(
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29046_28904لا أقسم بيوم القيامة nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2ولا أقسم بالنفس اللوامة nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بلى قادرين على أن نسوي بنانه
افتتاح السورة بالقسم مؤذن بأن ما سيذكر بعده أمر مهم لتستشرف له نفس السامع كما تقدم في عدة مواضع من أقسام القرآن .
وكون القسم بيوم القيامة براعة استهلال لأن غرض السورة
nindex.php?page=treesubj&link=30296وصف يوم القيامة .
وفيه أيضا كون المقسم به هو المقسم على أحواله تنبيها على زيادة مكانته عند المقسم في قول
أبي تمام :
وثناياك إنهـا إغـريض ولئال تؤم وبرق وميض
[ ص: 338 ] كما تقدم عند قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=1حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا ) في سورة الزخرف .
وصيغة ( لا أقسم ) صيغة قسم ، أدخل حرف النفي على فعل ( أقسم ) لقصد المبالغة في تحقيق حرمة المقسم به بحيث يوهم للسامع أن المتكلم يهم أن يقسم به ثم يترك القسم مخافة الحنث بالمقسم به فيقول : لا أقسم به ، أي ولا أقسم بأعز منه عندي ، وذلك كناية عن تأكيد القسم ، وتقدم عند قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=75فلا أقسم بمواقع النجوم ) في سورة الواقعة .
وفيه محسن بديعي من قبيل ما يسمى تأكيد المدح بما يشبه الذم . وهذا لم نذكره فيما مضى ولم يذكره أحد .
والقسم (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1بيوم القيامة ) باعتباره ظرفا لما يجري فيه من عدل الله وإفاضة فضله وما يحضره من الملائكة والنفوس المباركة .
وتقدم الكلام على ( يوم القيامة ) غير مرة ، منها قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=85ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ) في سورة البقرة .
وجواب القسم يؤخذ من قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=29046_28760_30340أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه ) لأنه دليل الجواب إذ التقدير : لنجمعن عظام الإنسان أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه .
وفي الكشاف : قالوا إنه ( أي لا أقسم ) في الإمام بغير ألف وتبرأ منه بلفظ ( قالوا ) لأنه مخالف للموجود في المصاحف . وقد نسب إلى
البزي عن
ابن كثير أنه قرأ ( لأقسم ) الأول دون ألف وهي رواية عنه ذكرها الشيخ
علي النوري في غيث النفع ولم يذكرها
الشاطبي . واقتصر
ابن عطية على نسبتها إلى
ابن كثير دون تقييد ، فتكون اللام لام قسم . والمشهور عن
ابن كثير خلاف ذلك ، وعطف قوله ( ولا أقسم ) تأكيدا للجملة المعطوف عليها ، وتعريف ( النفس ) تعريف الجنس ، أي الأنفس اللوامة . والمراد نفوس المؤمنين . ووصف اللوامة مبالغة لأنها تكثر لوم صاحبها على التقصير في التقوى والطاعة . وهذا اللوم هو المعبر عنه في الاصطلاح بالمحاسبة ، ولومها يكون بتفكيرها وحديثها النفسي . قال
الحسن : ما يرى المؤمن إلا يلوم نفسه على ما فات ويندم ، يلوم نفسه على الشر لم فعله وعلى الخير لم
[ ص: 339 ] لم يستكثر منه ، فهذه نفوس خيرة حقيقة أن تشرف بالقسم بها وما كان يوم القيامة إلا لكرامتها .
والمراد اللوامة في الدنيا لوما تنشأ عنه التوبة والتقوى وليس المراد لوم الآخرة إذ يقول (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=24يا ليتني قدمت لحياتي ) .
ومناسبة القسم بها مع يوم القيامة أنها النفوس ذات الفوز في ذلك اليوم . وعن بعض المفسرين أن ( لا أقسم ) مراد منه عدم القسم ففسر النفس اللوامة بالتي تلوم على فعل الخير .
وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه ) إلخ دليل على جواب القسم إذ تقدير الجواب لنجمعن عظامكم ونبعثكم للحساب .
وتعريف ( الإنسان ) تعريف الجنس ، ووقوعه في سياق الإنكار الذي هو في معنى النفي يقتضي العموم ، وهو عموم عرفي منظور فيه إلى غالب الناس يومئذ إذ كان المؤمنون قليلا . فالمعنى : أيحسب الإنسان الكافر .
وجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أن لن نجمع عظامه ) مركبة من حرف ( أن ) المفتوحة الهمزة المخففة النون التي هي أخت ( إن ) المكسورة .
واسم ( أن ) ضمير شأن محذوف .
والجملة الواقعة بعد ( أن ) خبر عن ضمير الشأن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16076فسيبويه يجعل ( أن ) مع اسمها وخبرها سادة مسد مفعولي فعل الظن .
والأخفش يجعل ( أن ) مع جزءيها في مقام المفعول الأول - أي لأنه مصدر - ويقدر مفعولا ثانيا . وذلك أن من خواص أفعال القلوب جواز دخول ( أن ) المفتوحة المهمزة بعدها فيستغني الفعل بـ ( أن ) واسمها وخبرها عن مفعوليه .
وجيء بحرف ( لن ) الدال على تأكيد النفي لحكاية
nindex.php?page=treesubj&link=28760اعتقاد المشركين استحالة جمع العظام بعد رمامها وتشتتها .
قال
القرطبي : نزلت في
عدي بن ربيعة - الصواب
ابن أبي ربيعة - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : يا
محمد حدثني عن يوم القيامة ، فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال
عدي : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك أو يجمع الله العظام ، فنزلت هذه الآية ، ألا قلت : إن سبب النزول لا يخصص الإنسان بهذا السائل .
[ ص: 340 ] والعظام : كناية عن الجسد كله ، وإنما خصت بالذكر لحكاية أقواله (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78من يحيي العظام وهي رميم (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=49أإذا كنا عظاما ورفاتا إنا لمبعوثون ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=11إذا كنا عظاما نخرة ) فهم احتجوا باستحالة قبول العظام للإعادة بعد البلى ، على أن استحالة إعادة اللحم والعصب والفؤاد بالأولى . فإثبات إعادة العظام اقتضى أن إعادة بقية الجسم مساو لإعادة العظم وفي ذلك كفاية من الاستدلال مع الإيجاز .
ثم إن كانت إعادة الخلق بجمع أجزاء أجسامهم المتفرقة من ذرات الله أعلم بها ، وهو أحد قولين لعلمائنا ، ففعل ( نجمع ) محمول على حقيقته . وإن كان البعث بخلق أجسام أخرى على صور الأجسام الفانية سواء كان خلقا مستأنفا أو مبتدأ من أعجاب الأذناب على ما ورد في بعض الأخبار وهما قولان لعلمائنا . ففعل ( نجمع ) مستعار للخلق الذي هو على صورة الجسم الذي بلي . ومناسبة استعارته مشاكلة أقوال المشركين التي أريد إبطالها لتجنب الدخول معهم في تصوير كيفية البعث ، ولذلك لا ترى في آيات القرآن إلا إجمالها ومن ثم اختلف علماء الإسلام في كيفية إعادة الأجسام عند البعث . واختار
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين التوقف ، وآيات القرآن ورد فيها ما يصلح للأمرين .
و ( بلى ) حرف إبطال للنفي الذي دل عليه لن نجمع عظامه فمعناه بل تجمع عظامه على اختلاف المحملين في معنى الجمع .
و ( قادرين ) حال من الضمير في الفعل المحذوف بعد ( بلى ) الذي يدل عليه قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أن لن نجمع ) ، أي بل نجمعها في حال قدرتنا على أن نسوي بنانه .
ويجوز أن يكون ( بلى ) إبطالا للنفيين : النفي الذي أفاده الاستفهام الإنكاري من قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أيحسب الإنسان ) ، والنفي الذي في مفعول ( يحسب ) ، وهو إبطال بزجر ، أي بل ليحسبنا قادرين ، لأن مفاد (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أن لن نجمع عظامه ) أن لا نقدر على جمع عظامه فيكون ( قادرين ) مفعولا ثانيا ليحسبنا المقدر ، وعدل في متعلق ( قادرين ) عن أن يقال : قادرين على جمع عظامه إلى قادرين على أن نسوي بنانه لأنه أوفر معنى وأوفق بإرادة إجمال كيفية البعث والإعادة .
ولمراعاة هذه المعاني عدل عن رفع : " قادرون " ، بتقدير : نحن قادرون فلم يقرأ بالرفع .
[ ص: 341 ] والتسوية : تقويم الشيء وإتقان الخلق قال تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=7ونفس وما سواها ) وقال في هذه السورة (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=38فخلق فسوى ) . وأريد بالتسوية إعادة خلق البنان مقومة متقنة ، فالتسوية كناية عن الخلق لأنها تستلزمه فإنه ما سوي إلا وقد أعيد خلقه قال تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=2الذي خلق فسوى ) .
والبنان أصابع اليدين والرجلين أو أطراف تلك الأصابع . وهو اسم جمع بنانة .
وإذ كانت هي أصغر الأعضاء الواقعة في نهاية الجسد كانت تسويتها كناية عن تسوية جميع الجسد لظهور أن تسوية أطراف الجسد تقتضي تسوية ما قبلها كما تقول : قلعت الريح أوتاد الخيمة كناية عن قلعها الخيمة كلها فإنه قد يكنى بأطراف الشيء عن جميعه .
ومنه قولهم : لك هذا الشيء بأسره ، أي مع الحبل الذي يشد به ، كناية عن جميع الشيء . وكذلك قولهم : هو لك برمته ، أي بحبله الذي يشد به .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29046_28904لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أَيَحْسِبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ
افْتِتَاحُ السُّورَةِ بِالْقَسَمِ مُؤْذِنٌ بِأَنَّ مَا سَيُذْكَرُ بَعْدَهُ أَمْرٌ مُهِمٌّ لِتَسْتَشْرِفَ لَهُ نَفْسُ السَّامِعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ أَقْسَامِ الْقُرْآنِ .
وَكَوْنُ الْقَسَمِ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ بَرَاعَةُ اسْتِهْلَالٍ لِأَنَّ غَرَضَ السُّورَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=30296وَصْفُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَفِيهِ أَيْضًا كَوْنُ الْمُقْسَمِ بِهِ هُوَ الْمُقْسَمَ عَلَى أَحْوَالِهِ تَنْبِيهًا عَلَى زِيَادَةِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ الْمُقْسِمِ فِي قَوْلِ
أَبِي تَمَامٍ :
وَثَنَايَاكِ إِنَّهَـا إِغْـرِيضُ وَلَئَالٍ تُؤْمٌ وَبَرْقٌ وَمِيضُ
[ ص: 338 ] كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=1حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ) فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ .
وَصِيغَةُ ( لَا أُقْسِمُ ) صِيغَةُ قَسَمٍ ، أَدْخَلَ حَرْفَ النَّفْيِ عَلَى فِعْلِ ( أَقْسَمَ ) لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ فِي تَحْقِيقِ حُرْمَةِ الْمُقْسَمِ بِهِ بِحَيْثُ يُوهِمُ لِلسَّامِعِ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يُهِمُّ أَنْ يُقْسِمَ بِهِ ثُمَّ يَتْرُكُ الْقَسَمَ مَخَافَةَ الْحِنْثِ بِالْمُقْسَمِ بِهِ فَيَقُولُ : لَا أُقْسِمُ بِهِ ، أَيْ وَلَا أُقْسِمُ بِأَعَزَّ مِنْهُ عِنْدِي ، وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ تَأْكِيدِ الْقَسَمِ ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=75فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ) فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ .
وَفِيهِ مُحَسِّنٌ بَدِيعِيٌّ مِنْ قَبِيلِ مَا يُسَمَّى تَأْكِيدَ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ . وَهَذَا لَمْ نَذْكُرْهُ فِيمَا مَضَى وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ .
وَالْقَسَمُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ) بِاعْتِبَارِهِ ظَرْفًا لِمَا يَجْرِي فِيهِ مِنْ عَدْلِ اللَّهِ وَإِفَاضَةِ فَضْلِهِ وَمَا يَحْضُرُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالنُّفُوسِ الْمُبَارَكَةِ .
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ( يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) غَيْرُ مَرَّةٍ ، مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=85وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ ) فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَجَوَابُ الْقَسَمِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=29046_28760_30340أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ لَنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ) لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْجَوَابِ إِذِ التَّقْدِيرُ : لَنَجْمَعَنَّ عِظَامَ الْإِنْسَانِ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ لَنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ .
وَفِي الْكَشَّافِ : قَالُوا إِنَّهُ ( أَيْ لَا أُقْسِمُ ) فِي الْإِمَامِ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَتَبَرَّأَ مِنْهُ بِلَفْظِ ( قَالُوا ) لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَوْجُودِ فِي الْمَصَاحِفِ . وَقَدْ نُسِبَ إِلَى
الْبَزِّيِّ عَنِ
ابْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُ قَرَأَ ( لَأُقْسِمُ ) الْأَوَّلُ دُونَ أَلِفٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْهُ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ
عَلِيٌّ النُّورِيُّ فِي غَيْثِ النَّفْعَ وَلَمْ يَذْكُرْهَا
الشَّاطِبِيُّ . وَاقْتَصَرَ
ابْنُ عَطِيَّةَ عَلَى نِسْبَتِهَا إِلَى
ابْنِ كَثِيرٍ دُونَ تَقْيِيدٍ ، فَتَكُونُ اللَّامُ لَامَ قَسَمٍ . وَالْمَشْهُورُ عَنِ
ابْنِ كَثِيرٍ خِلَافُ ذَلِكَ ، وَعَطَفَ قَوْلَهَ ( وَلَا أُقْسِمُ ) تَأْكِيدًا لِلْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا ، وَتَعْرِيفُ ( النَّفْسِ ) تَعْرِيفُ الْجِنْسِ ، أَيْ الْأَنْفُسِ اللَّوَّامَةِ . وَالْمُرَادُ نُفُوسُ الْمُؤْمِنِينَ . وَوَصْفُ اللَّوَّامَةِ مُبَالَغَةٌ لِأَنَّهَا تُكْثِرُ لَوْمَ صَاحِبِهَا عَلَى التَّقْصِيرِ فِي التَّقْوَى وَالطَّاعَةِ . وَهَذَا اللَّوْمُ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي الِاصْطِلَاحِ بِالْمُحَاسَبَةِ ، وَلَوْمُهَا يَكُونُ بِتَفْكِيرِهَا وَحَدِيثِهَا النَّفْسِيِّ . قَالَ
الْحَسَنُ : مَا يُرَى الْمُؤْمِنُ إِلَّا يَلُومُ نَفْسَهُ عَلَى مَا فَاتَ وَيَنْدَمُ ، يَلُومُ نَفْسَهُ عَلَى الشَّرِّ لِمَ فَعَلَهُ وَعَلَى الْخَيْرِ لِمَ
[ ص: 339 ] لَمْ يَسْتَكْثِرْ مِنْهُ ، فَهَذِهِ نُفُوسٌ خَيِّرَةٌ حَقِيقَةٌ أَنْ تَشْرُفَ بِالْقَسَمِ بِهَا وَمَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ إِلَّا لِكَرَامَتِهَا .
وَالْمُرَادُ اللَّوَّامَةُ فِي الدُّنْيَا لَوْمًا تَنْشَأُ عَنْهُ التَّوْبَةُ وَالتَّقْوَى وَلَيْسَ الْمُرَادُ لَوْمَ الْآخِرَةِ إِذْ يَقُولُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=24يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ) .
وَمُنَاسَبَةُ الْقَسَمِ بِهَا مَعَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَنَّهَا النُّفُوسُ ذَاتُ الْفَوْزِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ . وَعَنْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ ( لَا أُقْسِمُ ) مُرَادٌ مِنْهُ عَدَمُ الْقَسَمِ فَفَسَّرَ النَّفْسَ اللَّوَّامَةَ بِالَّتِي تَلُومُ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ .
وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ لَنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ) إِلَخْ دَلِيلٌ عَلَى جَوَابِ الْقَسَمِ إِذْ تَقْدِيرُ الْجَوَابِ لَنَجْمَعَنَّ عِظَامَكُمْ وَنَبْعَثْكُمْ لِلْحِسَابِ .
وَتَعْرِيفُ ( الْإِنْسَانُ ) تَعْرِيفُ الْجِنْسِ ، وَوُقُوعُهُ فِي سِيَاقِ الْإِنْكَارِ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى النَّفْيِ يَقْتَضِي الْعُمُومَ ، وَهُوَ عُمُومٌ عُرْفِيٌّ مَنْظُورٌ فِيهِ إِلَى غَالِبِ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ إِذْ كَانَ الْمُؤْمِنُونَ قَلِيلًا . فَالْمَعْنَى : أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ الْكَافِرُ .
وَجُمْلَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أَنْ لَنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ) مُرَكَّبَةٌ مِنْ حَرْفِ ( أَنْ ) الْمَفْتُوحَةِ الْهَمْزَةِ الْمُخَفَّفَةِ النُّونِ الَّتِي هِيَ أُخْتُ ( إِنْ ) الْمَكْسُورَةِ .
وَاسْمُ ( أَنْ ) ضَمِيرُ شَأْنٍ مَحْذُوفٌ .
وَالْجُمْلَةُ الْوَاقِعَةُ بَعْدَ ( أَنْ ) خَبَرٌ عَنْ ضَمِيرِ الشَّأْنِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16076فَسِيبَوَيْهِ يَجْعَلُ ( أَنْ ) مَعَ اسْمِهَا وَخَبَرِهَا سَادَّةً مَسَدَّ مَفْعُولَيْ فِعْلِ الظَّنِّ .
وَالْأَخْفَشُ يَجْعَلُ ( أَنْ ) مَعَ جُزْءَيْهَا فِي مَقَامِ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ - أَيْ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ - وَيُقَدَّرُ مَفْعُولًا ثَانِيًا . وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ خَوَاصِّ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ جَوَازَ دُخُولِ ( أَنْ ) الْمَفْتُوحَةِ الْمُهْمَزَةِ بَعْدَهَا فَيَسْتَغْنِي الْفِعْلُ بِـ ( أَنْ ) وَاسْمِهَا وَخَبَرِهَا عَنْ مَفْعُولَيْهِ .
وَجِيءَ بِحَرْفِ ( لَنْ ) الدَّالِّ عَلَى تَأْكِيدِ النَّفْيِ لِحِكَايَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=28760اعْتِقَادِ الْمُشْرِكِينَ اسْتِحَالَةَ جَمْعِ الْعِظَامِ بَعْدَ رِمَامِهَا وَتَشَتُّتِهَا .
قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ : نَزَلَتْ فِي
عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ - الصَّوَابُ
ابْنُ أَبِي رَبِيعَةَ - قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : يَا
مُحَمَّدُ حَدِّثْنِي عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَقَالَ
عَدِيٌّ : لَوْ عَايَنْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَمْ أُصَدِّقْكَ أَوْ يَجْمَعُ اللَّهُ الْعِظَامَ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، أَلَا قُلْتَ : إِنَّ سَبَبَ النُّزُولِ لَا يُخَصِّصُ الْإِنْسَانَ بِهَذَا السَّائِلِ .
[ ص: 340 ] وَالْعِظَامُ : كِنَايَةٌ عَنِ الْجَسَدِ كُلِّهِ ، وَإِنَّمَا خُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِحِكَايَةِ أَقْوَالِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=49أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=11إِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً ) فَهُمُ احْتَجُّوا بِاسْتِحَالَةِ قَبُولِ الْعِظَامِ لِلْإِعَادَةِ بَعْدَ الْبِلَى ، عَلَى أَنَّ اسْتِحَالَةَ إِعَادَةِ اللَّحْمِ وَالْعَصَبِ وَالْفُؤَادِ بِالْأَوْلَى . فَإِثْبَاتُ إِعَادَةِ الْعِظَامِ اقْتَضَى أَنَّ إِعَادَةَ بَقِيَّةِ الْجِسْمِ مُسَاوٍ لِإِعَادَةِ الْعَظْمِ وَفِي ذَلِكَ كِفَايَةٌ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ مَعَ الْإِيجَازِ .
ثُمَّ إِنْ كَانَتْ إِعَادَةُ الْخَلْقِ بِجَمْعِ أَجْزَاءِ أَجْسَامِهِمُ الْمُتَفَرِّقَةِ مِنْ ذَرَّاتٍ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهَا ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ لِعُلَمَائِنَا ، فَفِعْلُ ( نَجْمَعَ ) مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ . وَإِنْ كَانَ الْبَعْثُ بِخَلْقِ أَجْسَامٍ أُخْرَى عَلَى صُوَرِ الْأَجْسَامِ الْفَانِيَةِ سَوَاءٌ كَانَ خَلْقًا مُسْتَأْنَفًا أَوْ مُبْتَدَأً مِنْ أَعْجَابِ الْأَذْنَابِ عَلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ وَهُمَا قَوْلَانِ لِعُلَمَائِنَا . فَفِعْلُ ( نَجْمَعَ ) مُسْتَعَارٌ لِلْخَلْقِ الَّذِي هُوَ عَلَى صُورَةِ الْجِسْمِ الَّذِي بَلِيَ . وَمُنَاسَبَةُ اسْتِعَارَتِهِ مُشَاكَلَةُ أَقْوَالِ الْمُشْرِكِينَ الَّتِي أُرِيدُ إِبْطَالُهَا لِتَجَنُّبِ الدُّخُولِ مَعَهُمْ فِي تَصْوِيرِ كَيْفِيَّةِ الْبَعْثِ ، وَلِذَلِكَ لَا تَرَى فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ إِلَّا إِجْمَالَهَا وَمِنْ ثَمَّ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ فِي كَيْفِيَّةِ إِعَادَةِ الْأَجْسَامِ عِنْدَ الْبَعْثِ . وَاخْتَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=12441إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ التَّوَقُّفَ ، وَآيَاتُ الْقُرْآنِ وَرَدَ فِيهَا مَا يَصْلُحُ لِلْأَمْرَيْنِ .
وَ ( بَلَى ) حَرْفُ إِبْطَالٍ لِلنَّفْيِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ لَنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ فَمَعْنَاهُ بَلْ تُجْمَعُ عِظَامُهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَحْمَلَيْنِ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ .
وَ ( قَادِرِينَ ) حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ بَعْدَ ( بَلَى ) الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أَنْ لَنْ نَجْمَعَ ) ، أَيْ بَلْ نَجْمَعُهَا فِي حَالِ قُدْرَتِنَا عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ( بَلَى ) إِبْطَالًا لِلنَّفْيَيْنِ : النَّفْيِ الَّذِي أَفَادَهُ الِاسْتِفْهَامُ الْإِنْكَارِيُّ مِنْ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ ) ، وَالنَّفْيُ الَّذِي فِي مَفْعُولِ ( يَحْسَبُ ) ، وَهُوَ إِبْطَالٌ بِزَجْرٍ ، أَيْ بَلْ لِيَحْسِبْنَا قَادِرِينَ ، لِأَنَّ مُفَادَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أَنْ لَنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ) أَنْ لَا نَقْدِرَ عَلَى جَمْعِ عِظَامِهِ فَيَكُونُ ( قَادِرِينَ ) مَفْعُولًا ثَانِيًا لِيَحْسِبْنَا الْمُقَدَّرِ ، وَعَدَلَ فِي مُتَعَلِّقِ ( قَادِرِينَ ) عَنْ أَنْ يُقَالَ : قَادِرِينَ عَلَى جَمْعِ عِظَامِهِ إِلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ لِأَنَّهُ أَوْفَرُ مَعْنًى وَأَوْفَقُ بِإِرَادَةِ إِجْمَالِ كَيْفِيَّةِ الْبَعْثِ وَالْإِعَادَةِ .
وَلِمُرَاعَاةِ هَذِهِ الْمَعَانِي عُدِلَ عَنْ رَفْعِ : " قَادِرُونَ " ، بِتَقْدِيرِ : نَحْنُ قَادِرُونَ فَلَمْ يُقْرَأْ بِالرَّفْعِ .
[ ص: 341 ] وَالتَّسْوِيَةُ : تَقْوِيمُ الشَّيْءِ وَإِتْقَانُ الْخَلْقِ قَالَ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=7وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ) وَقَالَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=38فَخَلَقَ فَسَوَّى ) . وَأُرِيدَ بِالتَّسْوِيَةِ إِعَادَةُ خَلْقِ الْبَنَانِ مُقَوَّمَةً مُتْقَنَةً ، فَالتَّسْوِيَةُ كِنَايَةٌ عَنِ الْخَلْقِ لِأَنَّهَا تَسْتَلْزِمُهُ فَإِنَّهُ مَا سُوِّيَ إِلَّا وَقَدْ أُعِيدَ خَلْقُهُ قَالَ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=2الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ) .
وَالْبَنَانُ أَصَابِعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ أَوْ أَطْرَافُ تِلْكَ الْأَصَابِعِ . وَهُوَ اسْمُ جَمْعِ بَنَانَةٍ .
وَإِذْ كَانَتْ هِيَ أَصْغَرَ الْأَعْضَاءِ الْوَاقِعَةِ فِي نِهَايَةِ الْجَسَدِ كَانَتْ تَسْوِيَتُهَا كِنَايَةً عَنْ تَسْوِيَةِ جَمِيعِ الْجَسَدِ لِظُهُورِ أَنَّ تَسْوِيَةَ أَطْرَافِ الْجَسَدِ تَقْتَضِي تَسْوِيَةَ مَا قَبْلَهَا كَمَا تَقُولُ : قَلَعَتِ الرِّيحُ أَوْتَادَ الْخَيْمَةِ كِنَايَةً عَنْ قَلْعِهَا الْخَيْمَةَ كُلَّهَا فَإِنَّهُ قَدْ يُكَنَّى بِأَطْرَافِ الشَّيْءِ عَنْ جَمِيعِهِ .
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : لَكَ هَذَا الشَّيْءُ بِأَسْرِهِ ، أَيْ مَعَ الْحَبْلِ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ ، كِنَايَةً عَنْ جَمِيعِ الشَّيْءِ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ : هُوَ لَكَ بِرُمَّتِهِ ، أَيْ بِحَبْلِهِ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ .