قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=28لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=28لئن بسطت إلي يدك الآية . أي : لئن قصدت قتلي فأنا لا أقصد قتلك ; فهذا استسلام منه . وفي الخبر : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=839021إذا كانت الفتنة فكن كخير ابني آدم ) ، وروى
أبو داود عن
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص قال قلت يا رسول الله : إن دخل علي بيتي وبسط يده إلي ليقتلني ؟ قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830556كن كخير ابني آدم وتلا هذه الآية
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=28لئن بسطت إلي يدك لتقتلني . قال
مجاهد : كان الفرض عليهم حينئذ ألا يستل أحد سيفا ، وألا يمتنع ممن يريد قتله . قال علماؤنا : وذلك مما يجوز ورود التعبد به ، إلا أن في شرعنا يجوز دفعه إجماعا ، وفي وجوب ذلك عليه خلاف ، والأصح وجوب ذلك ; لما فيه من النهي عن المنكر ، وفي الحشوية قوم لا يجوزون للمصول عليه الدفع ; واحتجوا بحديث
أبي ذر ، وحمله العلماء على ترك القتال في الفتنة ، وكف اليد عند الشبهة ; على ما بيناه في كتاب " التذكرة " ، وقال
عبد الله بن عمرو وجمهور الناس : كان
هابيل أشد قوة من
قابيل ولكنه تحرج . قال
ابن عطية : وهذا هو الأظهر ، ومن هاهنا يقوى أن
قابيل إنما هو عاص لا كافر ; لأنه لو كان كافرا لم يكن للتحرج هنا وجه ، وإنما وجه التحرج في هذا أن المتحرج يأبى أن يقاتل موحدا ، ويرضى بأن يظلم ليجازى في الآخرة ; ونحو هذا فعل
عثمان رضي الله عنه ، وقيل : المعنى لا أقصد قتلك بل أقصد الدفع عن نفسي ، وعلى هذا قيل : كان نائما فجاء
قابيل ورضخ رأسه بحجر على ما يأتي ،
nindex.php?page=treesubj&link=9922ومدافعة الإنسان عمن يريد ظلمه جائزة وإن أتى على نفس العادي ، وقيل : لئن بدأت بقتلي فلا أبدأ بالقتل . وقيل : أراد لئن بسطت إلي يدك ظلما فما أنا بظالم ; إني أخاف الله رب العالمين .
[ ص: 93 ] الثانية : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك قيل : معناه معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830557إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه وكان
هابيل أراد أني لست بحريص على قتلك ; فالإثم الذي كان يلحقني لو كنت حريصا على قتلك أريد أن تحمله أنت مع إثمك في قتلي ، وقيل : المعنى بإثمي الذي يختص بي فيما فرطت ; أي : يؤخذ من سيئاتي فتطرح عليك بسبب ظلمك لي ، وتبوء بإثمك في قتلك ; وهذا يعضده قوله عليه الصلاة والسلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=839024يؤتى يوم القيامة بالظالم والمظلوم فيؤخذ من حسنات الظالم فتزاد في حسنات المظلوم حتى ينتصف فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فتطرح عليه . أخرجه
مسلم بمعناه ، وقد تقدم ، ويعضده قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=13وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وهذا بين لا إشكال فيه ، وقيل : المعنى إني أريد ألا تبوء بإثمي وإثمك كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=15وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم أي : لئلا تميد بكم . وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176يبين الله لكم أن تضلوا أي : لئلا تضلوا فحذف " لا " .
قلت : وهذا ضعيف ; لقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830558لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل ، فثبت بهذا أن إثم القتل حاصل ; ولهذا قال أكثر العلماء : إن المعنى ترجع بإثم قتلي وإثمك الذي عملته قبل قتلي . قال
الثعلبي : هذا قول عامة أكثر المفسرين ، وقيل : هو استفهام ، أي : أو إني أريد ؟ على جهة الإنكار ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=22وتلك نعمة أي : أو تلك نعمة ؟ وهذا لأن إرادة القتل معصية . حكاه
القشيري وسئل
أبو الحسن بن كيسان : كيف يريد المؤمن أن يأثم أخوه وأن يدخل النار ؟ فقال : إنما وقعت الإرادة بعدما بسط يده إليه بالقتل ; والمعنى : لئن بسطت إلي يدك لتقتلني لأمتنعن من ذلك مريدا للثواب ; فقيل له : فكيف قال : بإثمي وإثمك ; وأي إثم له إذا قتل ؟ فقال : فيه ثلاثة أجوبة :
أحدها : أن تبوء بإثم قتلي وإثم ذنبك الذي من أجله لم يتقبل قربانك ، ويروى هذا القول عن
مجاهد .
والوجه الآخر : أن تبوء بإثم قتلي وإثم اعتدائك علي ; لأنه قد يأثم بالاعتداء وإن لم يقتل .
والوجه الثالث : أنه لو بسط يده إليه أثم ; فرأى أنه إذا أمسك عن ذلك
[ ص: 94 ] فإثمه يرجع على صاحبه . فصار هذا مثل قولك : المال بينه وبين زيد ; أي المال بينهما ، فالمعنى أن تبوء بإثمنا ، وأصل " باء " رجع إلى المباءة ، وهي المنزل .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=112وباءوا بغضب من الله أي : رجعوا ، وقد مضى في " البقرة " مستوفى ، وقال الشاعر :
ألا تنتهي عنا ملوك وتتقي محارمنا لا يبوء الدم بالدم
أي : لا يرجع الدم بالدم في القود .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29فتكون من أصحاب النار دليل على أنهم كانوا في ذلك الوقت مكلفين قد لحقهم الوعد والوعيد ، وقد استدل بقول
هابيل لأخيه
قابيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29فتكون من أصحاب النار على أنه كان كافرا ; لأن لفظ أصحاب النار إنما ورد في الكفار حيث وقع في القرآن ، وهذا مردود هنا بما ذكرناه عن أهل العلم في تأويل الآية ، ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29من أصحاب النار مدة كونك فيها ، والله أعلم .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=28لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْأُولَى : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=28لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ الْآيَةَ . أَيْ : لَئِنْ قَصَدْتَ قَتْلِي فَأَنَا لَا أَقْصِدُ قَتْلَكَ ; فَهَذَا اسْتِسْلَامٌ مِنْهُ . وَفِي الْخَبَرِ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=839021إِذَا كَانَتِ الْفِتْنَةُ فَكُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ ) ، وَرَوَى
أَبُو دَاوُدَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ : إِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي وَبَسَطَ يَدَهُ إِلَيَّ لِيَقْتُلَنِي ؟ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830556كُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=28لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي . قَالَ
مُجَاهِدٌ : كَانَ الْفَرْضُ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ أَلَّا يَسْتَلَّ أَحَدٌ سَيْفًا ، وَأَلَّا يَمْتَنِعَ مِمَّنْ يُرِيدُ قَتْلَهُ . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ وُرُودُ التَّعَبُّدِ بِهِ ، إِلَّا أَنَّ فِي شَرْعِنَا يَجُوزُ دَفْعُهُ إِجْمَاعًا ، وَفِي وُجُوبٍ ذَلِكَ عَلَيْهِ خِلَافٌ ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ ذَلِكَ ; لِمَا فِيهِ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَفِي الْحَشْوِيَّةِ قَوْمٌ لَا يُجَوِّزُونَ لِلْمَصُولِ عَلَيْهِ الدَّفْعَ ; وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ
أَبِي ذَرٍّ ، وَحَمَلَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ ، وَكَفِّ الْيَدِ عِنْدَ الشُّبْهَةِ ; عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ " التَّذْكِرَةِ " ، وَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَجُمْهُورُ النَّاسِ : كَانَ
هَابِيلُ أَشَدَّ قُوَّةً مِنْ
قَابِيلَ وَلَكِنَّهُ تَحَرَّجَ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ ، وَمِنْ هَاهُنَا يَقْوَى أَنَّ
قَابِيلَ إِنَّمَا هُوَ عَاصٍ لَا كَافِرٌ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَافِرًا لَمْ يَكُنْ لِلتَّحَرُّجِ هُنَا وَجْهٌ ، وَإِنَّمَا وَجْهُ التَّحَرُّجِ فِي هَذَا أَنَّ الْمُتَحَرِّجَ يَأْبَى أَنْ يُقَاتِلَ مُوَحِّدًا ، وَيَرْضَى بِأَنْ يُظْلَمَ لِيُجَازَى فِي الْآخِرَةِ ; وَنَحْوَ هَذَا فَعَلَ
عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَا أَقْصِدُ قَتْلَكَ بَلْ أَقْصِدُ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِي ، وَعَلَى هَذَا قِيلَ : كَانَ نَائِمًا فَجَاءَ
قَابِيلُ وَرَضَخَ رَأْسَهُ بِحَجَرٍ عَلَى مَا يَأْتِي ،
nindex.php?page=treesubj&link=9922وَمُدَافَعَةُ الْإِنْسَانِ عَمَّنْ يُرِيدُ ظُلْمَهُ جَائِزَةٌ وَإِنْ أَتَى عَلَى نَفْسِ الْعَادِي ، وَقِيلَ : لَئِنْ بَدَأْتَ بِقَتْلِي فَلَا أَبْدَأُ بِالْقَتْلِ . وَقِيلَ : أَرَادَ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ ظُلْمًا فَمَا أَنَا بِظَالِمٍ ; إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ .
[ ص: 93 ] الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ قِيلَ : مَعْنَاهُ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830557إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ ؟ قَالَ : إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ وَكَانَ
هَابِيلُ أَرَادَ أَنِّي لَسْتُ بِحَرِيصٍ عَلَى قَتْلِكَ ; فَالْإِثْمُ الَّذِي كَانَ يَلْحَقُنِي لَوْ كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِكَ أُرِيدُ أَنْ تَحْمِلَهُ أَنْتَ مَعَ إِثْمِكَ فِي قَتْلِي ، وَقِيلَ : الْمَعْنَى بِإِثْمِي الَّذِي يَخْتَصُّ بِي فِيمَا فَرَّطْتُ ; أَيْ : يُؤْخَذُ مِنْ سَيِّئَاتِي فَتُطْرَحُ عَلَيْكَ بِسَبَبِ ظُلْمِكَ لِي ، وَتَبُوءَ بِإِثْمِكَ فِي قَتْلِكَ ; وَهَذَا يُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=839024يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالظَّالِمِ وَالْمَظْلُومِ فَيُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِ الظَّالِمِ فَتُزَادُ فِي حَسَنَاتِ الْمَظْلُومِ حَتَّى يَنْتَصِفَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ فَتُطْرَحُ عَلَيْهِ . أَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ، وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=13وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَهَذَا بَيِّنٌ لَا إِشْكَالَ فِيهِ ، وَقِيلَ : الْمَعْنَى إِنِّي أُرِيدُ أَلَّا تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=15وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ أَيْ : لِئَلَّا تَمِيدَ بِكُمْ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا أَيْ : لِئَلَّا تَضِلُّوا فَحَذَفَ " لَا " .
قُلْتُ : وَهَذَا ضَعِيفٌ ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830558لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ ، فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ إِثْمَ الْقَتْلِ حَاصِلٌ ; وَلِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّ الْمَعْنَى تَرْجِعُ بِإِثْمِ قَتْلِي وَإِثْمِكَ الَّذِي عَمِلْتُهُ قَبْلَ قَتْلِي . قَالَ
الثَّعْلَبِيُّ : هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ ، وَقِيلَ : هُوَ اسْتِفْهَامٌ ، أَيْ : أَوَ إِنِّي أُرِيدُ ؟ عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=22وَتِلْكَ نِعْمَةٌ أَيْ : أَوَ تِلْكَ نِعْمَةٌ ؟ وَهَذَا لِأَنَّ إِرَادَةَ الْقَتْلِ مَعْصِيَةٌ . حَكَاهُ
الْقُشَيْرِيُّ وَسُئِلَ
أَبُو الْحَسَنِ بْنُ كَيْسَانَ : كَيْفَ يُرِيدُ الْمُؤْمِنُ أَنْ يَأْثَمَ أَخُوهُ وَأَنْ يَدْخُلَ النَّارَ ؟ فَقَالَ : إِنَّمَا وَقَعَتِ الْإِرَادَةُ بَعْدَمَا بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهِ بِالْقَتْلِ ; وَالْمَعْنَى : لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي لَأَمْتَنِعَنَّ مِنْ ذَلِكَ مُرِيدًا لِلثَّوَابِ ; فَقِيلَ لَهُ : فَكَيْفَ قَالَ : بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ ; وَأَيُ إِثْمٍ لَهُ إِذَا قُتِلَ ؟ فَقَالَ : فِيهِ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِ قَتْلِي وَإِثْمِ ذَنْبِكَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ لَمْ يُتَقَبَّلْ قُرْبَانُكَ ، وَيُرْوَى هَذَا الْقَوْلُ عَنْ
مُجَاهِدٍ .
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِ قَتْلِي وَإِثْمِ اعْتِدَائِكَ عَلَيَّ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَأْثَمُ بِالِاعْتِدَاءِ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ .
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ لَوْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهِ أَثِمَ ; فَرَأَى أَنَّهُ إِذَا أَمْسَكَ عَنْ ذَلِكَ
[ ص: 94 ] فَإِثْمُهُ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ . فَصَارَ هَذَا مِثْلَ قَوْلِكَ : الْمَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَيْدٍ ; أَيِ الْمَالُ بَيْنَهُمَا ، فَالْمَعْنَى أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِنَا ، وَأَصْلُ " بَاءَ " رَجَعَ إِلَى الْمَبَاءَةِ ، وَهِيَ الْمَنْزِلُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=112وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ أَيْ : رَجَعُوا ، وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَةِ " مُسْتَوْفًى ، وَقَالَ الشَّاعِرُ :
أَلَا تَنْتَهِي عَنَّا مُلُوكٌ وَتَتَّقِي مَحَارِمَنَا لَا يَبْوءُ الدَّمُ بِالدَّمِ
أَيْ : لَا يَرْجِعُ الدَّمُ بِالدَّمِ فِي الْقَوَدِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُكَلَّفِينَ قَدْ لَحِقَهُمُ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ ، وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِقَوْلِ
هَابِيلَ لِأَخِيهِ
قَابِيلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا ; لِأَنَّ لَفْظَ أَصْحَابِ النَّارِ إِنَّمَا وَرَدَ فِي الْكُفَّارِ حَيْثُ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ ، وَهَذَا مَرْدُودٌ هُنَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ ، وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ مُدَّةُ كَوْنِكَ فِيهَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .