قال المصنف رحمه الله تعالى ( ثم يروح إلى عرفة ويقف ، ، لما روى والوقوف ركن من أركان الحج عبد الرحمن الديلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { عرفات ، فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج } والمستحب أن يغتسل ، لما روى الحج أن نافع رضي الله عنهما " كان يغتسل إذا راح إلى عرفة " ولأنه قربة يجتمع لها الخلق في موضع واحد فشرع لها الغسل كصلاة الجمعة والعيد ، ويصح الوقوف في جميع عرفة ، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ابن عباس عرفة كلها موقف } والأفضل أن يقف عند الصخرات لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم { } ويستحب [ ص: 123 ] أن يستقبل القبلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل القبلة ، ولأنه إذا لم يكن بد من جهة فجهة القبلة أولى ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال { وقف عند الصخرات وجعل بطن ناقته إلى الصخرات } ويستحب الإكثار من الدعاء ، وأفضله لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لما روى خير المجالس ما استقبل به القبلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { طلحة بن عبيد الله عرفة ، وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له } . ويستحب أن يرفع يديه ، لما روى أفضل الدعاء يوم ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { وابن عمر عرفة والمشعر الحرام } وهل الأفضل أن يكون راكبا أم لا ؟ فيه قولان ، قال في الأم : النازل والراكب سواء . وقال في القديم والإملاء : الوقوف راكبا أفضل ، وهو الصحيح ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم " وقف راكبا " ولأن الراكب أقوى على الدعاء ، فكان الركوب أولى ، ولهذا كان الإفطار ترفع الأيدي عند الموقفين ، يعني بعرفة أفضل ; لأن المفطر أقوى على الوقوف والدعاء .
وأول وقته إذا زالت الشمس ; لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم " وقف بعد الزوال " وقد قال صلى الله عليه وسلم { } وأخر وقته إلى أن يطلع الفجر الثاني لحديث خذوا عني مناسككم عبد الرحمن الديلي ، فإن حصل بعرفة في وقت الوقوف قائما أو قاعدا أو مجتازا فقد أدرك الحج ، لقوله صلى الله عليه وسلم { } وإن وقف وهو مغمى عليه لم يدرك الحج ، وإن وقف وهو نائم فقد أدرك الحج لأن المغمى عليه ليس من أهل العبادات ، والنائم من أهل العبادات ، ولهذا لو أغمي عليه في جميع نهار الصوم لم يصح صومه ، وإن نام في جميع النهار صح صومه ، وإن وقف وهو لا يعلم أنه عرفة فقد أدرك لأنه وقف بها وهو مكلف ، فأشبه إذا علم أنها عرفة . والسنة أن يقف بعد الزوال إلى أن تغرب الشمس لما روى من صلى هذه الصلاة معنا وقد قام قبل ذلك ليلا أو نهارا ، فقد تم حجه وقضى تفثه كرم الله وجهه قال { علي بعرفة ثم أفاض حين غابت الشمس } فإن دفع منها قبل الغروب ; نظرت فإن رجع إليها قبل طلوع الفجر : لم يلزمه شيء لأنه جمع في الوقوف بين الليل والنهار ، فأشبه إذا قام بها إلى أن غربت الشمس ، وإن لم يرجع قبل طلوع الفجر أراق دما . وهل يجب ذلك أو يستحب ؟ فيه قولان ( أحدهما ) يجب ، لما روى [ ص: 124 ] وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ابن عباس } ولأنه نسك يختص بمكان فجاز أن يجب بتركه الدم كالإحرام من الميقات ( والثاني ) أنه يستحب لأنه وقف في أحد زماني الوقوف فلا يلزمه دم للزمان الآخر ، كما لو وقف في الليل دون النهار ) . من ترك نسكا فعليه دم ،
- أما الأحكام ففيها مسائل إحداها إذا فرغوا من صلاتي الظهر والعصر
- الثانية وقت الوقوف بعرفة
- الثالثة اجتاز فيها في وقت الوقوف وهو لا يعلم أنها عرفات ولم يمكث أصلا بل مر مسرعا
- الرابعة الوقوف في أي جزء كان من أرض عرفات
- فرع واجب الوقوف بعرفة وشرطه
- فرع ليحذر كل الحذر من المخاصمة والمشاتمة والمنافرة والكلام القبيح في الحج
- فرع الأفضل للواقف بعرفات أن لا يستظل ، بل يبرز للشمس
- فرع اجتماع الناس يوم عرفة في المساجد
- فرع إيقاد الشمع بجبل عرفة ليلة التاسع أو غيرها
- فرع مذاهب العلماء في مسائل تتعلق بالوقوف بعرفة
التالي
السابق
( الشرح ) حديث عبد الرحمن الديلي صحيح رواه أبو داود والترمذي والنسائي وآخرون بأسانيد صحيحة ، وهذا لفظ وابن ماجه الترمذي " عن عبد الرحمن بن يعمر { نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة فسألوه ، فأمر مناديا ينادي : الحج عرفة ، من جاء ليلة حج قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج } " وفي رواية أن ناسا من أهل أبي داود { } . وفي رواية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فنادى : الحج الحج يوم عرفة . من جاء ليلة حج فيتم حجه " عن البيهقي عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { عرفات ، الحج عرفات ، فمن أدرك ليلة جمع قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك } وإسناد هذه الرواية صحيح وهو من رواية الحج ، قلت عن سفيان بن عيينة قال سفيان الثوري : ليس عندكم ابن عيينة بالكوفة حديث أشرف ولا أحسن من هذا . وأما حديث فرواه ابن عباس بغير هذا اللفظ مرفوعا وموقوفا عليه ، لكن يغني عنه حديث البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { جابر وعرفة كلها موقف } رواه وقفت ههنا . وأما قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل بطن ناقته إلى الصخرات ، فرواه بهذا اللفظ من رواية مسلم . أما قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل القبلة ، فرواه جابر من رواية مسلم أيضا . وأما حديث { جابر } . . . وأما حديث { خير المجالس ما استقبل به القبلة } فرواه أفضل الدعاء يوم عرفة في الموطأ بإسناده [ ص: 125 ] عن مالك طلحة بن عبيد الله بن كريز - بفتح الكاف وآخره زاي - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { } هكذا رواه أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الموطأ وهو آخر حديث في كتاب الحج من الموطأ وهو مرسل ; لأن مالك هذا تابعي خزاعي كوفي ، وكان ينبغي للمصنف أن يقول : لما روى طلحة طلحة بن عبيد الله بن كريز ، لئلا يتوهم أنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة رضي الله عنهم . قال طلحة بن عبيد الله : وقد روي عن البيهقي بإسناد آخر موصولا قال : ووصله ضعيف ورواه مالك الترمذي أطول من هذا عن عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { عمرو بن شعيب } فضعفه خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير الترمذي في إسناده ، ورواه من رواية البيهقي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { علي بن أبي طالب } إلى آخر الحديث ، وضعفه أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، اللهم اجعل في قلبي نورا من وجهين - لأنه من رواية البيهقي موسى بن عبيدة الربذي عن أخيه عبد الله بن عبيدة عن قال : تفرد به علي موسى وهو ضعيف ، وأخوه لم يدرك . وأما حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم " وقف راكبا " فصحيح رواه عليا البخاري من رواية ومسلم العباس ، ورواه أم الفضل بنت الحارث امرأة من رواية مسلم أيضا : وأما حديث وقوف النبي صلى الله عليه وسلم بعد الزوال فرواه جابر من رواية مسلم ، ورواه جابر من رواية البخاري . وأما حديث { ابن عمر } فرواه لتأخذوا عني مناسككم من رواية [ ص: 126 ] مسلم ، وسبق بيانه مرات في هذا الباب ، وأن جابر رواه بإسناد صحيح على شرط البيهقي البخاري ولفظه " خذوا عني مناسككم " كرواية ومسلم المصنف . وأما الحديث الآخر ( من صلى هذه الصلاة معنا ) فصحيح ، وهو من رواية عروة بن مضرس بن أوس الطائي الصحابي قال ( { بالمزدلفة حين خرج للصلاة فقلت : يا رسول الله إني جئت من جبل طيئ أكللت راحلتي وأتعبت نفسي ، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه ، فهل لي من حج ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من شهد صلاتنا هذه فوقف معنا حتى ندفع . وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه } رواه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم بأسانيد صحيحة . قال وابن ماجه الترمذي : هو حديث حسن صحيح . وأما حديث رضي الله عنه فصحيح رواه علي الترمذي بلفظه هنا ، وهو بعض حديث طويل . قال : وهو حديث حسن صحيح سنذكره بطوله إن شاء الله تعالى في فصل الدفع من عرفات إلى المزدلفة . وفي معناه حديث { جابر بنمرة حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي ، فخطب الناس ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ، ثم ركب حتى أتى الموقف فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس ، وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل . وأما حديث { مسلم } فرواه من ترك نسكا فعليه دم مالك وغيرهما بأسانيد صحيحة عن والبيهقي موقوفا عليه لا مرفوعا ، ولفظه عن ابن عباس عن مالك أيوب عن أن سعيد بن جبير قال { ابن عباس } قال من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما : لا أدري قال ترك أم نسي ؟ قال مالك : وكذا رواه البيهقي عن الثوري أيوب { } قال من ترك شيئا فليهرق له دما : [ ص: 127 ] فكأنه قالهما ، يعني البيهقي أن ( أو ) ليست للشك كما أشار إليه البيهقي ، بل للتقسيم ، والمراد به يريق دما سواء ترك عمدا أو سهوا ، والله أعلم . ( أما ألفاظ الفصل ) ففيه مالك عبد الرحمن الديلي الصحابي - بكسر الدال وإسكان الياء المثناة تحت - وهو من ساكني الكوفة وأبو يعمر - بفتح الميم وضمها - وقوله ولأنه قربة يجتمع لها الخلق في موضع واحد احتراز من التلبية والأذكار ولكنه ينتقض بالمبيت بمنى ليلة التاسع . وقوله لقوله صلى الله عليه وسلم { } ) هكذا هو في نسخ المهذب ، وقد قام ، وقد وقف ، كما سبق في الحديث . قوله ( قضى تفثه ) هو ما يفعله المحرم عند تحلله من إزالة الشعث والوسخ والحلق وقلم الأظفار ونحوها . قوله ( ولهذا لو أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه ، ولو نام جميعه صح ) هذا هو المذهب فيهما ، وفيهما ما سبق قوله ولأنه نسك يختص بمكان احتراز من التلبية والأذكار ونحوها والله أعلم . من صلى هذه الصلاة معنا ، وقد قام قبل ذلك
( أما الأحكام ) ففيها مسائل ( إحداها ) ، فالسنة أن يسيروا في الحال إلى الموقف ويعجلوا المسير وهذا التعجيل مستحب بالإجماع ، لحديث إذا فرغوا من صلاتي الظهر والعصر قال كتب سالم بن عبد الله بن عمر إلى عبد الملك بن مروان أن يأتم الحجاج في الحج ، فلما كان يوم بعبد الله بن عمر عرفة جاء ، وأنا معه حين زاغت الشمس فصاح عند فسطاطه : أين هذا ؟ فخرج إليه فقال ابن عمر : الرواح ، فقال الآن ؟ قال : نعم . فسار بيني وبين أبي ، فقلت له : إن كنت تريد أن تصيب السنة اليوم فأقصر الخطبة وعجل الوقوف ، فقال ابن عمر صدق " رواه ابن عمر . وفي صحيح البخاري عن مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم { جابر } صلى الظهر والعصر ثم أتى الموقف
( أما الأحكام ) ففيها مسائل ( إحداها ) ، فالسنة أن يسيروا في الحال إلى الموقف ويعجلوا المسير وهذا التعجيل مستحب بالإجماع ، لحديث إذا فرغوا من صلاتي الظهر والعصر قال كتب سالم بن عبد الله بن عمر إلى عبد الملك بن مروان أن يأتم الحجاج في الحج ، فلما كان يوم بعبد الله بن عمر عرفة جاء ، وأنا معه حين زاغت الشمس فصاح عند فسطاطه : أين هذا ؟ فخرج إليه فقال ابن عمر : الرواح ، فقال الآن ؟ قال : نعم . فسار بيني وبين أبي ، فقلت له : إن كنت تريد أن تصيب السنة اليوم فأقصر الخطبة وعجل الوقوف ، فقال ابن عمر صدق " رواه ابن عمر . وفي صحيح البخاري عن مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم { جابر } صلى الظهر والعصر ثم أتى الموقف
( الثانية ) ما بين زوال الشمس يوم وقت الوقوف عرفة وطلوع [ ص: 128 ] الفجر الثاني يوم النحر ، هذا هو المذهب ، ونص عليه ، وقطع به جمهور الأصحاب وحكى جماعة من الخراسانيين وجها أنه لا يصح الوقوف في ليلة النحر ، وحكى الشافعي الفوراني قولا مثل هذا ، وفيه ما بين زوال الشمس وغروبها .
وحكى الدارمي والرافعي وجها آخر أنه يشترط كون الوقوف بعد الزوال وبعد مضي إمكان صلاة الظهر ، وهذان الوجهان شاذان ضعيفان والصواب ما سبق عن الجمهور ، ودليله الأحاديث الصحيحة السابقة . قال والأصحاب : فمن حصل الشافعي بعرفات في لحظة لطيفة من هذا الوقت وهو من أهل الوقوف صح وقوفه ، وأدرك بذلك الحج ، ومن فاته هذا الزمان فقد فاته الحج ، والأفضل أن يقف من حين يفرغ من صلاتي الظهر والعصر المجموعتين إلى أن تغرب الشمس ، ثم يدفع عقب الغروب إلى مزدلفة فلو وقف بعد الزوال ثم أفاض قبل الغروب فحجه صحيح بلا خلاف كما ذكرنا . ثم إن عاد إلى عرفات وبقي بها حتى غربت الشمس فلا دم ، وإن لم يعد حتى طلع الفجر أراق دما ، وهل هذا الدم واجب ؟ أم مستحب ؟ فيه ثلاثة طرق ( أصحها ) وبه قطع المصنف والجمهور فيه قولان ذكر المصنف دليلهما ( أصحهما ) باتفاقهم سنة وهو نصه في الإملاء ( والثاني ) واجب وهو نصه في الأم والقديم ( والطريق الثاني ) القطع بأنه مستحب ( والثالث ) إن أفاض مع الإمام فمعذور فيكون الدم مستحبا قطعا ، وإلا فعلى القولين ( فإن قلنا ) يجب فعاد في الليل إلى عرفات ففي سقوط الدم عنه طريقان ( أصحهما ) وبه قطع المصنف والعراقيون وطائفة من غيرهم يسقط لما ذكره المصنف .
( والثاني ) حكاه الخراسانيون فيه وجهان ( أصحهما ) هذا ( والثاني ) لا يسقط أما من لم يحضر عرفات إلا في ليلة النحر فحصل فيها قبل الفجر ، [ ص: 129 ] وقيل بالمذهب إنه يصح وقوفه فلا دم عليه بلا خلاف ، وإنما الخلاف فيمن ، لأنه مقصر بالإعراض ، وقطع الوقوف والله أعلم وقف نهارا ثم انصرف قبل الغروب
وحكى الدارمي والرافعي وجها آخر أنه يشترط كون الوقوف بعد الزوال وبعد مضي إمكان صلاة الظهر ، وهذان الوجهان شاذان ضعيفان والصواب ما سبق عن الجمهور ، ودليله الأحاديث الصحيحة السابقة . قال والأصحاب : فمن حصل الشافعي بعرفات في لحظة لطيفة من هذا الوقت وهو من أهل الوقوف صح وقوفه ، وأدرك بذلك الحج ، ومن فاته هذا الزمان فقد فاته الحج ، والأفضل أن يقف من حين يفرغ من صلاتي الظهر والعصر المجموعتين إلى أن تغرب الشمس ، ثم يدفع عقب الغروب إلى مزدلفة فلو وقف بعد الزوال ثم أفاض قبل الغروب فحجه صحيح بلا خلاف كما ذكرنا . ثم إن عاد إلى عرفات وبقي بها حتى غربت الشمس فلا دم ، وإن لم يعد حتى طلع الفجر أراق دما ، وهل هذا الدم واجب ؟ أم مستحب ؟ فيه ثلاثة طرق ( أصحها ) وبه قطع المصنف والجمهور فيه قولان ذكر المصنف دليلهما ( أصحهما ) باتفاقهم سنة وهو نصه في الإملاء ( والثاني ) واجب وهو نصه في الأم والقديم ( والطريق الثاني ) القطع بأنه مستحب ( والثالث ) إن أفاض مع الإمام فمعذور فيكون الدم مستحبا قطعا ، وإلا فعلى القولين ( فإن قلنا ) يجب فعاد في الليل إلى عرفات ففي سقوط الدم عنه طريقان ( أصحهما ) وبه قطع المصنف والعراقيون وطائفة من غيرهم يسقط لما ذكره المصنف .
( والثاني ) حكاه الخراسانيون فيه وجهان ( أصحهما ) هذا ( والثاني ) لا يسقط أما من لم يحضر عرفات إلا في ليلة النحر فحصل فيها قبل الفجر ، [ ص: 129 ] وقيل بالمذهب إنه يصح وقوفه فلا دم عليه بلا خلاف ، وإنما الخلاف فيمن ، لأنه مقصر بالإعراض ، وقطع الوقوف والله أعلم وقف نهارا ثم انصرف قبل الغروب
( الثالثة ) الوقوف بعرفات ركن من أركان الحج وهو أشهر أركان الحج للأحاديث الصحيحة السابقة { عرفة } وأجمع المسلمون على كونه ركنا . قال الحج والأصحاب : والمعتبر فيه الحضور في جزء من الشافعي عرفات ، ولو في لحظة لطيفة ، بشرط كونه أهلا للعبادة ، سواء حضرها عمدا أو وقف مع الغفلة والبيع والشراء والتحدث واللهو ، أو في حالة النوم ، أو عرفات ، ولم يمكث أصلا بل مر مسرعا في طرق من أطرافها أو اجتاز فيها في وقت الوقوف وهو لا يعلم أنها عرفات ، فمر بها البعير ولم يستيقظ راكبه حتى فارقها أو اجتازها في طلب غريم هارب بين يديه ، أو بهيمة شاردة أو غير ذلك مما هو في معناه فيصح وقوفه في جميع هذه الصور ونحوها ، هذا هو المذهب ، ونص عليه كان نائما على بعير فانتهى البعير إلى وقطع به الجمهور . وفي بعض هذه الصور وجه شاذ ضعيف سنذكره إن شاء الله تعالى ( فمنها ) وجه أنه لا يكفي الشافعي بل يشترط لبث يسير حكاه المرور المجرد ابن القطان والدارمي والرافعي ، قال الدارمي : والمنصوص أنه يصح ولا يشترط اللبث .
( ومنها ) وجه أنه إذا عرفات لا يجزئه ، حكاه مر بها ولا يعلم أنها ابن القطان والقاضي أبو الطيب والدارمي والمتولي وصاحب البيان وغيرهم عن أبي حفص بن الوكيل من أصحابنا ، وهذا شاذ ضعيف .
( ومنها ) وجه أنه لا يصح حكاه وقوف النائم ابن القطان والدارمي والرافعي وهو شاذ ضعيف والمشهور الصحة ، قال المتولي : هذا الخلاف [ ص: 130 ] في مسألة النائم ومسألة الجاهل بكونها عرفات مبني على أنه يشترط في كل ركن من أركان الحج النية أم لا ؟ وفيه وجهان أصحهما لا يشترط كأركان الصلاة والطهارة ( والثاني ) يشترط لأن أركانه ينفصل بعضها عن بعض ، فيكون كل ركن كعبادة منفردة فإن شرطناها لم يصح مع النوم ولا مع الجهل بالمكان وإلا فيصح والمذهب ما سبق . لكل ركن نية
( أما ) إذا حضر في طلب غريم أو دابة بين يديه فقد ذكرنا أنه يجزئه . هكذا قطع الأصحاب ، قال إمام الحرمين : قال الأصحاب : يجزئه قال : وظاهر النص يشير إليه قال : ولم يذكروا فيه الخلاف السابق فيمن صرف الطواف إلى طلب غريم ونحوه ، قال ولعل الفرق أن الطواف قد يقع قربة مستقلة بخلاف الوقوف قال : ولا يمتنع طرد الخلاف .
( أما ) إذا ففي صحة وقوفه وجهان ، حكاهما وقف وهو مغمى عليه ابن المرزبان والقاضي في تعليقه أبو الطيب والدارمي والبغوي والمتولي وصاحب البيان وآخرون ( أصحهما ) - وبه قطع المصنف والأكثرون - لا يصح ، ممن قطع به الشيخ أبو حامد والمصنف هنا وفي التنبيه والرافعي في المجرد وآخرون وصححه ابن الصباغ والمتولي . قال صاحب البيان : هو المشهور ( والثاني ) يصح ورجحه البغوي والرافعي في الشرح ، ولو فطريقان ( المذهب ) القطع بأنه لا يصح ( والثاني ) فيه الوجهان كالمغمى عليه ، وممن ذكر الخلاف فيه وقف وهو مجنون ابن القطان وصاحب الشامل وصاحب البيان والرافعي .
ولو ، قال وقف وهو سكران ابن المرزبان والقاضي أبو الطيب والدارمي : فيه الوجهان كالمغمى عليه ، وقال صاحب البيان إن كان سكره بغير معصية ففيه الوجهان كالمغمى عليه ، وإن كان بمعصية فوجهان حكاهما ( أصحهما ) لا يجزئه تغليظا عليه ( والثاني ) يجزئه لأنه كالصاحي في الأحكام والله أعلم . الصيمري
[ ص: 131 ] وإذا قلنا في المغمى عليه لا يصح وقوفه ، قال المتولي لا يجزئه عن حج الفرض لكن يقع نفلا كحج الصبي الذي لا يميز ، وحكاه أيضا الرافعي عنه وسكت عليه فكأنه ارتضاه والله أعلم . واتفق أصحابنا على أن لا يضر . بل يصح حجه ويقع عن حجة الإسلام . وممن صرح بالمسألة الجنون لو تخلل بين الإحرام والوقوف أو بينه وبين الطواف أو بين الطواف والوقوف ، وكان عاقلا في حال فعل الأركان المتولي والله أعلم
( ومنها ) وجه أنه إذا عرفات لا يجزئه ، حكاه مر بها ولا يعلم أنها ابن القطان والقاضي أبو الطيب والدارمي والمتولي وصاحب البيان وغيرهم عن أبي حفص بن الوكيل من أصحابنا ، وهذا شاذ ضعيف .
( ومنها ) وجه أنه لا يصح حكاه وقوف النائم ابن القطان والدارمي والرافعي وهو شاذ ضعيف والمشهور الصحة ، قال المتولي : هذا الخلاف [ ص: 130 ] في مسألة النائم ومسألة الجاهل بكونها عرفات مبني على أنه يشترط في كل ركن من أركان الحج النية أم لا ؟ وفيه وجهان أصحهما لا يشترط كأركان الصلاة والطهارة ( والثاني ) يشترط لأن أركانه ينفصل بعضها عن بعض ، فيكون كل ركن كعبادة منفردة فإن شرطناها لم يصح مع النوم ولا مع الجهل بالمكان وإلا فيصح والمذهب ما سبق . لكل ركن نية
( أما ) إذا حضر في طلب غريم أو دابة بين يديه فقد ذكرنا أنه يجزئه . هكذا قطع الأصحاب ، قال إمام الحرمين : قال الأصحاب : يجزئه قال : وظاهر النص يشير إليه قال : ولم يذكروا فيه الخلاف السابق فيمن صرف الطواف إلى طلب غريم ونحوه ، قال ولعل الفرق أن الطواف قد يقع قربة مستقلة بخلاف الوقوف قال : ولا يمتنع طرد الخلاف .
( أما ) إذا ففي صحة وقوفه وجهان ، حكاهما وقف وهو مغمى عليه ابن المرزبان والقاضي في تعليقه أبو الطيب والدارمي والبغوي والمتولي وصاحب البيان وآخرون ( أصحهما ) - وبه قطع المصنف والأكثرون - لا يصح ، ممن قطع به الشيخ أبو حامد والمصنف هنا وفي التنبيه والرافعي في المجرد وآخرون وصححه ابن الصباغ والمتولي . قال صاحب البيان : هو المشهور ( والثاني ) يصح ورجحه البغوي والرافعي في الشرح ، ولو فطريقان ( المذهب ) القطع بأنه لا يصح ( والثاني ) فيه الوجهان كالمغمى عليه ، وممن ذكر الخلاف فيه وقف وهو مجنون ابن القطان وصاحب الشامل وصاحب البيان والرافعي .
ولو ، قال وقف وهو سكران ابن المرزبان والقاضي أبو الطيب والدارمي : فيه الوجهان كالمغمى عليه ، وقال صاحب البيان إن كان سكره بغير معصية ففيه الوجهان كالمغمى عليه ، وإن كان بمعصية فوجهان حكاهما ( أصحهما ) لا يجزئه تغليظا عليه ( والثاني ) يجزئه لأنه كالصاحي في الأحكام والله أعلم . الصيمري
[ ص: 131 ] وإذا قلنا في المغمى عليه لا يصح وقوفه ، قال المتولي لا يجزئه عن حج الفرض لكن يقع نفلا كحج الصبي الذي لا يميز ، وحكاه أيضا الرافعي عنه وسكت عليه فكأنه ارتضاه والله أعلم . واتفق أصحابنا على أن لا يضر . بل يصح حجه ويقع عن حجة الإسلام . وممن صرح بالمسألة الجنون لو تخلل بين الإحرام والوقوف أو بينه وبين الطواف أو بين الطواف والوقوف ، وكان عاقلا في حال فعل الأركان المتولي والله أعلم
( الرابعة ) يصح عرفات بإجماع العلماء لحديث الوقوف في أي جزء كان من أرض السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { جابر } قال عرفة كلها موقف والأصحاب وغيرهم من العلماء : وأفضلها موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند الصخرات الكبار المفترشة في أسفل الشافعي جبل الرحمة . وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات ويقال له إلال بكسر الهمزة على وزن هلال . وذكر في صحاحه أنه بفتح الهمزة والمشهور كسرها . وأما الجوهري عرفات فقال حد رحمه الله : هي ما جاوز الشافعي وادي عرنة . بعين مضمومة ثم راء مفتوحة ثم نون . إلى الجبال القابلة مما يلي بساتين ابن عامر . هذا نص وتابعه عليه الأصحاب . ونقل الشافعي الأزرقي عن رضي الله عنهما قال : حد ابن عباس عرفات من الجبل المشرف على بطن عرنة إلى جبال عرفات إلى وصيق . بفتح الواو وكسر الصاد المهملة وآخره قاف إلى ملتقى وصيق ووادي عرنة .
قال بعض أصحابنا : لعرفات أربعة حدود ( أحدها ) ينتهي إلى جادة طريق المشرق ( والثاني ) إلى حافات الجبل الذي وراء أرض عرفات ( والثالث ) إلى البساتين التي تلي قرية عرفات . وهذه القرية على يسار [ ص: 132 ] مستقبل الكعبة . إذا وقف بأرض عرفات ( والرابع ) ينتهي إلى وادي عرنة قال إمام الحرمين ويطيف بمنعرجات عرفات جبال وجوهها المقبلة من عرفات . واعلم أنه ليس من عرفات وادي عرنة ولا نمرة ولا المسجد المسمى مسجد إبراهيم ، ويقال له أيضا مسجد عرنة ، بل هذه المواضع خارجة عن عرفات على طرفها الغربي مما يلي مزدلفة ومنى ومكة . هذا الذي ذكرته من كون وادي عرنة ليس من عرفات لا خلاف فيه ، نص عليه ، واتفق عليه الأصحاب . وأما الشافعي نمرة فليست أيضا من عرفات بل بقربها ، هذا هو الصواب الذي نص عليه في مختصر الحج الأوسط وفي غيره ، وصرح به الشافعي أبو علي البندنيجي والأصحاب ونقله الرافعي عن الأكثرين . قال وقال صاحب الشامل وطائفة هي من عرفات . وهذا الذي نقله غريب ليس بمعروف ولا هو في الشامل ولا هو صحيح ، بل إنكار للحس ، ولما تطابقت عليه كتب العلماء . وأما مسجد إبراهيم فقد نص على أنه ليس من الشافعي عرفات ، وأن من وقف به لم يصح وقوفه . هذا نصه ، وبه قطع الماوردي والمتولي وصاحب البيان وجمهور العراقيين . وقال جماعة من الخراسانيين منهم الشيخ والقاضي أبو محمد الجويني في تعليقه ، حسين وإمام الحرمين والرافعي : مقدم هذا المسجد من طرف وادي عرنة لا في عرفات وآخره في عرفات ، قالوا : فمن وقف في مقدمه لم يصح وقوفه ، ومن وقف في آخره صح وقوفه ، قالوا : ويتميز ذلك بصخرات كبار فرشت هناك . قال الشيخ وجه الجمع بين كلامهم ونص أبو عمرو بن الصلاح أن يكون زيد في المسجد بعد الشافعي هذا القدر الذي ذكره والله أعلم . الشافعي
( قلت ) قال الأزرقي في هذا المسجد ذرع سعته من مقدمه إلى مؤخره مائة ذراع وثلاث وستون ذراعا ، قال ومن جانبه الأيمن إلى جانبه الأيسر [ ص: 133 ] من عرفة والطريق مائتا ذراع وثلاث عشرة ذراعا ، قال : وله مائة شرفة ، وثلاث شرفات ، وله عشرة أبواب ، قال : ومن حد الحرم إلى مسجد عرنة ألف ذراع وستمائة وخمس أذرع . قال : ومن مسجد عرفات هذا إلى موقف النبي صلى الله عليه وسلم ميل والله تعالى أعلم .
واعلم أن عرنة ونمرة بين عرفات والحرم ليستا من واحد منهما ( وأما ) جبل الرحمة ففي وسط عرفات . فإذا علمت عرفات بحدودها فقال الماوردي : قال حيث وقف الناس من الشافعي عرفات في جوانبها ونواحيها وجبالها وسهلها وبطاحها وأوديتها وسوقها المعروفة بذي المجاز أجزأه ، قال : فأما إن وقف بغير عرفات من ورائها أو دونها عامدا أو ناسيا أو جاهلا بها فلا يجزئه ، وقال : يجزئه وعليه دم ، والله أعلم مالك
قال بعض أصحابنا : لعرفات أربعة حدود ( أحدها ) ينتهي إلى جادة طريق المشرق ( والثاني ) إلى حافات الجبل الذي وراء أرض عرفات ( والثالث ) إلى البساتين التي تلي قرية عرفات . وهذه القرية على يسار [ ص: 132 ] مستقبل الكعبة . إذا وقف بأرض عرفات ( والرابع ) ينتهي إلى وادي عرنة قال إمام الحرمين ويطيف بمنعرجات عرفات جبال وجوهها المقبلة من عرفات . واعلم أنه ليس من عرفات وادي عرنة ولا نمرة ولا المسجد المسمى مسجد إبراهيم ، ويقال له أيضا مسجد عرنة ، بل هذه المواضع خارجة عن عرفات على طرفها الغربي مما يلي مزدلفة ومنى ومكة . هذا الذي ذكرته من كون وادي عرنة ليس من عرفات لا خلاف فيه ، نص عليه ، واتفق عليه الأصحاب . وأما الشافعي نمرة فليست أيضا من عرفات بل بقربها ، هذا هو الصواب الذي نص عليه في مختصر الحج الأوسط وفي غيره ، وصرح به الشافعي أبو علي البندنيجي والأصحاب ونقله الرافعي عن الأكثرين . قال وقال صاحب الشامل وطائفة هي من عرفات . وهذا الذي نقله غريب ليس بمعروف ولا هو في الشامل ولا هو صحيح ، بل إنكار للحس ، ولما تطابقت عليه كتب العلماء . وأما مسجد إبراهيم فقد نص على أنه ليس من الشافعي عرفات ، وأن من وقف به لم يصح وقوفه . هذا نصه ، وبه قطع الماوردي والمتولي وصاحب البيان وجمهور العراقيين . وقال جماعة من الخراسانيين منهم الشيخ والقاضي أبو محمد الجويني في تعليقه ، حسين وإمام الحرمين والرافعي : مقدم هذا المسجد من طرف وادي عرنة لا في عرفات وآخره في عرفات ، قالوا : فمن وقف في مقدمه لم يصح وقوفه ، ومن وقف في آخره صح وقوفه ، قالوا : ويتميز ذلك بصخرات كبار فرشت هناك . قال الشيخ وجه الجمع بين كلامهم ونص أبو عمرو بن الصلاح أن يكون زيد في المسجد بعد الشافعي هذا القدر الذي ذكره والله أعلم . الشافعي
( قلت ) قال الأزرقي في هذا المسجد ذرع سعته من مقدمه إلى مؤخره مائة ذراع وثلاث وستون ذراعا ، قال ومن جانبه الأيمن إلى جانبه الأيسر [ ص: 133 ] من عرفة والطريق مائتا ذراع وثلاث عشرة ذراعا ، قال : وله مائة شرفة ، وثلاث شرفات ، وله عشرة أبواب ، قال : ومن حد الحرم إلى مسجد عرنة ألف ذراع وستمائة وخمس أذرع . قال : ومن مسجد عرفات هذا إلى موقف النبي صلى الله عليه وسلم ميل والله تعالى أعلم .
واعلم أن عرنة ونمرة بين عرفات والحرم ليستا من واحد منهما ( وأما ) جبل الرحمة ففي وسط عرفات . فإذا علمت عرفات بحدودها فقال الماوردي : قال حيث وقف الناس من الشافعي عرفات في جوانبها ونواحيها وجبالها وسهلها وبطاحها وأوديتها وسوقها المعروفة بذي المجاز أجزأه ، قال : فأما إن وقف بغير عرفات من ورائها أو دونها عامدا أو ناسيا أو جاهلا بها فلا يجزئه ، وقال : يجزئه وعليه دم ، والله أعلم مالك
( فرع ) شيئان ( أحدهما ) كونه في أرض واجب الوقوف وشرطه عرفات وفي وقت الوقوف الذي سبق بيانه ( والثاني ) كون الواقف أهلا للعبادة .
وأما فكثيرة ( أحدها ) سننه وآدابه بنمرة بنية الغسل للوقوف ، فإن عجز عن الغسل تيمم ( الثاني ) أن لا يدخل أرض أن يغتسل عرفات إلا بعد صلاتي الظهر والعصر ( الثالث ) الخطبتان ، والجمع بين الصلاتين ( الرابع ) تعجيل الوقوف عقب الصلاتين وقد سبق هذا كله مبسوطا بأدلته ( الخامس ) أن يكون مفطرا سواء أطاق الصوم أم لا ؟ ، وسواء ضعف به أم لا ؟ لأن الفطر أعون له على الدعاء ، وقد سبقت المسألة مبسوطة في باب صوم التطوع . وثبت في الصحيحين { } ( السادس ) أن يكون متطهرا لأنه أكمل فلو وقف وهو محدث أو جنب أو حائض أو نفساء أو عليه نجاسة أو مكشوف العورة صح وقوفه لقوله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف مفطرا رضي الله عنها حين حاضت { لعائشة بالبيت } . اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي
[ ص: 134 ] قال أصحابنا : ولا تشترط الطهارة في شيء من أعمال الحج والعمرة إلا الطواف وركعتيه ( السابع ) الكعبة ( الثامن ) أن يطوف حاضر القلب فارغا من الأمور الشاغلة عن الدعاء ، وينبغي أن يقدم قضاء أشغاله قبل الزوال ويتفرغ بظاهره وباطنه عن جميع العلائق وينبغي أن يتجنب في موقفه طرق القوافل وغيرهم ، لئلا ينزعج بهم ويتهوش عليه حاله ويذهب خشوعه . السنة أن يقف مستقبل
( التاسع ) قال أصحابنا : إن كان يشق عليه الوقوف ماشيا أو كان يضعف به عن الدعاء أو كان ممن يقتدى به ويحتاج الناس إلى ظهوره ليستفتى ويقتدى به ، فالأفضل له وقوفه راكبا ، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم { } كما سبق بيانه والركوب أفضل من تركه والحالة هذه . وأما إذا كان لا يضعف بالوقوف ماشيا ولا يشق عليه ولا هو ممن يحتاج إلى ظهوره ، ففي الأفضل في حقه أقوال وقف راكبا ( أصحها ) عند الأصحاب : راكبا أفضل للاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ولأنه أعون له على الدعاء ، وهو المهم في هذا الموضع . وهذا القول هو المنصوص في القديم والإملاء كما ذكره للشافعي المصنف والأصحاب ، وبه قطع المحاملي والماوردي وآخرون وصححه الباقون ( والثاني ) ترك الركوب أفضل لأنه أشبه بالتواضع والخضوع ( والثالث ) هما سواء ، وهو نصه في الأم لتعادل الفضيلتين فيها . والله أعلم .
( العاشر ) أن يحرص على الوقوف بموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند الصخرات كما سبق بيانه .
قال أصحابنا : وإن كان راكبا جعل نظر راحلته إلى الصخرات لحديث السابق في صحيح جابر . وإن كان راجلا وقف على الصخرات أو عندها بحسب الإمكان بحيث لا يؤذي ولا يتأذى ، قال أصحابنا : فإن [ ص: 135 ] تعذر عليه الوصول إليه للزحمة تقرب منه بحسب الإمكان فهذا هو الصواب . وأما ما اشتهر عند العوام من الاعتناء بالوقوف على مسلم جبل الرحمة الذي هو بوسط عرفات كما سبق بيانه ، وترجيحهم له على غيره من أرض عرفات حتى ربما توهم من جهلتهم أنه لا يصح الوقوف إلا فيه ، فخطأ ظاهر ومخالف للسنة ، ولم يذكر أحد ممن يعتمد في صعود هذا الجبل فضيلة يختص بها ، بل له حكم سائر أرض عرفات غير موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فإنه قال : يستحب الوقوف عليه ، وكذا قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري الماوردي في الحاوي يستحب قصد هذا الجبل الذي يقال له جبل الدعاء ، قال : وهو موقف الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، وذكر البندنيجي نحوه .
وهذا الذي قالوه لا أصل له ولم يرد فيه حديث صحيح ولا ضعيف فالصواب الاعتناء بموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي خصه العلماء بالذكر وحثوا عليه وفضلوه وحديثه في صحيح وغيره كما سبق . هكذا نص عليه مسلم وجميع أصحابنا وغيرهم من العلماء . وقد قال الشافعي إمام الحرمين في وسط عرفات جبل يسمى جبل الرحمة لا نسك في صعوده وإن كان يعتاده الناس ، والله أعلم .
( الحادي عشر ) السنة أن يكثر من الدعاء والتهليل والتلبية والاستغفار والتضرع وقراءة القرآن ، فهذه وظيفة هذا اليوم ولا يقصر في ذلك ، وهو معظم الحج ومطلوبه ، وقد سبق في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( { عرفة } ) فينبغي أن لا يقصر في الاهتمام بذلك واستفراغ الوسع فيه . ويكثر من هذا الذكر والدعاء قائما وقاعدا ويرفع يديه في الدعاء ولا يجاوز بهما رأسه . ولا يتكلف السجع في الدعاء ، ولا بأس بالدعاء المسجوع إذا كان محفوظا أو قاله بلا تكلف ولا [ ص: 136 ] فكر فيه ، بل جرى على لسانه ولم يقصد تكلف ترتيبه وإعرابه وغير ذلك مما يشغل قلبه . الحج
ويستحب أن يخفض صوته بالدعاء ويكره الإفراط في رفع الصوت لحديث رضي الله عنه قال { أبي موسى الأشعري } رواه كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ، رفعت أصواتنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم ، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، إنه معكم إنه سميع قريب البخاري . اربعوا - بفتح الباء الموحدة - أي ارفقوا بأنفسكم ويستحب أن يكثر التضرع والخشوع ، والتذلل والخضوع وإظهار الضعف والافتقار ، ويلح في الدعاء ولا يستبطئ الإجابة ، بل يكون قوي الرجاء للإجابة . لحديث ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أبي هريرة } رواه يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول قد دعوت ولم يستجب لي البخاري . وعن ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { عبادة بن الصامت } رواه ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم . فقال رجل من القوم : إذن نكثر . قال : الله أكثر الترمذي وقال حديث حسن صحيح . ورواه في المستدرك من رواية الحاكم وزاد فيه { أبي سعيد } ويستحب أن يكرر كل دعاء ثلاثا . ويفتتح دعاءه بالتحميد والتمجيد لله تعالى والتسبيح . والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويختمه بمثل ذلك . وليكن متطهرا متباعدا عن الحرام والشبهة في طعامه وشرابه ولباسه ومركوبه وغير ذلك مما معه ، فإن هذه آداب لجميع الدعوات . وليختم دعاءه بآمين . وليكثر من التسبيح والتهليل والتكبير ونحوها من الأذكار . وأفضله ما قدمناه من رواية أو يدخر له من الأجر مثلها الترمذي وغيره عن عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ ص: 137 ] { عمرو بن شعيب عرفة . وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له . له الملك وله الحمد . وهو على كل شيء قدير } . وفي كتاب أفضل الدعاء يوم الترمذي عن رضي الله عنه قال : { علي عرفة في الموقف اللهم لك الحمد كالذي نقول وخير مما نقول . اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي . وإليك مآبي ، لك رب قرآني . اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر . اللهم إني أعوذ بك من شر ما تجيء به الريح } وإسناد هذين الحديثين ضعيف . لكن معناهما صحيح ، وأحاديث الفضائل يعمل فيها بالأضعف كما سبق مرات . ويكثر من التلبية رافعا بها صوته ومن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وينبغي أن يأتي بهذه الأذكار كلها . فتارة يهلل وتارة يكبر وتارة يسبح وتارة يقرأ القرآن . وتارة يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وتارة يدعو وتارة يستغفر ويدعو مفردا ، وفي جماعة وليدع لنفسه ولوالديه ومشايخه وأقاربه وأصحابه وأصدقائه وأحبائه وسائر من أحسن إليه وسائر المسلمين ، وليحذر كل الحذر من التقصير في شيء من هذا . فإن هذا اليوم لا يمكن تداركه بخلاف غيره . وينبغي أن يكرر الاستغفار والتلفظ بالتوبة من جميع المخالفات . مع الندم بالقلب . وأن يكثر البكاء مع الذكر والدعاء . فهناك تسكب العبرات . وتستقال العثرات وترتجى الطلبات . وإنه لمجمع عظيم وموقف جسيم يجتمع فيه خيار عباد الله الصالحين وأوليائه المخلصين والخواص من المقربين . وهو أعظم مجامع الدنيا . وقد قيل إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة غفر لكل أهل الموقف . أكثر ما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يوم
وثبت في صحيح عن مسلم رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 138 ] قال : { عائشة عرفة . وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة . فيقول ما أراد هؤلاء ؟ } وروينا عن ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم أحد العشرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { طلحة بن عبيد الله عرفة . وما ذاك إلا أن الرحمة تنزل فيه فيتجاوز عن الذنوب العظام } وعن ما رئي الشيطان أصغر ولا أحقر ولا أدبر ولا أغيظ منه في يوم رضي الله عنهم " أنه رأى سائلا يسأل الناس يوم سالم بن عبد الله بن عمر عرفة . فقال : يا عاجز . في هذا اليوم يسأل غير الله تعالى ؟ " . وعن رحمه الله أنه نظر إلى بكاء الناس الفضيل بن عياض بعرفة فقال " أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقا ؟ أكان يردهم ؟ قيل : لا . قال : والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق " وبالله التوفيق .
( فرع ) ومن الأدعية المختارة : اللهم آتنا في الدنيا حسنة . وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا كبيرا . وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . فاغفر لي مغفرة من عندك . وارحمني رحمة أسعد بها في الدارين وتب علي توبة نصوحا لا أنكثها أبدا وألزمني سبيل الاستقامة لا أزيغ عنها أبدا . اللهم انقلني من ذل المعصية إلى عز الطاعة . واكفني بحلالك عن حرامك . وأغنني بفضلك عمن سواك . ونور قلبي وقبري . واغفر لي من الشر كله . واجمع لي الخير . اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى . اللهم يسرني لليسرى وجنبني العسرى ، وارزقني طاعتك ما أبقيتني ، أستودعك مني ومن أحبابي والمسلمين أدياننا وأماناتنا وخواتيم أعمالنا ، وأقوالنا وأبداننا ، وجميع ما أنعمت به علينا ، وبالله التوفيق
[ ص: 134 ] قال أصحابنا : ولا تشترط الطهارة في شيء من أعمال الحج والعمرة إلا الطواف وركعتيه ( السابع ) الكعبة ( الثامن ) أن يطوف حاضر القلب فارغا من الأمور الشاغلة عن الدعاء ، وينبغي أن يقدم قضاء أشغاله قبل الزوال ويتفرغ بظاهره وباطنه عن جميع العلائق وينبغي أن يتجنب في موقفه طرق القوافل وغيرهم ، لئلا ينزعج بهم ويتهوش عليه حاله ويذهب خشوعه . السنة أن يقف مستقبل
( التاسع ) قال أصحابنا : إن كان يشق عليه الوقوف ماشيا أو كان يضعف به عن الدعاء أو كان ممن يقتدى به ويحتاج الناس إلى ظهوره ليستفتى ويقتدى به ، فالأفضل له وقوفه راكبا ، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم { } كما سبق بيانه والركوب أفضل من تركه والحالة هذه . وأما إذا كان لا يضعف بالوقوف ماشيا ولا يشق عليه ولا هو ممن يحتاج إلى ظهوره ، ففي الأفضل في حقه أقوال وقف راكبا ( أصحها ) عند الأصحاب : راكبا أفضل للاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ولأنه أعون له على الدعاء ، وهو المهم في هذا الموضع . وهذا القول هو المنصوص في القديم والإملاء كما ذكره للشافعي المصنف والأصحاب ، وبه قطع المحاملي والماوردي وآخرون وصححه الباقون ( والثاني ) ترك الركوب أفضل لأنه أشبه بالتواضع والخضوع ( والثالث ) هما سواء ، وهو نصه في الأم لتعادل الفضيلتين فيها . والله أعلم .
( العاشر ) أن يحرص على الوقوف بموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند الصخرات كما سبق بيانه .
قال أصحابنا : وإن كان راكبا جعل نظر راحلته إلى الصخرات لحديث السابق في صحيح جابر . وإن كان راجلا وقف على الصخرات أو عندها بحسب الإمكان بحيث لا يؤذي ولا يتأذى ، قال أصحابنا : فإن [ ص: 135 ] تعذر عليه الوصول إليه للزحمة تقرب منه بحسب الإمكان فهذا هو الصواب . وأما ما اشتهر عند العوام من الاعتناء بالوقوف على مسلم جبل الرحمة الذي هو بوسط عرفات كما سبق بيانه ، وترجيحهم له على غيره من أرض عرفات حتى ربما توهم من جهلتهم أنه لا يصح الوقوف إلا فيه ، فخطأ ظاهر ومخالف للسنة ، ولم يذكر أحد ممن يعتمد في صعود هذا الجبل فضيلة يختص بها ، بل له حكم سائر أرض عرفات غير موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فإنه قال : يستحب الوقوف عليه ، وكذا قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري الماوردي في الحاوي يستحب قصد هذا الجبل الذي يقال له جبل الدعاء ، قال : وهو موقف الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، وذكر البندنيجي نحوه .
وهذا الذي قالوه لا أصل له ولم يرد فيه حديث صحيح ولا ضعيف فالصواب الاعتناء بموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي خصه العلماء بالذكر وحثوا عليه وفضلوه وحديثه في صحيح وغيره كما سبق . هكذا نص عليه مسلم وجميع أصحابنا وغيرهم من العلماء . وقد قال الشافعي إمام الحرمين في وسط عرفات جبل يسمى جبل الرحمة لا نسك في صعوده وإن كان يعتاده الناس ، والله أعلم .
( الحادي عشر ) السنة أن يكثر من الدعاء والتهليل والتلبية والاستغفار والتضرع وقراءة القرآن ، فهذه وظيفة هذا اليوم ولا يقصر في ذلك ، وهو معظم الحج ومطلوبه ، وقد سبق في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( { عرفة } ) فينبغي أن لا يقصر في الاهتمام بذلك واستفراغ الوسع فيه . ويكثر من هذا الذكر والدعاء قائما وقاعدا ويرفع يديه في الدعاء ولا يجاوز بهما رأسه . ولا يتكلف السجع في الدعاء ، ولا بأس بالدعاء المسجوع إذا كان محفوظا أو قاله بلا تكلف ولا [ ص: 136 ] فكر فيه ، بل جرى على لسانه ولم يقصد تكلف ترتيبه وإعرابه وغير ذلك مما يشغل قلبه . الحج
ويستحب أن يخفض صوته بالدعاء ويكره الإفراط في رفع الصوت لحديث رضي الله عنه قال { أبي موسى الأشعري } رواه كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ، رفعت أصواتنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم ، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، إنه معكم إنه سميع قريب البخاري . اربعوا - بفتح الباء الموحدة - أي ارفقوا بأنفسكم ويستحب أن يكثر التضرع والخشوع ، والتذلل والخضوع وإظهار الضعف والافتقار ، ويلح في الدعاء ولا يستبطئ الإجابة ، بل يكون قوي الرجاء للإجابة . لحديث ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أبي هريرة } رواه يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول قد دعوت ولم يستجب لي البخاري . وعن ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { عبادة بن الصامت } رواه ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم . فقال رجل من القوم : إذن نكثر . قال : الله أكثر الترمذي وقال حديث حسن صحيح . ورواه في المستدرك من رواية الحاكم وزاد فيه { أبي سعيد } ويستحب أن يكرر كل دعاء ثلاثا . ويفتتح دعاءه بالتحميد والتمجيد لله تعالى والتسبيح . والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويختمه بمثل ذلك . وليكن متطهرا متباعدا عن الحرام والشبهة في طعامه وشرابه ولباسه ومركوبه وغير ذلك مما معه ، فإن هذه آداب لجميع الدعوات . وليختم دعاءه بآمين . وليكثر من التسبيح والتهليل والتكبير ونحوها من الأذكار . وأفضله ما قدمناه من رواية أو يدخر له من الأجر مثلها الترمذي وغيره عن عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ ص: 137 ] { عمرو بن شعيب عرفة . وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له . له الملك وله الحمد . وهو على كل شيء قدير } . وفي كتاب أفضل الدعاء يوم الترمذي عن رضي الله عنه قال : { علي عرفة في الموقف اللهم لك الحمد كالذي نقول وخير مما نقول . اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي . وإليك مآبي ، لك رب قرآني . اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر . اللهم إني أعوذ بك من شر ما تجيء به الريح } وإسناد هذين الحديثين ضعيف . لكن معناهما صحيح ، وأحاديث الفضائل يعمل فيها بالأضعف كما سبق مرات . ويكثر من التلبية رافعا بها صوته ومن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وينبغي أن يأتي بهذه الأذكار كلها . فتارة يهلل وتارة يكبر وتارة يسبح وتارة يقرأ القرآن . وتارة يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وتارة يدعو وتارة يستغفر ويدعو مفردا ، وفي جماعة وليدع لنفسه ولوالديه ومشايخه وأقاربه وأصحابه وأصدقائه وأحبائه وسائر من أحسن إليه وسائر المسلمين ، وليحذر كل الحذر من التقصير في شيء من هذا . فإن هذا اليوم لا يمكن تداركه بخلاف غيره . وينبغي أن يكرر الاستغفار والتلفظ بالتوبة من جميع المخالفات . مع الندم بالقلب . وأن يكثر البكاء مع الذكر والدعاء . فهناك تسكب العبرات . وتستقال العثرات وترتجى الطلبات . وإنه لمجمع عظيم وموقف جسيم يجتمع فيه خيار عباد الله الصالحين وأوليائه المخلصين والخواص من المقربين . وهو أعظم مجامع الدنيا . وقد قيل إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة غفر لكل أهل الموقف . أكثر ما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يوم
وثبت في صحيح عن مسلم رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 138 ] قال : { عائشة عرفة . وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة . فيقول ما أراد هؤلاء ؟ } وروينا عن ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم أحد العشرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { طلحة بن عبيد الله عرفة . وما ذاك إلا أن الرحمة تنزل فيه فيتجاوز عن الذنوب العظام } وعن ما رئي الشيطان أصغر ولا أحقر ولا أدبر ولا أغيظ منه في يوم رضي الله عنهم " أنه رأى سائلا يسأل الناس يوم سالم بن عبد الله بن عمر عرفة . فقال : يا عاجز . في هذا اليوم يسأل غير الله تعالى ؟ " . وعن رحمه الله أنه نظر إلى بكاء الناس الفضيل بن عياض بعرفة فقال " أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقا ؟ أكان يردهم ؟ قيل : لا . قال : والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق " وبالله التوفيق .
( فرع ) ومن الأدعية المختارة : اللهم آتنا في الدنيا حسنة . وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا كبيرا . وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . فاغفر لي مغفرة من عندك . وارحمني رحمة أسعد بها في الدارين وتب علي توبة نصوحا لا أنكثها أبدا وألزمني سبيل الاستقامة لا أزيغ عنها أبدا . اللهم انقلني من ذل المعصية إلى عز الطاعة . واكفني بحلالك عن حرامك . وأغنني بفضلك عمن سواك . ونور قلبي وقبري . واغفر لي من الشر كله . واجمع لي الخير . اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى . اللهم يسرني لليسرى وجنبني العسرى ، وارزقني طاعتك ما أبقيتني ، أستودعك مني ومن أحبابي والمسلمين أدياننا وأماناتنا وخواتيم أعمالنا ، وأقوالنا وأبداننا ، وجميع ما أنعمت به علينا ، وبالله التوفيق
( فرع ) ، بل ينبغي أن يحترز من الكلام المباح ما أمكنه ، فإنه تضييع للوقت المهم فيما لا يعني مع أنه يخاف انجراره إلى حرام من غيبة ونحوها ، وينبغي أن يحترز غاية الاحتراز عن احتقار من يراه رث الهيئة أو مقصرا في شيء ، ويحترز من انتهار السائل ونحوه ، فإن خاطب ضعيفا تلطف في مخاطبته ، فإن رأى منكرا محققا لزمه إنكاره ، ويتلطف في ذلك . ليحذر كل الحذر من المخاصمة والمشاتمة والمنافرة والكلام [ ص: 139 ] القبيح
( فرع ) وقد ثبت في صحيح ليستكثر من أعمال الخير في يوم عرفة وسائر أيام عشر ذي الحجة عن البخاري رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ابن عباس } والله تعالى أعلم . ما العمل في أيام أفضل منه في هذه ، يعني أيام العشر ، قالوا : ولا الجهاد ؟ قال ولا الجهاد ، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء
( فرع ) وقد ثبت في صحيح ليستكثر من أعمال الخير في يوم عرفة وسائر أيام عشر ذي الحجة عن البخاري رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ابن عباس } والله تعالى أعلم . ما العمل في أيام أفضل منه في هذه ، يعني أيام العشر ، قالوا : ولا الجهاد ؟ قال ولا الجهاد ، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء
( فرع ) إلا للعذر بأن يتضرر أو ينقص دعاؤه أو اجتهاده في الأذكار . ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم استظل الأفضل للواقف أن لا يستظل ، بل يبرز للشمس بعرفات مع ثبوت الحديث في صحيح وغيره عن مسلم أم الحصين أن النبي صلى الله عليه وسلم { } وقد قدمنا بيان مذهبنا غير ما في استظلال المحرم بغير ظلل عليه بثوب وهو يرمي الجمرة عرفات في باب الإحرام . والله أعلم .
( فرع ) في التعريف بغير عرفات ، وهو الاجتماع المعروف في البلدان بعد العصر يوم عرفة ، وفيه خلاف للسلف رويناه في سنن عن البيهقي أبي عوانة قال : " رأيت الحسن البصري يوم عرفة بعد العصر جلس فدعا وذكر الله عز وجل فاجتمع الناس " وفي رواية " رأيت الحسن خرج يوم عرفة من المقصورة بعد العصر فعرف . وعن قال " سألت شعبة الحكم وحمادا عن عرفة في المساجد فقالا : هو محدث " وعن اجتماع الناس يوم منصور عن هو محدث وعن إبراهيم النخعي عن قتادة الحسن قال : قال : أول من صنع ذلك ، هذا ما ذكره ابن عباس . وقال البيهقي : سألت [ ص: 140 ] الأثرم عنه فقال : أرجو أنه لا بأس به ، قد فعله غير واحد ، أحمد بن حنبل الحسن وبكر وثابت كانوا يشهدون المسجد يوم ومحمد بن واسع عرفة ، وكرهه جماعات منهم نافع مولى ابن عمر وإبراهيم النخعي والحكم وحماد وغيرهم ، وصنف الإمام ومالك بن أنس المالكي الزاهد كتابا في البدع المنكرة ، جعل منها هذا التعريف ، وبالغ في إنكاره ، ونقل أقوال العلماء فيه ، ولا شك أن من جعله بدعة لا يلحقه بفاحشات البدع ، بل يخفف أمرها والله أعلم أبو بكر الطرطوشي
( فرع ) من البدع القبيحة ما اعتاده بعض العوام في هذه الأزمان من عرفة ليلة التاسع أو غيرها ، ويستصحبون الشمع من بلدانهم لذلك ويعتنون به ، وهذه ضلالة فاحشة جمعوا فيها أنواعا من القبائح ( منها ) إضاعة المال في غير وجهه ( ومنها ) إظهار شعار المجوس في الاعتناء بالنار ( ومنها ) اختلاط النساء بالرجال ، والشموع بينهم ، ووجوههم بارزة ( ومنها ) تقديم دخول إيقاد الشمع بجبل عرفات على وقتها المشروع ، ويجب على ولي الأمر - وفقه الله - وكل مكلف تمكن من إزالة هذه البدع إنكارها ، والله المستعان .
( فرع ) في مذاهب العلماء في مسائل تتعلق بالوقوف ( إحداها ) قال : أجمع العلماء على أنه يصح ابن المنذر كالجنب والحائض وغيرهما ، واختلفوا في وقوف غير الطاهر من الرجال والنساء عرفة بعرفة وقد ذكرنا المذاهب فيه في باب صوم التطوع . ( الثانية ) ذكرنا أن الأصح عندنا أنه لا يصح صوم يوم ، وحكاه وقوف المغمى عليه عن ابن المنذر الشافعي وأحمد وإسحاق قال : وبه أقول ، وقال وأبي ثور مالك يصح . وأبو حنيفة
( الثالثة ) لو وقف بعرفات ، وهو لا يعلم أنها عرفات فقد ذكرنا أن [ ص: 141 ] مذهبنا صحة وقوفه ، وبه قال مالك ، وحكى وأبو حنيفة عن بعض العلماء أنه لا يجزئه ابن المنذر
( الثالثة ) لو وقف بعرفات ، وهو لا يعلم أنها عرفات فقد ذكرنا أن [ ص: 141 ] مذهبنا صحة وقوفه ، وبه قال مالك ، وحكى وأبو حنيفة عن بعض العلماء أنه لا يجزئه ابن المنذر
( الرابعة ) إذا ولم يعد في نهاره إلى وقف في النهار ودفع قبل غروب الشمس عرفات ، هل يلزمه الدم ؟ فيه قولان سبقا ( الأصح ) أنه لا يلزمه ، وقال أبو حنيفة يلزمه ، فإن قلنا يلزمه فعاد في الليل سقط عندنا وعند وأحمد وقال مالك أبو حنيفة : لا يسقط ، وإذا دفع بالنهار ولم يعد ، أجزأه وقوفه وحجه صحيح ، سواء أوجبنا الدم أم لا ، وبه قال وأبو ثور عطاء والثوري وأبو حنيفة ، وهو الصحيح من مذهب وأبو ثور ، قال أحمد : وبه قال جميع العلماء إلا ابن المنذر . وقال مالكا : المعتمد في الوقوف مالك بعرفة هو الليل ، فإن لم يدرك شيئا من الليل فقد فاته الحج ، وهو رواية عن . واحتج أحمد بأن النبي صلى الله عليه وسلم { مالك } . واحتج أصحابنا بحديث وقف حتى غربت الشمس ، وقال : لتأخذوا عني مناسككم عروة بن مضرس السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه } وهو حديث صحيح ( والجواب ) عن حديثهم أنه محمول على الاستحباب أو أن الجمع بين الليل والنهار يجب لكن يجبر بدم ، ولا بد من الجمع بين الحديثين ، وهذا الذي ذكرناه طريق الجمع والله أعلم . من شهد صلاتنا هذه - يعني الصبح - وقد وقف