[ ص: 257 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=41يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=42وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين
(
nindex.php?page=treesubj&link=31900تأويله لمنامي صاحبي السجن ووصيته للناجي منهما ) :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=41ياصاحبي السجن أما أحدكما ) وهو الذي رأى أنه يعصر خمرا (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=28983فيسقي ربه خمرا ) يعني بربه : مالك رقبته وهو الملك ، لا ربوبية العبودية ، فملك
مصر في عهد
يوسف لم يدع الربوبية والألوهية
كفرعون موسى وغيره ، بل كان من ملوك العرب الرعاة الذين ملكوا البلاد عدة قرون (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=41وأما الآخر ) وهو الذي رأى أنه يحمل خبزا تأكل الطير منه (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=28983فيصلب فتأكل الطير من رأسه ) أي الطير التي تأكل اللحوم كالحدأة . وهذا التأويل قريب من أصل رؤيا كل منهما ، وقد يكون من خواطرهما النومية ، وتأويلهما على كل حال من مكاشفات
يوسف ويؤكدها قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=28983قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) فهذا نبأ زائد على تعبير رؤياهما ، ورد مورد الجواب عن سؤال كان يخطر ببالهما ، أو أسئلة في صفة ذلك التعبير وهل هو قطعي أم ظني يجوز غيره ومتى يكون ؟ فهو يقول لهما : إن الأمر الذي يهمكما أو يشكل عليكما وتستفتياني فيه قد قضي وبت فيه وانتهى حكمه . والاستفتاء في اللغة السؤال عن المشكل المجهول ، والفتوى جوابه سواء أكان نبأ أم حكما ، وقد غلب في الاستعمال الشرعي في السؤال عن الأحكام الشرعية ، ومن الشواهد على عمومه :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=43أفتوني في رؤياي 43 وهي مشتقة من الفتوة الدالة على معنى القوة والمضاء والثقة .
قلت : إن هذه الفتوى من
يوسف - عليه السلام - زائدة على ما عبر به رؤياهما ، داخلة في قسم المكاشفة ونبأ الغيب مما علمه الله - تعالى - وجعله آية له ليثقوا بقوله وهم أولو علم وفن وسحر ، ومعناها أنه علم بوحي ربه أن الملك قد حكم في أمرهما بما قاله ، لا من باب تأويل الرؤيا على تقدير كون ما رأيا من النوع الصادق منها لا من أضغاث الأحلام ( وسنبين الفرق بينهما في التفسير الإجمالي لكليات السورة إن شاء الله تعالى ) .
[ ص: 258 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=42nindex.php?page=treesubj&link=28983وقال للذي ظن أنه ناج منهما ) وهو الذي أول له رؤياه بأنه يسقي ربه خمرا ، وتأويلها يدل على نجاته دلالة ظنية لا قطعية ، فإن كانت فتواه بعده عن وحي نبوي كما رجحنا لا تتمة لتأويلها ، فيجوز أن يكون التعبير عن نجاته بالظن ، لأن ما علم من قضاء الملك بذلك يحتمل أن يعرض ما يحول دون تنفيذ .
وقد بينا في الكلام على رؤيا
يوسف وما فهمه أبوه منها من أمر مستقبله ، أن علم الأنبياء ببعض الأمور المستقبلة إجمالي إلخ ، وقال جمهور المفسرين : إن الظن هنا بمعنى العلم وفي هذه الدعوى نظر ، وقد بينا تحقيق الحق في الفرق بين الظن والعلم لغة واصطلاحا في موضع آخر فلا محل لإعادته هنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=42nindex.php?page=treesubj&link=28983اذكرني عند ربك ) أي عند سيدك الملك ، بما رأيت وسمعت وعلمت من أمري عسى أن ينصفني ممن ظلموني ويخرجني من السجن ، وهذا الذكر يشمل دعوته إياهم إلى التوحيد ، وتأويله للرؤيا ، وإنباءهم بكل ما يأتيهم من طعام وغيره قبل إتيانه ، وآخره فتواه الصريحة فهي جديرة بأن تذكره به كلما قدم للملك شرابه (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=42nindex.php?page=treesubj&link=28983فأنساه الشيطان ذكر ربه ) أي أنسى الساقي تذكر ربه ، وهو أن يذكر
يوسف عنده على حد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=63وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ) 18 : 63 (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=42nindex.php?page=treesubj&link=28983فلبث في السجن بضع سنين ) منسيا مظلوما ، والفاء على هذا للسببية وهو المتبادر من السياق ، والجاري على نظام الأسباب ، ويؤيده قوله - تعالى - الآتي قريبا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=45nindex.php?page=treesubj&link=28983وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة ) 45 أي تذكر ، إلا أن هذا الاستعمال يحتاج إلى حذف وتقدير ، ووجهوه بأنه أضاف المصدر إليه لملابسته له ، أو أنه على تقدير : ذكر إخبار ربه ، فحذف المضاف ، وهو كثير كما أن الإضافة لأدنى ملابسة كثير في كلامهم .
nindex.php?page=treesubj&link=31900_29573وقيل : إن المعنى أن الشيطان أنسى يوسف ذكر ربه وهو الله - عز وجل - فعاقبه الله - تعالى - بإبقائه في السجن بضع سنين .
وقالوا : إن ذنبه الذي استحق عليه هذا العقاب أنه توسل إلى الملك لإخراجه ولم يتوكل على الله - عز وجل - وجاءوا عليه بروايات لا يقبل في مثلها إلا الصحيح المرفوع أو المتواتر منه ، لأنها تتضمن الطعن في نبي مرسل ، ولكن قبلها على علاتها الجمهور كعادتهم وهو خلاف الظاهر من وجوه :
( الأول ) عطف الإنساء على ما قاله للساقي بالفاء يدل على وقوعه عقبه ، ومفهومه أنه كان ذاكرا لله - تعالى - قبله إلى أن قاله ، فلو كان قوله ذنبا عوقب عليه لوجب أن يعطف عليه
[ ص: 259 ] بجملة حالية بأن يقال : وقد أنساه الشيطان ذكر ربه - أي في تلك الحال - فلم يذكره بقلبه ولا بلسانه ، فاستحق عقابه - تعالى - بإطالة مكثه على خلاف ما أراده من ملك
مصر وحده .
( الثاني ) أن اللائق بمقامه ألا يقول ذلك القول إلا من باب مراعاة سنة الله - تعالى - في الأسباب والمسببات كما وقع بالفعل ، فإنه ما خرج من السجن إلا بأمر الملك ، وما أمر الملك بإخراجه إلا بعد أن أخبره الساقي خبره ، وما آتاه ربه من العلم بتأويل الرؤى وبغير ذلك مما وصاه به
يوسف ، فإذا كان قد وصاه بذلك ملاحظا أنه من سنن الله في عباده متذكرا ذلك - وهو اللائق به - فلا يعقل أن يعاقبه ربه - تعالى - عليه ، وعطف الإنساء بالفاء يدل على وقوعه بعد تلك الوصية ، فلا تكون هي ذنبا ولا مقترنة بذنب فيستحق عليها العقاب .
( الثالث ) إذا قيل : سلمنا أنه كان ذاكرا لربه عندما أوصى الساقي ما أوصاه به ، ولكنه نسيه عقب الوصية واتكل عليها وحدها . ( قلنا ) : إن زعمتم أنه نسي ذلك في الحال واستمر ذلك النسيان مدة ذلك العقاب وهو بضع سنين أو تتمتها ، كنتم قد اتهمتم هذا النبي الكريم تهمة فظيعة لا تليق بأضعف المؤمنين إيمانا ، ولا يدل عليها دليل ، بل يبطلها وصف الله له بأنه من المحسنين ومن عباده المخلصين المصطفين ، وبأنه غالب على أمره ، وأنه صرف عنه السوء والفحشاء ، وكيد النساء .
وإن زعمتم أن الشيطان أنساه ذكر ربه برهة قليلة عقب تلك الوصية ، ثم عاد إلى ما كان عليه من مراقبته له - عز وجل - وذكره فهذا النسيان القليل ، لا يستحق هذا العقاب الطويل ، ولم يعصم من مثله نبي من الأنبياء كما يعلم من الوجهين : الرابع ، والخامس .
( الرابع ) جاء في نصوص التنزيل في خطاب الشيطان : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=42إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ) 15 : 42 وقال - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=201إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) 7 : 201 فالتذكر بعد النسيان القليل من شأن أهل التقوى .
( الخامس ) أن النسيان ليس ذنبا يعاقب الله تعالى عليه ، وقد قال - تعالى - لخاتم النبيين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=68وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ) 6 : 68 يعني الذين أمره بالإعراض عنهم إذا رآهم يخوضون في آيات الله .
( السادس ) أنهم ما قالوا هذا إلا لأنهم رووا فيها حديثا مرفوعا على قلة جرأة الرواة
[ ص: 260 ] على الأحاديث المرفوعة المسندة في التفسير ، وهو ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري في تفسير الآية عن
nindex.php?page=showalam&ids=16010سفيان بن وكيع عن
عمرو بن محمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=12402إبراهيم بن يزيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار عن
عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مرفوعا قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=920544لو لم يقل يوسف الكلمة التي قال ما لبث في السجن طول ما لبث حيث يبتغي الفرج من عند غير الله ) ) ونقول : إن هذا الحديث باطل ، قال
الحافظ ابن كثير : وهذا الحديث ضعيف جدا .
nindex.php?page=showalam&ids=16010سفيان بن وكيع ضعيف
وإبراهيم بن يزيد هو الجوزي أضعف منه أيضا . وقد روي من
الحسن وقتادة مرسلا عن كل منهما . وهذه المرسلات ههنا لا تقبل لو قبل المرسل من حيث هو في غير هذا الموطن والله أعلم ا هـ .
وأقول : أولا : إن ما قاله في هذين الراويين للحديث هو أهون ما قيل فيهما ، ومنه أنهما كانا يكذبان . وثانيا : إنه يعني بقوله ( ههنا ) الطعن في نبي مرسل بأنه كان يبتغي الفرج من عند غير الله ، وهو الجدير بألا تحجبه الأسباب الظاهرة عن واضعها ومسخرها وخالقها - عز وجل - . ويعني بقوله : لو قبل المرسل من حيث هو ) ما هو الصحيح عند علماء الأصول وهو عدم الاحتجاج بالمراسيل ، وسنتكلم على المراسيل في التفسير في الكلام الإجمالي عن روايات هذه السورة وأمثالها في الخلاصة الإجمالية لتفسيرها إن شاء الله - تعالى - وما رواه
الكلبي وغيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه nindex.php?page=showalam&ids=16850وكعب الأحبار من خطاب الله - تعالى - وخطاب
جبريل ليوسف وتوبيخه على الاستشفاع بآدمي مثله ، فهي من موضوعات الراوي والمروي عنهما جزاهم الله ما يستحقون ، فتبين بهذا أن التفسير المأثور في الآية باطل رواية ودراية وعقيدة ولغة وأدبا .
وقد اختلف المفسرون في
nindex.php?page=treesubj&link=31900مدة لبث يوسف في السجن بناء على الاختلاف في تفسير ( ( البضع ) ) واختلاف الرواة . فالتحقيق أن البضع من ثلاث إلى تسع ، وأكثر ما يطلق على السبع ، وعليه الأكثرون في مدة سجن
يوسف من أولها إلى آخرها . وما قالوه من أن السبع كانت بعد وصيته للساقي وأنه لبث قبلها خمس سنين فلا دليل عليه .
[ ص: 257 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=41يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=42وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ
(
nindex.php?page=treesubj&link=31900تَأْوِيلُهُ لِمَنَامَيْ صَاحِبَيِ السَّجْنِ وَوَصِيَّتُهُ لِلنَّاجِي مِنْهُمَا ) :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=41يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا ) وَهُوَ الَّذِي رَأَى أَنَّهُ يَعْصِرُ خَمْرًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=28983فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ) يَعْنِي بِرَبِّهِ : مَالِكُ رَقَبَتِهِ وَهُوَ الْمَلِكُ ، لَا رُبُوبِيَّةَ الْعُبُودِيَّةِ ، فَمَلِكُ
مِصْرَ فِي عَهْدِ
يُوسُفَ لَمْ يَدَعِ الرُّبُوبِيَّةَ وَالْأُلُوهِيَّةَ
كَفِرْعَوْنَ مُوسَى وَغَيْرِهِ ، بَلْ كَانَ مِنْ مُلُوكِ الْعَرَبِ الرُّعَاةِ الَّذِينَ مَلَكُوا الْبِلَادَ عِدَّةَ قُرُونٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=41وَأَمَّا الْآخَرُ ) وَهُوَ الَّذِي رَأَى أَنَّهُ يَحْمِلُ خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=28983فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ ) أَيِ الطَّيْرُ الَّتِي تَأْكُلُ اللُّحُومَ كَالْحِدَأَةِ . وَهَذَا التَّأْوِيلُ قَرِيبٌ مِنْ أَصْلِ رُؤْيَا كُلٍّ مِنْهُمَا ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ خَوَاطِرِهِمَا النَّوْمِيَّةِ ، وَتَأْوِيلُهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ مُكَاشَفَاتِ
يُوسُفَ وَيُؤَكِّدُهَا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=28983قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ) فَهَذَا نَبَأٌ زَائِدٌ عَلَى تَعْبِيرِ رُؤْيَاهُمَا ، وَرَدَ مَوْرِدَ الْجَوَابِ عَنْ سُؤَالٍ كَانَ يَخْطُرُ بِبَالِهِمَا ، أَوْ أَسْئِلَةٍ فِي صِفَةِ ذَلِكَ التَّعْبِيرِ وَهَلْ هُوَ قَطْعِيٌّ أَمْ ظَنِّيٌّ يَجُوزُ غَيْرُهُ وَمَتَى يَكُونُ ؟ فَهُوَ يَقُولُ لَهُمَا : إِنَّ الْأَمْرَ الَّذِي يَهُمُّكُمَا أَوْ يُشْكَلُ عَلَيْكُمَا وَتَسْتَفْتِيَانِي فِيهِ قَدْ قُضِيَ وَبَتَّ فِيهِ وَانْتَهَى حُكْمُهُ . وَالِاسْتِفْتَاءُ فِي اللُّغَةِ السُّؤَالُ عَنِ الْمُشْكَلِ الْمَجْهُولِ ، وَالْفَتْوَى جَوَابُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ نَبَأً أَمْ حُكْمًا ، وَقَدْ غَلَبَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الشَّرْعِيِّ فِي السُّؤَالِ عَنِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَمِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَى عُمُومِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=43أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ 43 وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْفُتُوَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى مَعْنَى الْقُوَّةِ وَالْمَضَاءِ وَالثِّقَةِ .
قُلْتُ : إِنَّ هَذِهِ الْفَتْوَى مِنْ
يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - زَائِدَةٌ عَلَى مَا عَبَّرَ بِهِ رُؤْيَاهُمَا ، دَاخِلَةٌ فِي قِسْمِ الْمُكَاشَفَةِ وَنَبَّأَ الْغَيْبَ مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - وَجَعَلَهُ آيَةً لَهُ لِيَثِقُوا بِقَوْلِهِ وَهُمْ أُولُو عِلْمٍ وَفَنٍّ وَسِحْرٍ ، وَمَعْنَاهَا أَنَّهُ عَلِمَ بِوَحْيِ رَبِّهِ أَنَّ الْمَلِكَ قَدْ حَكَمَ فِي أَمْرِهِمَا بِمَا قَالَهُ ، لَا مِنْ بَابِ تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ مَا رَأَيَا مِنَ النَّوْعِ الصَّادِقِ مِنْهَا لَا مِنْ أَضْغَاثِ الْأَحْلَامِ ( وَسَنُبَيِّنُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي التَّفْسِيرِ الْإِجْمَالِيِّ لِكُلِّيَّاتِ السُّورَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ) .
[ ص: 258 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=42nindex.php?page=treesubj&link=28983وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا ) وَهُوَ الَّذِي أَوَّلَ لَهُ رُؤْيَاهُ بِأَنَّهُ يَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ، وَتَأْوِيلُهَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاتِهِ دَلَالَةٌ ظَنِّيَّةٌ لَا قَطْعِيَّةٌ ، فَإِنْ كَانَتْ فَتْوَاهُ بَعْدَهُ عَنْ وَحْيٍ نَبَوِيٍّ كَمَا رَجَّحْنَا لَا تَتِمَّةَ لِتَأْوِيلِهَا ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّعْبِيرُ عَنْ نَجَاتِهِ بِالظَّنِّ ، لِأَنَّ مَا عُلِمَ مِنْ قَضَاءِ الْمَلِكِ بِذَلِكَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَعْرِضَ مَا يَحُولُ دُونَ تَنْفِيذٍ .
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْكَلَامِ عَلَى رُؤْيَا
يُوسُفَ وَمَا فَهِمَهُ أَبُوهُ مِنْهَا مِنْ أَمْرِ مُسْتَقْبَلِهِ ، أَنَّ عِلْمَ الْأَنْبِيَاءِ بِبَعْضِ الْأُمُورِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إِجْمَالِيٌّ إِلَخْ ، وَقَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّ الظَّنَّ هُنَا بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَفِي هَذِهِ الدَّعْوَى نَظَرٌ ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَحْقِيقَ الْحَقِّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الظَّنِّ وَالْعِلْمِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَلَا مَحَلَّ لِإِعَادَتِهِ هُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=42nindex.php?page=treesubj&link=28983اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ) أَيْ عِنْدَ سَيِّدِكَ الْمَلِكِ ، بِمَا رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ وَعَلِمْتَ مِنْ أَمْرِي عَسَى أَنْ يُنْصِفَنِي مِمَّنْ ظَلَمُونِي وَيُخْرِجَنِي مِنَ السِّجْنِ ، وَهَذَا الذِّكْرُ يَشْمَلُ دَعْوَتَهُ إِيَّاهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ ، وَتَأْوِيلَهُ لِلرُّؤْيَا ، وَإِنْبَاءَهُمْ بِكُلِّ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ قَبْلَ إِتْيَانِهِ ، وَآخِرُهُ فَتْوَاهُ الصَّرِيحَةُ فَهِيَ جَدِيرَةٌ بِأَنْ تُذَكِّرَهُ بِهِ كُلَّمَا قَدَّمَ لِلْمَلِكِ شَرَابَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=42nindex.php?page=treesubj&link=28983فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ) أَيْ أَنْسَى السَّاقِي تَذُكُّرَ رَبِّهِ ، وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ
يُوسُفَ عِنْدَهُ عَلَى حَدِّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=63وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ) 18 : 63 (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=42nindex.php?page=treesubj&link=28983فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ) مَنْسِيًّا مَظْلُومًا ، وَالْفَاءُ عَلَى هَذَا لِلسَّبَبِيَّةِ وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنَ السِّيَاقِ ، وَالْجَارِي عَلَى نِظَامِ الْأَسْبَابِ ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - الْآتِي قَرِيبًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=45nindex.php?page=treesubj&link=28983وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ) 45 أَيْ تَذَكَّرَ ، إِلَّا أَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ يَحْتَاجُ إِلَى حَذْفٍ وَتَقْدِيرٍ ، وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّهُ أَضَافَ الْمَصْدَرَ إِلَيْهِ لِمُلَابَسَتِهِ لَهُ ، أَوْ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ : ذَكَرَ إِخْبَارَ رَبِّهِ ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ ، وَهُوَ كَثِيرٌ كَمَا أَنَّ الْإِضَافَةَ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ .
nindex.php?page=treesubj&link=31900_29573وَقِيلَ : إِنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الشَّيْطَانَ أَنْسَى يُوسُفَ ذِكْرَ رَبِّهِ وَهُوَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فَعَاقَبَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِإِبْقَائِهِ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ .
وَقَالُوا : إِنَّ ذَنْبَهُ الَّذِي اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ هَذَا الْعِقَابَ أَنَّهُ تَوَسَّلَ إِلَى الْمَلِكِ لِإِخْرَاجِهِ وَلَمْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَجَاءُوا عَلَيْهِ بِرِوَايَاتٍ لَا يُقْبَلُ فِي مِثْلِهَا إِلَّا الصَّحِيحُ الْمَرْفُوعُ أَوِ الْمُتَوَاتِرُ مِنْهُ ، لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الطَّعْنَ فِي نَبِيٍّ مُرْسَلٍ ، وَلَكِنْ قَبِلَهَا عَلَى عِلَّاتِهَا الْجُمْهُورُ كَعَادَتِهِمْ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ وُجُوهٍ :
( الْأَوَّلُ ) عَطْفُ الْإِنْسَاءِ عَلَى مَا قَالَهُ لِلسَّاقِي بِالْفَاءِ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ عَقِبَهُ ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ كَانَ ذَاكِرًا لِلَّهِ - تَعَالَى - قَبْلَهُ إِلَى أَنْ قَالَهُ ، فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ ذَنْبًا عُوقِبَ عَلَيْهِ لَوَجَبَ أَنْ يُعْطَفَ عَلَيْهِ
[ ص: 259 ] بِجُمْلَةٍ حَالِيَّةٍ بِأَنْ يُقَالَ : وَقَدْ أَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ - أَيْ فِي تِلْكَ الْحَالِ - فَلَمْ يَذْكُرْهُ بِقَلْبِهِ وَلَا بِلِسَانِهِ ، فَاسْتَحَقَّ عِقَابَهُ - تَعَالَى - بِإِطَالَةِ مُكْثِهِ عَلَى خِلَافِ مَا أَرَادَهُ مِنْ مَلِكِ
مِصْرَ وَحْدَهُ .
( الثَّانِي ) أَنَّ اللَّائِقَ بِمَقَامِهِ أَلَّا يَقُولَ ذَلِكَ الْقَوْلَ إِلَّا مِنْ بَابِ مُرَاعَاةِ سُنَّةِ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبِّبَاتِ كَمَا وَقَعَ بِالْفِعْلِ ، فَإِنَّهُ مَا خَرَجَ مِنَ السِّجْنِ إِلَّا بِأَمْرِ الْمَلِكِ ، وَمَا أَمَرَ الْمَلِكُ بِإِخْرَاجِهِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ السَّاقِي خَبَرَهُ ، وَمَا آتَاهُ رَبُّهُ مِنَ الْعِلْمِ بِتَأْوِيلِ الرُّؤَى وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَصَّاهُ بِهِ
يُوسُفُ ، فَإِذَا كَانَ قَدْ وَصَّاهُ بِذَلِكَ مُلَاحِظًا أَنَّهُ مِنْ سُنَنِ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ مُتَذَكِّرًا ذَلِكَ - وَهُوَ اللَّائِقُ بِهِ - فَلَا يُعْقَلُ أَنْ يُعَاقِبَهُ رَبُّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ ، وَعَطْفُ الْإِنْسَاءِ بِالْفَاءِ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ بَعْدَ تِلْكَ الْوَصِيَّةِ ، فَلَا تَكُونُ هِيَ ذَنْبًا وَلَا مُقْتَرِنَةً بِذَنْبٍ فَيَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا الْعِقَابَ .
( الثَّالِثُ ) إِذَا قِيلَ : سَلَّمْنَا أَنَّهُ كَانَ ذَاكِرًا لِرَبِّهِ عِنْدَمَا أَوْصَى السَّاقِي مَا أَوْصَاهُ بِهِ ، وَلَكِنَّهُ نَسِيَهُ عَقِبَ الْوَصِيَّةِ وَاتَّكَلَ عَلَيْهَا وَحْدَهَا . ( قُلْنَا ) : إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ نَسِيَ ذَلِكَ فِي الْحَالِ وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ النِّسْيَانُ مُدَّةَ ذَلِكَ الْعِقَابِ وَهُوَ بِضْعُ سِنِينَ أَوْ تَتِمَّتُهَا ، كُنْتُمْ قَدِ اتَّهَمْتُمْ هَذَا النَّبِيَّ الْكَرِيمَ تُهْمَةً فَظِيعَةً لَا تَلِيقُ بِأَضْعَفِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا ، وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهَا دَلِيلٌ ، بَلْ يُبْطِلُهَا وَصْفُ اللَّهِ لَهُ بِأَنَّهُ مِنَ الْمُحْسِنِينَ وَمِنْ عِبَادِهِ الْمُخْلَصِينَ الْمُصْطَفَيْنَ ، وَبِأَنَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ، وَأَنَّهُ صَرَفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ، وَكَيْدَ النِّسَاءِ .
وَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّ الشَّيْطَانَ أَنْسَاهُ ذِكْرَ رَبِّهِ بُرْهَةً قَلِيلَةً عَقِبَ تِلْكَ الْوَصِيَّةِ ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ مُرَاقَبَتِهِ لَهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَذِكْرِهِ فَهَذَا النِّسْيَانُ الْقَلِيلُ ، لَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الْعِقَابَ الطَّوِيلَ ، وَلَمْ يُعْصَمْ مِنْ مِثْلِهِ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا يُعْلَمُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ : الرَّابِعِ ، وَالْخَامِسِ .
( الرَّابِعُ ) جَاءَ فِي نُصُوصِ التَّنْزِيلِ فِي خِطَابِ الشَّيْطَانِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=42إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ) 15 : 42 وَقَالَ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=201إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ) 7 : 201 فَالتَّذَكُّرُ بَعْدَ النِّسْيَانِ الْقَلِيلِ مِنْ شَأْنِ أَهْلِ التَّقْوَى .
( الْخَامِسُ ) أَنَّ النِّسْيَانَ لَيْسَ ذَنْبًا يُعَاقِبُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ ، وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - لِخَاتَمِ النَّبِيِّينَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=68وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) 6 : 68 يَعْنِي الَّذِينَ أَمَرَهُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ إِذَا رَآهُمْ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ .
( السَّادِسُ ) أَنَّهُمْ مَا قَالُوا هَذَا إِلَّا لِأَنَّهُمْ رَوَوْا فِيهَا حَدِيثًا مَرْفُوعًا عَلَى قِلَّةِ جُرْأَةِ الرُّوَاةِ
[ ص: 260 ] عَلَى الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ الْمُسْنَدَةِ فِي التَّفْسِيرِ ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16010سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ عَنْ
عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12402إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16705عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=920544لَوْ لَمْ يَقُلْ يُوسُفُ الْكَلِمَةَ الَّتِي قَالَ مَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ حَيْثُ يَبْتَغِي الْفَرَجَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ ) ) وَنَقُولُ : إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بَاطِلٌ ، قَالَ
الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ : وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ جِدًّا .
nindex.php?page=showalam&ids=16010سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ ضَعِيفٌ
وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ هُوَ الْجَوْزِيُّ أَضْعَفُ مِنْهُ أَيْضًا . وَقَدْ رُوِيَ مِنَ
الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ مُرْسَلًا عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا . وَهَذِهِ الْمُرْسَلَاتُ هَهُنَا لَا تُقْبَلُ لَوْ قُبِلَ الْمُرْسَلُ مِنْ حَيْثُ هُوَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْطِنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ .
وَأَقُولُ : أَوَّلًا : إِنَّ مَا قَالَهُ فِي هَذَيْنِ الرَّاوِيَيْنِ لِلْحَدِيثِ هُوَ أَهْوَنُ مَا قِيلَ فِيهِمَا ، وَمِنْهُ أَنَّهُمَا كَانَا يَكْذِبَانِ . وَثَانِيًا : إِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ ( هَهُنَا ) الطَّعْنَ فِي نَبِيٍّ مُرْسَلٍ بِأَنَّهُ كَانَ يَبْتَغِي الْفَرَجَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ ، وَهُوَ الْجَدِيرُ بِأَلَّا تَحْجُبَهُ الْأَسْبَابُ الظَّاهِرَةُ عَنْ وَاضِعِهَا وَمُسَخِّرِهَا وَخَالِقِهَا - عَزَّ وَجَلَّ - . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : لَوْ قُبِلَ الْمُرْسَلُ مِنْ حَيْثُ هُوَ ) مَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ وَهُوَ عَدَمُ الِاحْتِجَاجِ بِالْمَرَاسِيلِ ، وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَى الْمَرَاسِيلِ فِي التَّفْسِيرِ فِي الْكَلَامِ الْإِجْمَالِيِّ عَنْ رِوَايَاتِ هَذِهِ السُّورَةِ وَأَمْثَالِهَا فِي الْخُلَاصَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ لِتَفْسِيرِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَمَا رَوَاهُ
الْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ nindex.php?page=showalam&ids=16850وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ مِنْ خِطَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَخِطَابِ
جِبْرِيلَ لِيُوسُفَ وَتَوْبِيخِهِ عَلَى الِاسْتِشْفَاعِ بِآدَمِيٍّ مِثْلِهِ ، فَهِيَ مِنْ مَوْضُوعَاتِ الرَّاوِي وَالْمَرْوِيِّ عَنْهُمَا جَزَاهُمُ اللَّهُ مَا يَسْتَحِقُّونَ ، فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ التَّفْسِيرَ الْمَأْثُورَ فِي الْآيَةِ بَاطِلٌ رِوَايَةً وَدِرَايَةً وَعَقِيدَةً وَلُغَةً وَأَدَبًا .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=31900مُدَّةٍ لُبْثِ يُوسُفَ فِي السِّجْنِ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِ ( ( الْبِضْعِ ) ) وَاخْتِلَافِ الرُّوَاةِ . فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْبِضْعَ مِنْ ثَلَاثٍ إِلَى تِسْعٍ ، وَأَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ عَلَى السَّبْعِ ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ فِي مُدَّةِ سِجْنِ
يُوسُفَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا . وَمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ السَّبْعَ كَانَتْ بَعْدَ وَصِيَّتِهِ لِلسَّاقِي وَأَنَّهُ لَبِثَ قَبْلَهَا خَمْسَ سِنِينَ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ .