[ ص: 152 ] nindex.php?page=treesubj&link=29052_28904nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=15فلا أقسم بالخنس nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=16الجوار الكنس nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=17والليل إذا عسعس nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=18والصبح إذا تنفس nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=19إنه لقول رسول كريم nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20ذي قوة عند ذي العرش مكين nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=21مطاع ثم أمين .
الفاء لتفريع القسم وجوابه على الكلام السابق للإشارة إلى ما تقدم من الكلام هو بمنزلة التمهيد لما بعد الفاء ، فإن الكلام السابق أفاد تحقيق وقوع البعث والجزاء وهم قد أنكروه وكذبوا القرآن الذي أنذرهم به ، فلما قضي حق الإنذار به وذكر أشراطه فرع عنه تصديق القرآن الذي أنذرهم به وأنه موحى به من عند الله .
فالتفريع هنا تفريع معنى وتفريع ذكر معا ، وقد جاء تفريع القسم لمجرد تفريع ذكر كلام على كلام آخر كقول
زهير :
فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله رجال بنوه من قريش وجرهم
عقب نسيب معلقته الذي لا يتفرع عن معانيه ما بعد القسم ، وإنما قصد به أن ما تقدم من الكلام إنما هو للإقبال على ما بعد الفاء ، وبذلك يظهر تفوق التفريع الذي في هذه الآية على تفريع بيت
زهير : ومعنى لا أقسم : إيقاع القسم ، وقد عدت ( لا ) زائدة ، وتقدم عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=75فلا أقسم بمواقع النجوم في سورة الواقعة .
والقسم مراد به تأكيد الخبر وتحقيقه ، وأدمج فيه أوصاف الأشياء المقسم بها للدلالة على تمام قدرة الله تعالى .
و الخنس : جمع خانسة ، وهي التي تخنس ، أي : تختفي ، يقال : خنست البقرة والظبية ، إذا اختفت في الكناس .
و الجواري : جمع جارية ، وهي التي تجري ، أي : تسير سيرا حثيثا .
و الكنس : جمع كانسة ، يقال : كنس الظبي ، إذا دخل كناسه - بكسر الكاف - وهو البيت الذي يتخذه للمبيت .
وهذه الصفات أريد بها صفات مجازية ; لأن الجمهور على أن المراد بموصوفاتها
[ ص: 153 ] الكواكب ، وصفن بذلك لأنها تكون في النهار مختفية عن الأنظار ، فشبهت بالوحشية المختفية في شجر ونحوه ، فقيل : الخنس وهو من بديع التشبيه ; لأن الخنوس اختفاء الوحش عن أنظار الصيادين ونحوهم دون السكون في كناس ، وكذلك الكواكب لأنها لا ترى في النهار لغلبة شعاع الشمس على أفقها وهي مع ذلك موجودة في مطالعها .
فشبه طلوع الكوكب بخروج الوحشية من كناسها ، وشبه تنقل مرآها للناظر بجري الوحشية عند خروجها من كناسها صباحا ، قال
لبيد :
حتى إذا انحسر الظلام وأسفرت بكرت تزل عن الثرى أزلامها
وشبه غروبها بعد سيرها بكنوس الوحشية في كناسها وهو تشبيه بديع ، فكان قوله : بالخنس استعارة وكان
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=16الجواري الكنس ترشيحين للاستعارة .
وقد حصل من مجموع الأوصاف الثلاث ما يشبه اللغز يحسب به أن الموصوفات ظباء أو وحوش ; لأن تلك الصفات حقائقها من أحوال الوحوش ، والألغاز طريقة مستملحة عند بلغاء العرب وهي عزيزة في كلامهم ، قال بعض شعرائهم وهو من شواهد العربية :
فقلت أعيراني القدوم لعلني
أخط بها قبرا لأبيض ماجد
أراد أنه يصنع بها غمدا لسيف صقيل مهند .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس : حمل هذه الأوصاف على حقائقها المشهورة ، وإن الله أقسم بالظباء وبقر الوحش .
[ ص: 154 ] والمعروف في أقسام القرآن أن تكون بالأشياء العظيمة الدالة على قدرة الله تعالى أو الأشياء المباركة .
ثم عطف القسم ب الليل على القسم ب ( الكواكب ) لمناسبة جريان الكواكب في الليل ، ولأن تعاقب الليل والنهار من أجل مظاهر الحكمة الإلهية في هذا العالم .
وعسعس الليل عسعاسا وعسعسة ، قال
مجاهد عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أقبل بظلامه ، وقال
مجاهد أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس معناه : أدبر ظلامه ، وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم وجزم به
الفراء وحكى عليه الإجماع . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد ،
والخليل : هو من الأضداد ، يقال : عسعس ، إذا أقبل ظلامه ، وعسعس ، إذا أدبر ظلامه . قال
ابن عطية : قال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : أقسم الله بإقبال الليل وإدباره معا اهـ .
وبذلك يكون إيثار هذا الفعل لإفادته كلا حالين صالحين للقسم به فيهما ; لأنهما من مظاهر القدرة إذ يعقب الظلام الضياء ، ثم يعقب الضياء الظلام ، وهذا إيجاز .
وعطف عليه القسم بالصبح حين تنفسه ، أي : انشقاق ضوئه لمناسبة ذكر الليل ، ولأن تنفس الصبح من مظاهر بديع النظام الذي جعله الله في هذا العالم .
والتنفس : حقيقته خروج النفس من الحيوان ، استعير لظهور الضياء مع بقايا الظلام على تشبيه خروج الضياء بخروج النفس على طريقة الاستعارة المصرحة ، أو لأنه إذا بدا الصباح أقبل معه نسيم فجعل ذلك كالتنفس له على طريقة المكنية بتشبيه الصبح بذي نفس مع تشبيه النسيم بالأنفاس .
وضمير إنه عائد إلى القرآن ولم يسبق له ذكر ، ولكنه معلوم من المقام في سياق الإخبار بوقوع البعث ، فإنه مما أخبرهم به القرآن وكذبوا بالقرآن لأجل ذلك .
والرسول الكريم يجوز أن يراد به
جبريل - عليه السلام - وصف
جبريل برسول لأنه مرسل من الله إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن .
[ ص: 155 ] وإضافة قول إلى رسول إما لأدنى ملابسة بأن
جبريل يبلغ ألفاظ القرآن إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - فيحكيها كما أمره الله تعالى فهو قائلها ، أي : صادرة منه ألفاظها .
وفي التعبير عن
جبريل بوصف رسول إيماء إلى أن القول الذي يبلغه هو رسالة من الله مأمور بإبلاغها كما هي .
قال
ابن عطية : وقال آخرون الرسول هو
محمد - صلى الله عليه وسلم - في الآية كلها اهـ . ولم يعين اسم أحد ممن قالوا هذا من المفسرين .
واستطرد في خلال الثناء على القرآن الثناء على الملك المرسل به تنويها بالقرآن ، فإجراء أوصاف الثناء على رسول للتنويه به أيضا ، وللكناية على أن ما نزل به صدق ; لأن كمال القائل يدل على صدق القول .
ووصف رسول بخمسة أوصاف : الأول : كريم وهو النفيس في نوعه .
والوصفان الثاني والثالث :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20ذي قوة عند ذي العرش مكين . فالقوة حقيقتها مقدرة الذات على الأعمال العظيمة التي لا يقدر عليها غالبا . ومن أوصافه تعالى ( القوي ) ، ومنها مقدرة الذات من إنسان أو حيوان على كثير من الأعمال التي لا يقدر عليها أبناء نوعه .
وضدها الضعف قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=54الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة .
وتطلق القوة مجازا على ثبات النفس على مرادها والإقدام ورباطة الجأش . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12يا يحيى خذ الكتاب بقوة وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=63خذوا ما آتيناكم بقوة ، فوصف
جبريل ب ذي قوة يجوز أن يكون شدة المقدرة كما وصف بذلك في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذو مرة ، ويجوز أن يكون من القوة المجازية وهي الثبات في أداء ما أرسل به ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5علمه شديد القوى ; لأن المناسب للتعليم هو قوة النفس ، وأما إذا كان المراد
محمدا - صلى الله عليه وسلم - فوصفه ب
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20ذي قوة عند ذي العرش يراد بها المعنى المجازي وهو الكرامة والاستجابة له .
[ ص: 156 ] والمكين : فعيل ، صفة مشبهة من مكن بضم الكاف مكانة ، إذا علت رتبته عند غيره ، قال تعالى في قصة
يوسف مع الملك
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين .
وتوسيط قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20عند ذي العرش بين ذي قوة و مكين ليتنازعه كلا الوصفين على وجه الإيجاز ، أي : هو ذو قوة عند الله ، أي : جعل الله مقدرة
جبريل تخوله أن يقوم بعظيم ما يوكله الله به مما يحتاج إلى قوة القدرة وقوة التدبير ، وهو ذو مكانة عند الله وزلفى .
ووصف النبيء - صلى الله عليه وسلم - بذلك على نحو ما تقدم .
والعندية عندية تعظيم وعناية ، ف عند للمكان المجازي الذي هو بمعنى الاختصاص والزلفى .
وعدل على اسم الجلالة إلى ذي العرش بالنسبة إلى
جبريل لتمثيل
حال جبريل ومكانته عند الله بحالة الأمير الماضي في تنفيذ أمر الملك وهو بمحل الكرامة لديه .
وأما بالنسبة إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - فللإشارة إلى عظيم شأنه إذ كان ذا قوة عند أعظم موجود شأنا .
الوصف الرابع مطاع أن يطيعه من معه من الملائكة كما يطيع الجيش قائدهم ، أو النبيء - صلى الله عليه وسلم - مطاع : أي : مأمور الناس بطاعة ما يأمرهم به .
و ثم بفتح الثاء اسم إشارة إلى المكان ، والمشار إليه هو المكان المجازي الذي دل عليه قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20عند ذي العرش فيجوز تعلق الظرف ب مطاع وهو أنسب لإجراء الوصف على
جبريل ، أي : مطاع في الملأ الأعلى فيما يأمر به الملائكة والنبيء - صلى الله عليه وسلم - مطاع في العالم العلوي ، أي : مقرر عند الله أن يطاع فيما يأمر به .
ويجوز أن يتعلق ب أمين ، وتقديمه على متعلقه للاهتمام بذلك المكان ، فوصف
جبريل به ظاهر أيضا ، ووصف النبيء - صلى الله عليه وسلم - به لأنه مقررة أمانته في الملأ الأعلى .
[ ص: 157 ] والأمين : الذي يحفظ ما عهد له به حتى يؤديه دون نقص ولا تغيير ، وهو فعيل إما بمعنى مفعول ، أي : مأمون من أمنه على كذا . وعلى هذا يقال : امرأة أمين ، ولا يقال : أمينة ، وإما صفة مشبهة من : أمن بضم الميم إذا صارت الأمانة سجيته ، وعلى هذا الوجه يقال : امرأة أمينة ، ومنه قول الفقهاء في المرأة المشتكية أضرار زوجها : يجعلان عند أمينة وأمين .
[ ص: 152 ] nindex.php?page=treesubj&link=29052_28904nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=15فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=16الْجِوَارِ الْكُنَّسِ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=17وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=18وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=19إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=21مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ .
الْفَاءُ لِتَفْرِيعِ الْقَسَمِ وَجَوَابُهُ عَلَى الْكَلَامِ السَّابِقِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْكَلَامِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّمْهِيدِ لِمَا بَعْدَ الْفَاءِ ، فَإِنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ أَفَادَ تَحْقِيقَ وُقُوعِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ وَهُمْ قَدْ أَنْكَرُوهُ وَكَذَّبُوا الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْذَرَهُمْ بِهِ ، فَلَمَّا قُضِيَ حَقُّ الْإِنْذَارِ بِهِ وَذُكِرَ أَشْرَاطُهُ فُرِّعَ عَنْهُ تَصْدِيقُ الْقُرْآنِ الَّذِي أَنْذَرَهُمْ بِهِ وَأَنَّهُ مُوحًى بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ .
فَالتَّفْرِيعُ هُنَا تَفْرِيعُ مَعْنًى وَتَفْرِيعُ ذِكْرٍ مَعًا ، وَقَدْ جَاءَ تَفْرِيعُ الْقَسَمِ لِمُجَرَّدِ تَفْرِيعِ ذِكْرِ كَلَامٍ عَلَى كَلَامٍ آخَرَ كَقَوْلِ
زُهَيْرٍ :
فَأَقْسَمْتُ بِالْبَيْتِ الَّذِي طَافَ حَوْلَهُ رِجَالٌ بَنَوْهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَجُرْهُمِ
عَقِبَ نَسِيبِ مُعَلَّقَتِهِ الَّذِي لَا يَتَفَرَّعُ عَنْ مَعَانِيهِ مَا بَعْدَ الْقَسَمِ ، وَإِنَّمَا قَصَدَ بِهِ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْكَلَامِ إِنَّمَا هُوَ لِلْإِقْبَالِ عَلَى مَا بَعْدَ الْفَاءِ ، وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ تَفَوُّقُ التَّفْرِيعِ الَّذِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى تَفْرِيعِ بَيْتِ
زُهَيْرٍ : وَمَعْنَى لَا أُقْسِمُ : إِيقَاعُ الْقَسَمِ ، وَقَدْ عُدَّتْ ( لَا ) زَائِدَةً ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=75فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ .
وَالْقَسَمُ مُرَادٌ بِهِ تَأْكِيدُ الْخَبَرِ وَتَحْقِيقُهُ ، وَأُدْمِجَ فِيهِ أَوْصَافُ الْأَشْيَاءِ الْمُقْسَمِ بِهَا لِلدِّلَالَةِ عَلَى تَمَامِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَ الْخُنَّسِ : جَمْعُ خَانِسَةٍ ، وَهِيَ الَّتِي تَخْنِسُ ، أَيْ : تَخْتَفِي ، يُقَالُ : خَنِسَتِ الْبَقَرَةُ وَالظَّبْيَةُ ، إِذَا اخْتَفَتْ فِي الْكِنَاسِ .
وَ الْجَوَارِي : جَمْعُ جَارِيَةٍ ، وَهِيَ الَّتِي تَجْرِي ، أَيْ : تَسِيرُ سَيْرًا حَثِيثًا .
وَ الْكُنَّسِ : جَمْعُ كَانِسَةٍ ، يُقَالُ : كَنَسَ الظَّبْيُّ ، إِذَا دَخَلَ كِنَاسَهُ - بِكَسْرِ الْكَافِ - وَهُوَ الْبَيْتُ الَّذِي يَتَّخِذُهُ لِلْمَبِيتِ .
وَهَذِهِ الصِّفَاتُ أُرِيدَ بِهَا صِفَاتٌ مَجَازِيَّةٌ ; لِأَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمَوْصُوفَاتِهَا
[ ص: 153 ] الْكَوَاكِبُ ، وُصِفْنَ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَكُونُ فِي النَّهَارِ مُخْتَفِيَةً عَنِ الْأَنْظَارِ ، فَشُبِّهَتْ بِالْوَحْشِيَّةِ الْمُخْتَفِيَةِ فِي شَجَرٍ وَنَحْوِهِ ، فَقِيلَ : الْخُنَّسُ وَهُوَ مِنْ بَدِيعِ التَّشْبِيهِ ; لِأَنَّ الْخُنُوسَ اخْتِفَاءُ الْوَحْشِ عَنْ أَنْظَارِ الصَّيَّادِينَ وَنَحْوِهِمْ دُونَ السُّكُونِ فِي كِنَاسٍ ، وَكَذَلِكَ الْكَوَاكِبُ لِأَنَّهَا لَا تُرَى فِي النَّهَارِ لِغَلَبَةِ شُعَاعِ الشَّمْسِ عَلَى أُفُقِهَا وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ مَوْجُودَةٌ فِي مَطَالِعِهَا .
فَشُبِّهَ طُلُوعُ الْكَوْكَبِ بِخُرُوجِ الْوَحْشِيَّةِ مِنْ كِنَاسِهَا ، وَشُبِّهَ تَنَقُّلُ مَرْآهَا لِلنَّاظِرِ بِجَرْيِ الْوَحْشِيَّةِ عِنْدَ خُرُوجِهَا مِنْ كِنَاسِهَا صَبَاحًا ، قَالَ
لَبِيدٌ :
حَتَّى إِذَا انْحَسَرَ الظَّلَامُ وَأَسْفَرَتْ بَكَرَتْ تَزِلُّ عَنِ الثَّرَى أَزْلَامُهَا
وَشُبِّهَ غُرُوبُهَا بَعْدَ سَيْرِهَا بِكُنُوسِ الْوَحْشِيَّةِ فِي كِنَاسِهَا وَهُوَ تَشْبِيهُ بَدِيعٌ ، فَكَانَ قَوْلُهُ : بِالْخُنَّسِ اسْتِعَارَةً وَكَانَ
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=16الْجَوَارِي الْكُنَّسِ تَرْشِيحَيْنِ لِلِاسْتِعَارَةِ .
وَقَدْ حَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثِ مَا يُشْبِهُ اللُّغْزَ يُحْسَبُ بِهِ أَنَّ الْمَوْصُوفَاتِ ظِبَاءٌ أَوْ وُحُوشٌ ; لِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ حَقَائِقُهَا مِنْ أَحْوَالِ الْوُحُوشِ ، وَالْأَلْغَازُ طَرِيقَةٌ مُسْتَمْلَحَةٌ عِنْدَ بُلَغَاءِ الْعَرَبِ وَهِيَ عَزِيزَةٌ فِي كَلَامِهِمْ ، قَالَ بَعْضُ شُعَرَائِهِمْ وَهُوَ مِنْ شَوَاهِدِ الْعَرَبِيَّةِ :
فَقُلْتُ أَعِيرَانِي الْقُدُومَ لَعَلَّنِي
أَخُطُّ بِهَا قَبْرًا لِأَبْيَضَ مَاجِدِ
أَرَادَ أَنَّهُ يَصْنَعُ بِهَا غِمْدًا لِسَيْفٍ صَقِيلٍ مُهَنَّدٍ .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=36وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ : حَمْلُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ عَلَى حَقَائِقِهَا الْمَشْهُورَةِ ، وَإِنَّ اللَّهَ أَقْسَمَ بِالظِّبَاءِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ .
[ ص: 154 ] وَالْمَعْرُوفُ فِي أَقْسَامِ الْقُرْآنِ أَنْ تَكُونَ بِالْأَشْيَاءِ الْعَظِيمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوِ الْأَشْيَاءِ الْمُبَارَكَةِ .
ثُمَّ عُطِفَ الْقَسَمُ بِ اللَّيْلِ عَلَى الْقَسَمِ بِ ( الْكَوَاكِبِ ) لِمُنَاسَبَةِ جَرَيَانِ الْكَوَاكِبِ فِي اللَّيْلِ ، وَلِأَنَّ تَعَاقُبَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ أَجَلِّ مَظَاهِرِ الْحِكْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ فِي هَذَا الْعَالَمِ .
وَعَسْعَسَ اللَّيْلُ عَسْعَاسًا وَعَسْعَسَةً ، قَالَ
مُجَاهِدٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : أَقْبَلَ بِظَلَامِهِ ، وَقَالَ
مُجَاهِدٌ أَيْضًا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ : أَدْبَرَ ظَلَامُهُ ، وَقَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَجَزَمَ بِهِ
الْفَرَّاءُ وَحَكَى عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدُ ،
وَالْخَلِيلُ : هُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ ، يُقَالُ : عَسْعَسَ ، إِذَا أَقْبَلَ ظَلَامُهُ ، وَعَسْعَسَ ، إِذَا أَدْبَرَ ظَلَامُهُ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدُ : أَقْسَمَ اللَّهُ بِإِقْبَالِ اللَّيْلِ وَإِدْبَارِهِ مَعًا اهـ .
وَبِذَلِكَ يَكُونُ إِيثَارُ هَذَا الْفِعْلِ لِإِفَادَتِهِ كِلَا حَالَيْنِ صَالِحَيْنِ لِلْقَسَمِ بِهِ فِيهِمَا ; لِأَنَّهُمَا مِنْ مَظَاهِرِ الْقُدْرَةِ إِذْ يَعْقُبُ الظَّلَامَ الضِّيَاءُ ، ثُمَّ يَعْقُبُ الضِّيَاءَ الظَّلَامُ ، وَهَذَا إِيجَازٌ .
وَعُطِفَ عَلَيْهِ الْقَسَمُ بِالصُّبْحِ حِينَ تَنَفُّسِهِ ، أَيِ : انْشِقَاقِ ضَوْئِهِ لِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِ اللَّيْلِ ، وَلِأَنَّ تَنَفُّسَ الصُّبْحِ مِنْ مَظَاهِرِ بَدِيعِ النِّظَامِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْعَالَمِ .
وَالتَّنَفُّسُ : حَقِيقَتُهُ خُرُوجُ النَّفَسِ مِنَ الْحَيَوَانِ ، اسْتُعِيرَ لِظُهُورِ الضِّيَاءِ مَعَ بَقَايَا الظَّلَامِ عَلَى تَشْبِيهِ خُرُوجِ الضِّيَاءِ بِخُرُوجِ النَّفَسِ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِعَارَةِ الْمُصَرِّحَةِ ، أَوْ لِأَنَّهُ إِذَا بَدَا الصَّبَاحُ أَقَبَلَ مَعَهُ نَسِيمٌ فَجُعِلَ ذَلِكَ كَالتَّنَفُّسِ لَهُ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَكْنِيَّةِ بِتَشْبِيهِ الصُّبْحِ بِذِي نَفَسٍ مَعَ تَشْبِيهِ النَّسِيمِ بِالْأَنْفَاسِ .
وَضَمِيرُ إِنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الْقُرْآنِ وَلَمْ يَسْبِقْ لَهُ ذِكْرٌ ، وَلَكِنَّهُ مَعْلُومٌ مِنَ الْمَقَامِ فِي سِيَاقِ الْإِخْبَارِ بِوُقُوعِ الْبَعْثِ ، فَإِنَّهُ مِمَّا أَخْبَرَهُمْ بِهِ الْقُرْآنُ وَكَذَّبُوا بِالْقُرْآنِ لِأَجْلِ ذَلِكَ .
وَالرَّسُولُ الْكَرِيمُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ
جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وُصِفَ
جِبْرِيلُ بِرَسُولٍ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ إِلَى النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقُرْآنِ .
[ ص: 155 ] وَإِضَافَةُ قَوْلُ إِلَى رَسُولٍ إِمَّا لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ بِأَنَّ
جِبْرِيلَ يُبَلِّغُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ إِلَى النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَحْكِيهَا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ قَائِلُهَا ، أَيْ : صَادِرَةٌ مِنْهُ أَلْفَاظُهَا .
وَفِي التَّعْبِيرِ عَنْ
جِبْرِيلَ بِوَصْفِ رَسُولٍ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي يُبَلِّغُهُ هُوَ رِسَالَةٌ مِنَ اللَّهِ مَأْمُورٌ بِإِبْلَاغِهَا كَمَا هِيَ .
قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَقَالَ آخَرُونَ الرَّسُولُ هُوَ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْآيَةِ كُلِّهَا اهـ . وَلَمْ يُعَيِّنِ اسْمَ أَحَدٍ مِمَّنْ قَالُوا هَذَا مِنَ الْمُفَسِّرِينَ .
وَاسْتُطْرِدَ فِي خِلَالِ الثَّنَاءِ عَلَى الْقُرْآنِ الثَّنَاءُ عَلَى الْمَلَكِ الْمُرْسَلِ بِهِ تَنْوِيهًا بِالْقُرْآنِ ، فَإِجْرَاءُ أَوْصَافِ الثَّنَاءِ عَلَى رَسُولٍ لِلتَّنْوِيهِ بِهِ أَيْضًا ، وَلِلْكِنَايَةِ عَلَى أَنَّ مَا نَزَلَ بِهِ صِدْقٌ ; لِأَنَّ كَمَالَ الْقَائِلِ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الْقَوْلِ .
وَوُصِفَ رَسُولٍ بِخَمْسَةِ أَوْصَافٍ : الْأَوَّلُ : كَرِيمٍ وَهُوَ النَّفِيسُ فِي نَوْعِهِ .
وَالْوَصْفَانِ الثَّانِي وَالثَّالِثُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ . فَالْقُوَّةُ حَقِيقَتُهَا مَقْدِرَةُ الذَّاتِ عَلَى الْأَعْمَالِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لَا يُقْدَرُ عَلَيْهَا غَالِبًا . وَمِنْ أَوْصَافِهِ تَعَالَى ( الْقَوِيُّ ) ، وَمِنْهَا مَقْدِرَةُ الذَّاتِ مِنْ إِنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا أَبْنَاءُ نَوْعِهِ .
وَضِدُّهَا الضَّعْفُ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=54اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً .
وَتُطْلَقُ الْقُوَّةُ مَجَازًا عَلَى ثَبَاتِ النَّفْسِ عَلَى مُرَادِهَا وَالْإِقْدَامِ وَرِبَاطَةِ الْجَأْشِ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=63خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ، فَوَصْفُ
جِبْرِيلَ بِ ذِي قُوَّةٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شِدَّةَ الْمَقْدِرَةِ كَمَا وُصِفَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذُو مِرَّةٍ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْقُوَّةِ الْمَجَازِيَّةِ وَهِيَ الثَّبَاتُ فِي أَدَاءِ مَا أُرْسِلَ بِهِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ; لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ لِلتَّعْلِيمِ هُوَ قُوَّةُ النَّفْسِ ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمُرَادُ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَصْفُهُ بِ
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ يُرَادُ بِهَا الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ وَهُوَ الْكَرَامَةُ وَالِاسْتِجَابَةُ لَهُ .
[ ص: 156 ] وَالْمَكِينُ : فَعِيلٌ ، صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِنْ مَكُنَ بِضَمِّ الْكَافِ مَكَانَةً ، إِذَا عَلَتْ رُتْبَتُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ ، قَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ
يُوسُفَ مَعَ الْمَلِكِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ .
وَتَوْسِيطُ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ بَيْنَ ذِي قُوَّةٍ وَ مَكِينٍ لِيَتَنَازَعَهُ كِلَا الْوَصْفَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْإِيجَازِ ، أَيْ : هُوَ ذُو قُوَّةٍ عِنْدَ اللَّهِ ، أَيْ : جَعَلَ اللَّهُ مَقْدِرَةَ
جِبْرِيلَ تُخَوِّلُهُ أَنْ يَقُومَ بِعَظِيمِ مَا يُوَكِّلُهُ اللَّهُ بِهِ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى قُوَّةِ الْقُدْرَةِ وَقُوَّةِ التَّدْبِيرِ ، وَهُوَ ذُو مَكَانَةٍ عِنْدَ اللَّهِ وَزُلْفَى .
وَوُصِفَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ .
وَالْعِنْدِيَّةُ عِنْدِيَّةُ تَعْظِيمٍ وَعِنَايَةٍ ، فَ عِنْدَ لِلْمَكَانِ الْمَجَازِيِّ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الِاخْتِصَاصِ وَالزُّلْفَى .
وَعُدِلَ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ إِلَى ذِي الْعَرْشِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى
جِبْرِيلَ لِتَمْثِيلِ
حَالِ جِبْرِيلَ وَمَكَانَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ بِحَالَةِ الْأَمِيرِ الْمَاضِي فِي تَنْفِيذِ أَمْرِ الْمَلِكِ وَهُوَ بِمَحَلِّ الْكَرَامَةِ لَدَيْهِ .
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِلْإِشَارَةِ إِلَى عَظِيمِ شَأْنِهِ إِذْ كَانَ ذَا قُوَّةٍ عِنْدَ أَعْظَمِ مَوْجُودٍ شَأْنًا .
الْوَصْفُ الرَّابِعُ مُطَاعٍ أَنْ يُطِيعَهُ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ كَمَا يُطِيعُ الْجَيْشُ قَائِدَهُمْ ، أَوِ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُطَاعٌ : أَيْ : مَأْمُورٌ النَّاسُ بِطَاعَةِ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ .
وَ ثَمَّ بِفَتْحِ الثَّاءِ اسْمُ إِشَارَةٍ إِلَى الْمَكَانِ ، وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ هُوَ الْمَكَانُ الْمُجَازِيُّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ فَيَجُوزُ تَعَلُّقُ الظَّرْفِ بِ مُطَاعٍ وَهُوَ أَنْسَبُ لِإِجْرَاءِ الْوَصْفِ عَلَى
جِبْرِيلَ ، أَيْ : مُطَاعٌ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُطَاعٌ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ ، أَيْ : مُقَرَّرٌ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يُطَاعَ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِ أَمِينٍ ، وَتَقْدِيمُهُ عَلَى مُتَعَلَّقِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ الْمَكَانِ ، فَوَصْفُ
جِبْرِيلَ بِهِ ظَاهِرٌ أَيْضًا ، وَوَصْفُ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ لِأَنَّهُ مُقَرَّرَةٌ أَمَانَتُهُ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى .
[ ص: 157 ] وَالْأَمِينُ : الَّذِي يَحْفَظُ مَا عُهِدَ لَهُ بِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ دُونَ نَقْصٍ وَلَا تَغْيِيرٍ ، وَهُوَ فَعِيلٌ إِمَّا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ، أَيْ : مَأْمُونٌ مِنْ أَمِنَهُ عَلَى كَذَا . وَعَلَى هَذَا يُقَالُ : امْرَأَةٌ أَمِينٌ ، وَلَا يُقَالُ : أَمِينَةٌ ، وَإِمَّا صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِنْ : أَمُنَ بِضَمِّ الْمِيمِ إِذَا صَارَتِ الْأَمَانَةُ سَجِيَّتَهُ ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُقَالُ : امْرَأَةٌ أَمِينَةٌ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَرْأَةِ الْمُشْتَكِيَةِ أَضْرَارَ زَوْجِهَا : يُجْعَلَانِ عِنْدَ أَمِينَةٍ وَأَمِينٍ .