قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=73ياأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب [ ص: 90 ] nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=73يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا هذا متصل بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=71ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا . وإنما قال
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=73ضرب مثل لأن حجج الله تعالى عليهم بضرب الأمثال أقرب إلى أفهامهم . فإن قيل : فأين المثل المضروب ؛ ففيه وجهان : الأول : قال
الأخفش : ليس ثم مثل ، وإنما المعنى ضربوا لي مثلا فاستمعوا قولهم ؛ يعني أن الكفار جعلوا لله مثلا بعبادتهم غيره ؛ فكأنه قال جعلوا لي شبيها في عبادتي فاستمعوا خبر هذا الشبه . الثاني : قول
القتبي : وأن المعنى يا أيها الناس ، مثل من عبد آلهة لم تستطع أن تخلق ذبابا وإن سلبها الذباب شيئا لم تستطع أن تستنقذه منه . وقال
النحاس : المعنى ضرب الله - عز وجل - ما يعبد من دونه مثلا ، قال : وهذا من أحسن ما قيل فيه ؛ أي بين الله لكم شبها ولمعبودكم .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=73إن الذين تدعون من دون الله قراءة العامة تدعون بالتاء . وقرأ
السلمي ، nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبو العالية ، ويعقوب ( يدعون ) بالياء على الخبر . والمراد الأوثان الذين عبدوهم من دون الله ، وكانت حول الكعبة ، وهي ثلاثمائة وستون صنما . وقيل : السادة الذين صرفوهم عن طاعة الله - عز وجل - . وقيل : الشياطين الذين حملوهم على معصية الله تعالى ؛ والأول أصوب .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=73لن يخلقوا ذبابا الذباب اسم واحد للذكر والأنثى ، والجمع القليل أذبة والكثير ذبان ؛ على مثل غراب وأغربة وغربان ؛ وسمي به لكثرة حركته .
الجوهري : والذباب معروف الواحدة ذبابة ، ولا تقل ذبانة . والمذبة ما يذب به الذباب . وذباب أسنان الإبل حدها . وذباب السيف طرفه الذي يضرب به . وذباب العين إنسانها . والذبابة البقية من الدين . وذبب النهار إذا لم يبق منه إلا بقية . والتذبذب التحرك . والذبذبة نوس الشيء المعلق في الهواء . والذبذب الذكر لتردده . وفي الحديث من وقي شر ذبذبه . وهذا مما لم يذكره - أعني - قوله : وفي الحديث .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=73وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه الاستنقاذ والإنقاذ التخليص . قال
ابن عباس : ( كانوا يطلون أصنامهم بالزعفران فتجف فيأتي فيختلسه ) . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : كانوا يجعلون للأصنام طعاما فيقع عليه الذباب فيأكله .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=73ضعف الطالب والمطلوب قيل : الطالب الآلهة والمطلوب الذباب . وقيل بالعكس . وقيل : الطالب عابد الصنم والمطلوب الصنم ؛ فالطالب يطلب إلى هذا الصنم بالتقرب إليه ، والصنم المطلوب إليه . وقد قيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=73وإن يسلبهم الذباب شيئا راجع إلى ألمه في قرص أبدانهم حتى يسلبهم الصبر لها والوقار معها . وخص الذباب لأربعة أمور تخصه : لمهانته ، وضعفه ، ولاستقذاره ، وكثرته ؛ فإذا كان هذا الذي هو أضعف الحيوان وأحقره لا يقدر من عبدوه من دون الله - عز وجل - على خلق مثله ودفع أذيته فكيف يجوز أن يكونوا آلهة معبودين وأربابا مطاعين . وهذا من أقوى حجة وأوضح برهان .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=73يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [ ص: 90 ] nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=73يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا هَذَا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=71وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا . وَإِنَّمَا قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=73ضُرِبَ مَثَلٌ لِأَنَّ حُجَجَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِضَرْبِ الْأَمْثَالِ أَقْرَبُ إِلَى أَفْهَامِهِمْ . فَإِنْ قِيلَ : فَأَيْنَ الْمَثَلُ الْمَضْرُوبُ ؛ فَفِيهِ وَجْهَانِ : الْأَوَّلُ : قَالَ
الْأَخْفَشُ : لَيْسَ ثَمَّ مَثَلٌ ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى ضَرَبُوا لِي مَثَلًا فَاسْتَمِعُوا قَوْلَهُمْ ؛ يَعْنِي أَنَّ الْكُفَّارَ جَعَلُوا لِلَّهِ مَثَلًا بِعِبَادَتِهِمْ غَيْرَهُ ؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ جَعَلُوا لِي شَبِيهًا فِي عِبَادَتِي فَاسْتَمِعُوا خَبَرَ هَذَا الشَّبَهِ . الثَّانِي : قَوْلُ
الْقُتَبِيِّ : وَأَنَّ الْمَعْنَى يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، مَثَلُ مَنْ عَبَدَ آلِهَةً لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَخْلُقَ ذُبَابًا وَإِنْ سَلَبَهَا الذُّبَابُ شَيْئًا لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَسْتَنْقِذَهُ مِنْهُ . وَقَالَ
النَّحَّاسُ : الْمَعْنَى ضَرَبَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ مَثَلًا ، قَالَ : وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِيهِ ؛ أَيْ بَيَّنَ اللَّهُ لَكُمْ شَبَهًا وَلِمَعْبُودِكُمْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=73إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ تَدْعُونَ بِالتَّاءِ . وَقَرَأَ
السُّلَمِيُّ ، nindex.php?page=showalam&ids=11873وَأَبُو الْعَالِيَةِ ، وَيَعْقُوبُ ( يَدْعُونَ ) بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ . وَالْمُرَادُ الْأَوْثَانُ الَّذِينَ عَبَدُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، وَكَانَتْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ ، وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ صَنَمًا . وَقِيلَ : السَّادَةُ الَّذِينَ صَرَفُوهُمْ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - . وَقِيلَ : الشَّيَاطِينُ الَّذِينَ حَمَلُوهُمْ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=73لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا الذُّبَابُ اسْمٌ وَاحِدٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَالْجَمْعُ الْقَلِيلُ أَذِبَّةٌ وَالْكَثِيرُ ذِبَّانٌ ؛ عَلَى مِثْلِ غُرَابٍ وَأَغْرِبَةٍ وَغِرْبَانٍ ؛ وَسُمِّيَ بِهِ لِكَثْرَةِ حَرَكَتِهِ .
الْجَوْهَرِيُّ : وَالذُّبَابُ مَعْرُوفٌ الْوَاحِدَةُ ذُبَابَةٌ ، وَلَا تَقُلْ ذِبَّانَةٌ . وَالْمِذَبَّةُ مَا يُذَبُّ بِهِ الذُّبَابُ . وَذُبَابُ أَسْنَانِ الْإِبِلِ حَدُّهَا . وَذُبَابُ السَّيْفِ طَرَفُهُ الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ . وَذُبَابُ الْعَيْنِ إِنْسَانُهَا . وَالذُّبَابَةُ الْبَقِيَّةُ مِنَ الدِّينِ . وَذَبَّبَ النَّهَارُ إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا بَقِيَّةٌ . وَالتَّذَبْذُبُ التَّحَرُّكُ . وَالذَّبْذَبَةُ نَوْسُ الشَّيْءِ الْمُعَلَّقِ فِي الْهَوَاءِ . وَالذَّبْذَبُ الذَّكَرُ لِتَرَدُّدِهِ . وَفِي الْحَدِيثِ مَنْ وُقِيَ شَرَّ ذَبْذَبِهِ . وَهَذَا مِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ - أَعْنِي - قَوْلَهُ : وَفِي الْحَدِيثِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=73وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ الِاسْتِنْقَاذُ وَالْإِنْقَاذُ التَّخْلِيصُ . قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : ( كَانُوا يَطْلُونَ أَصْنَامَهُمْ بِالزَّعْفَرَانِ فَتَجِفُّ فَيَأْتِي فَيَخْتَلِسُهُ ) . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : كَانُوا يَجْعَلُونَ لِلْأَصْنَامِ طَعَامًا فَيَقَعُ عَلَيْهِ الذُّبَابُ فَيَأْكُلُهُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=73ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ قِيلَ : الطَّالِبُ الْآلِهَةُ وَالْمَطْلُوبُ الذُّبَابُ . وَقِيلَ بِالْعَكْسِ . وَقِيلَ : الطَّالِبُ عَابِدُ الصَّنَمِ وَالْمَطْلُوبُ الصَّنَمُ ؛ فَالطَّالِبُ يَطْلُبُ إِلَى هَذَا الصَّنَمِ بِالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ ، وَالصَّنَمُ الْمَطْلُوبُ إِلَيْهِ . وَقَدْ قِيلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=73وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا رَاجِعٌ إِلَى أَلَمِهِ فِي قَرْصِ أَبْدَانِهِمْ حَتَّى يَسْلُبَهُمُ الصَّبْرَ لَهَا وَالْوَقَارَ مَعَهَا . وَخُصَّ الذُّبَابُ لِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ تَخُصُّهُ : لِمَهَانَتِهِ ، وَضَعْفِهِ ، وَلِاسْتِقْذَارِهِ ، وَكَثْرَتِهِ ؛ فَإِذَا كَانَ هَذَا الَّذِي هُوَ أَضْعَفُ الْحَيَوَانِ وَأَحْقَرُهُ لَا يَقْدِرُ مَنْ عَبَدُوهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَى خَلْقِ مِثْلِهِ وَدَفْعِ أَذِيَّتِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا آلِهَةً مَعْبُودِينَ وَأَرْبَابًا مُطَاعِينَ . وَهَذَا مِنْ أَقْوَى حُجَّةٍ وَأَوْضَحِ بُرْهَانٍ .