قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين [ ص: 180 ] قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50وقال الملك ائتوني به أي فذهب الرسول فأخبر الملك ، فقال : ائتوني به .
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50فلما جاءه الرسول أي يأمره بالخروج
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة أي حال النسوة .
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50اللاتي قطعن أيديهن فأبى أن يخرج إلا أن تصح براءته عند الملك مما قذف به ، وأنه حبس بلا جرم . وروى
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835292إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - قال - ولو لبثت في السجن ما لبث ثم جاءني الرسول أجبت - ثم قرأ - nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن - قال - ورحمة الله على لوط لقد كان يأوي إلى ركن شديد إذ قال nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=80لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد فما بعث الله من بعده نبيا إلا في ذروة من قومه . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835247يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي ونحن أحق من إبراهيم إذ قال له nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=260أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=839374يرحم الله أخي يوسف لقد كان صابرا حليما ولو لبثت في السجن ما لبثه أجبت الداعي ولم ألتمس العذر . وروي نحو هذا الحديث من طريق
عبد الرحمن بن القاسم صاحب مالك ، في كتاب التفسير من صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وليس
لابن القاسم في الديوان
[ ص: 181 ] غيره . وفي رواية
الطبري يرحم الله يوسف لو كنت أنا المحبوس ثم أرسل إلي لخرجت سريعا إن كان لحليما ذا أناة وقال - صلى الله عليه وسلم
- : لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين سئل عن البقرات لو كنت مكانه لما أخبرتهم حتى أشترط أن يخرجوني ولقد عجبت منه حين أتاه الرسول ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب . قال
ابن عطية : كان هذا الفعل من
يوسف - عليه السلام - أناة وصبرا ، وطلبا لبراءة الساحة ; وذلك أنه - فيما روي - خشي أن يخرج وينال من الملك مرتبة ويسكت عن أمر ذنبه صفحا فيراه الناس بتلك العين أبدا ويقولون : هذا الذي راود امرأة مولاه ; فأراد
يوسف - عليه السلام - أن يبين براءته ، ويحقق منزلته من العفة والخير ; وحينئذ يخرج للإحظاء والمنزلة ; فلهذا قال للرسول : ارجع إلى ربك وقل له ما بال النسوة ، ومقصد
يوسف - عليه السلام - إنما كان : وقل له يستقصي عن ذنبي ، وينظر في أمري هل سجنت بحق أو بظلم ; ونكب عن امرأة العزيز حسن عشرة ، ورعاية لذمام الملك العزيز له . فإن قيل : كيف مدح النبي - صلى الله عليه وسلم -
يوسف بالصبر والأناة وترك المبادرة إلى الخروج ، ثم هو يذهب بنفسه عن حالة قد مدح بها غيره ؟ فالوجه في ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أخذ لنفسه وجها آخر من الرأي ، له جهة أيضا من الجودة ; يقول : لو كنت أنا لبادرت بالخروج ، ثم حاولت بيان عذري بعد ذلك ، وذلك أن هذه القصص والنوازل هي معرضة لأن يقتدي الناس بها إلى يوم القيامة ; فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمل الناس على الأحزم من الأمور ; وذلك أن تارك الحزم في مثل هذه النازلة ، التارك فرصة الخروج من مثل ذلك السجن ، ربما نتج له البقاء في سجنه ، وانصرفت نفس مخرجه عنه ، وإن كان
يوسف ، - عليه السلام - أمن من ذلك بعلمه من الله ، فغيره من الناس لا يأمن ذلك ; فالحالة التي ذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه إليها حالة حزم ، وما فعله
يوسف - عليه السلام - صبر عظيم وجلد . قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50فاسأله ما بال النسوة ) ذكر النساء جملة ليدخل فيهن امرأة العزيز مدخل العموم بالتلويح حتى لا يقع عليها تصريح ، وذلك حسن عشرة وأدب ، وفي الكلام محذوف ، أي فاسأله أن يتعرف ما بال النسوة .
قال
ابن عباس : فأرسل الملك إلى النسوة وإلى امرأة العزيز - وكان قد مات العزيز فدعاهن ف
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51قال ما خطبكن أي ما شأنكن
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51إذ راودتن يوسف عن نفسه وذلك أن كل واحدة منهن كلمت
يوسف في حق نفسها ، على ما تقدم ، أو أراد قول كل واحدة قد ظلمت امرأة العزيز ، فكان ذلك مراودة منهن .
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51قلن حاش لله أي معاذ الله ،
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51ما علمنا عليه من سوء أي زنا .
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق لما رأت إقرارهن ببراءة
يوسف ، وخافت أن يشهدن عليها إن أنكرت أقرت هي أيضا ; وكان ذلك
[ ص: 182 ] لطفا من الله
بيوسف . و
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51حصحص الحق أي تبين وظهر ; وأصله حصص ، فقيل : حصحص ; كما قال : كبكبوا في كببوا ، وكفكف في كفف ; قال
الزجاج وغيره : وأصل الحص استئصال الشيء ; يقال : حص شعره إذا استأصله جزا ; قال
أبو القيس بن الأسلت :
قد حصت البيضة رأسي فما أطعم نوما غير تهجاع
وسنة حصاء أي جرداء لا خير فيها ، قال
جرير :
يأوي إليكم بلا من ولا جحد من ساقه السنة الحصاء والذيب
كأنه أراد أن يقول : والضبع ، وهي السنة المجدبة ; فوضع الذئب موضعه لأجل القافية ; فمعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51حصحص الحق أي انقطع عن الباطل ، بظهوره وثباته ; قال :
ألا مبلغ عني خداشا فإنه كذوب إذا ما حصحص الحق ظالم
وقيل : هو مشتق من الحصة ; فالمعنى : بانت حصة الحق من حصة الباطل . وقال
مجاهد وقتادة : وأصله مأخوذ من قولهم : حص شعره إذا استأصل قطعه ; ومنه الحصة من الأرض إذا قطعت منها . والحصحص بالكسر التراب والحجارة ; ذكره
الجوهري .
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين وهذا القول منها - وإن لم يكن سأل عنه - إظهار لتوبتها وتحقيق لصدق
يوسف وكرامته ; لأن إقرار المقر على نفسه أقوى من الشهادة عليه ; فجمع الله تعالى
ليوسف لإظهار صدقه الشهادة والإقرار ، حتى لا يخامر نفسا ظن ، ولا يخالطها شك . وشددت النون في " خطبكن " و " راودتن " لأنها بمنزلة الميم والواو في المذكر .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [ ص: 180 ] قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَيْ فَذَهَبَ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَ الْمَلِكَ ، فَقَالَ : ائْتُونِي بِهِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ أَيْ يَأْمُرُهُ بِالْخُرُوجِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ أَيْ حَالُ النِّسْوَةِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ فَأَبَى أَنْ يَخْرُجَ إِلَّا أَنْ تَصِحَّ بَرَاءَتَهُ عِنْدَ الْمَلِكِ مِمَّا قُذِفَ بِهِ ، وَأَنَّهُ حُبِسَ بِلَا جُرْمٍ . وَرَوَى
التِّرْمِذِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835292إِنَّ الْكَرِيمَ ابْنَ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ - وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ ثُمَّ جَاءَنِي الرَّسُولُ أَجَبْتُ - ثُمَّ قَرَأَ - nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ - قَالَ - وَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى لُوطٍ لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ إِذْ قَالَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=80لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ فَمَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ نَبِيًّا إِلَّا فِي ذُرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835247يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفَ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ وَنَحْنُ أَحَقُّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لَهُ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=260أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=839374يَرْحَمُ اللَّهُ أَخِي يُوسُفَ لَقَدْ كَانَ صَابِرًا حَلِيمًا وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَهُ أَجَبْتُ الدَّاعِيَ وَلَمْ أَلْتَمِسِ الْعُذْرَ . وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ صَاحِبِ مَالِكٍ ، فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ مِنْ صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ ، وَلَيْسَ
لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدِّيوَانِ
[ ص: 181 ] غَيْرُهُ . وَفِي رِوَايَةِ
الطَّبَرِيِّ يَرْحَمُ اللَّهُ يُوسُفَ لَوْ كُنْتُ أَنَا الْمَحْبُوسُ ثُمَّ أُرْسِلَ إِلَيَّ لَخَرَجْتُ سَرِيعًا إِنْ كَانَ لَحَلِيمًا ذَا أَنَاةٍ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- : لَقَدْ عَجِبْتُ مِنْ يُوسُفَ وَصَبْرِهِ وَكَرَمِهِ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ حِينَ سُئِلَ عَنِ الْبَقَرَاتِ لَوْ كُنْتُ مَكَانَهُ لَمَا أَخْبَرْتُهُمْ حَتَّى أَشْتَرِطَ أَنْ يُخْرِجُونِي وَلَقَدْ عَجِبْتُ مِنْهُ حِينَ أَتَاهُ الرَّسُولُ وَلَوْ كُنْتُ مَكَانَهُ لَبَادَرْتُهُمُ الْبَابَ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : كَانَ هَذَا الْفِعْلُ مِنْ
يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَاةً وَصَبْرًا ، وَطَلَبًا لِبَرَاءَةِ السَّاحَةِ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ - فِيمَا رُوِيَ - خَشِيَ أَنْ يَخْرُجَ وَيَنَالَ مِنَ الْمَلِكِ مَرْتَبَةً وَيَسْكُتَ عَنْ أَمْرِ ذَنْبِهِ صَفْحًا فَيَرَاهُ النَّاسُ بِتِلْكَ الْعَيْنِ أَبَدًا وَيَقُولُونَ : هَذَا الَّذِي رَاوَدَ امْرَأَةَ مَوْلَاهُ ; فَأَرَادَ
يُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُبَيِّنَ بَرَاءَتَهُ ، وَيُحَقِّقَ مَنْزِلَتَهُ مِنَ الْعِفَّةِ وَالْخَيْرَ ; وَحِينَئِذٍ يَخْرُجُ لِلْإِحْظَاءِ وَالْمَنْزِلَةِ ; فَلِهَذَا قَالَ لِلرَّسُولِ : ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ وَقُلْ لَهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ ، وَمَقْصِدُ
يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِنَّمَا كَانَ : وَقُلْ لَهُ يَسْتَقْصِي عَنْ ذَنْبِي ، وَيَنْظُرُ فِي أَمْرِي هَلْ سُجِنْتُ بِحَقٍّ أَوْ بِظُلْمٍ ; وَنَكَبَ عَنِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ حُسْنُ عِشْرَةٍ ، وَرِعَايَةٌ لِذِمَامِ الْمَلِكِ الْعَزِيزِ لَهُ . فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ مَدَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يُوسُفَ بِالصَّبْرِ وَالْأَنَاةِ وَتَرْكِ الْمُبَادَرَةِ إِلَى الْخُرُوجِ ، ثُمَّ هُوَ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ عَنْ حَالَةٍ قَدْ مَدَحَ بِهَا غَيْرَهُ ؟ فَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ وَجْهًا آخَرَ مِنَ الرَّأْيِ ، لَهُ جِهَةً أَيْضًا مِنَ الْجَوْدَةِ ; يَقُولُ : لَوْ كُنْتُ أَنَا لَبَادَرْتُ بِالْخُرُوجِ ، ثُمَّ حَاوَلْتُ بَيَانَ عُذْرِي بَعْدَ ذَلِكَ ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَصَ وَالنَّوَازِلَ هِيَ مُعَرَّضَةٌ لِأَنْ يَقْتَدِيَ النَّاسُ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ; فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمْلَ النَّاسِ عَلَى الْأَحْزَمِ مِنَ الْأُمُورِ ; وَذَلِكَ أَنَّ تَارِكَ الْحَزْمِ فِي مِثْلِ هَذِهِ النَّازِلَةِ ، التَّارِكُ فُرْصَةَ الْخُرُوجِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ السِّجْنِ ، رُبَّمَا نَتَجَ لَهُ الْبَقَاءُ فِي سِجْنِهِ ، وَانْصَرَفَتْ نَفْسُ مُخْرِجِهِ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ
يُوسُفُ ، - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمِنَ مِنْ ذَلِكَ بِعِلْمِهِ مِنَ اللَّهِ ، فَغَيْرُهُ مِنَ النَّاسِ لَا يَأْمَنُ ذَلِكَ ; فَالْحَالَةُ الَّتِي ذَهَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ إِلَيْهَا حَالَةُ حَزْمٍ ، وَمَا فَعَلَهُ
يُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَبْرٌ عَظِيمٌ وَجَلَدٌ . قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ ) ذَكَرَ النِّسَاءَ جُمْلَةً لِيَدْخُلَ فِيهِنَّ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ مَدْخَلَ الْعُمُومِ بِالتَّلْوِيحِ حَتَّى لَا يَقَعَ عَلَيْهَا تَصْرِيحٌ ، وَذَلِكَ حُسْنُ عِشْرَةٍ وَأَدَبٍ ، وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ ، أَيْ فَاسْأَلْهُ أَنْ يَتَعَرَّفَ مَا بَالُ النِّسْوَةِ .
قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ إِلَى النِّسْوَةِ وَإِلَى امْرَأَةِ الْعَزِيزِ - وَكَانَ قَدْ مَاتَ الْعَزِيزُ فَدَعَاهُنَّ فَ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ أَيْ مَا شَأْنُكُنَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَلَّمَتْ
يُوسُفَ فِي حَقِّ نَفْسِهَا ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، أَوْ أَرَادَ قَوْلَ كُلِّ وَاحِدَةٍ قَدْ ظَلَمْتَ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ ، فَكَانَ ذَلِكَ مُرَاوَدَةٌ مِنْهُنَّ .
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ أَيْ مَعَاذَ اللَّهِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ أَيْ زِنًا .
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ لَمَّا رَأَتْ إِقْرَارَهُنَّ بِبَرَاءَةِ
يُوسُفَ ، وَخَافَتْ أَنْ يَشْهَدْنَ عَلَيْهَا إِنْ أَنْكَرَتْ أَقَرَّتْ هِيَ أَيْضًا ; وَكَانَ ذَلِكَ
[ ص: 182 ] لُطْفًا مِنَ اللَّهِ
بِيُوسُفَ . وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51حَصْحَصَ الْحَقُّ أَيْ تَبَيَّنَ وَظَهَرَ ; وَأَصْلُهُ حَصَصَ ، فَقِيلَ : حَصْحَصَ ; كَمَا قَالَ : كُبْكِبُوا فِي كَبَبُوا ، وَكَفْكَفَ فِي كَفَفَ ; قَالَ
الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ : وَأَصْلُ الْحَصِّ اسْتِئْصَالُ الشَّيْءِ ; يُقَالُ : حَصَّ شَعْرَهُ إِذَا اسْتَأْصَلَهُ جَزًّا ; قَالَ
أَبُو الْقَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ :
قَدْ حَصَّتِ الْبَيْضَةُ رَأْسِي فَمَا أَطْعَمُ نَوْمًا غَيْرَ تَهْجَاعِ
وَسَنَةٌ حَصَّاءُ أَيْ جَرْدَاءُ لَا خَيْرَ فِيهَا ، قَالَ
جَرِيرٌ :
يَأْوِي إِلَيْكُمْ بِلَا مَنٍّ وَلَا جَحْدٍ مَنْ سَاقَهُ السَّنَةُ الْحَصَّاءُ وَالذِّيبُ
كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ : وَالضَّبُعُ ، وَهِيَ السَّنَةُ الْمُجْدِبَةُ ; فَوَضَعَ الذِّئْبَ مَوْضِعَهُ لِأَجْلِ الْقَافِيَةِ ; فَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51حَصْحَصَ الْحَقُّ أَيِ انْقَطَعَ عَنِ الْبَاطِلِ ، بِظُهُورِهِ وَثَبَاتِهِ ; قَالَ :
أَلَا مُبْلِغٌ عَنِّي خِدَاشًا فَإِنَّهُ كَذُوبٌ إِذَا مَا حَصْحَصَ الْحَقُّ ظَالِمُ
وَقِيلَ : هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْحِصَّةِ ; فَالْمَعْنَى : بَانَتْ حِصَّةُ الْحَقِّ مِنْ حِصَّةِ الْبَاطِلِ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ : وَأَصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ : حَصَّ شَعْرَهُ إِذَا اسْتَأْصَلَ قَطْعَهُ ; وَمِنْهُ الْحِصَّةُ مِنَ الْأَرْضِ إِذَا قُطِعَتْ مِنْهَا . وَالْحِصْحِصُ بِالْكَسْرِ التُّرَابُ وَالْحِجَارَةُ ; ذَكَرَهُ
الْجَوْهَرِيُّ .
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهَا - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَأَلَ عَنْهُ - إِظْهَارٌ لِتَوْبَتِهَا وَتَحْقِيقٌ لِصِدْقِ
يُوسُفَ وَكَرَامَتِهِ ; لِأَنَّ إِقْرَارَ الْمُقِرِّ عَلَى نَفْسِهِ أَقْوَى مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ ; فَجَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى
لِيُوسُفَ لِإِظْهَارِ صِدْقِهِ الشَّهَادَةَ وَالْإِقْرَارَ ، حَتَّى لَا يُخَامِرَ نَفْسًا ظَنٌّ ، وَلَا يُخَالِطَهَا شَكٌّ . وَشُدِّدَتِ النُّونُ فِي " خَطْبِكُنَّ " وَ " رَاوَدْتُنَّ " لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمِيمِ وَالْوَاوِ فِي الْمُذَكَّرِ .