الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم قال المصنف - رحمه الله تعالى - باب صفة الحج والعمرة ( وإذا nindex.php?page=treesubj&link=3907_3908_3909أراد دخول مكة وهو محرم بالحج اغتسل بذي طوى ، لما روى nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء وادي طوى بات حتى صلى الصبح فاغتسل ثم دخل من ثنية كداء ، ويدخل من ثنية كداء من أعلى مكة ويخرج من السفلى ، لما روى nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل مكة من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى ) .
( الشرح ) حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر الثاني رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم بلفظه ، وروياه أيضا بلفظه من رواية nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أيضا ( وأما ) حديثه الأول فرواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم أيضا بمعناه ، ولفظهما : عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع قال : وكان nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية ثم يبيت بذي طوى ثم يصلي به الصبح ويغتسل ، ويحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ( وأما ) طوى فبفتح الطاء وضمها وكسرها ثلاث لغات الفتح أجود . وممن حكى اللغات الثلاث صاحب المطالع وجماعات قالوا : والفتح أفصح وأشهر . واقتصر الحازمي في المؤتلف على ضمه ، واقتصر آخرون [ ص: 4 ] على الفتح ، وهو منون مصروف مقصور لا يجوز مده . قال صاحب المطالع : ووقع في لباب المستملي ذو الطواء ممدود ، وهو واد بباب مكة .
( وأما ) الثنية فهي الطريق بين جبلين ( وأما ) كداء العليا فبفتح الكاف وبالمد مصروف ( وأما ) السفلى فيقال لها ثنية كدى - بالضم - مقصور .
وأما مكة فلها أسماء كثيرة ، وقد قالوا : كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى ; لهذا كثرت أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال بعضهم : لله تعالى ألف اسم ، وللنبي صلى الله عليه وسلم ألف اسم وقد أشرت إلى هذا في أول تهذيب الأسماء واللغات في : أولا ترجمة النبي صلى الله عليه وسلم فما حضرني من أسماء مكة ستة عشر اسما : أحدها مكة ، والثاني : بكة ، والثالث : أم القرى ، والرابع : البلد الأمين ، والخامس : رحم - بضم الراء وإسكان الحاء المهملة - لأن الناس يتراحمون فيها ويتوادعون . السادس : صلاح بكسر الحاء - مبني على الكسر كقطاع ونظائرها ، سميت به لأمنها . السابع : الباسة - بالباء الموحدة والسين المهملة - لأنها تبس من ألحد فيها أي تحطمه . ومنه قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=5وبست الجبال } الثامن : الناسة بالنون . التاسع : النساسة ( قيل ) لأنها تنس الملحد ، أي تطرده ، وقيل لقلة مائها ، والنس اليبس . العاشر : الحاطمة ، لحطمها الملحدين فيها . الحادي عشر : الرأس كرأس الإنسان . الثاني عشر : كوثى - بضم الكاف وفتح المثلثة - باسم موضع بها . الثالث عشر : العرش الرابع عشر : القادس . الخامس عشر : المقدسة من التقديس . السادس عشر : البلدة .
وأما مكة وبكة فقيل : هما اسمان للبلدة ، وقيل : مكة الحرم كله ، ومكة المسجد خاصة ، وهي محكي عن الزهري nindex.php?page=showalam&ids=15944وزيد بن أسلم ، وقيل : مكة اسم للبلد ، وبكة اسم البيت ، وهو قول إبراهيم النخعي وغيره . [ ص: 5 ] وقيل : مكة البلد وبكة البيت وموضع الطواف ، سميت بكة لازدحام الناس فيها ، يبك بعضهم بعضا ، أي يدفعه في زحمة الطواف ، وقيل : لأنها تبك أعناق الجبابرة أي تدقها ، والبك الدق . وسميت مكة لقلة مائها من قولهم : امتك الفصيل ضرع أمه إذا امتصه . وقيل : لأنها تمك الذنوب أي تذهب بها ، والله أعلم .
وأما مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فلها أسماء : المدينة وطيبة وطابة والدار قال الله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120ما كان لأهل المدينة } و { nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=8يقولون لئن رجعنا إلى المدينة } وفي صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=11244إن الله تعالى سمى المدينة طابة } قال العلماء : سميت طابة وطيبة من الطيب وهو الطاهر لخلوصها من الشرك وطهارتها . وقيل : من طيب العيش . وقيل من الطيب وهو الرائحة الحسنة . وسميت الدار لأمنها وللاستقرار بها . والله أعلم .
( أما الأحكام ) ففيها مسائل : ( إحداها ) يستحب nindex.php?page=treesubj&link=3728_3907الغسل لدخول المحرم مكة لما ذكره المصنف . وقد سبق بيان أغسال الحج في أول باب الإحرام ، وذكرنا هناك أنه إن عجز عن الغسل تيمم . وذكرنا فيه فروعا كثيرة . ويستحب هذا الغسل بذي طوى إن كانت في طريقه وإلا اغتسل في غير طريقها ، كنحو مسافتها وينوي به غسل دخول مكة ، وهو مستحب لكل محرم حتى الحائض والنفساء والصبي ، كما سبق بيانه في باب الإحرام . قال الماوردي . ولو خرج إنسان من مكة فأحرم بالعمرة من الحل واغتسل للإحرام ثم أراد دخول مكة ، فإن كان أحرم من موضع بعيد عن [ ص: 6 ] مكة ، كالجعرانة والحديبية استحب أن يغتسل أيضا لدخول مكة ، وإن أحرم من موضع قريب من مكة كالتنعيم أو من أدنى الحل لم يغتسل لدخول مكة ; لأن المراد من هذا الغسل النظافة وإزالة الوسخ عند دخوله ، وهو حاصل بغسله السابق . وهذا الغسل مستحب لكل داخل محرم ، سواء كان محرما بحج أو عمرة أو قران بلا خلاف ، وينكر على المصنف قوله وهو محرم بالحج ، فأوهم اختصاصه به ( والصواب ) حذف لفظة الحج كما حذفها في التنبيه والأصحاب
( الثانية ) يستحب nindex.php?page=treesubj&link=3906_3711للمحرم بالحج أن يدخل مكة قبل الوقوف بعرفات هكذا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسائر السلف والخلف . وأما ما يفعله حجيج العراق من قدومهم إلى عرفات قبل دخول مكة فخطأ منهم وجهالة . وفيه ارتكاب بدعة وتفويت سنن ( منها ) دخول مكة أولا ( ومنها ) تفويت طواف القدوم وتفويت تعجيل السعي وزيارة الكعبة ، وكثرة الصلاة بالمسجد الحرام وحضور خطبة الإمام في اليوم السابع بمكة ، والمبيت بمنى ليلة عرفة والصلاة بها والنزول بنمرة ، وحضور تلك المشاهد ، وغير ذلك مما سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى .
( الثالثة ) nindex.php?page=treesubj&link=3904يستحب إذا وصل الحرم أن يستحضر في قلبه ما أمكنه من الخشوع والخضوع بظاهره وباطنه ، ويتذكر جلالة الحرم ومزيته على غيره .
قال جماعة من أصحابنا : يستحب أن يقول : اللهم إن هذا حرمك وأمنك فحرمني على النار ، وآمني من عذابك يوم تبعث عبادك ، واجعلني من أوليائك وأهل طاعتك .
( الرابعة ) قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب - رحمهم الله تعالى : يستحب له [ ص: 7 ] nindex.php?page=treesubj&link=3908_3909دخول مكة من ثنية كداء التي بأعلى مكة ، وهي بفتح الكاف ، والمد كما سبق ومنها يتجرد إلى مقابر مكة ، وإذا خرج راجعا إلى بلده خرج من ثنية كدى - بضم الكاف - وبالقصر ، وهي بأسفل مكة قرب جبل قعيقعان وإلى صوب ذي طوى . قال بعض أصحابنا : إن الخروج إلى عرفات يستحب أيضا أن يكون من هذه السفلى . واعلم أن المذهب الصحيح المختار الذي عليه المحققون من أصحابنا أن الدخول من الثنية العليا مستحب لكل محرم داخل مكة ، سواء كانت في صوب طريقه أم لم تكن ، ويعتدل إليها من لم تكن في طريقه . وقال الصيدلاني والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=14958حسين والفوراني وإمام الحرمين والبغوي والمتولي : إنما يستحب الدخول منها لمن كانت في طريقه ، وأما من لم تكن في طريقه فقالوا : لا يستحب له العدول إليها . قالوا : وإنما دخل النبي صلى الله عليه وسلم اتفاقا لكونها كانت في طريقه .
هذا كلام الصيدلاني وموافقيه ، واختاره إمام الحرمين ونقله الرافعي عن جمهور الأصحاب . وقال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد الجويني : ليست العليا على طريق المدينة ، بل عدل إليها النبي صلى الله عليه وسلم متعمدا لها ، قال : فيستحب الدخول منها لكل أحد ، قال : ووافق إمام الحرمين الجمهور في الحكم ، ووافق nindex.php?page=showalam&ids=14048أبا محمد في أن موضع الثنية كما ذكره وهذا الذي قاله nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد من كون الثنية ليست على نهج الطريق ، بل عدل إليها هو الصواب الذي يقضي به الحس والعيان ، فالصحيح استحباب الدخول من الثنية العليا لكل محرم قصد مكة ، سواء كانت في صوب طريقه أم لا ، وهو ظاهر نص ، nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في المختصر ومقتضى إطلاقه فإنه قال : ويدخل المحرم من ثنية كداء ونقله صاحب البيان عن عامة الأصحاب .
( فرع ) قال أصحابنا : له nindex.php?page=treesubj&link=3910دخول مكة راكبا وماشيا ، وأيهما [ ص: 8 ] أفضل ؟ فيه وجهان حكاهما الرافعي ( أصحهما ) ماشيا أفضل ، وبه قطع الماوردي لأنه أشبه بالتواضع والأدب وليس فيه مشقة ولا فوات مهم ، بخلاف الركوب في الطريق فإنه أفضل على المذهب كما سبق بيانه في الباب الأول من كتاب الحج لما ذكرناه هناك ، ولأن الراكب في الدخول متعرض لأن يؤذي الناس بدابته في الزحمة ، والله تعالى أعلم . وإذا دخل ماشيا فالأفضل كونه حافيا لو لم يلحقه مشقة ، ولا خاف نجاسة رجله ، والله أعلم .
( فرع ) قال أصحابنا : له nindex.php?page=treesubj&link=3911دخول مكة ليلا ونهارا ولا كراهة في واحد منهما فقد ثبتت الأحاديث فيها كما سأذكره قريبا إن شاء الله تعالى ، وفي الفضيلة وجهان ( أصحهما ) دخولها نهارا أفضل ، حكاه ابن الصباغ وغيره عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق المروزي ، ورجحه البغوي وصاحب العدة وغيرهما ، وقال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب والماوردي وابن الصباغ والعبدري : هما سواء في الفضيلة لا ترجيح لأحدهما على الآخر ، واحتج هؤلاء بأنه قد صح الأمران من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم ترجيح لأحدهما ولا نهي فكانا سواء ، واحتج من رجح النهار بأنه الذي اختاره النبي صلى الله عليه وسلم في حجته وحجة الوداع وقال في آخرها { nindex.php?page=hadith&LINKID=32156لتأخذوا عني مناسككم } فهذا ترجيح ظاهر للنهار ; ولأنه أعون للداخل وأرفق به وأقرب إلى مراعاته للوظائف المشروعة له على أكمل وجوهها وأسلم له من التأذي والإيذاء والله أعلم .
وأما الحديثان الواردان في المسألة ( فأحدهما ) حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=16029بات النبي صلى الله عليه وسلم بذي طوى حتى أصبح ، ثم دخل مكة ، وكان nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يفعله } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، وفي رواية [ ص: 9 ] nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع { nindex.php?page=hadith&LINKID=31878أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارا ، ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله } وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر { nindex.php?page=hadith&LINKID=6215أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذي طوى ويبيت فيه حتى يصلي الصبح حين يقدم مكة } . وأما الحديث الآخر فعن محرش الكعبي الصحابي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=18412خرج من الجعرانة ليلا معتمرا فدخل ليلا فقضى عمرته ثم خرج من ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت } رواه أبو داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي وإسناده جيد ، قال الترمذي هو حديث حسن ، قال : ولا يعرف لمحرش عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث وثبت في ضبط محرش ثلاثة أقوال حكاها nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب ( أصحها ) وأشهرها وهو الذي جزم به أبو نصر بن ماكولا . محرش - بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر الراء المشددة - ( والثاني ) محرش بكسر الميم وإسكان الحاء المهملة وفتح الراء ( والثالث ) مخرش بكسر الميم وإسكان الحاء المعجمة ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني وادعى أنه الصواب ، والله تعالى أعلم .
( فرع ) في مذاهب العلماء في هذه المسألة فمن استحب دخولها نهارا nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر . وممن استحبه ليلا عائشة nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز . وممن قال : هما سواء : nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري .
( فرع ) ينبغي أن nindex.php?page=treesubj&link=3904يتحفظ في دخوله من إيذاء الناس في الزحمة ، ويتلطف بمن يزاحمه ويلحظ بقلبه جلالة البقعة التي هو فيها ، والكعبة التي هو متوجه إليها ، ويمهد عذر من زاحمه .
( فرع ) قال الماوردي وغيره : nindex.php?page=treesubj&link=3904يستحب دخول مكة بخشوع [ ص: 10 ] قلبه وخضوع جوارحه داعيا متضرعا . قال الماوردي : ويكون من دعائه ما رواه جعفر بن محمد عن أبيه عن جده { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند دخوله اللهم البلد بلدك والبيت بيتك ، جئت أطلب رحمتك وأؤم طاعتك ، متبعا لأمرك راضيا بقدرك مبلغا لأمرك ، أسألك مسألة المضطر إليك المشفق من عذابك أن تستقبلني وأن تتجاوز عني برحمتك وأن تدخلني جنتك }
( الشرح ) حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر الثاني رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم بلفظه ، وروياه أيضا بلفظه من رواية nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أيضا ( وأما ) حديثه الأول فرواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم أيضا بمعناه ، ولفظهما : عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع قال : وكان nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية ثم يبيت بذي طوى ثم يصلي به الصبح ويغتسل ، ويحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ( وأما ) طوى فبفتح الطاء وضمها وكسرها ثلاث لغات الفتح أجود . وممن حكى اللغات الثلاث صاحب المطالع وجماعات قالوا : والفتح أفصح وأشهر . واقتصر الحازمي في المؤتلف على ضمه ، واقتصر آخرون [ ص: 4 ] على الفتح ، وهو منون مصروف مقصور لا يجوز مده . قال صاحب المطالع : ووقع في لباب المستملي ذو الطواء ممدود ، وهو واد بباب مكة .
( وأما ) الثنية فهي الطريق بين جبلين ( وأما ) كداء العليا فبفتح الكاف وبالمد مصروف ( وأما ) السفلى فيقال لها ثنية كدى - بالضم - مقصور .
وأما مكة فلها أسماء كثيرة ، وقد قالوا : كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى ; لهذا كثرت أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال بعضهم : لله تعالى ألف اسم ، وللنبي صلى الله عليه وسلم ألف اسم وقد أشرت إلى هذا في أول تهذيب الأسماء واللغات في : أولا ترجمة النبي صلى الله عليه وسلم فما حضرني من أسماء مكة ستة عشر اسما : أحدها مكة ، والثاني : بكة ، والثالث : أم القرى ، والرابع : البلد الأمين ، والخامس : رحم - بضم الراء وإسكان الحاء المهملة - لأن الناس يتراحمون فيها ويتوادعون . السادس : صلاح بكسر الحاء - مبني على الكسر كقطاع ونظائرها ، سميت به لأمنها . السابع : الباسة - بالباء الموحدة والسين المهملة - لأنها تبس من ألحد فيها أي تحطمه . ومنه قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=5وبست الجبال } الثامن : الناسة بالنون . التاسع : النساسة ( قيل ) لأنها تنس الملحد ، أي تطرده ، وقيل لقلة مائها ، والنس اليبس . العاشر : الحاطمة ، لحطمها الملحدين فيها . الحادي عشر : الرأس كرأس الإنسان . الثاني عشر : كوثى - بضم الكاف وفتح المثلثة - باسم موضع بها . الثالث عشر : العرش الرابع عشر : القادس . الخامس عشر : المقدسة من التقديس . السادس عشر : البلدة .
وأما مكة وبكة فقيل : هما اسمان للبلدة ، وقيل : مكة الحرم كله ، ومكة المسجد خاصة ، وهي محكي عن الزهري nindex.php?page=showalam&ids=15944وزيد بن أسلم ، وقيل : مكة اسم للبلد ، وبكة اسم البيت ، وهو قول إبراهيم النخعي وغيره . [ ص: 5 ] وقيل : مكة البلد وبكة البيت وموضع الطواف ، سميت بكة لازدحام الناس فيها ، يبك بعضهم بعضا ، أي يدفعه في زحمة الطواف ، وقيل : لأنها تبك أعناق الجبابرة أي تدقها ، والبك الدق . وسميت مكة لقلة مائها من قولهم : امتك الفصيل ضرع أمه إذا امتصه . وقيل : لأنها تمك الذنوب أي تذهب بها ، والله أعلم .
وأما مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فلها أسماء : المدينة وطيبة وطابة والدار قال الله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120ما كان لأهل المدينة } و { nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=8يقولون لئن رجعنا إلى المدينة } وفي صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=11244إن الله تعالى سمى المدينة طابة } قال العلماء : سميت طابة وطيبة من الطيب وهو الطاهر لخلوصها من الشرك وطهارتها . وقيل : من طيب العيش . وقيل من الطيب وهو الرائحة الحسنة . وسميت الدار لأمنها وللاستقرار بها . والله أعلم .
( أما الأحكام ) ففيها مسائل : ( إحداها ) يستحب nindex.php?page=treesubj&link=3728_3907الغسل لدخول المحرم مكة لما ذكره المصنف . وقد سبق بيان أغسال الحج في أول باب الإحرام ، وذكرنا هناك أنه إن عجز عن الغسل تيمم . وذكرنا فيه فروعا كثيرة . ويستحب هذا الغسل بذي طوى إن كانت في طريقه وإلا اغتسل في غير طريقها ، كنحو مسافتها وينوي به غسل دخول مكة ، وهو مستحب لكل محرم حتى الحائض والنفساء والصبي ، كما سبق بيانه في باب الإحرام . قال الماوردي . ولو خرج إنسان من مكة فأحرم بالعمرة من الحل واغتسل للإحرام ثم أراد دخول مكة ، فإن كان أحرم من موضع بعيد عن [ ص: 6 ] مكة ، كالجعرانة والحديبية استحب أن يغتسل أيضا لدخول مكة ، وإن أحرم من موضع قريب من مكة كالتنعيم أو من أدنى الحل لم يغتسل لدخول مكة ; لأن المراد من هذا الغسل النظافة وإزالة الوسخ عند دخوله ، وهو حاصل بغسله السابق . وهذا الغسل مستحب لكل داخل محرم ، سواء كان محرما بحج أو عمرة أو قران بلا خلاف ، وينكر على المصنف قوله وهو محرم بالحج ، فأوهم اختصاصه به ( والصواب ) حذف لفظة الحج كما حذفها في التنبيه والأصحاب
( الثانية ) يستحب nindex.php?page=treesubj&link=3906_3711للمحرم بالحج أن يدخل مكة قبل الوقوف بعرفات هكذا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسائر السلف والخلف . وأما ما يفعله حجيج العراق من قدومهم إلى عرفات قبل دخول مكة فخطأ منهم وجهالة . وفيه ارتكاب بدعة وتفويت سنن ( منها ) دخول مكة أولا ( ومنها ) تفويت طواف القدوم وتفويت تعجيل السعي وزيارة الكعبة ، وكثرة الصلاة بالمسجد الحرام وحضور خطبة الإمام في اليوم السابع بمكة ، والمبيت بمنى ليلة عرفة والصلاة بها والنزول بنمرة ، وحضور تلك المشاهد ، وغير ذلك مما سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى .
( الثالثة ) nindex.php?page=treesubj&link=3904يستحب إذا وصل الحرم أن يستحضر في قلبه ما أمكنه من الخشوع والخضوع بظاهره وباطنه ، ويتذكر جلالة الحرم ومزيته على غيره .
قال جماعة من أصحابنا : يستحب أن يقول : اللهم إن هذا حرمك وأمنك فحرمني على النار ، وآمني من عذابك يوم تبعث عبادك ، واجعلني من أوليائك وأهل طاعتك .
( الرابعة ) قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب - رحمهم الله تعالى : يستحب له [ ص: 7 ] nindex.php?page=treesubj&link=3908_3909دخول مكة من ثنية كداء التي بأعلى مكة ، وهي بفتح الكاف ، والمد كما سبق ومنها يتجرد إلى مقابر مكة ، وإذا خرج راجعا إلى بلده خرج من ثنية كدى - بضم الكاف - وبالقصر ، وهي بأسفل مكة قرب جبل قعيقعان وإلى صوب ذي طوى . قال بعض أصحابنا : إن الخروج إلى عرفات يستحب أيضا أن يكون من هذه السفلى . واعلم أن المذهب الصحيح المختار الذي عليه المحققون من أصحابنا أن الدخول من الثنية العليا مستحب لكل محرم داخل مكة ، سواء كانت في صوب طريقه أم لم تكن ، ويعتدل إليها من لم تكن في طريقه . وقال الصيدلاني والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=14958حسين والفوراني وإمام الحرمين والبغوي والمتولي : إنما يستحب الدخول منها لمن كانت في طريقه ، وأما من لم تكن في طريقه فقالوا : لا يستحب له العدول إليها . قالوا : وإنما دخل النبي صلى الله عليه وسلم اتفاقا لكونها كانت في طريقه .
هذا كلام الصيدلاني وموافقيه ، واختاره إمام الحرمين ونقله الرافعي عن جمهور الأصحاب . وقال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد الجويني : ليست العليا على طريق المدينة ، بل عدل إليها النبي صلى الله عليه وسلم متعمدا لها ، قال : فيستحب الدخول منها لكل أحد ، قال : ووافق إمام الحرمين الجمهور في الحكم ، ووافق nindex.php?page=showalam&ids=14048أبا محمد في أن موضع الثنية كما ذكره وهذا الذي قاله nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد من كون الثنية ليست على نهج الطريق ، بل عدل إليها هو الصواب الذي يقضي به الحس والعيان ، فالصحيح استحباب الدخول من الثنية العليا لكل محرم قصد مكة ، سواء كانت في صوب طريقه أم لا ، وهو ظاهر نص ، nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في المختصر ومقتضى إطلاقه فإنه قال : ويدخل المحرم من ثنية كداء ونقله صاحب البيان عن عامة الأصحاب .
( فرع ) قال أصحابنا : له nindex.php?page=treesubj&link=3910دخول مكة راكبا وماشيا ، وأيهما [ ص: 8 ] أفضل ؟ فيه وجهان حكاهما الرافعي ( أصحهما ) ماشيا أفضل ، وبه قطع الماوردي لأنه أشبه بالتواضع والأدب وليس فيه مشقة ولا فوات مهم ، بخلاف الركوب في الطريق فإنه أفضل على المذهب كما سبق بيانه في الباب الأول من كتاب الحج لما ذكرناه هناك ، ولأن الراكب في الدخول متعرض لأن يؤذي الناس بدابته في الزحمة ، والله تعالى أعلم . وإذا دخل ماشيا فالأفضل كونه حافيا لو لم يلحقه مشقة ، ولا خاف نجاسة رجله ، والله أعلم .
( فرع ) قال أصحابنا : له nindex.php?page=treesubj&link=3911دخول مكة ليلا ونهارا ولا كراهة في واحد منهما فقد ثبتت الأحاديث فيها كما سأذكره قريبا إن شاء الله تعالى ، وفي الفضيلة وجهان ( أصحهما ) دخولها نهارا أفضل ، حكاه ابن الصباغ وغيره عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق المروزي ، ورجحه البغوي وصاحب العدة وغيرهما ، وقال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب والماوردي وابن الصباغ والعبدري : هما سواء في الفضيلة لا ترجيح لأحدهما على الآخر ، واحتج هؤلاء بأنه قد صح الأمران من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم ترجيح لأحدهما ولا نهي فكانا سواء ، واحتج من رجح النهار بأنه الذي اختاره النبي صلى الله عليه وسلم في حجته وحجة الوداع وقال في آخرها { nindex.php?page=hadith&LINKID=32156لتأخذوا عني مناسككم } فهذا ترجيح ظاهر للنهار ; ولأنه أعون للداخل وأرفق به وأقرب إلى مراعاته للوظائف المشروعة له على أكمل وجوهها وأسلم له من التأذي والإيذاء والله أعلم .
وأما الحديثان الواردان في المسألة ( فأحدهما ) حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=16029بات النبي صلى الله عليه وسلم بذي طوى حتى أصبح ، ثم دخل مكة ، وكان nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يفعله } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، وفي رواية [ ص: 9 ] nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع { nindex.php?page=hadith&LINKID=31878أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارا ، ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله } وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر { nindex.php?page=hadith&LINKID=6215أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذي طوى ويبيت فيه حتى يصلي الصبح حين يقدم مكة } . وأما الحديث الآخر فعن محرش الكعبي الصحابي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=18412خرج من الجعرانة ليلا معتمرا فدخل ليلا فقضى عمرته ثم خرج من ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت } رواه أبو داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي وإسناده جيد ، قال الترمذي هو حديث حسن ، قال : ولا يعرف لمحرش عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث وثبت في ضبط محرش ثلاثة أقوال حكاها nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب ( أصحها ) وأشهرها وهو الذي جزم به أبو نصر بن ماكولا . محرش - بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر الراء المشددة - ( والثاني ) محرش بكسر الميم وإسكان الحاء المهملة وفتح الراء ( والثالث ) مخرش بكسر الميم وإسكان الحاء المعجمة ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني وادعى أنه الصواب ، والله تعالى أعلم .
( فرع ) في مذاهب العلماء في هذه المسألة فمن استحب دخولها نهارا nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر . وممن استحبه ليلا عائشة nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز . وممن قال : هما سواء : nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري .
( فرع ) ينبغي أن nindex.php?page=treesubj&link=3904يتحفظ في دخوله من إيذاء الناس في الزحمة ، ويتلطف بمن يزاحمه ويلحظ بقلبه جلالة البقعة التي هو فيها ، والكعبة التي هو متوجه إليها ، ويمهد عذر من زاحمه .
( فرع ) قال الماوردي وغيره : nindex.php?page=treesubj&link=3904يستحب دخول مكة بخشوع [ ص: 10 ] قلبه وخضوع جوارحه داعيا متضرعا . قال الماوردي : ويكون من دعائه ما رواه جعفر بن محمد عن أبيه عن جده { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند دخوله اللهم البلد بلدك والبيت بيتك ، جئت أطلب رحمتك وأؤم طاعتك ، متبعا لأمرك راضيا بقدرك مبلغا لأمرك ، أسألك مسألة المضطر إليك المشفق من عذابك أن تستقبلني وأن تتجاوز عني برحمتك وأن تدخلني جنتك }