nindex.php?page=treesubj&link=28991قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى فيه مسألتان :
الأولى : قال العلماء : لما لحقهما ما يلحق البشر من الخوف على أنفسهما عرفهما الله سبحانه أن
فرعون لا يصل إليهما ولا قومه . وهذه الآية ترد على من قال : إنه لا يخاف ؛ والخوف من الأعداء سنة الله في أنبيائه وأوليائه مع معرفتهم به وثقتهم . ولقد أحسن
البصري رحمه الله حين قال للمخبر عن
عامر بن عبد الله - أنه نزل مع أصحابه في طريق
الشام على ماء ، فحال الأسد بينهم وبين الماء ، فجاء
عامر إلى الماء فأخذ منه حاجته ، فقيل له : فقد خاطرت بنفسك . فقال : لأن تختلف الأسنة في جوفي أحب إلي من أن يعلم الله أني أخاف شيئا سواه - قد خاف من كان خيرا من
عامر ؛ موسى - صلى الله عليه وسلم - حين قال له :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=20إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=18فأصبح في المدينة خائفا يترقب وقال حين ألقى السحرة حبالهم وعصيهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=67فأوجس في نفسه خيفة موسى .
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=68قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى .
[ ص: 121 ] قلت : ومنه حفر النبي - صلى الله عليه وسلم - الخندق حول
المدينة تحصينا للمسلمين وأموالهم ، مع كونه من التوكل والثقة بربه بمحل لم يبلغه أحد ؛ ثم كان من أصحابه ما لا يجهله أحد من تحولهم عن منازلهم ، مرة إلى
الحبشة ، ومرة إلى
المدينة ؛ تخوفا على أنفسهم من مشركي
مكة ؛ وهربا بدينهم أن يفتنوهم عنه بتعذيبهم . وقد قالت
nindex.php?page=showalam&ids=116أسماء بنت عميس لعمر لما قال لها سبقناكم بالهجرة ، فنحن أحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - منكم : كذبت يا
عمر ، كلا والله كنتم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم ، وكنا في دار - أو أرض - البعداء البغضاء في
الحبشة ؛ وذلك في الله ورسوله ؛ وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن كنا نؤذى ونخاف . الحديث بطوله خرجه
مسلم . قال العلماء : فالمخبر عن نفسه بخلاف ما طبع الله نفوس بني آدم كاذب ؛ وقد طبعهم على الهرب مما يضرها ويؤلمها أو يتلفها . قالوا : ولا ضار أضر من سبع عاد في فلاة من الأرض على من لا آلة معه يدفعه بها عن نفسه ، من سيف أو رمح أو نبل أو قوس وما أشبه ذلك .
الثانية : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46إنني معكما يريد بالنصر والمعونة والقدرة على
فرعون . وهذا كما تقول : الأمير مع فلان إذا أردت أنه يحميه . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46أسمع وأرى عبارة عن الإدراك الذي لا تخفى معه خافية ، تبارك الله رب العالمين .
nindex.php?page=treesubj&link=28991قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى فِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْأُولَى : قَالَ الْعُلَمَاءُ : لَمَّا لَحِقَهُمَا مَا يَلْحَقُ الْبَشَرَ مِنَ الْخَوْفِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا عَرَّفَهُمَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ
فِرْعَوْنَ لَا يَصِلُ إِلَيْهِمَا وَلَا قَوْمُهُ . وَهَذِهِ الْآيَةُ تَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ : إِنَّهُ لَا يُخَافُ ؛ وَالْخَوْفُ مِنَ الْأَعْدَاءِ سُنَّةُ اللَّهِ فِي أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ مَعَ مَعْرِفَتِهِمْ بِهِ وَثِقَتِهِمْ . وَلَقَدْ أَحْسَنَ
الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ حِينَ قَالَ لِلْمُخْبِرِ عَنْ
عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - أَنَّهُ نَزَلَ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي طَرِيقِ
الشَّامِ عَلَى مَاءٍ ، فَحَالَ الْأَسَدُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَاءِ ، فَجَاءَ
عَامِرٌ إِلَى الْمَاءِ فَأَخَذَ مِنْهُ حَاجَتَهُ ، فَقِيلَ لَهُ : فَقَدْ خَاطَرْتَ بِنَفْسِكَ . فَقَالَ : لَأَنْ تَخْتَلِفَ الْأَسِنَّةُ فِي جَوْفِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَعْلَمَ اللَّهُ أَنِّي أَخَافُ شَيْئًا سِوَاهُ - قَدْ خَافَ مَنْ كَانَ خَيْرًا مِنْ
عَامِرٍ ؛ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَالَ لَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=20إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=18فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ وَقَالَ حِينَ أَلْقَى السَّحَرَةُ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=67فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى .
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=68قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى .
[ ص: 121 ] قُلْتُ : وَمِنْهُ حَفْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَنْدَقَ حَوْلَ
الْمَدِينَةِ تَحْصِينًا لِلْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ ، مَعَ كَوْنِهِ مِنَ التَّوَكُّلِ وَالثِّقَةِ بِرَبِّهِ بِمَحَلٍّ لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ ؛ ثُمَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِهِ مَا لَا يَجْهَلُهُ أَحَدٌ مِنْ تَحَوُّلِهِمْ عَنْ مَنَازِلِهِمْ ، مَرَّةً إِلَى
الْحَبَشَةِ ، وَمَرَّةً إِلَى
الْمَدِينَةِ ؛ تَخَوُّفًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ مُشْرِكِي
مَكَّةَ ؛ وَهَرَبًا بِدِينِهِمْ أَنْ يَفْتِنُوهُمْ عَنْهُ بِتَعْذِيبِهِمْ . وَقَدْ قَالَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=116أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ لِعُمَرَ لَمَّا قَالَ لَهَا سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ ، فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْكُمْ : كَذَبْتَ يَا
عُمَرُ ، كَلَّا وَاللَّهِ كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ ، وَكُنَّا فِي دَارِ - أَوْ أَرْضِ - الْبُعَدَاءِ الْبُغَضَاءِ فِي
الْحَبَشَةِ ؛ وَذَلِكَ فِي اللَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ وَايْمُ اللَّهِ لَا أَطْعَمُ طَعَامًا وَلَا أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنَخَافُ . الْحَدِيثُ بِطُولِهِ خَرَّجَهُ
مُسْلِمٌ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : فَالْمُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا طَبَعَ اللَّهُ نُفُوسَ بَنِي آدَمَ كَاذِبٌ ؛ وَقَدْ طَبَعَهُمْ عَلَى الْهَرَبِ مِمَّا يَضُرُّهَا وَيُؤْلِمُهَا أَوْ يُتْلِفُهَا . قَالُوا : وَلَا ضَارَّ أَضَرُّ مِنْ سَبُعٍ عَادٍ فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ عَلَى مَنْ لَا آلَةَ مَعَهُ يَدْفَعُهُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ ، مِنْ سَيْفٍ أَوْ رُمْحٍ أَوْ نَبْلٍ أَوْ قَوْسٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ .
الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46إِنَّنِي مَعَكُمَا يُرِيدُ بِالنَّصْرِ وَالْمَعُونَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى
فِرْعَوْنَ . وَهَذَا كَمَا تَقُولُ : الْأَمِيرُ مَعَ فُلَانٍ إِذَا أَرَدْتَ أَنَّهُ يَحْمِيهِ . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46أَسْمَعُ وَأَرَى عِبَارَةٌ عَنِ الْإِدْرَاكِ الَّذِي لَا تَخْفَى مَعَهُ خَافِيَةٌ ، تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ .