قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=41ياصاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=41أما أحدكما فيسقي ربه خمرا أي قال للساقي : إنك ترد على عملك الذي كنت عليه من سقي الملك بعد ثلاثة أيام ، وقال للآخر : وأما أنت فتدعى إلى ثلاثة أيام فتصلب فتأكل الطير من رأسك ، قال : والله ما رأيت شيئا ; قال : رأيت أو لم تر قضي الأمر الذي فيه تستفتيان . وحكى أهل اللغة أن سقى وأسقى لغتان بمعنى واحد ، كما قال الشاعر :
سقى قومي بني مجد وأسقى نميرا والقبائل من هلال
قال
النحاس : الذي عليه أكثر أهل اللغة أن معنى سقاه ناوله فشرب ، أو صب الماء في حلقه ومعنى أسقاه جعل له سقيا ; قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=27وأسقيناكم ماء فراتا .
[ ص: 169 ] الثانية : قال علماؤنا : إن قيل من
nindex.php?page=treesubj&link=24405كذب في رؤياه ففسرها العابر له أيلزمه حكمها ؟ قلنا : لا يلزمه ; وإنما كان ذلك في
يوسف لأنه نبي ، وتعبير النبي حكم ، وقد قال : إنه يكون كذا وكذا فأوجد الله تعالى ما أخبر كما قال تحقيقا لنبوته ; فإن قيل : فقد روى
عبد الرزاق عن
معمر عن
قتادة قال : جاء رجل إلى
عمر بن الخطاب فقال : إني رأيت كأني أعشبت ثم أجدبت ثم أعشبت ثم أجدبت ، فقال له
عمر : أنت رجل تؤمن ثم تكفر ، ثم تؤمن ثم تكفر ، ثم تموت كافرا ; فقال الرجل : ما رأيت شيئا ; فقال له
عمر : قد قضي لك ما قضي لصاحب
يوسف ; قلنا : ليست لأحد بعد
عمر ; لأن
عمر كان محدثا ، وكان إذا ظن ظنا كان وإذا تكلم به وقع ، على ما ورد في أخباره ; وهي كثيرة ; منها : أنه دخل عليه رجل فقال له : أظنك كاهنا فكان كما ظن ; خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . ومنها : أنه سأل رجلا عن اسمه فقال له فيه أسماء النار كلها ، فقال له : أدرك أهلك فقد احترقوا ، فكان كما قال : خرجه الموطأ . وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة " الحجر " إن شاء الله تعالى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=41يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ فِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْأُولَى : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=41أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا أَيْ قَالَ لِلسَّاقِي : إِنَّكَ تُرَدُّ عَلَى عَمَلِكَ الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ مِنْ سَقْيِ الْمَلِكِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَقَالَ لِلْآخَرِ : وَأَمَّا أَنْتَ فَتُدْعَى إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَتُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِكَ ، قَالَ : وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا ; قَالَ : رَأَيْتَ أَوْ لَمْ تَرَ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ . وَحَكَى أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ سَقَى وَأَسْقَى لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
سَقَى قَوْمِي بَنِي مَجْدٍ وَأَسْقَى نُمَيْرًا وَالْقَبَائِلَ مِنْ هِلَالِ
قَالَ
النَّحَّاسُ : الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ مَعْنَى سَقَاهُ نَاوَلَهُ فَشَرِبَ ، أَوْ صَبَّ الْمَاءَ فِي حَلْقِهِ وَمَعْنَى أَسْقَاهُ جَعَلَ لَهُ سُقْيًا ; قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=27وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا .
[ ص: 169 ] الثَّانِيَةُ : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إِنْ قِيلَ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=24405كَذَبَ فِي رُؤْيَاهُ فَفَسَّرَهَا الْعَابِرُ لَهُ أَيَلْزَمُهُ حُكْمُهَا ؟ قُلْنَا : لَا يَلْزَمُهُ ; وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي
يُوسُفَ لِأَنَّهُ نَبِيٌّ ، وَتَعْبِيرُ النَّبِيِّ حُكْمٌ ، وَقَدْ قَالَ : إِنَّهُ يَكُونُ كَذَا وَكَذَا فَأَوْجَدَ اللَّهُ تَعَالَى مَا أَخْبَرَ كَمَا قَالَ تَحْقِيقًا لِنُبُوَّتِهِ ; فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ رَوَى
عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ
مَعْمَرٍ عَنْ
قَتَادَةَ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ : إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَعْشَبْتُ ثُمَّ أَجْدَبْتُ ثُمَّ أَعْشَبْتُ ثُمَّ أَجْدَبْتُ ، فَقَالَ لَهُ
عُمَرُ : أَنْتَ رَجُلٌ تُؤْمِنُ ثُمَّ تَكْفُرُ ، ثُمَّ تُؤْمِنُ ثُمَّ تَكْفُرُ ، ثُمَّ تَمُوتُ كَافِرًا ; فَقَالَ الرَّجُلُ : مَا رَأَيْتُ شَيْئًا ; فَقَالَ لَهُ
عُمَرُ : قَدْ قُضِيَ لَكَ مَا قُضِيَ لِصَاحِبِ
يُوسُفَ ; قُلْنَا : لَيْسَتْ لِأَحَدٍ بَعْدَ
عُمَرَ ; لِأَنَّ
عُمَرَ كَانَ مُحَدَّثًا ، وَكَانَ إِذَا ظَنَّ ظَنًّا كَانَ وَإِذَا تَكَلَّمَ بِهِ وَقَعَ ، عَلَى مَا وَرَدَ فِي أَخْبَارِهِ ; وَهِيَ كَثِيرَةٌ ; مِنْهَا : أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ : أَظُنُّكَ كَاهِنًا فَكَانَ كَمَا ظَنَّ ; خَرَّجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ . وَمِنْهَا : أَنَّهُ سَأَلَ رَجُلًا عَنِ اسْمِهِ فَقَالَ لَهُ فِيهِ أَسْمَاءَ النَّارِ كُلِّهَا ، فَقَالَ لَهُ : أَدْرِكْ أَهْلَكَ فَقَدِ احْتَرَقُوا ، فَكَانَ كَمَا قَالَ : خَرَّجَهُ الْمُوَطَّأُ . وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيدُ بَيَانٍ فِي سُورَةِ " الْحِجْرِ " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .