الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اعلم أنه قد تواتر nindex.php?page=treesubj&link=28272النقل عن الأئمة في تعظيم قدر حديث النية .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة : ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة منه ، واتفق الإمام nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل nindex.php?page=showalam&ids=16349وابن مهدي ، nindex.php?page=showalam&ids=16604وابن المديني ، nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود ، nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني وغيرهم على أنه ثلث العلم ، ومنهم من قال : ربعه ، ووجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي كونه ثلث العلم : بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه ، فالنية أحد أقسامها الثلاثة وأرجحها ; لأنها قد تكون عبادة مستقلة ، وغيرها يحتاج إليها ومن ثم ورد { nindex.php?page=hadith&LINKID=38797نية المؤمن خير من عمله . }
وكلام الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد يدل على أنه أراد بكونه ثلث العلم ، أنه أحد القواعد الثلاث التي ترد إليها جميع الأحكام عنده فإنه قال : أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث : حديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=12419الأعمال بالنية }
وحديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=58333من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد }
وحديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=14090الحلال بين والحرام بين } .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود : مدار السنة على أربعة أحاديث : حديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=12419الأعمال بالنيات } ، وحديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=36222من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه } ، وحديث " { nindex.php?page=hadith&LINKID=14090الحلال بين والحرام بين } ، وحديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=11246إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا } ، وفي لفظ عنه : يكفي الإنسان لدينه أربعة أحاديث ، فذكرها ، وذكر بدل الأخير : حديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=31959لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه } .
وعنه أيضا : الفقه يدور على خمسة أحاديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=12419الأعمال بالنيات } ، { nindex.php?page=hadith&LINKID=39731والحلال بين } ، { nindex.php?page=hadith&LINKID=30905ولا ضرر ولا ضرار } ، { nindex.php?page=hadith&LINKID=34811وما نهيتكم عنه فانتهوا وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم } .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : أصول الأحاديث أربعة { nindex.php?page=hadith&LINKID=12419الأعمال بالنيات } ، { nindex.php?page=hadith&LINKID=36222ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه } ، { nindex.php?page=hadith&LINKID=39731والحلال بين } ، { nindex.php?page=hadith&LINKID=39649وازهد في الدنيا يحبك الله } .
وحكى الخفاف من أصحابنا في كتاب الخصال عن nindex.php?page=showalam&ids=16349ابن مهدي nindex.php?page=showalam&ids=16604وابن المديني : أن مدار الأحاديث على أربعة : { nindex.php?page=hadith&LINKID=12419الأعمال بالنيات } ، و { nindex.php?page=hadith&LINKID=31391لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث } ، و { nindex.php?page=hadith&LINKID=16430بني الإسلام على خمس } ، و { nindex.php?page=hadith&LINKID=13922البينة على المدعي واليمين على من أنكر } ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16349ابن مهدي أيضا : حديث النية يدخل في ثلاثين بابا من العلم .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يدخل في سبعين بابا .
قلت : وهذا ذكر ما يرجع إليه من الأبواب إجمالا :
من ذلك : ربع العبادات بكماله ، كالوضوء ، والغسل فرضا ونفلا ، ومسح الخف في مسألة [ ص: 10 ] الجرموق إذا مسح الأعلى ، وهو ضعيف ، فينزل البلل إلى الأسفل ، والتيمم ، وإزالة النجاسة على رأي ، وغسل الميت على رأي ، والأواني في مسألة الضبة بقصد الزينة أو غيرها ، والصلاة بأنواعها : فرض عين وكفاية ، وراتبة وسنة ، ونفلا مطلقا ، والقصر ، والجمع ، والإمامة والاقتداء وسجود التلاوة والشكر ، وخطبة الجمعة على أحد الوجهين ، والأذان ، على رأي ، وأداء الزكاة ، واستعمال الحلي أو كنزه ، والتجارة ، والقنية ، والخلطة على رأي ، وبيع المال الزكوي ، وصدقة التطوع ، والصوم فرضا ونفلا ، والاعتكاف ، والحج والعمرة كذلك ، والطواف فرضا واجبا وسنة ، والتحلل للمحصر ، والتمتع على رأي ، ومجاوزة الميقات ، والسعي ، والوقوف على رأي ، والفداء ، والهدايا ، والضحايا فرضا ونفلا ، والنذور ، والكفارات ، والجهاد والعتق والتدبير ، والكتابة ، والوصية ، والنكاح ، والوقف ، وسائر القرب ، بمعنى توقف حصول الثواب على قصد التقرب بها إلى الله تعالى ، وكذلك نشر العلم تعليما وإفتاء وتصنيفا ، والحكم بين الناس وإقامة الحدود ، وكل ما يتعاطاه الحكام والولاة ، وتحمل الشهادات وأداؤها .
بل يسري ذلك إلى سائر المباحات إذا قصد بها التقوي على العبادة أو التوصل إليها ، كالأكل ، والنوم ، واكتساب المال وغير ذلك ، وكذلك النكاح والوطء إذا قصد به إقامة السنة أو الإعفاف أو تحصيل الولد الصالح ، وتكثير الأمة ، ويندرج في ذلك ما لا يحصى من المسائل .
ويدخل أيضا فيها في غير الكنايات في مسائل شتى : كقصد لفظ الصريح لمعناه ، ونية المعقود عليه في المبيع والثمن ، وعوض الخلع ، والمنكوحة ، ويدخل في بيع المال الربوي ونحوه وفي النكاح nindex.php?page=treesubj&link=28273إذا نوى ما لو صرح به بطل .
وفي القصاص في مسائل كثيرة منها nindex.php?page=treesubj&link=28273تمييز العمد وشبهه من الخطأ ، ومنها nindex.php?page=treesubj&link=28273_9138_9139_16755إذا قتل الوكيل في القصاص ، إن قصد قتله عن الموكل ، أو قتله بشهوة نفسه . وفي الردة ، وفي السرقة فيما إذا أخذ آلات الملاهي بقصد كسرها وإشهارها أو بقصد سرقتها ، وفيما nindex.php?page=treesubj&link=25272_10106_28273_16755إذا أخذ الدائن مال المدين بقصد الاستيفاء ، أو السرقة ، فلا يقطع في الأول ، ويقطع في الثاني وفي أداء الدين ، فلو nindex.php?page=treesubj&link=28273_24294كان عليه دينان لرجل ، بأحدهما رهن ، فأدى أحدهما ونوى به دين الرهن ، انصرف إليه والقول قوله في نيته .
وفي اللقطة بقصد الحفظ أو التمليك ، وفيما nindex.php?page=treesubj&link=11456_28273لو أسلم على أكثر من أربع ، فقال : فسخت نكاح هذه ، فإن نوى به الطلاق كان تعيينا لاختيار النكاح ، وإن نوى الفراق أو أطلق حمل على اختيار الفراق ، وفيما nindex.php?page=treesubj&link=7535_7536لو وطئ أمة بشبهة ، وهو يظنها زوجته الحرة ، فإن الولد ينعقد حرا وفيما nindex.php?page=treesubj&link=28324لو تعاطى فعل شيء مباح له ، وهو يعتقد عدم حله ، كمن nindex.php?page=treesubj&link=10367وطئ امرأة يعتقد أنها [ ص: 11 ] أجنبية ، وأنه زان بها ، فإذا هي حليلته أو nindex.php?page=treesubj&link=9149_9139قتل من يعتقده معصوما ، فبان أنه يستحق دمه ، nindex.php?page=treesubj&link=16755أو أتلف مالا لغيره ، فبان ملكه .
قال الشيخ عز الدين : يجري عليه حكم الفاسق لجرأته على الله ; لأن العدالة إنما شرطت لتحصل الثقة بصدقه ، وأداء الأمانة ، وقد انخرمت الثقة بذلك ، لجرأته بارتكاب ما يعتقده كبيرة .
قال : وأما مفاسد الآخرة فلا يعذب تعذيب زان ولا قاتل ، ولا آكل مالا حراما لأن عذاب الآخرة مرتب على ترتب المفاسد في الغالب ، كما أن ثوابها مرتب على ترتب المصالح في الغالب .
قال : والظاهر أنه لا يعذب تعذيب من ارتكب صغيرة ; لأجل جرأته وانتهاك الحرمة ; بل عذابا متوسطا بين الصغيرة والكبيرة .
وعكس هذا : nindex.php?page=treesubj&link=10427_10374_28273من وطئ أجنبية وهو يظنها حليلة له لا يترتب عليه شيء من العقوبات المؤاخذات المترتبة على الزاني اعتبارا بنيته ومقصده .
وتدخل النية أيضا : في عصير العنب بقصد الخلية والخمرية ، وفي nindex.php?page=treesubj&link=18836الهجر فوق ثلاثة أيام فإنه حرام ، إن قصد الهجر وإلا فلا .
ونظيره أيضا : nindex.php?page=treesubj&link=12627_12626_12625_17598_17573ترك الطيب والزينة فوق ثلاثة أيام لموت غير الزوج ، فإنه إن كان بقصد الإحداد حرم وإلا فلا وتدخل أيضا في نية قطع السفر ، وقطع القراءة في الصلاة ، وقراءة القرآن جنبا بقصده ، أو بقصد الذكر . وفي الصلاة بقصد الإفهام ، وفي غير ذلك وفي الجعالة إذا التزم جعلا لمعين ، فشاركه غيره في العمل إن قصد إعانته ، فله كل الجعل ، وإن قصد العمل للمالك فله قسطه ، ولا شيء للمشارك ، وفي الذبائح .
فهذه سبعون بابا ، أو أكثر ، دخلت فيها النية كما ترى .
فعلم من ذلك فساد قول من قال إن مراد nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بقوله " تدخل في سبعين بابا من العلم " المبالغة وإذا عددت مسائل هذه الأبواب التي للنية فيها مدخل لم تقصر عن أن تكون ثلث الفقه أو ربعه .
وقد قيل في قوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=38797نية المؤمن خير من عمله } : أن المؤمن يخلد في الجنة وإن أطاع الله مدة حياته فقط ; لأن نيته أنه لو بقي أبد الآباد لاستمر على الإيمان ، فجوزي على ذلك بالخلود في الجنة ، كما أن الكافر يخلد في النار ، وإن لم يعص الله إلا مدة حياته فقط ; لأن نيته الكفر ما عاش .