قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=70فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=71وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى هذه قصة
لوط - عليه السلام - ; وهو ابن عم
إبراهيم - عليه السلام - لحا ، وكانت قرى
لوط بنواحي
الشام ،
وإبراهيم ببلاد
فلسطين ، فلما أنزل الله الملائكة بعذاب قوم
لوط مروا
بإبراهيم ونزلوا عنده ، وكان كل من نزل عنده يحسن قراه ، وكانوا مروا ببشارة
إبراهيم ، فظنهم أضيافا . ( وهم
جبريل وميكائيل وإسرافيل - عليهم السلام - ) ; قاله
ابن عباس .
الضحاك : كانوا تسعة .
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : أحد عشر ملكا على صورة الغلمان الحسان الوجوه ، ذو وضاءة وجمال بارع . بالبشرى قيل : بالولد . وقيل : بإهلاك قوم
لوط . وقيل : بشروه بأنهم رسل الله - عز وجل - وأنه لا خوف عليه .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69قالوا سلاما نصب بوقوع الفعل عليه ; كما تقول : قالوا خيرا . وهذا اختيار
الطبري . وأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22سيقولون ثلاثة فالثلاثة اسم غير قول مقول . ولو رفعا جميعا أو نصبا جميعا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69قالوا سلاما قال سلام جاز في العربية . قيل : انتصب على المصدر . وقيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69قالوا سلاما أي فاتحوه بصواب من القول . كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=63وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما أي صوابا ; فسلاما معنى قولهم لا لفظه ; قال معناه
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي واختاره . قال : ألا ترى أن الله تعالى لما أراد ذكر اللفظ قاله بعينه فقال مخبرا عن الملائكة :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24سلام عليكم بما صبرتم nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73سلام عليكم طبتم [ ص: 57 ] وقيل : دعوا له ; والمعنى سلمت سلاما .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69قال سلام في رفعه وجهان :
أحدهما : على إضمار مبتدأ أي هو سلام ، وأمري سلام .
والآخر : بمعنى سلام عليكم إذا جعل بمعنى التحية ; فأضمر الخبر . وجاز سلام على التنكير لكثرة استعماله ، فحذف الألف واللام كما حذفت من لاهم في قولك اللهم . وقرئ " سلم " قال
الفراء : السلم والسلام بمعنى ; مثل الحل والحلال .
قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69فما لبث أن جاء بعجل حنيذ فيه أربع عشرة مسألة :
الأولى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69فما لبث أن جاء أن بمعنى حتى ، قاله كبراء النحويين ; حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي . التقدير : فما لبث حتى جاء . وقيل : أن في موضع نصب بسقوط حرف الجر ; التقدير : فما لبث عن أن جاء ; أي ما أبطأ عن مجيئه بعجل ; فلما حذف حرف الجر بقي أن في محل النصب . وفي لبث ضمير اسم
إبراهيم . وما نافية ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه . وقال
الفراء : فما لبث مجيئه ; أي ما أبطأ مجيئه ; فأن في موضع رفع ، ولا ضمير في لبث ، و " ما " نافية ; ويصح أن تكون ما بمعنى الذي ، وفي لبث ضمير
إبراهيم و " أن جاء " خبر " ما " أي فالذي لبث
إبراهيم هو مجيئه بعجل حنيذ . و " حنيذ " مشوي . وقيل : هو المشوي بحر الحجارة من غير أن تمسه النار . يقال : حنذت الشاة أحنذها حنذا أي شويتها ، وجعلت فوقها حجارة محماة لتنضجها فهي حنيذ . وحنذت الفرس أحنذه حنذا ، وهو أن تحضره شوطا أو شوطين ثم تظاهر عليه الجلال في الشمس ليعرق ، فهو محنوذ وحنيذ ; فإن لم يعرق قيل : كبا .
وحنذ موضع قريب من
المدينة . وقيل : الحنيذ السميط .
ابن عباس وغيره : ( حنيذ نضيج . وحنيذ بمعنى محنوذ ) ; وإنما جاء بعجل لأن البقر كانت أكثر أمواله .
الثانية : في هذه الآية من
أدب الضيف أن يعجل قراه ، فيقدم الموجود الميسر في الحال ، ثم يتبعه بغيره إن كان له جدة ، ولا يتكلف ما يضر به .
nindex.php?page=treesubj&link=24547والضيافة من مكارم الأخلاق ، ومن آداب الإسلام ، ومن خلق النبيين والصالحين .
وإبراهيم أول من أضاف على ما تقدم في " البقرة " وليست بواجبة عند عامة أهل العلم ; لقوله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=835242الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة فما كان وراء ذلك فهو صدقة . والجائزة العطية والصلة التي أصلها على الندب .
[ ص: 58 ] وقال - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835243من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه .
nindex.php?page=treesubj&link=32660وإكرام الجار ليس بواجب إجماعا ، فالضيافة مثله . والله أعلم . وذهب
الليث إلى وجوبها تمسكا بقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835244ليلة الضيف حق إلى غير ذلك من الأحاديث . وفيما أشرنا إليه كفاية ، والله الموفق للهداية . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وقد قال قوم : إن
nindex.php?page=treesubj&link=24548وجوب الضيافة كان في صدر الإسلام ثم نسخ ، وهذا ضعيف ; فإن الوجوب لم يثبت ، والناسخ لم يرد ; وذكر حديث
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري خرجه الأئمة ، وفيه : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=835245فاستضفناهم فأبوا أن يضيفونا فلدغ سيد ذلك الحي ) الحديث . وقال : هذا ظاهر في أن الضيافة لو كانت حقا للام النبي - صلى الله عليه وسلم - القوم الذين أبوا ، ولبين لهم ذلك .
الثالثة : اختلف العلماء
nindex.php?page=treesubj&link=24551فيمن يخاطب بها ; فذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومحمد بن عبد الحكم إلى أن المخاطب بها أهل الحضر والبادية . وقال
مالك : ليس على أهل الحضر ضيافة . قال
سحنون : إنما
nindex.php?page=treesubj&link=24551الضيافة على أهل القرى ، وأما
الحضر فالفندق ينزل فيه المسافر ، حكى اللغتين صاحب العين وغيره . واحتجوا بحديث
ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
الضيافة على أهل الوبر وليست على أهل المدر . وهذا حديث لا يصح ،
وإبراهيم ابن أخي عبد الرزاق متروك الحديث منسوب إلى الكذب ، وهذا مما انفرد به ، ونسب إلى وضعه ; قال
أبو عمر بن عبد البر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : الضيافة - حقيقة - فرض على الكفاية ، ومن الناس من قال : إنها واجبة في القرى حيث لا طعام ولا مأوى ، بخلاف الحواضر فإنها مشحونة بالمأواة والأقوات ; ولا شك أن الضيف كريم ، والضيافة كرامة ; فإن كان غريبا فهي فريضة .
الرابعة : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي قال بعض علمائنا : كانت ضيافة
إبراهيم قليلة فشكرها الحبيب من الحبيب ، وهذا حكم بالظن في موضع القطع ، وبالقياس في موضع النقل ; من أين علم أنه قليل ؟ ! بل قد نقل المفسرون أن الملائكة كانوا ثلاثة ;
جبريل وميكائيل وإسرافيل - صلى الله عليهم وسلم - وعجل لثلاثة عظيم ; فما هذا التفسير لكتاب الله بالرأي ! هذا بأمانة الله هو التفسير المذموم فاجتنبوه فقد علمتموه .
[ ص: 59 ] الخامسة :
السنة إذا قدم للضيف الطعام أن يبادر المقدم إليه بالأكل ; فإن كرامة الضيف تعجيل التقديم ; وكرامة صاحب المنزل المبادرة بالقبول ; فلما قبضوا أيديهم نكرهم
إبراهيم ; لأنهم خرجوا عن العادة ، وخالفوا السنة ، وخاف أن يكون وراءهم مكروه يقصدونه . وروي أنهم كانوا ينكتون بقداح كانت في أيديهم في اللحم ولا تصل أيديهم إلى اللحم ، فلما رأى ذلك منهم
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=70نكرهم وأوجس منهم خيفة أي أضمر . وقيل : أحس ; والوجوس الدخول ; قال الشاعر :
جاء البريد بقرطاس يخب به فأوجس القلب من قرطاسه جزعا
خيفة خوفا ; أي فزعا . وكانوا إذا رأوا الضيف لا يأكل ظنوا به شرا ; فقالت الملائكة
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=70لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط
السادسة :
من أدب الطعام أن لصاحب الضيف أن ينظر في ضيفه هل يأكل أم لا ؟ وذلك ينبغي أن يكون بتلفت ومسارقة لا بتحديد النظر . روي أن أعرابيا أكل مع
سليمان بن عبد الملك ، فرأى
سليمان في لقمة الأعرابي شعرة فقال له : أزل الشعرة عن لقمتك ؟ فقال له : أتنظر إلي نظر من يرى الشعرة في لقمتي ؟ ! والله لا أكلت معك .
قلت : وقد ذكر أن هذه الحكاية إنما كانت مع
هشام بن عبد الملك لا مع
سليمان ، وأن الأعرابي خرج من عنده وهو يقول :
وللموت خير من زيارة باخل يلاحظ أطراف الأكيل على عمد
السابعة :
قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=70فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم يقول : أنكرهم ; تقول : نكرتك وأنكرتك واستنكرتك إذا وجدته على غير ما عهدته ; قال الشاعر :
وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلعا
فجمع بين اللغتين . ويقال : نكرت لما تراه بعينك . وأنكرت لما تراه بقلبك .
الثامنة :
قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=71وامرأته قائمة ابتداء وخبر ، أي قائمة بحيث ترى الملائكة . قيل : كانت من وراء الستر . وقيل : كانت تخدم الملائكة وهو جالس . وقال
محمد بن إسحاق : قائمة تصلي . وفي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود " وامرأته قائمة وهو قاعد " .
[ ص: 60 ] التاسعة : قوله تعالى : فضحكت قال
مجاهد وعكرمة : حاضت ، وكانت آيسة ; تحقيقا للبشارة ; وأنشد على ذلك اللغويون :
وإني لآتي العرس عند طهورها وأهجرها يوما إذا تك ضاحكا
وقال آخر :
وضحك الأرانب فوق الصفا كمثل دم الجوف يوم اللقا
والعرب تقول : ضحكت الأرنب إذا حاضت ; وروي عن
ابن عباس - رضي الله عنهما -
وعكرمة ; أخذ من قولهم : ( ضحكت الكافورة - وهي قشرة الطلعة - إذا انشقت ) . وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى حاضت . وقال الجمهور : هو الضحك المعروف ، واختلفوا فيه ; فقيل : هو ضحك التعجب ; قال
أبو ذؤيب :
فجاء بمزج لم ير الناس مثله هو الضحك إلا أنه عمل النحل
وقال
مقاتل : ضحكت من خوف
إبراهيم ، ورعدته من ثلاثة نفر ،
وإبراهيم في حشمه وخدمه ; وكان
إبراهيم يقوم وحده بمائة رجل . قال : وليس الضحك الحيض في اللغة بمستقيم . وأنكر
أبو عبيد والفراء ذلك ; قال
الفراء : لم أسمعه من ثقة ; وإنما هو كناية . وروي أن الملائكة مسحت العجل ، فقام من موضعه فلحق بأمه ، فضحكت
سارة عند ذلك فبشروها
بإسحاق . ويقال : كان
إبراهيم - عليه السلام - إذا أراد أن يكرم أضيافه أقام
سارة تخدمهم ، فذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=71وامرأته قائمة أي قائمة في خدمتهم . ويقال : قائمة لروع
إبراهيم فضحكت لقولهم : " لا تخف " سرورا بالأمن . وقال
الفراء : فيه تقديم وتأخير ; المعنى : فبشرناها
بإسحاق فضحكت ، أي ضحكت سرورا بالولد ، وقد هرمت ، والله أعلم أي ذلك كان . قال النحاس فيه أقوال : أحسنها - أنهم لما لم يأكلوا أنكرهم وخافهم ; فلما قالوا لا تخف ، وأخبروه أنهم رسل الله ، فرح بذلك ، فضحكت امرأته سرورا بفرحه . وقيل : إنها كانت قالت له : أحسب أن هؤلاء القوم سينزل بهم عذاب فضم
لوطا إليك ، فلما جاءت الرسل بما قالته سرت به فضحكت ; قال
النحاس : وهذا إن صح إسناده فهو حسن . والضحك انكشاف الأسنان . ويجوز أن يكون الضحك إشراق الوجه ; تقول : رأيت فلانا ضاحكا ; أي مشرقا . وأتيت على روضة تضحك ; أي مشرقة . وفي الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=839305إن الله سبحانه يبعث السحاب فيضحك أحسن الضحك . جعل انجلاءه عن البرق ضحكا ; وهذا كلام مستعار . وروي عن رجل من قراء
مكة يقال له
محمد بن زياد الأعرابي . " فضحكت " بفتح الحاء ; قال المهدوي ; وفتح
[ ص: 61 ] " الحاء " من فضحكت غير معروف . وضحك يضحك ضحكا وضحكا وضحكا وضحكا أربع لغات . والضحكة المرة الواحدة ، ومنه قول
كثير :
غلقت لضحكته رقاب المال
قاله
الجوهري .
العاشرة : روى
مسلم عن
سهل بن سعد قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835246دعا أبو أسيد الساعدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عرسه ، فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس . قال سهل : أتدرون ما سقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ أنقعت له تمرات من الليل في تور ، فلما أكل سقته إياه . وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وترجم له " باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس " . قال علماؤنا : فيه جواز
nindex.php?page=treesubj&link=11385خدمة العروس زوجها وأصحابه في عرسها . وفيه أنه لا بأس أن يعرض الرجل أهله على صالح إخوانه ، ويستخدمهن لهم . ويحتمل أن يكون هذا قبل نزول الحجاب . والله أعلم .
الحادية عشرة : ذكر
الطبري أن
إبراهيم - عليه السلام - لما قدم العجل قالوا : لا نأكل طعاما إلا بثمن ; فقال لهم : " ثمنه أن تذكروا الله في أوله وتحمدوه في آخره " فقال
جبريل لأصحابه : بحق اتخذ الله هذا خليلا . قال علماؤنا : ولم يأكلوا لأن الملائكة لا تأكل . وقد كان من الجائز كما يسر الله للملائكة أن يتشكلوا في صفة الآدمي جسدا وهيئة أن ييسر لهم أكل الطعام ; إلا أنه في قول العلماء أرسلهم في صفة الآدمي وتكلف
إبراهيم - عليه السلام - الضيافة حتى إذا رأى التوقف وخاف جاءته البشرى فجأة .
الثانية عشرة : ودل هذا على أن
nindex.php?page=treesubj&link=18328_18339التسمية في أول الطعام ، والحمد في آخره مشروع في الأمم قبلنا ; وقد جاء في الإسرائيليات أن
إبراهيم - عليه السلام - كان لا يأكل وحده ; فإذا حضر طعامه أرسل يطلب من يأكل معه ; فلقي يوما رجلا ، فلما جلس معه على الطعام ، قال له
إبراهيم : سم الله ، قال الرجل لا أدري ما الله ؟ فقال له : فاخرج عن طعامي ، فلما خرج نزل إليه
جبريل فقال له : يقول الله إنه يرزقه على كفره مدى عمره وأنت بخلت عليه بلقمة ; فخرج
[ ص: 62 ] إبراهيم فزعا يجر رداءه ، وقال : ارجع ، فقال : لا أرجع حتى تخبرني لم تردني لغير معنى ؟ فأخبره بالأمر ; فقال : هذا رب كريم ، آمنت ; ودخل وسمى الله وأكل مؤمنا .
الثالثة عشرة :
قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=71فبشرناها بإسحاق لما ولد
لإبراهيم إسماعيل من
هاجر تمنت
سارة أن يكون لها ابن ، وأيست لكبر سنها ، فبشرت بولد يكون نبيا ويلد نبيا ، فكان هذا بشارة لها بأن ترى ولد ولدها .
الرابعة عشرة :
قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=71ومن وراء إسحاق يعقوب قرأ
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=4891وعبد الله بن عامر " يعقوب " بالنصب . ورفع الباقون ; فالرفع على معنى : ويحدث لها من وراء
إسحاق يعقوب . ويجوز أن يرتفع بالفعل الذي يعمل في " من " كأن المعنى : وثبت لها من وراء
إسحاق يعقوب . ويجوز أن يرتفع بالابتداء ، ويكون في موضع الحال ; أي بشروها
بإسحاق مقابلا له يعقوب . والنصب على معنى : ووهبنا لها من وراء
إسحاق يعقوب . وأجاز
الكسائي nindex.php?page=showalam&ids=13674والأخفش وأبو حاتم أن يكون " يعقوب " في موضع جر على معنى : وبشرناها من وراء
إسحاق بيعقوب . قال
الفراء : ولا يجوز الخفض إلا بإعادة الحرف الخافض ; قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ولو قلت : مررت بزيد أول من أمس وأمس عمرو كان قبيحا خبيثا ; لأنك فرقت بين المجرور وما يشركه وهو الواو ، كما فرقت بين الجار والمجرور ; لأن الجار لا يفصل بينه وبين المجرور ، ولا بينه وبين الواو .
قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=70فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=71وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقٍ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى هَذِهِ قِصَّةُ
لُوطٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ; وَهُوَ ابْنُ عَمِّ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَحًّا ، وَكَانَتْ قُرَى
لُوطٍ بِنَوَاحِي
الشَّامِ ،
وَإِبْرَاهِيمَ بِبِلَادِ
فِلَسْطِينَ ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ بِعَذَابِ قَوْمِ
لُوطٍ مَرُّوا
بِإِبْرَاهِيمَ وَنَزَلُوا عِنْدَهُ ، وَكَانَ كُلُّ مَنْ نَزَلَ عِنْدَهُ يُحْسِنُ قِرَاهُ ، وَكَانُوا مَرُّوا بِبِشَارَةِ
إِبْرَاهِيمَ ، فَظَنَّهُمْ أَضْيَافًا . ( وَهُمْ
جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - ) ; قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ .
الضَّحَّاكُ : كَانُوا تِسْعَةً .
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : أَحَدَ عَشَرَ مَلَكًا عَلَى صُورَةِ الْغِلْمَانِ الْحِسَانِ الْوُجُوهِ ، ذُو وَضَاءَةٍ وَجَمَالٍ بَارِعٍ . بِالْبُشْرَى قِيلَ : بِالْوَلَدِ . وَقِيلَ : بِإِهْلَاكِ قَوْمِ
لُوطٍ . وَقِيلَ : بَشَّرُوهُ بِأَنَّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَأَنَّهُ لَا خَوْفَ عَلَيْهِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69قَالُوا سَلَامًا نُصِبَ بِوُقُوعِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ ; كَمَا تَقُولُ : قَالُوا خَيْرًا . وَهَذَا اخْتِيَارُ
الطَّبَرِيِّ . وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ فَالثَّلَاثَةُ اسْمٌ غَيْرَ قَوْلٍ مَقُولٍ . وَلَوْ رُفِعَا جَمِيعًا أَوْ نُصِبَا جَمِيعًا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ جَازَ فِي الْعَرَبِيَّةِ . قِيلَ : انْتَصَبَ عَلَى الْمَصْدَرِ . وَقِيلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69قَالُوا سَلَامًا أَيْ فَاتَحُوهُ بِصَوَابٍ مِنَ الْقَوْلِ . كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=63وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا أَيْ صَوَابًا ; فَسَلَامًا مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا لَفْظُهُ ; قَالَ مَعْنَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَاخْتَارَهُ . قَالَ : أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَرَادَ ذِكْرَ اللَّفْظِ قَالَهُ بِعَيْنِهِ فَقَالَ مُخْبِرًا عَنِ الْمَلَائِكَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ [ ص: 57 ] وَقِيلَ : دَعَوْا لَهُ ; وَالْمَعْنَى سَلِمْتَ سَلَامًا .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69قَالَ سَلَامٌ فِي رَفْعِهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ أَيْ هُوَ سَلَامٌ ، وَأَمْرِي سَلَامٌ .
وَالْآخَرُ : بِمَعْنَى سَلَامٌ عَلَيْكُمْ إِذَا جُعِلَ بِمَعْنَى التَّحِيَّةِ ; فَأُضْمِرَ الْخَبَرُ . وَجَازَ سَلَامٌ عَلَى التَّنْكِيرِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ ، فَحُذِفَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ كَمَا حُذِفَتْ مِنْ لَاهُمَّ فِي قَوْلِكِ اللَّهُمَّ . وَقُرِئَ " سِلْمٌ " قَالَ
الْفَرَّاءُ : السِّلْمُ وَالسَّلَامُ بِمَعْنًى ; مِثْلُ الْحِلِّ وَالْحَلَالِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ فِيهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً :
الْأُولَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ أَنْ بِمَعْنَى حَتَّى ، قَالَهُ كُبَرَاءُ النَّحْوِيِّينَ ; حَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ . التَّقْدِيرُ : فَمَا لَبِثَ حَتَّى جَاءَ . وَقِيلَ : أَنْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِسُقُوطِ حَرْفِ الْجَرِّ ; التَّقْدِيرُ : فَمَا لَبِثَ عَنْ أَنْ جَاءَ ; أَيْ مَا أَبْطَأَ عَنْ مَجِيئِهِ بِعِجْلٍ ; فَلَمَّا حُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ بَقِيَ أَنْ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ . وَفِي لَبِثَ ضَمِيرُ اسْمِ
إِبْرَاهِيمَ . وَمَا نَافِيَةٌ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : فَمَا لَبِثَ مَجِيئُهُ ; أَيْ مَا أَبْطَأَ مَجِيئُهُ ; فَأَنْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ ، وَلَا ضَمِيرَ فِي لَبِثَ ، وَ " مَا " نَافِيَةٌ ; وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَا بِمَعْنَى الَّذِي ، وَفِي لَبِثَ ضَمِيرُ
إِبْرَاهِيمَ وَ " أَنْ جَاءَ " خَبَرُ " مَا " أَيْ فَالَّذِي لَبِثَ
إِبْرَاهِيمُ هُوَ مَجِيئُهُ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ . وَ " حَنِيذٍ " مَشْوِيٍّ . وَقِيلَ : هُوَ الْمَشْوِيُّ بِحَرِّ الْحِجَارَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمَسَّهُ النَّارُ . يُقَالُ : حَنَذْتُ الشَّاةَ أَحْنِذُهَا حَنْذًا أَيْ شَوَيْتُهَا ، وَجَعَلْتُ فَوْقَهَا حِجَارَةً مُحْمَاةً لِتُنْضِجَهَا فَهِيَ حَنِيذٌ . وَحَنَذْتُ الْفَرَسَ أَحْنِذُهُ حَنْذًا ، وَهُوَ أَنْ تُحْضِرَهُ شَوْطًا أَوْ شَوْطَيْنِ ثُمَّ تُظَاهِرُ عَلَيْهِ الْجِلَالَ فِي الشَّمْسِ لِيَعْرَقَ ، فَهُوَ مَحْنُوذٌ وَحَنِيذٌ ; فَإِنْ لَمْ يَعْرَقْ قِيلَ : كَبَا .
وَحَنَذٌ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ
الْمَدِينَةِ . وَقِيلَ : الْحَنِيذُ السَّمِيطُ .
ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ : ( حَنِيذٌ نَضِيجٌ . وَحَنِيذٌ بِمَعْنَى مَحْنُوذٍ ) ; وَإِنَّمَا جَاءَ بِعِجْلٍ لِأَنَّ الْبَقَرَ كَانَتْ أَكْثَرَ أَمْوَالِهِ .
الثَّانِيَةُ : فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ
أَدَبِ الضَّيْفِ أَنْ يُعَجِّلَ قِرَاهُ ، فَيُقَدِّمُ الْمَوْجُودَ الْمُيَسَّرَ فِي الْحَالِ ، ثُمَّ يُتْبِعُهُ بِغَيْرِهِ إِنْ كَانَ لَهُ جِدَةٌ ، وَلَا يَتَكَلَّفُ مَا يَضُرُّ بِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=24547وَالضِّيَافَةُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، وَمِنْ آدَابِ الْإِسْلَامِ ، وَمِنْ خُلُقِ النَّبِيِّينَ وَالصَّالِحِينَ .
وَإِبْرَاهِيمُ أَوَّلُ مَنْ أَضَافَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَةِ " وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ ; لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=835242الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ . وَالْجَائِزَةُ الْعَطِيَّةُ وَالصِّلَةُ الَّتِي أَصْلُهَا عَلَى النَّدْبِ .
[ ص: 58 ] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835243مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ .
nindex.php?page=treesubj&link=32660وَإِكْرَامُ الْجَارِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ إِجْمَاعًا ، فَالضِّيَافَةُ مِثْلُهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَذَهَبَ
اللَّيْثُ إِلَى وُجُوبِهَا تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835244لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ . وَفِيمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ كِفَايَةٌ ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلْهِدَايَةِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24548وُجُوبَ الضِّيَافَةِ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ ; فَإِنَّ الْوُجُوبَ لَمْ يَثْبُتْ ، وَالنَّاسِخُ لَمْ يَرِدْ ; وَذَكَرَ حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ خَرَّجَهُ الْأَئِمَّةُ ، وَفِيهِ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=835245فَاسْتَضَفْنَاهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُونَا فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ ) الْحَدِيثَ . وَقَالَ : هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الضِّيَافَةَ لَوْ كَانَتْ حَقًّا لَلَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَوْمَ الَّذِينَ أَبَوْا ، وَلَبَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ .
الثَّالِثَةُ : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ
nindex.php?page=treesubj&link=24551فِيمَنْ يُخَاطِبُ بِهَا ; فَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إِلَى أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهَا أَهْلُ الْحَضَرِ وَالْبَادِيَةِ . وَقَالَ
مَالِكٌ : لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْحَضَرِ ضِيَافَةٌ . قَالَ
سُحْنُونٌ : إِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=24551الضِّيَافَةُ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى ، وَأَمَّا
الْحَضَرُ فَالْفُنْدُقُ يَنْزِلُ فِيهِ الْمُسَافِرُ ، حَكَى اللُّغَتَيْنِ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَغَيْرُهُ . وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
الضِّيَافَةُ عَلَى أَهْلِ الْوَبَرِ وَلَيْسَتْ عَلَى أَهْلِ الْمَدَرِ . وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ ،
وَإِبْرَاهِيمُ ابْنُ أَخِي عَبْدِ الرَّزَّاقِ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْكَذِبِ ، وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ ، وَنُسِبَ إِلَى وَضْعِهِ ; قَالَ
أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : الضِّيَافَةُ - حَقِيقَةً - فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ : إِنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْقُرَى حَيْثُ لَا طَعَامَ وَلَا مَأْوَى ، بِخِلَافِ الْحَوَاضِرِ فَإِنَّهَا مَشْحُونَةٌ بِالْمَأْوَاةِ وَالْأَقْوَاتِ ; وَلَا شَكَّ أَنَّ الضَّيْفَ كَرِيمٌ ، وَالضِّيَافَةَ كَرَامَةٌ ; فَإِنْ كَانَ غَرِيبًا فَهِيَ فَرِيضَةٌ .
الرَّابِعَةُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا : كَانَتْ ضِيَافَةُ
إِبْرَاهِيمَ قَلِيلَةً فَشَكَرَهَا الْحَبِيبُ مِنَ الْحَبِيبِ ، وَهَذَا حُكْمٌ بِالظَّنِّ فِي مَوْضِعِ الْقَطْعِ ، وَبِالْقِيَاسِ فِي مَوْضِعِ النَّقْلِ ; مِنْ أَيْنَ عُلِمَ أَنَّهُ قَلِيلٌ ؟ ! بَلْ قَدْ نَقَلَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانُوا ثَلَاثَةً ;
جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ - وَعِجْلٌ لِثَلَاثَةٍ عَظِيمٌ ; فَمَا هَذَا التَّفْسِيرُ لِكِتَابِ اللَّهِ بِالرَّأْيِ ! هَذَا بِأَمَانَةِ اللَّهِ هُوَ التَّفْسِيرُ الْمَذْمُومُ فَاجْتَنِبُوهُ فَقَدْ عَلِمْتُمُوهُ .
[ ص: 59 ] الْخَامِسَةُ :
السُّنَّةُ إِذَا قُدِّمَ لِلضَّيْفِ الطَّعَامُ أَنْ يُبَادِرَ الْمُقَدَّمُ إِلَيْهِ بِالْأَكْلِ ; فَإِنَّ كَرَامَةَ الضَّيْفِ تَعْجِيلُ التَّقْدِيمِ ; وَكَرَامَةُ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ الْمُبَادَرَةُ بِالْقَبُولِ ; فَلَمَّا قَبَضُوا أَيْدِيَهُمْ نَكِرَهُمْ
إِبْرَاهِيمُ ; لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا عَنِ الْعَادَةِ ، وَخَالَفُوا السُّنَّةَ ، وَخَافَ أَنْ يَكُونَ وَرَاءَهُمْ مَكْرُوهٌ يَقْصِدُونَهُ . وَرُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْكُتُونَ بِقِدَاحٍ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمْ فِي اللَّحْمِ وَلَا تَصِلُ أَيْدِيهِمْ إِلَى اللَّحْمِ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مِنْهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=70نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً أَيْ أَضْمَرَ . وَقِيلَ : أَحَسَّ ; وَالْوُجُوسُ الدُّخُولُ ; قَالَ الشَّاعِرُ :
جَاءَ الْبَرِيدُ بِقِرْطَاسٍ يَخُبُّ بِهِ فَأَوْجَسَ الْقَلْبُ مِنْ قِرْطَاسِهِ جَزَعًا
خِيفَةً خَوْفًا ; أَيْ فَزَعًا . وَكَانُوا إِذَا رَأَوُا الضَّيْفَ لَا يَأْكُلُ ظَنُّوا بِهِ شَرًّا ; فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=70لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ
السَّادِسَةُ :
مِنْ أَدَبِ الطَّعَامِ أَنَّ لِصَاحِبِ الضَّيْفِ أَنْ يَنْظُرَ فِي ضَيْفِهِ هَلْ يَأْكُلُ أَمْ لَا ؟ وَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِتَلَفُّتٍ وَمُسَارَقَةٍ لَا بِتَحْدِيدِ النَّظَرِ . رُوِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَكَلَ مَعَ
سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، فَرَأَى
سُلَيْمَانُ فِي لُقْمَةِ الْأَعْرَابِيِّ شَعْرَةً فَقَالَ لَهُ : أَزِلِ الشَّعْرَةَ عَنْ لُقْمَتِكَ ؟ فَقَالَ لَهُ : أَتَنْظُرُ إِلَيَّ نَظَرَ مَنْ يَرَى الشَّعْرَةَ فِي لُقْمَتِي ؟ ! وَاللَّهِ لَا أَكَلْتُ مَعَكَ .
قُلْتُ : وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْحِكَايَةَ إِنَّمَا كَانَتْ مَعَ
هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا مَعَ
سُلَيْمَانَ ، وَأَنَّ الْأَعْرَابِيَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَقُولُ :
وَلَلْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ زِيَارَةِ بَاخِلٍ يُلَاحِظُ أَطْرَافَ الْأَكِيلِ عَلَى عَمْدِ
السَّابِعَةُ :
قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=70فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ يَقُولُ : أَنْكَرَهُمْ ; تَقُولُ : نَكِرْتُكَ وَأَنْكَرْتُكَ وَاسْتَنْكَرْتُكَ إِذَا وَجَدْتَهُ عَلَى غَيْرِ مَا عَهِدْتَهُ ; قَالَ الشَّاعِرُ :
وَأَنْكَرَتْنِي وَمَا كَانَ الَّذِي نَكِرَتْ مِنَ الْحَوَادِثِ إِلَّا الشَّيْبَ وَالصَّلَعَا
فَجَمَعَ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ . وَيُقَالُ : نَكِرْتُ لِمَا تَرَاهُ بِعَيْنِكَ . وَأَنْكَرْتُ لِمَا تَرَاهُ بِقَلْبِكَ .
الثَّامِنَةُ :
قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=71وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ ، أَيْ قَائِمَةٌ بِحَيْثُ تَرَى الْمَلَائِكَةَ . قِيلَ : كَانَتْ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ . وَقِيلَ : كَانَتْ تَخْدُمُ الْمَلَائِكَةَ وَهُوَ جَالِسٌ . وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : قَائِمَةٌ تُصَلِّي . وَفِي قِرَاءَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ " وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ وَهُوَ قَاعِدٌ " .
[ ص: 60 ] التَّاسِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : فَضَحِكَتْ قَالَ
مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ : حَاضَتْ ، وَكَانَتْ آيِسَةٌ ; تَحْقِيقًا لِلْبِشَارَةِ ; وَأَنْشَدَ عَلَى ذَلِكَ اللُّغَوِيُّونَ :
وَإِنِّي لَآتِي الْعِرْسَ عِنْدَ طُهُورِهَا وَأَهْجُرُهَا يَوْمًا إِذَا تَكُ ضَاحِكَا
وَقَالَ آخَرُ :
وَضِحْكُ الْأَرَانِبِ فَوْقَ الصَّفَا كَمِثْلِ دَمِ الْجَوْفِ يَوْمَ اللِّقَا
وَالْعَرَبُ تَقُولُ : ضَحِكَتِ الْأَرْنَبُ إِذَا حَاضَتْ ; وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
وَعِكْرِمَةَ ; أُخِذَ مِنْ قَوْلِهِمْ : ( ضَحِكَتِ الْكَافُورَةُ - وَهِيَ قِشْرَةُ الطَّلْعَةِ - إِذَا انْشَقَّتْ ) . وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ أَنْ يَكُونَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ضَحِكَتْ بِمَعْنَى حَاضَتْ . وَقَالَ الْجُمْهُورُ : هُوَ الضَّحِكُ الْمَعْرُوفُ ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ ; فَقِيلَ : هُوَ ضَحِكُ التَّعَجُّبِ ; قَالَ
أَبُو ذُؤَيْبٍ :
فَجَاءَ بِمَزْجٍ لَمْ يَرَ النَّاسُ مِثْلَهُ هُوَ الضَّحْكُ إِلَّا أَنَّهُ عَمَلُ النَّحْلِ
وَقَالَ
مُقَاتِلٌ : ضَحِكَتْ مِنْ خَوْفِ
إِبْرَاهِيمَ ، وَرِعْدَتِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ ،
وَإِبْرَاهِيمُ فِي حَشَمِهِ وَخَدَمِهِ ; وَكَانَ
إِبْرَاهِيمُ يَقُومُ وَحْدَهُ بِمِائَةِ رَجُلٍ . قَالَ : وَلَيْسَ الضَّحِكُ الْحَيْضَ فِي اللُّغَةِ بِمُسْتَقِيمٍ . وَأَنْكَرَ
أَبُو عُبَيْدٍ وَالْفَرَّاءُ ذَلِكَ ; قَالَ
الْفَرَّاءُ : لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ ثِقَةٍ ; وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ . وَرُوِيَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مَسَحَتِ الْعِجْلَ ، فَقَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ فَلَحِقَ بِأُمِّهِ ، فَضَحِكَتْ
سَارَةُ عِنْدَ ذَلِكَ فَبَشَّرُوهَا
بِإِسْحَاقَ . وَيُقَالُ : كَانَ
إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِذَا أَرَادَ أَنْ يُكْرِمَ أَضْيَافَهُ أَقَامَ
سَارَةَ تَخْدُمُهُمْ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=71وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ أَيْ قَائِمَةٌ فِي خِدْمَتِهِمْ . وَيُقَالُ : قَائِمَةٌ لِرَوْعِ
إِبْرَاهِيمَ فَضَحِكَتْ لِقَوْلِهِمْ : " لَا تَخَفْ " سُرُورًا بِالْأَمْنِ . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ ; الْمَعْنَى : فَبَشَّرْنَاهَا
بِإِسْحَاقَ فَضَحِكَتْ ، أَيْ ضَحِكَتْ سُرُورًا بِالْوَلَدِ ، وَقَدْ هَرِمَتْ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ . قَالَ النَّحَّاسُ فِيهِ أَقْوَالٌ : أَحْسَنُهَا - أَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَأْكُلُوا أَنْكَرَهُمْ وَخَافَهُمْ ; فَلَمَّا قَالُوا لَا تَخَفْ ، وَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ ، فَرِحَ بِذَلِكَ ، فَضَحِكَتِ امْرَأَتُهُ سُرُورًا بِفَرَحِهِ . وَقِيلَ : إِنَّهَا كَانَتْ قَالَتْ لَهُ : أَحْسَبُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ سَيَنْزِلُ بِهِمْ عَذَابٌ فَضَمَّ
لُوطًا إِلَيْكَ ، فَلَمَّا جَاءَتِ الرُّسُلُ بِمَا قَالَتْهُ سُرَّتْ بِهِ فَضَحِكَتْ ; قَالَ
النَّحَّاسُ : وَهَذَا إِنْ صَحَّ إِسْنَادُهُ فَهُوَ حَسَنٌ . وَالضَّحِكُ انْكِشَافُ الْأَسْنَانِ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّحِكُ إِشْرَاقَ الْوَجْهِ ; تَقُولُ : رَأَيْتُ فُلَانًا ضَاحِكًا ; أَيْ مُشْرِقًا . وَأَتَيْتُ عَلَى رَوْضَةٍ تَضْحَكُ ; أَيْ مُشْرِقَةٍ . وَفِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=839305إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَبْعَثُ السَّحَابَ فَيَضْحَكُ أَحْسَنَ الضَّحِكِ . جَعَلَ انْجِلَاءَهُ عَنِ الْبَرْقِ ضَحِكًا ; وَهَذَا كَلَامٌ مُسْتَعَارٌ . وَرُوِيَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَّاءِ
مَكَّةَ يُقَالُ لَهُ
مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْأَعْرَابِيُّ . " فَضَحَكَتْ " بِفَتْحِ الْحَاءِ ; قَالَ الْمَهْدَوِيُّ ; وَفَتْحُ
[ ص: 61 ] " الْحَاءِ " مِنْ فَضَحِكَتْ غَيْرُ مَعْرُوفٍ . وَضَحِكَ يَضْحَكُ ضَحْكًا وَضِحْكًا وَضِحِكًا وَضَحِكًا أَرْبَعُ لُغَاتٍ . وَالضَّحْكَةُ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
كُثَيِّرٍ :
غَلِقَتْ لِضَحْكَتِهِ رِقَابُ الْمَالِ
قَالَهُ
الْجَوْهَرِيُّ .
الْعَاشِرَةُ : رَوَى
مُسْلِمٌ عَنْ
سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835246دَعَا أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُرْسِهِ ، فَكَانَتِ امْرَأَتُهُ يَوْمئِذٍ خَادِمُهُمْ وَهِيَ الْعَرُوسُ . قَالَ سَهْلٌ : أَتَدْرُونَ مَا سَقَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ فِي تَوْرٍ ، فَلَمَّا أَكَلَ سَقَتْهُ إِيَّاهُ . وَأَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ وَتَرْجَمَ لَهُ " بَابُ قِيَامِ الْمَرْأَةِ عَلَى الرِّجَالِ فِي الْعُرْسِ وَخِدْمَتِهِمْ بِالنَّفْسِ " . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : فِيهِ جَوَازُ
nindex.php?page=treesubj&link=11385خِدْمَةِ الْعَرُوسِ زَوْجَهَا وَأَصْحَابَهُ فِي عُرْسِهَا . وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَعْرِضَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ عَلَى صَالِحِ إِخْوَانِهِ ، وَيَسْتَخْدِمُهُنَّ لَهُمْ . وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : ذَكَرَ
الطَّبَرِيُّ أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا قَدَّمَ الْعِجْلَ قَالُوا : لَا نَأْكُلُ طَعَامًا إِلَّا بِثَمَنٍ ; فَقَالَ لَهُمْ : " ثَمَنُهُ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَوَّلِهِ وَتَحْمَدُوهُ فِي آخِرِهِ " فَقَالَ
جِبْرِيلُ لِأَصْحَابِهِ : بِحَقٍّ اتَّخَذَ اللَّهُ هَذَا خَلِيلًا . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَلَمْ يَأْكُلُوا لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَأْكُلُ . وَقَدْ كَانَ مِنَ الْجَائِزِ كَمَا يَسَّرَ اللَّهُ لِلْمَلَائِكَةِ أَنْ يَتَشَكَّلُوا فِي صِفَةِ الْآدَمِيِّ جَسَدًا وَهَيْئَةً أَنْ يُيَسِّرَ لَهُمْ أَكْلَ الطَّعَامِ ; إِلَّا أَنَّهُ فِي قَوْلِ الْعُلَمَاءِ أَرْسَلَهُمْ فِي صِفَةِ الْآدَمِيِّ وَتَكَلَّفَ
إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الضِّيَافَةَ حَتَّى إِذَا رَأَى التَّوَقُّفَ وَخَافَ جَاءَتْهُ الْبُشْرَى فَجْأَةً .
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ : وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18328_18339التَّسْمِيَةَ فِي أَوَّلِ الطَّعَامِ ، وَالْحَمْدَ فِي آخِرِهِ مَشْرُوعٌ فِي الْأُمَمِ قَبْلَنَا ; وَقَدْ جَاءَ فِي الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ لَا يَأْكُلُ وَحْدَهُ ; فَإِذَا حَضَرَ طَعَامُهُ أَرْسَلَ يَطْلُبُ مَنْ يَأْكُلُ مَعَهُ ; فَلَقِيَ يَوْمًا رَجُلًا ، فَلَمَّا جَلَسَ مَعَهُ عَلَى الطَّعَامِ ، قَالَ لَهُ
إِبْرَاهِيمُ : سَمِّ اللَّهَ ، قَالَ الرَّجُلُ لَا أَدْرِي مَا اللَّهُ ؟ فَقَالَ لَهُ : فَاخْرُجْ عَنْ طَعَامِي ، فَلَمَّا خَرَجَ نَزَلَ إِلَيْهِ
جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ : يَقُولُ اللَّهُ إِنَّهُ يَرْزُقُهُ عَلَى كُفْرِهِ مَدَى عُمْرِهِ وَأَنْتَ بَخِلْتَ عَلَيْهِ بِلُقْمَةٍ ; فَخَرَجَ
[ ص: 62 ] إِبْرَاهِيمُ فَزِعًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ ، وَقَالَ : ارْجِعْ ، فَقَالَ : لَا أَرْجِعُ حَتَّى تُخْبِرَنِي لِمَ تَرُدُّنِي لِغَيْرِ مَعْنًى ؟ فَأَخْبَرَهُ بِالْأَمْرِ ; فَقَالَ : هَذَا رَبٌّ كَرِيمٌ ، آمَنْتُ ; وَدَخَلَ وَسَمَّى اللَّهَ وَأَكَلَ مُؤْمِنًا .
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ :
قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=71فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ لَمَّا وُلِدَ
لِإِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلُ مِنْ
هَاجَرَ تَمَنَّتْ
سَارَةُ أَنْ يَكُونَ لَهَا ابْنٌ ، وَأَيِسَتْ لِكِبَرِ سِنِّهَا ، فَبُشِّرَتْ بِوَلَدٍ يَكُونُ نَبِيًّا وَيَلِدُ نَبِيًّا ، فَكَانَ هَذَا بِشَارَةً لَهَا بِأَنْ تَرَى وَلَدَ وَلَدِهَا .
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ :
قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=71وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ قَرَأَ
حَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=4891وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ " يَعْقُوبَ " بِالنَّصْبِ . وَرَفَعَ الْبَاقُونَ ; فَالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى : وَيُحْدِثُ لَهَا مِنْ وَرَاءِ
إِسْحَاقَ يَعْقُوبُ . وَيَجُوزُ أَنْ يَرْتَفِعَ بِالْفِعْلِ الَّذِي يَعْمَلُ فِي " مِنْ " كَأَنَّ الْمَعْنَى : وَثَبَتَ لَهَا مِنْ وَرَاءِ
إِسْحَاقَ يَعْقُوبُ . وَيَجُوزُ أَنْ يَرْتَفِعَ بِالِابْتِدَاءِ ، وَيَكُونُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ; أَيْ بَشَّرُوهَا
بِإِسْحَاقَ مُقَابِلًا لَهُ يَعْقُوبُ . وَالنَّصْبُ عَلَى مَعْنَى : وَوَهَبْنَا لَهَا مِنْ وَرَاءِ
إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ . وَأَجَازَ
الْكِسَائِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13674وَالْأَخْفَشُ وَأَبُو حَاتِمٍ أَنْ يَكُونَ " يَعْقُوبُ " فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَلَى مَعْنَى : وَبَشَّرْنَاهَا مِنْ وَرَاءِ
إِسْحَاقَ بِيَعْقُوبَ . قَالَ
الْفَرَّاءُ : وَلَا يَجُوزُ الْخَفْضُ إِلَّا بِإِعَادَةِ الْحَرْفِ الْخَافِضِ ; قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ وَلَوْ قُلْتَ : مَرَرْتُ بِزَيْدٍ أَوَّلَ مِنْ أَمْسِ وَأَمْسِ عَمْرٍو كَانَ قَبِيحًا خَبِيثًا ; لِأَنَّكَ فَرَّقْتَ بَيْنَ الْمَجْرُورِ وَمَا يُشْرِكُهُ وَهُوَ الْوَاوُ ، كَمَا فَرَّقْتَ بَيْنَ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ ; لِأَنَّ الْجَارَّ لَا يُفْصَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْرُورِ ، وَلَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَاوِ .