن { أبا ذر } وإسناده هذا لا يحتج به ; لأن كان يقول فيمن حج ثم فسخها بعمرة : لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مدلس ، وقد قال ( عن ) واتفقوا على أن المدلس إذا قال : عن لا يحتج به . محمد بن إسحاق
( وأجاب ) أصحابنا عن قوله صلى الله عليه وسلم لسراقة : " بل للأبد " أن المراد جواز العمرة في أشهر الحج لا فسخ الحج إلى العمرة ، أو أن المراد دخول أفعالها في أفعال الحج وهو القران ، وحمله من يقول : إن العمرة ليست واجبة على أن العمرة اندرجت في الحج ، فلا تجب ، وإنما تجب على المكلف حجة الإسلام دون العمرة .
وعن قالت : { عائشة سرف فطمثت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدمت مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : اجعلوها عمرة فأحل الناس إلا من كان معه الهدي قالت : فكان الهدي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وذوي اليسارة ، ثم أهلوا حين راحوا إلى وعمر منى } رواه خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج حتى جئنا البخاري ولفظه ومسلم ، وعن لمسلم ، قال : { أبي سعيد مكة أمرنا أن نجعلها عمرة إلا من ساق الهدي فلما [ ص: 164 ] كان يوم التروية ورحنا إلى منى أهللنا بالحج } رواه خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرخ بالحج صراخا ، فلما قدمنا قوله : رحنا أي أردنا الرواح وعن مسلم ، أنه { ابن عباس المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، وأهللنا ، فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي } رواه سئل عن متعة الحج فقال : أهل فقال : وقال البخاري ، أبو كامل : قال أبو معشر : قال عثمان بن عتاب عن عكرمة عن قال ابن عباس في الأطراف : هذا حديث غريب ، ولم أره عند أحد إلا عند أبو مسعود الدمشقي قال : ولم يذكر مسلم بن الحجاج ، في صحيحه من أخذ عن مسلم عكرمة ، وعندي أن أخذه عن البخاري مسلم قلت : يحتمل ما قاله أبو مسعود ، ويحتمل أن أخذه من البخاري أبي كامل بلا واسطة . قال العلماء : يستعمل هذه العبارة فيما أخذه عرضا ومناولة لا سماعا ، والعرض والمناولة صحيحان يجب العمل بهما كما هو مقرر في علوم الحديث . واحتج أصحابنا بأن هذا الفسخ كان خاصا بالصحابة ، وإنما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالفسخ ليحرموا بالعمرة في أشهر الحج ، ويخالفوا ما كانت الجاهلية عليه من تحريم العمرة في أشهر الحج ، وقولهم : إنها أفجر الفجور . والبخاري
واحتج أصحابنا وموافقوهم للتخصيص بحديث الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه قال { } رواه : قلت : يا رسول الله أرأيت فسخ الحج إلى العمرة لنا خاصة أم للناس عامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل لكم خاصة أبو داود والنسائي وغيرهم ، وإسناده صحيح إلا وابن ماجه الحارث بن بلال ، ولم أر في الحارث جرحا ولا تعديلا ، وقد رواه أبو داود ولم يضعفه وقد ذكرنا مرات أن ما لم يضعفه أبو داود فهو حديث حسن عنده ، إلا أن يوجد فيه ما يقتضي ضعفه ، وقال الإمام : هذا الحديث لا يثبت عندي ولا أقول به ، قال : وقد روى الفسخ أحد عشر صحابيا أين يقع أحمد بن حنبل الحارث بن بلال منهم ؟ قلت : لا معارضة بينكم وبينه حتى [ ص: 165 ] يقدموا عليه لأنهم أثبتوا الفسخ للصحابة ، ولم يذكروا حكم غيرهم ، وقد وافقهم الحارث بن بلال في إثبات الفسخ للصحابة لكنه زاد زيادة لا نخالفهم وهي اختصاص الفسخ بهم . واحتج أصحابنا بحديث رضي الله عنه قال { أبي ذر محمد صلى الله عليه وسلم خاصة } رواه : كانت المتعة في الحج لأصحاب موقوفا على مسلم قال أبي ذر ، وغيره من الأئمة : أراد بالمتعة فسخ الحج إلى العمرة لأنه كان لمصلحة ، وهي بيان جواز الاعتمار في أشهر الحج ، وقد زالت فلا يجوز ذلك اليوم لأحد . واحتج البيهقي أبو داود في سننه وغيرهما في ذلك برواية والبيهقي عن محمد بن إسحاق عبد الرحمن بن الأسود عن سليمان بن الأسود أن { أبا ذر } وإسناده هذا لا يحتج به ; لأن كان يقول فيمن حج ثم فسخها بعمرة : لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مدلس ، وقد قال ( عن ) واتفقوا على أن المدلس إذا قال : عن لا يحتج به . محمد بن إسحاق
( وأجاب ) أصحابنا عن قوله صلى الله عليه وسلم لسراقة : " بل للأبد " أن المراد جواز العمرة في أشهر الحج لا فسخ الحج إلى العمرة ، أو أن المراد دخول أفعالها في أفعال الحج وهو القران ، وحمله من يقول : إن العمرة ليست واجبة على أن العمرة اندرجت في الحج ، فلا تجب ، وإنما تجب على المكلف حجة الإسلام دون العمرة .
( فرع ) مذهبنا أن ، وإن تمتع لم يلزمه دم ، وبه قال المكي لا يكره له التمتع والقران مالك وأحمد وقال وداود : يكره له التمتع والقران ، ولمن تمتع أو قرن فعليه دم . واحتج له بقوله - تعالى - : { أبو حنيفة فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ، تلك عشرة كاملة ، ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } فأباح التمتع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد [ ص: 166 ] الحرام خاصة ; لأن المتمتع شرع له أن لا يلم بأهله ، والمكي ملم بأهله ، فلم يكن له ذلك ، قالوا : ولأن الغريب إذا تمتع لزمه دم ، وقلتم : إذا تمتع مكي فلا دم ، وهذا يدل على أن نسكه ناقص عن نسك الغريب فكره له فعله . واحتج أصحابنا بأن ما كان من النسك قربة وطاعة في حق غير المكي ، كان قربة وطاعة في حق المكي كالإفراد ( والجواب ) عن الآية أن معناها فمن تمتع فعليه الهدي إذا لم يكن من حاضري المسجد ، فإن كان فلا دم ، فهذا ظاهر الآية فلا يعدل عنه ( فإن قيل ) : فقوله - تعالى - : { ذلك لمن لم يكن أهله } ولم يقل على من لم يكن أهله ، قلنا : اللام بمعنى على كما في قوله تعالى - : { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها } أي فعليها ، وقوله تعالى : { أولئك لهم اللعنة } أي عليهم ، قال وجواب آخر وهو أن قوله تعالى { القاضي أبو الطيب فمن تمتع } شرط قوله تعالى { فما استيسر من الهدي } جزاء الشرط ، وقوله تعالى - : { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد } بمنزلة الاستثناء ، وهو عائد إلى الجزاء دون الشرط ، كما لو قال : من دخل الدار فله درهم إلا بني تميم ، أو قال : ذلك لمن لم يكن من بني تميم ، فإن الاستثناء يعود إلى الجزاء دون الشرط الذي هو دخول الدار كذا ههنا .
( وأما ) قولهم : المتمتع شرع له أن لا يلم بأهله ، فقال أصحابنا : لا نسلم ذلك ولا تأثير للإلمام بأهله في التمتع ، ولهذا لو تمتع غريب عن أهله فألم بأهله يصح تمتعه ، وكذا لو تمتع من غير إلمام بأهله فتمتعه عندهم مكروه ( وأما ) قوله : إن نسكه ناقص لوجوب الدم على الغريب ، فقال أصحابنا : إنما لزم الغريب الدم لأنه ترفه بالتمتع ، فيلزمه الدم ، والمكي أحرم بحجة وعمرة من ميقاته الأصلي فلم يلزمه دم لعدم الترفه ، والله أعلم . .
( وأما ) قولهم : المتمتع شرع له أن لا يلم بأهله ، فقال أصحابنا : لا نسلم ذلك ولا تأثير للإلمام بأهله في التمتع ، ولهذا لو تمتع غريب عن أهله فألم بأهله يصح تمتعه ، وكذا لو تمتع من غير إلمام بأهله فتمتعه عندهم مكروه ( وأما ) قوله : إن نسكه ناقص لوجوب الدم على الغريب ، فقال أصحابنا : إنما لزم الغريب الدم لأنه ترفه بالتمتع ، فيلزمه الدم ، والمكي أحرم بحجة وعمرة من ميقاته الأصلي فلم يلزمه دم لعدم الترفه ، والله أعلم . .
[ ص: 167 ] ( فرع ) أجمع العلماء على جواز سواء حج في سنته أم لا ، وكذا العمرة قبل الحج ، واحتجوا له بحديث الحج قبل العمرة { ابن عمر } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل أن يحج وبالأحاديث الصحيحة المشهورة { البخاري } كما سبق . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر قبل حجته ، وكان أصحابه في حجة الوداع أقساما ، منهم من اعتمر قبل الحج ، ومنهم من حج قبل العمرة